محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 1732 - 2006 / 11 / 12 - 09:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هل هناك من ضرورة للخوض في هذا الحديث الشائك من وجهة نظر العديد من أصحاب الرؤي والحلول الدينية لكافة المشاكل والأزمات التي تعيشها المجتمعات العربية المعاصرة علي خلفية إجترار أزمات وإشكاليات الماضي القديم ونزوحها الهائل بكل تداعياتها التاريخية علي ملامح الوقت المعاصر والزمن الحاضر وما تحمله من إنكسارات أو صمود أمام الأزمات التاريخية أو إنفراجاتها في التاريخ لتكون عبرة ومثل يمكن الإهتداء به لحل كافة أزمات الواقع المعاصر علي خلفية تاريخية مشبعة بروح الماضي الذي يمثل التراث في مواجهته للمعاصرة بكل ماتحمله من إشكاليات وأزمات لم تكن مطروحة علي بساط البحث في الماضي لتكون المعاصرة في صدام وتضاد في مواجهة التراث والدين من جانب والعلم والقيم الحضارية الحديثة من جانب آخر ؟
الأزمة سوف تظل مستحكمة ومستمرة في المجتمعات العربية والإسلامية علي مرجعية الخطاب الديني المتمسك بتلابيب الماضي والمعتصم بالتراث بكل ماله وما عليه من أخطاء وخيانات سياسية وإجتماعية تم خلطها بالدين ليكون لذوي الأغراض والأهواء في الإستمرار والبقاء علي كراسي الحكم والسلطة منذ الولاية حتي الوفاة بل ولضمان إستمرارية الحكم وتوريثه للأبناء والأحفاد جيلاً بعد جيل , ومن هنا كان الخلط بين العظمة العلمية والحضارية التي كانت تمثل ضؤاً ساطعاً في فضاء التاريخ أضاءت معالم الجغرافيا في حينها ثم خفت هذا الضؤ وتحولت الجغرافيا إلي ظلام بسبب إستمرارية المدد والعون التاريخي للفقهاء والكتاب والمفسرين والمحدثين دون إحداث أي تغيير في المجتمعات والإنكفاء علي مايسمي بكتب التراث التي يظن بل يعتقد المعتصمون بها أنها فيها كافة الحلول للمشاكل والأزمات الماحقة للمجتمع وأن الخطأ فيمن يتعامل مع هذه الكتب الصفراء العتيقة التي يتم تنقيحها وطباعتها من جديد من آن لآخر بواسطة أدعياء حب التراث والحفاظ علي الدين وبيضته من المتغربين والعلمانيين والكفار والمشركين علي حداً سواء !!
والأزمة تتلخص في غياب لغة الخطاب الديني عن الواقع المعاش بل والخلط السئ بين النصوص الدينية وبين الفقه المنتج من عقول الفقهاء والمحدثين والمفسرين لتلك النصوص حتي أصبح الدين ليس هو مجموعة النصوص وإنما هو تفسير مافسره الفقهاء والمحدثين والمفسرين لتلك التفسيرات والتأويلات البعيدة عن روح النص والمختلطة بمناخ وبيئة والحالة النفسية والعقلية للفقيه والمفسر والمحدث وقد تم إنتقال تلك المفاهيم جيلاً بعد جيلاً بكل ماتحمله هذه المفاهيم من معاني وتأويلات بعيده عن روح العصر الحاضر بل ومسببة أزمات مستقبلية مرجح تزاملها للبشر في حياتهم الخاصة والعامة .
ولغة الخطاب الديني التي دائماً هي في صدام مروع مع لغة الخطاب السياسي بسبب من اللغة الخاصة للخطاب الديني صاحب المفردات اللغوية الهروبية من مواجهة المشاكل والأزمات الإجتماعية التي يتضرر منها المجتمع والناس كقضية البطالة والفقر وإزمة الإسكان علي سبيل المثال وليس الحصر , فإن الدين يحض علي العمل وإتقان العمل وأن العمل عبادة والعمل قيمة والعمل شرف والعمل من صميم الدين لأن النصوص الدينية في هذا الشأن عديدة ,وكذا قضية الفقر تلك القضية المروعة الفظيعة والملازمة لقضية البطالة تجد أن لغة الخطاب الديني قاصرة وعاجزة وإن شئنا الصحة نقول منعدمة الأثر والجدوي في نفوس الفقراء والعاطلين عن العمل أصحاب البطالة المتعمدة والناتجة عن سرقة الأوطان ونهب خيرات الشعوب من جانب سلطات الحكم الفاسدة في بلاد العالم العربي والإسلامي ومن هنا نشأت البطالة وتسيد الفقر الموقف ونتجت أزمة الإسكان بالتوازي مع البطالة والفقر بسبب من التسلط السياسي وسرقة الأوطان وإغتصاب الحكم والسلطة !!
