أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - عبرة الدجيل! لكي لا يظهر دجال أصغر من صدام















المزيد.....

عبرة الدجيل! لكي لا يظهر دجال أصغر من صدام


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1730 - 2006 / 11 / 10 - 12:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد قفزت "مدينة" الدجيل إلى مقدمة الصراع السياسي الحالي في العراق كما لو أنها الحلبة التي حاولت مصادفة التاريخ والسياسة أن تجعل منها مكانا للمواجهة بين دجل السياسة ومكر التاريخ. وهي مصادفة اقرب إلى المفارقة عندما نضعها بمعايير التاريخ الثقافي للعراق. فقد كانت الدجيل قرية منسية شأن تكريت. والاقتراب بينهما هو مصدر الخلاف أيضا، بسبب خراب الوحدة العراقية التي "نظمها" زمن طويل من الانحطاط.
فعندما نبحث في كتب التاريخ والفكر والأدب والشعر ومختلف العلوم النظرية والعملية فإننا نادرا ما يمكننا العثور على شخصية تكريتية أو دجيلية. فمن بين أطباء العراق القدماء لم يعثر ابن أبي اصيبعة في كتابه (عيون الأنباء في طبقات الأطباء) على سبيل المثال إلا على اثنين اخوين هما كل من الفضل بن جرير التكريتي الذي لم يكتب غير مقالة صغيرة حول الأمراض واشتقاقاتها، وأخوه يحى بن جرير التكريتي (ت- 472هجرية) الذي وضع كتاب في علم النجوم وآخر في الباه (الاير) ومنافع الجماع ومضاره، أي في النيك وما يترتب عليه من لذة وتعاسة! وهي معلومات لم بتعلم منها الجيل التكريتي الذي تولى الحكم وفي جعبته هذا الكم المتراكم من معرفة النجوم ومنافع النيك ومضاره! وقد نقل لي احد الأصدقاء الذين كان يعمل في معالجة نسائهن البسيطات، اللواتي كن يتعرضن لإصابات الأمراض الزهرية، عن أمراض يصعب تصنيفها وعلاجها بسبب ولع "النخبة" التكريتية لإنصاف المتعلمين وعرفاء الجيش الجهلة بمضاجعة الغجريات والتلذذ بفنهن الرخيص.
طبعا ليس لتكريت من حيث كونها مكون تاريخي عراقي سببا فيما جرى ويجري في العراق، لكنها تتحمل شأن كل مدينة ومنطقة أثرا ومسئولية. فالمدن ضمير وعقل وتاريخ. وقيمتها في وعي الذات التاريخي مرهون بأثرها الفعلي في تعميق منظومة القيم والإبداع. والغرابة الغريبة في كل هذه المهزلة المبكية هو تحول تكريت، في غفلة من الزمن كما يقال، إلى حمال العربة الذي سحب أثقال العراق الكبيرة ليرميها في هاوية كانت الدجيل حفرتها الأولى.
إن مفارقة ومأساة المدن الضائعة أو التائهة أو المنسية بوصفها أطرافا، هي النتاج الطبيعي لصيرورة المراكز الثقافية والسياسية الكبرى. وهي عملية طبيعية لا تخلو من خلل ذي فائدة بالنسبة لتطور الدول والأمم والثقافات. فهي علاقة وجودية وثقافية. ولكل منهما دوره الضروري. ومن ثم لكل منهما قيمته الخاصة به ضمن منظومة الدولة والأمة والثقافة. وهي علاقة تتشكل تاريخيا بوصفها النتاج الملازم للاختيار العقلاني المحكوم بالطبيعة وإستراتيجية المستقبل. وليس مصادفة أن تكون مراكز العراق أور وبابل ونينوى، منذ إن برزت معالم وجوده بوصفه أولى بؤر الحضارة الإنسانية. وهي ذاتها مراكز البصرة وبغداد والموصل. تبتعد قليلا وتقترب، لكنها لا تستطيع الانحراف عن هذه المراكز التي شكلت من الناحية التاريخية والثقافية الصيغة المثالية لنموذجية الطبيعة والبعد الاستراتيجي. وهي الحالة التي يمكن رؤيتها في الواقع في كل تاريخ المراكز القديمة والحديثة في العالم.
للمركز أهمية تنبع من تكونه التاريخي. فالمراكز هي البؤرة التي تستقطب في مجرى حركتها التاريخية مكونات وتراث الدولة والأمة والثقافة. وهو الأمر الذي يحول المركز مع مرور الزمن إلى ذاكرة حية للتاريخ تجد شواهدها في العمارة واللغة والشعر والبيان والأدب والقصص والعلوم والفكر واللباس والمأكل، باختصار في كل المكونات التي تعيد إنتاج نفسها في كمية الهموم الصغرى والكبرى للأفراد والجماعات والأمة ككل. وهو الشيء الذي يعطي لنا إمكانية القول، بان قدر المركز على قدر الهموم، وقيمته الفعلية من قدرته على مركزة المآثر في العقل والضمير الوطني والقومي. وهي الحالة التي تجعل من المركز مرآة الأطراف النائية والقريبة، شأن الشمس في إشعاعها على كواكبها. وهي صورة أدبية لكنها واقعية وضرورية حالما نتأمل فاعليتها المثيرة بالنسبة للتطور الحضاري فيما مضى والآن، كما هو جلي في كل النماذج الحية للارتقاء الفعلي عند الأمم. وذلك لما في هذه العلاقة من وحدة ديناميكية تعمل في نهاية المطاف على نسج الأطراف في وحدة كبرى. وهو الأسلوب الواقعي والضروري لصنع الوطنية والتاريخ الذاتي والأفكار الكبرى والعامة.
