أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - معتز حيسو - تجليات العولمة الثقافية















المزيد.....

تجليات العولمة الثقافية


معتز حيسو

الحوار المتمدن-العدد: 1731 - 2006 / 11 / 11 - 08:50
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


يتمظهر تأثير العولمة في مختلف المستويات الإجتماعية من خلال آليات الاشتغال التي تتأسس عليها العولمة كمفهوم وأدوات معرفية متساوقة مع مجمل السياسات المعبرة بنيوياً عن مضمونها، والمنعكس موضوعياً على الكل العام في سياق متفاوت بحكم التباين الموضوعي في سياق التطور الدولي .
إن ما تروج له المؤسسات الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية المشتغلة على تكريس هيمنتها على السياسات العالمية بما يتناسب مع مصالحها الحيوية والإستراتيجية ينعكس بشكل مباشر على المستوى الثقافي محدثاً تأثيرات مختلفة ومتنوعة في إطار العمل المنظم لتشكيل وعي ثقافي يؤسس لهيمنة تقودها الشركات الكبرى والتحالفات الدولية من خلال نشر أشكال ثقافية مضمونها الحرية الفردية المتكيفة مع حرية السوق والمنافسة الحرة المحكومة بزيادة معدلات الربح المؤدية آليا لتزايد حدة الاستقطاب الكوني. لهذا فإن الخطاب الثقافي الذي تروج له المؤسسات الإعلامية الغربية يعاني من تناقض جوهري بين مفهوم الديمقراطية ببعديها السياسي والتنموي وبين الديمقراطية القائمة على مفهوم الممارسة الشكلية للحرية السياسية الفردية في ظل الحرية المطلقة لرأس المال، والمحكومة بممارسة سياسية وفق أطر جيوبوليتيكية محلية لم ترتقي لتكون معولمة إلا من زاوية خدمتها لحركة رأس المال المنتج في سياق حركته العامة للتفاوت والتناقض الطبقي الكوني . ليتوضح جلياً بأن الخطاب الثقافي الإيديولوجي المعولم يتأسس على الفصل القسري بين المستويين السياسي و الإقتصادي .
إن اعتماد العولمة على التقانة الفائقة التطور والسرعة الهائلة في نقل المعلومات يساهم بشكل ملحوظ في المساهمة بتكوين ثقافة ذات طابع معولم وتحديداً بعد تراجع التأثير الثقافي للمنظومة السوفيتية . ويبدو جلياً بأن الثقافة المراد ترويجها عالمياً من خلال غطاء ويافطة ديمقراطية تهدف بشكل مباشر لتأمين المصالح الحيوية للدول صاحبة المصلحة والتي تتقاطع بجوانب متعددة ومتنوعة مع مصالح الكثير من النخب الحاكمة حتى لو ادعت الجهات المعنية رفضها ومعاداتها لأشكال الثقافة الشمولية، وتتمظهر الثقافة المراد ترسيخها واقعياً بسمات واضحة من أبرزها نشر وترويج ثقافة العنف والجنس ...التي تساهم بنشر وتوسيع الانحلال الأخلاقي والفساد الإجتماعي والتفكك الأسري .. إضافة إلى تكريس وعي ثقافي استهلاكي بعيداً كلياً عن الإشكاليات التي يعاني منها المواطن والناتجة عن انعكاسات السياسات الدولية وصولاً لتشكيل إنسان جديد تتأسس ثقافته على القضايا السطحية والهامشية بعيداً عن قضاياه الأساسية ، وتتقاطع في هذه النقطة تحديداً الممارسة السياسة لبعض النخب الحاكمة والتي تعتمد في سيطرتها السياسية علي ترسيخ مفهوم الولاء والطاعة والتهميش... من خلال ربط المواطن بالمؤسسات الرسمية الداعمة لإستمرارهيمنتها الطبقية .
أما الجانب الأهم في الثقافة المعولمة والذي يعتبر أحد سمات النظام الرأسمالي بمختلف مراحله فأنه يتجلى في تسليع وتشييئ الإنسان باعتباره بضاعة في أسواق المنافسة الحرة، فهو من منطلق حريته الشخصية الشكلية والوهمية حر في بيع قوة عمله لأي مستثمر كان شريطة الرضوخ للقوانين العامة والأساسية التي يعتمدها النظام الرأسمالي الراهن .وتنعكس هذه الأشكال من الممارسة الإيديولوجية بطبيعة الحال على المستوى العالمي مع تزايد هيمنة النظام الرأسمالي عالمياً .
إن الابتعاد المؤدلج والتجاهل القائم على وعي ثقافي محدد بشروط المرحلة الراهنة يبتعد كلية عن الجذور الأساسية لإشكاليات النظام الرأسمالي الراهن وانعكاساته السلبية مما يساهم موضوعياً في نشوء أشكال من الثقافة المتطرفة التي تعتمد أشكال المواجه العنفية للمعطيات الموضوعية القائمة على التفاوت الطبقي الصارخ والمرتبط بشكل ملموس مع محاولات باتت واضحة لتقطيع واستئصال الأشكال الثقافية الوطنية والقومية ذات الخصوصية والتي تعكس سمات وعي المنطقة المحددة ، والذي يقود في السياق العام لتطورها إلى القضاء على الهويات الثقافية للشعوب .
