أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بشارة - إيران بين الحل الدبلوماسي واحتمالات المواجهة العسكرية















المزيد.....


إيران بين الحل الدبلوماسي واحتمالات المواجهة العسكرية


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 1729 - 2006 / 11 / 9 - 11:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مع مثابرة إيران في برنامجها النووي ومواصلتها نشاطاتها لاستكمال دورة الوقود النووي داخل أراضيها، واستمرارها في تخصيب اليورانيوم بالرغم من الضغوط والتهديدات والتحذيرات والإنذارات الدولية، من جهة، والمغريات والمحفزات والتبعات الاقتصادية المجزية، من جهة أخرى ، من جانب المجموعة الدولية ، ينقسم العالم بين معسكر يريد فرض حصار وعقوبات صارمة وشديدة القسوة على طهران،ومعسكر آخر لا يرغب بأكثر من إجراءات إدارية غير قسرية مع مواصلة الحوار والمفاوضات السلمية . في الطرف الأول تقف الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبعض الدول القليلة الأهمية في ميزان القوى الدولي، وفي الطرف الثاني تبرز روسيا والصين، وبينهما تتأرجح فرنسا. فكلما قام الرئيس الفرنسي جاك شيراك بزيارة للعاصمة الروسية موسكو أو العاصمة الصينية بكين يعطي انطباعاً وكأنه مقتنع بأطروحاتهما المعتدلة وغير المتشنجة واللاقسرية، ويبدو وكأنه مستعد لتبنيها مما يثير حنق حلفائه في المعسكر المقابل لاسيما وأن باريس هي صاحبة مشروع فرض العقوبات على إيران في مجلس الأمن إلى جانب بريطانيا وبتأييد من أمريكا.
صرح أحد الدبلوماسيين الأوروبيين والقلق بادياً في كلامه :" بعد زيارة الرئيس الفرنسي لكل من موسكو وبكين بدا ليناً ومستعداً لكسر وتصديع الجبهة الغربية ضد طهران ليقف إلى جانب القادة الروس والصينيين الذين يتحفظون على قرار فرض العقوبات الملزمة على طهران. وهذا أمر يعتبر في نظر الأمريكيين في غاية الخطورة إلى درجة أنهم رفضوا حتى مجرد التفكير فيه أو مناقشة احتمال حدوثه.ولم يستوعب أحد من الوفود الغربية المشاركة في المحادثات بشأن إيران هذا التأرجح الفرنسي وماهية أبعاد " اللعبة الشيراكية" كما سماها الأمريكيون. والكل يعلم أن مشروع النص الفرنسي ـ البريطاني لمجلس الأمن يفتح الطريق واسعاً أمام فرض عقوبات شديدة ، قاسية وملزمة، وربما منح الغطاء الشرعي لمجلس الأمن الدولي للقيام بتدخل عسكري إذا لم تذعن إيران وتمتثل للإرادة الدولية التي تطالبها بوقف تخصيب اليورانيوم فوراً وقبل الشروع في أية مفاوضات لاحقة. بيد أن جاك شيراك أعرب، في جلساته الخاصة، عن استعداده لقبول قرار أكثر مرونة حيال طهران، وأن هذه اللغة المزدوجة شجعت الروس والصينيين على البقاء ثابتين في مواقفهما في سياق المفاوضات بين الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بينما يحاول المراقبون سبر أغوار التفكير الشيراكي خاصة مع علمهم المسبق أنه الرئيس الفرنسي لا يحب كثيراً " نظام الملا لي في الجمهورية الإسلامية" منذ وقوع تفجيرات عام 1985 في باريس علي يد عناصر موالية لإيران كما أثبتت التحقيقات الجنائية آنذاك، عندما كان جاك شيراك في ذلك الوقت رئيساً لوزراء فرنسا في عهد الرئيس الراحل فرانسوا ميتران. فقد كان يبدو أكثر صلابة وتعنتاً من جورج بوش تجاه النظام الإيراني. وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 استأنس الرئيس الأمريكي برأي الرئيس الفرنسي بالنظام الإيراني وهل يمكن أن تكون له يد بذلك الحدث الدامي، وهل من الممكن التفاوض مع الجناح المعتدل في النظام الإيراني، فرد الرئيس الفرنسي بغضب :" لا تصدق يا سيادة الرئيس بأن هناك من هو معتدل في إيران يمكن التفاوض معه بجدية، فكلهم مجانين، وكلهم على نفس الشاكلة" بل والأكثر من ذلك بدا الرئيس شيراك هلعاً من فكرة بزوغ " الهلال أو القوس الشيعي في المنطقة وظهور دولة " شيعستان" تحت الوصاية الإيرانية تمتد من لبنان إلى إيران مروراً بالعراق ودول الخليج ذات الأقليات الشيعية والبحرين ذات الأغلبية الشيعية، وكان شيراك يتحدث بقناعة عن هذا الخطر المزعوم مع جميع محدثيه وضيوفه الرسميين الأجانب كما نقل أحد المقربين منه من المسئولين الفرنسيين. وكان يعيد ويكرر نفس الكليشة مع كل من يتطرق معه إلى هذا الموضوع ولم يتوانى عن ترديدها حتى مع الرئيس الأذربيجاني علييف وهو شيعي". فما الذي حدث في رأس الرئيس جاك شيراك لكي يغير موقفه بهذه الدرجة من الحدة؟ يبدو أن الحافز الرئيس لهذا التأرجح والتردد هو جدية الإشاعات التي وصلته عن إمكانية حدوث تدخل عسكري أمريكي ضد إيران حيث باتت القضية مسألة توقيت فحسب، وأن تصريحات البيت الأبيض المتكررة بهذا الصدد تثير الفزع ومفادها:" كل الخيارات مطروحة على الطاولة بما فيها الحسم العسكري" وهذا ما أثار هلع جاك شيراك إلى أقصى الحدود وخوفه من تكرار السيناريو العراقي الدموي وانعكاساته المريعة والذي مازالت باريس تحصد نتائجه السلبية.وهو بهذه المناورة الحاذقة كأنه يريد أن يفهم القادة الأمريكيين أنه ضد لغة العنف وضجيج الجزم العسكرية ودق طبول الحرب وبالتالي لن يسمح بجر بلده إلى مغامرة عسكرية جديدة محفوفة بالمخاطر وغير مضمونة النتائج وتنطوي على عواقب كثيرة.
كان رئيس وزراء فرنسا دومينيك دوفيلبان قد صرح في أوائل شهر أيار 2006 وبشكل علني "أن فرنسا تعارض أي تفكير بتوجيه ضربات عسكرية ضد إيران". و"أن الرئيس الفرنسي يريد أن يتميز عن القادة الأمريكيين والبريطانيين لأنه يشعر بحدسه المشهور بأن هناك سيناريو عراقي جديد في طور التحضير ولكن في إيران هذه المرة".