فماذا يقول الخطاب الديني في تلك القضايا ؟!!
إنه خطاب العاجز القاصر معدوم الإرادة عديم الأهلية !!
لماذا ؟!!
لأنه ليس أمامه من لغة إلا لغة الصبر علي الأذي والتحمل وأن الإنسان إذا حرم من نعمة أبدله الله بصبره خيراً منها يوم القيامة وأن الصبر شطر الإيمان وسبحان الله تملأ الميزان , أو تملآن مابين السماء والأرض , وأن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم , وأن نصف اليوم يعدا خمسة وعشرون ألف سنة , واللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني يوم القيامة في زمرة المساكين , وفقير صابر خير من غني شاكر , بل والدعوة إلي الذهد في الدنيا , إذهد في الدنيا يحبك الله , واذهد فيما عند الناس يحبك الناس , وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل , بل وتعظيم شأن الفقر والفقراء !!
هذا مايستند إليه الفقهاء والمفسرين والمحدثين من نصوص دينية وإغفال النصوص الدينية الأخري التي تحض علي مقاومة الظلم والفساد والإستبداد في كافة صوره المخفية والمعلنة ومنها مقولة الحق عن الحاكم الجائر الظالم سارق الوطن وخائن الشعب وناهب خيراته .
بل إنه حتي الآن مازال أصحاب الخطاب الديني السلفي الوهابي يستخدمون لغة تحريم مخالفة الحاكم في اي حالة من الحالات أو صورة من الصور وإن قتل , وإن هتك العرض , وإن قتل الولد , وهذا علي خلفية دينية تحرم الخروج علي الحاكم وتجعله من الكبائر مادام هذا الحاكم لم يمنع إقامة الصلاة وإن قتل الإبن والإبنة وهتكا العرض وسلب ونهب وسرق الوطن !!
فالمهم عندهم إذاً هو العبادات والطاعات وإقامة الصلوات داخل دور العبادة وفي المكبرات خارجها ومن هنا يصبح الحاكم محرم علي المحكومين الخروج عليه بعصيان سياسي أو عصيان مدني , أو حتي إضراب عن العمل , أو إضراب عن الطعام !!
فماذا يفعل الخطاب السياسي صاحب البرنامج والخطط العلمية في حل أزمات المجتمع أو الحد منها من خلال تداول سلمي سياسي للحكم والسلطة بحثاً عن العدالة الإجتماعية والعدالة في توزيع الثروة القومية التوزيع العادل علي جميع أبناء الوطن دون تفرقة بين مواطن وآخر بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو النوع من خلال منظومة سياسية يشارك فيها معظم أبناء الوطن وتكون المرجعية لمصالح الناس وليست المرجعية للجنة المؤجلة بل بحثاُ عن تحقيق جنة الدنيا أولاً وجنة الآخرة تكون لكل صاحب دين أن يحققها داخله أولاً ويسعي لنيل الدرجات العليا فيها بعمله وطاعته منفرداً دون مساعدة من أحد , ويحقق جنة الدنيا بالحقوق والواجبات المتبادلة بين المواطنين بعضهم البعض دون جور أو ظلم من أحد علي أحد فالحقوق والواجبات متعادلة بين المواطنين !!
فهل يمكن أن يصمد الخطاب السياسي أمام الخطاب الديني في ظل ظروف الفقر والبطالة والفساد والإستبداد بالحكم والسلطة ؟!!
أعتقد أن الخطاب الديني هو المسفه للخطاب السياسي لعجزه عن مواجهة الواقع والهروب إلي الآخرة بعيداً عن العجز والقصور في مواجهة أزمات الحياة الدنيا فكان لزاماً عليه الهروب بالخطاب والمجتمع إلي حياة الآخرة , والفرق عن المأزومين المكدودين واضح وجلي فيما بين من يطلب الآخرة ومن يطلب الدنيا , وليته كان خطاباً موجهاً في أدبياته ولغته إلي نيل حظوظ الدنيا وترك السعي لحظ الآخرة حسب إجتهاد كل فرد حسب طاقته وقدرته وإمكانياته ومؤهلاته العقلية والبدنية والنفسية , ولكنه للأسف لن يكون مادام أصحاب المصلحة في البقاء علي كراسي الحكم والسلطة من وراء هذا الخطاب يدفعون !!
محمودالزهيري
عضواللجنة التنسيقية للحركة المصرية من أجل التغيير . كفاية .
منسق حركة كفاية بمحافظة القليوبية
عضو لجنة التنسيق بين الأحزاب والنقابات والقوي السياسية بمحافظة القليوبية
[email protected]
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