إن ما تقوم به الإدارة الأمريكية بوصفها القائد الفعلي لحركة التاريخ الراهنة يستهدف بشكل مباشر القضاء على بعض الأشكال الثقافية السائدة باعتبارها ثقافات أصولية تعتمد في ممارستها السياسية المعبرة عن مضمون بنيتها النظرية والمعرفية أشكالاً عنفية ، متناسية بأنها هي من عزز هذه الأشكال من الوعي الثقافي المتطرف خدمة لسياساتها في مرحلة الحرب الباردة ، ويتزايد هذا التأثير بعد تراجع فاعلية المنظومة السوفيتية والأنظمة المرتبطة بها، والتي أسست بالمقابل وعياً ثقافياً قائماً على تغييب الحريات السياسية . إن السياسات الثقافية الأمريكية وتحالفاتها الراهنة لا تهدف إلى إقامة نظام عالمي ديمقراطية بل لترسيخ ثقافة جديدة تتجلى سماتها عموماً بالعودة بالمجتمعات البشرية إلى ثقافات ما قبل الوطنية تتأسس على أشكال من الوعي الإثني ،الطائفي ،العشائري ،الجهوي ... أي العودة بالمجتمعات الإنسانية إلى مكوناتها الأساسية الأولية ، وهكذا مشروع يترسخ بشكل واضح من خلال الممارسة السياسية القائمة على تفتيت البنى الإجتماعية الإقتصادية و السياسية والثقافية وإخضاعها لمصالح الأطراف المتنفذة .
إن تعثر وعجز الكثير من الدول المتخلفة والهامشية فيما مضى عن تنمية وتطوير هويتها الثقافية الخاصة بها ، رغم توفر بعض الشروط المناسبة آنذاك ، قادها في اللحظة الراهنة لمواجهة غير متكافئة مع الكثير من الأطراف الدولية المهيمنة بشكل مباشر على مختلف وسائط التأثير والتغيير في ظل شروط عالمية تعجز فيها النخب الحاكمة عن ضبط التأثيرات العولمية السلبية ، مما يساهم في تعزيز البنى الثقافية السلفية وتحديداً الدينية منها ، ليتمظهر بشكل واضح التقوقع والانكفاء على الذات المحلية ، والعودة إلى الماضي في محاولات يائسة ومتكررة لاستنهاضه في مواجهة الإشكاليات الراهنة القائمة على إعادة تقسيم العالم بناءً على التشكيلات الحضارية وفق منظور ثقافوي يوظف الانتماءات الدينية والمذهبية خدمةً لمشروعه السياسي المعولم ، لإظهار أشكال الصراع والتناقض الدولي الراهن على أنه صراع حضاري وثقافي لتكريس التفوق الغربي المسيحي في مواجهة الحضارات الأخرى ، والمتساوق مع تغييب دورها في إعاقة النمو الطبيعي للكثير من الدول في الحقب الاستعمارية.
إن الانتشار المتزايد للوعي الديني يترافق مع تراجع تأثير القوى العلمانية بمختلف تلاوينها ... بعد مرحلة تقاطعت فيها وما زالت مصالح النخب المسيطرة وبعض الجهات الخارجية في تهميش القوى العلمانية ،مما قاد إلى تفريغ هذه المجتمعات من تطور بذور الوعي العلمي والحداثي ، ليتوضح جلياً التوظيف السياسي لأشكال التمظهرات الثقافية الراهنة لدعم مصالح النخب السياسية المهيمنة وتأبيد سيطرتها ، في توافق واضح لتشويه أشكال ومضامين الصراع الراهن وإظهارها بأشكال تتنافى مع مضامينها الحقيقية .
بيد أن تأثير الإنعكاسات الراهنة للسياسات الدولية القائمة على توسيع وتعميق الإستقطاب الإجتماعي تؤول بسياق تطورها العام إلى ظهور أشكال متطورة من الوعي الثقافي والسياسي المناهض في أهدافه العامة والأساسية لمجل التناقضات الناتجة عن الممارسات السياسية والإقتصادية للنظام الدولي الراهن ويختلف عمق هذا الوعي وتطوره تبعاً للظروف الخاصة لكل بلد ، وتعتبر دول العالم الأول والثاني المركز الرئيسي لأغلب الحركات المناهضة للعولمة مشكّلة بداية تجليات ولادة فكر إنساني جديد هدفه الأسمى تحقيق إنسانية الإنسان المتحرر من قيوده الراهنة للوصول إلى مجتمعات إنسانية تقوم على الديمقراطية والعدالة الإجتماعية ، متساوقة بذلك مع باقي الحركات الإجتماعية في إطار أهدافها العامة .
إن تمحور وتمركز هذه الحركات في بلدان محددة لا يلغي بطبيعة الحال دور الدول الأخرى،لكن اختلاف المهمات المطروحة على التيارات الإجتماعية والضعف العام الذي تعاني منه لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية ، إضافة إلى هامشية هذه البلدان وانعدام فاعليتها في سياق سيرورة الحركة التاريخية يبقيها على حافة الخروج من التاريخ . إن المسؤولية الأساسية في هذا الجانب تقع على عاتق النخب السياسية الحاكمة المترابطة في ممارستها السياسية مع الميول العامة للرأسمالية المعولمة ، مما يجعل هذه البلدان مهيأة لانتشار الحركات الراديكالية المهيأة للتحول في سياق تطورها إلى حركات عنفية يختلف أدائها الوظيفي باختلاف المناخ السياسي .