مما لاشك فيه وجود سبب آخر يقف وراء مثل هذا التردد الفرنسي ويتعلق بالمعاهدات السرية التي تربط فرنسا بدولتين خليجيتين مجاورتين لإيران هما قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة والتي وقعت سنة 1999 وهي ملزمة للطرفين وأعني بها معاهدات الدفاع المشترك وتعهد فرنسا بحماية الدولتين الخليجيتين عسكرياً من أي اعتداء مسلح أو هجوم عسكري تتعرضان له من أية جهة كانت . وفد صرح مسؤول فرنسي قي المخابرات الفرنسية بهذا الصدد :" هناك قلة قليلة من الناس على علم بوجود التزاماتنا العسكرية تجاه هذين البلدين، وهي التزامات أقوى من التزامات فرنسا تجاه الحلف الأطلسي. فلو تعرض أي من هذين البلدين إلى هجوم عسكري لأي سبب كان فعلينا أن نرد عسكرياً وفي الحال وبصورة آلية ونتدخل عسكرياً وبصورة أتوماتيكية فليس لدينا خيار آخر". والحال" أن مما لا يخفى على أحد هو قلق الدول الخليجية الكبير من تنامي القدرة العسكرية والنووية الإيرانية". إن إيران هي الخصم التاريخي لدول الخليج حسب الفهم الفرنسي والرؤية الإستراتيجية الفرنسية للمنطقة. فدول الخليج تخشى في آن واحد:" القنبلة النووية الشيعية" وعواقب وانعكاسات الضربات العسكرية سلباً عليها والتي يمكن أن تشنها القوات الجوية والصاروخية الأمريكية ، وربما الإسرائيلية أيضاً، ضد المنشآت النووية الإيرانية ومخاطر الإشعاعات المنبعثة منها والتي ستمسها حتماً لقربها منها جغرافياً، وكذلك من ردود الأفعال الانتقامية التي من الممكن أن تصدر عن إيران ومهاجمتها لقاعد العديد الأمريكية داخل الأراضي القطرية، أو ضد القواعد الأمريكية الأخرى المنتشرة في دول الخليج الأخرى وفي العراق. وتجهد الزعامات الخليجية في دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر على تذكير قصر الإليزيه بإلحاح بواجباته وتعهداته في حالة وقوع هجوم إيراني مسلح ضدهما وبذلك يتعين على الجيش الفرنسي أن يتواجد عملياً في الساحة. وهذه آفاق مرعبة تخيف جاك شيراك وتحثه على اتخاذ الحيطة والحذر والتأني في السلوك الواجب إتباعه حيال إيران وتوقع جميع الاحتمالات .
وبعد أن خسر المستشار الألماني غيرهارد شرودر ورئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني الانتخابات بقي جاك شيراك كآخر الرؤساء الغربيين من أصدقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومن هنا لا يمكن للرئيس الفرنسي أن يتخلى عن سيد الكرملين ويتركه وحده في مواجهة عدوانية البيت الأبيض . وهو ما زال يداري موقف الرئيس الروسي ويتجنب التعرض له بينما تنتقده إدارة بوش علناً وتتهمه بأنه أوتوقراطي وإمبريالي أكثر فأكثر في حين يعتقد جاك شيراك بضرورة طمأنته وعدم عزله حتى لو تطلب الأمر موقفاً أقل تصلباً وأكثر مرونة حيال إيران مراعاة لمواقف موسكو وبكين.
اعتقد سيد الإليزيه قبل شهور أن الكرملين سيوافق على مجاراة الأمريكيين والأوروبيين المتشددين ضد طهران . وكان الدبلوماسيون الروس منزعجين من تصرفات طهران بعد رفض الإيرانيين للاقتراح الروسي القاضي بمواصلة تخصيب اليورانيوم الإيراني ولكن داخل الأراضي الروسية وهي أفضل تسوية توصلت إليها الدبلوماسية الروسية لهذا الملف. من هنا اعتقدت باريس أن موسكو لن تترك المركب الأمريكي . فالفرنسيون والروس اتفقوا سراً على تقاسم الكعكة الإيرانية من خلال تشييد عشرين مفاعلاً نووياً سلمياً وهي الصفقة الضخمة التي لوحت بها طهران لإثارة شهية هاتين الدولتين منذ شهور. وقد تمكنت لندن وباريس من حل إشكال مفاعل بوشهر الروسي . فحتى في حال فرض العقوبات سيستثنى هذا المفاعل من العقوبات وسيكون بوسع الروس الاستمرار في بناء المفاعل والحصول على أموالهم وقبض الثمن. وبالرغم من ذلك تصر موسكو على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف على رفض مشروع العقوبات الصارمة وحظر تصدير الأسلحة لإيران فجماعة بوتين في السلطة في موسكو لديها مصالح اقتصادية هائلة في إيران ولا ترغب التضحية بها إرضاءاً للأمريكيين.