والخراب التاريخي للصدامية وجريمتها الكبرى بالنسبة للعراق تقوم في كونها أولى الحركات الراديكالية التي حاولت قلب هذه المعادلة الضرورية لوجود الدولة والأمة والثقافة. بمعنى أن جريمتها الكبرى تقوم في محاولتها تخريب النسيج التاريخي الثقافي لقيمة المركز واستبدالها بمركزية الأطراف والهامشية. وهي راديكالية بلا مفاهيم، وبالتالي فهي محكومة بنفسية الأطراف الهامشية وتربيتها الهشة. بحيث أدت إلى نقل جينات تكريت في طفرة يصعب رسم مكوناتها: من لا شيء إلى كل شيء! وهي مفارقة لم يكن بإمكانها أن تصنع غير حماقات وجرائم لا تحصى لأنها ضد الطبيعة ومكوناتها. وهو سر التصنيع الفاسد لمسخ الدجل الشامل كما تجسد في صدام والصدامية. وإذا كانت "معركة" الدجيل الأولى قد ابتدأت بقتل أكثر من 250 شخصا من أبناء الدجيل واحتجاز 612 فردا وإزالة مساحات تقدر بحوالي 75 ألف دونم وطمر نهر الدجيل، فان "المعركة" الأخيرة (المحاكمة) انتهت بإصدار عقوبة الإعدام بصدام حسين. وهي عقوبة ترتقي إلى مصاف القتل، ما لم يجر الاستفادة والعبرة من تجربة الدجيل نفسها، أي من التقاليد التي صنعت إمكانية الاستعداد للاغتيال السياسي والقتل الجماعي من جانب المجتمع والسلطة على السواء.
إن الصيغة العرجاء للمحاكمة، تقوم أساسا في عدم عدالتها التاريخية والإنسانية والوطنية. بمعنى أنها حولت المحاكمة إلى قضية خاصة محصورة بشخصية صدام، مع انه لا شخصية فيه. كما حصرت المعركة في "الدجيل". ومن ثم جرى سحب وإهدار هذا الكم الهائل من الجرائم الفظيعة للصدامية بحق التاريخ والإنسانية والوطنية في العراق. وهي جريمة تتركز مكوناتها من حيث المقدمة والنتيجة في المبادئ أكثر مما في الأفعال. بمعنى أنها كانت النتيجة الملازمة لما ادعوه بنفي المركز وإحلال الأطراف عوضا عنه. مما شوه بنية الدولة وأسلوب إدارتها وتهور كل ما فيها وانتشار اللاعقلانية في كافة مفاصلها. بحيث جعل من سلوكها خروجا على كل ما له علاقة ببنية الدولة الشرعية والمجتمع المدني، بل وحتى الأعراف والقيم التقليدية. من هناك أصبحت استباحة كل "المحرمات" أمورا عادية. وإذا كانت ردود فعل السلطة في الدجيل هي اقرب إلى الانتقام الهمجي، فلأنها الصيغة المصغرة والعلنية لهمجية إحلال الأطراف محل المركز. وهي العملية التي ستجد أشكالها ومظاهرها وتجسيدها المتنوع والمختلف في سلسلة الحروب الدموية الداخلية والخارجية إلى أن انتهت بسقوطها المريع والمخزي. وهو سقوط يعكس مستوى وطبيعة الخلل الذي نخر بنية الدولة ومؤسساتها، والسلطة وأدواتها، والثقافة وكينونتها، والمجتمع وقواعد حياته الخاصة والعامة.
من هنا كانت المحاكمة وما تزال جزء من صراع سياسي حزبي لم يتحرر بعد من ثقل السلطة، أي أن المحاكمة لم تتحول إلى حكم يتعلق بإظهار مستوى وطبيعة وكيفية الجريمة التاريخية الكبرى للصدامية بصدد الدولة والمجتمع والفكرة الوطنية. وهو أمر جلي في اختلاف المواقف وتجاذبها الجهوي والطائفي. وهي مواقف تعكس استمرار الخلل البنيوي للصدامية على مستوى الوعي السياسي والقيم الأخلاقية وقواعد الحياة الاجتماعية. وهو خلل لا يمكن القضاء عليه عبر إعدام صدام لأنه لا قيمة ولا معنى لإعدام معدوم من وجهة نظر التاريخ الفعلي للعراق والعقل الحر والضمير المخلص لقيم العدل.
إن قيمة المحاكمة الضرورية لصدام والصدامية تقوم في تذليل تقاليدهما الخربة. وهي مهمة تفترض إعادة النظر في علاقة المركز بالأطراف. بمعنى ضرورة البحث عن مركزية جديدة خارج الأشخاص والجهات من خلال ربطها بفكرة الوطنية العراقية والانتماء إليها. وهي مهمة ممكنة التنفيذ من خلال إرجاع قيمة المركز وليس المركزية المستبدة. بمعنى استعادة وتوطين الرؤية العقلانية والشرعية والديمقراطية الفعلية والاحتراف في مؤسسات الدولة الناشئة. فهو الأسلوب الوحيد للتحرر من ثقل الصدامية ورذيلتها الكبرى في تحويل الأطراف إلى مركز. فقد كانت الصدامية الصيغة الأشد تهورا وتخريبا لسحق فكرة المركزية (الوطنية والدولتية) بوصفها تراكم المعارف والقيم النبيلة والاحتراف في إدارة شئون الدولة، لكي لا يجري تكرار حادثة الدجيل أو أية منطقة أخرى بالشكل الذي يجعلها بؤرة مركزية في محاكمة أو مساجلة.
فتجربة أربع سنوات بعد انهيار الاستبداد العنيف للأطراف بتقاليدها الفجة والمتخلفة، نقف أمام استعادة نسبية لها عبر صعود نجم العائلات الدينية التقليدية والقيادات العرقية القبلية والطائفية السياسية. وهي كلها أشكال مشوهة لبقايا الصدامية من حيث كونها "مبادئ" عمل! والاستمرار فيها لا ينتج غير دجيل سياسي، أي دجال أصغر من صدام!