#معتز_حيسو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المناهضة في زمن العولمة
- تحديدات أولية في العولمة ونمط الإنتاج المتمحور حول الذات
- قراءة في الخارطة الجيوسياسيةواحتمالات المرحلة المقبلة
- جدل اللحظة الراهنة
- الوهم الديمقراطي
- ضرورة التلازم بين المستويين الديمقراطي والتنموي في ضبط التنا ...
- الرأسمالية الراهنة
- بحث في الدولة _ السلطة - المجتمع


المزيد.....




- -الأغنية شقّت قميصي-.. تفاعل حول حادث في ملابس كاتي بيري أثن ...
- شاهد كيف بدت بحيرة سياحية في المكسيك بعد موجة جفاف شديدة
- آخر تطورات العمليات في غزة.. الجيش الإسرائيلي وصحفي CNN يكشف ...
- مصرع 5 مهاجرين أثناء محاولتهم عبور القناة من فرنسا إلى بريطا ...
- هذا نفاق.. الصين ترد على الانتقادات الأمريكية بشأن العلاقات ...
- باستخدام المسيرات.. إصابة 9 أوكرانيين بهجوم روسي على مدينة أ ...
- توقيف مساعد لنائب من -حزب البديل- بشبهة التجسس للصين
- ميدفيدتشوك: أوكرانيا تخضع لحكم فئة من المهووسين الجشعين وذوي ...
- زاخاروفا: لم يحصلوا حتى على الخرز..عصابة كييف لا تمثل أوكران ...
- توقيف مساعد نائب ألماني في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس ل ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - معتز حيسو - تجليات العولمة الثقافية