فبدون الطلبيات الإيرانية سيعاني القطاع الصناعي والعسكري الروس من الركود وسيواجه صعوبات مالية جمة وسيخسر الكثير من النافذين في السلطة الروسية عمولاتهم المجزية على حد تعبير دبلوماسي فرنسي في موسكو. وهنالك إشارات سرية مفادها أن الإيرانيين هددوا حكام الجنوب الروسي ذي الأغلبية الإسلامية بتصرفات قد لا ترضيهم وأبلغ رسل طهران المسؤولين الروس الرسالة التالية:" إما أن تستمروا في دعمنا داخل مجلس الأمن ونستمر نحن في الامتناع عن إثارة البلبلة والمشاكل داخل المناطق الروسية ذات الكثافة السكانية الإسلامية أو سنغير سياستنا إذا تخليتم عنا". ويبدو أن هذا الابتزاز قد أتى أكله. وبالتالي أصر الرئيس الروسي على عدم استخدام العصا الغليظة وأسلوب القوة ضد إيران وأن جاك شيراك يتفهم ذلك خاصة بعد أن غير الألمان هم كذلك لهجتهم، فالحليف الأوروبي الأقرب لفرنسا في مفاوضاتها مع طهران أبدى مرونة أكبر في الآونة الأخيرة حيال الملف النووي الإيراني. فقد صرح وزير الدفاع الألماني في آذار 2006:" أنه لا يرى مانعاً أن تمتلك إيران بعض المفاعلات النووية من أجل النشاطات البحثية النووية" مما أثار غضب واشنطن.
استغل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد هذه الثغرة ودق إسفين الخلاف داخل المعسكر الغربي وصار يغازل أو يجامل الألمان، ولكن بغباء،عندما صرح:" لا ينبغي على الألمان أن يشعروا بالذنب والمسؤولية من جراء موت بعض اليهود في الحرب العالمية الثانية" . وأعرب الرئيس الإيراني عن أسفه في ألا تمتلك ألمانيا، وهي أول مصدر وقارض للأموال لإيران، سياسة مستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية. فردت ألمانيا أنها مستعدة لاستقبال الرئيس الإيراني على أراضيها إذا كان هذا الأخير مستعداَ لإجراء مفاوضات جادة. وكررت ألمانيا على أسماع واشنطن أنها لن تشارك في أية تحالفات أو كواليس حتى لو كانت دبلوماسية فقط ضد إيران خارج إطار الأمم المتحدة ، ورددت هذا الموقف على أسماع الرئيس الفرنسي أيضاً.
وأخيراً هناك سبب آخر وليس أخير يفسر الموقف الفرنسي المتردد حيال طهران ويتعلق بلبنان الذي يستحوذ اهتمام وشغف الرئيس الفرنسي . فلقد تلقى الفرنسيون رسالة سرية مفادها:" أن طهران ستحرك حزب الله ضد المصالح الفرنسية في لبنان وضد عائلة الحريري صديقة الفرنسيين إذا استمر الفرنسيون في موقفهم المتطرف داخل الأمم المتحدة " وكان ذلك التحذير قد وصل إلى الفرنسيين قبل خطف الجندي الإسرائيلي من قبل حزب الله وشن إسرائيل لحربها على لبنان لمعاقبة حزب الله وفشلها الذر يع في ذلك
ولا ننسى اللوبي الفرنسي الصناعي والمالي الموالي لطهران والذي يضغط على الإليزيه وهذا اللوبي المؤثر لا يحبذ فرض عقوبات اقتصادية ومالية وتجارية ضد طهران ستمس بمصالحهم الحيوية وقد أوصلوا مخاوفهم وقلقهم وبمختلف الطرق إلى جاك شيراك وهو يعلم أن تجارتهم ومصالحهم مع إيران منتعشة وكبيرة.