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قبر صدام أو القبور الجماعية للحق والحقيقة؟ من يرعب من؟
- صراخ السلطة ولغة العقل الوطني
- السيدة بيل + السيد بريمر= قدر التاريخ التعيس وقدرة التأويل ا ...
- المثقف المؤقت وظاهرة -الارتزاق الثقافي-!3-3
- المثقف المؤقت وظاهرة -الارتزاق الثقافي-! 2-3
- المثقف المؤقت و-الارتزاق الثقافي-! 1-3
- الدكتور كاظم حبيب السيدة بيل
- الميليشيا والدولة في عراق -الديمقراطية- والاحتلال
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية - 6
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية 5
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية - 4
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية-3
- المقاومة اللبنانية – نموذج المقاومة العربية الكبرى
- نهاية الأوهام الكبرى وبداية الأحلام الواقعية
- القوى الصغرى والأوهام الكبرى
- العلمانية العراقية – دنيوية المستقبل
- العلمانية العراقية – أوهام الأقلية وأحلام الأغلبية
- الشيطان - الملاك الضائع ودراما الوجود الإنساني
- كتاب جديد للبروفيسور ميثم الجنابي - الحضارة الإسلامية - روح ...
- تأملات مستقبلية حول العملية السياسية في العراق 2


المزيد.....




- -التعاون الإسلامي- يعلق على فيتو أمريكا و-فشل- مجلس الأمن تج ...
- خريطة لموقع مدينة أصفهان الإيرانية بعد الهجوم الإسرائيلي
- باكستان تنتقد قرار مجلس الأمن الدولي حول فلسطين والفيتو الأم ...
- السفارة الروسية تصدر بيانا حول الوضع في إيران
- إيران تتعرض لهجوم بالمسّيرات يُرَجح أن إسرائيل نفذته ردًا عل ...
- أضواء الشفق القطبي تتلألأ في سماء بركان آيسلندا الثائر
- وزراء خارجية مجموعة الـ 7 يناقشون الضربة الإسرائيلية على إير ...
- -خطر وبائي-.. اكتشاف سلالة متحورة من جدري القرود
- مدفيديف لا يستبعد أن يكون الغرب قد قرر -تحييد- زيلينسكي
- -دولاراتنا تفجر دولاراتنا الأخرى-.. ماسك يعلق بسخرية على اله ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - عبرة الدجيل! لكي لا يظهر دجال أصغر من صدام