كانت الصفقات الكبيرة بين الجانبين الفرنسي والإيراني قد بدأت في نهاية عام 2003 عندما أعلنت طهران آنذاك أنها ستوقف مؤقتاً نشاطاتها النووية المثيرة للشكوك والريبة التي اكتشفتها خلسة اللجنة الدولية للطاقة النووية . فاستغل رجال الأعمال هذا الانفراج النسبي وتدافعوا لزيارة طهران وفي حقائبهم طلبيات العقود والمشتريات الإيرانية المنتظرة والمنشودة.
وقعت شركة توتال النفطية الفرنسية منذ شباط 2004 اتفاق تعاون مع إيران يتعلق باستغلال الشطر الرابع من آبار الغاز الطبيعي الضخمة في جنوب بارس . وبعد شهر من ذلك التاريخ وقع شركة رينو لصناعة السيارات عقداً مماثلاً يتعلق ببناء مصنع لوغان الذي من المفترض أن ينتج 500000 سيارة سنوياً وستكون ثاني أكبر وحدة إنتاج تابعة لرينو في العالم . وفي نفس العام دشنت شركة الخطوط الجوية الفرنسية خطاً مباشراً بين باريس وطهران بعد سبعة أعوام من الانقطاع والتوقف. العلاقات التجارية متواصلة ومنتعشة بين البلدين بالرغم من الأزمة الدبلوماسية القائمة حالياً، وقد ضغط الصناعيون الفرنسيون على شيراك وأخبروا الإليزيه أن المفاوضات بشأن صفقة غاز بارس توقفت بسبب الأزمة الدبلوماسية حول الملف النووي وإذا لم تستأنف فسيسارع الصينيون والألمان أو غيرهم لخطف الصفقة وهذا أمر مريع وحاسم في التزود بالغاز مستقبلاً.
وهناك أيضاً الضغط الصادر عن القطاع البنكي أو المصرفي الفرنسي النشط في إيران وقد أصابه القلق من احتمال فرض العقوبات ووقف كل أشكال النشاط المالي والمصرفي من قروض واستثمارات مالية وتجميد حسابات المسؤولين الإيرانيين ، لاسيما تجميد مبلغ هائل يتراوح بين 30 إلى 40 مليار دولار وضعتها الجمهورية الإسلامية في المؤسسات المالية في أوروبا . ولا يقتصر الأمر على القطاع الخاص بل يتعداه إلى القطاع العام الفرنسي كوزارة الاقتصاد الفرنسية:" فكثيراً ما رددت أوساط برسي على أسماع الإليزيه أن الدبلوماسيين سيخربون بعقوباتهم الهوجاء الاقتصاد الفرنسي ويقتلون العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة مما سيترتب على ذلك تعطيل الأعمال وتسريح العاملين فيها " كما صرح المتحدث الرسمي باسم الوزارة المذكورة. فهل سيمتثل جاك شيراك ويستسلم لكل هذه الضغوط ؟ يعتقد البعض أن شيراك فقد بصيرته الدبلوماسية المتوازنة ولم يحصل على المشورة الحكيمة ومازال يتخبط في رؤيته للملف الإيراني تحت تأثير فضيحة كلير ستريم التي عصفت بالطبقة السياسية الفرنسية مؤخراً، بينما يرى البعض الآخر عكس ذلك تماماً ويعتقدون بأنه يتصرف بحكمة وتوازن لحفظ مصالح بلده ويقولون أنه يجب تجنب المواجهة بأي ثمن في القضية الإيرانية ، في حين يسخر طرف آخر من موقف جاك شيراك ويعتبره عديم الأهمية لأن كل شيء سيحسم في نهاية المطاف بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية فقط .
أما على الجانب الأمريكي ، فالملف الإيراني يشكل مصدر صداع دائم للمسؤولين هناك. فالحرب في لبنان ونتائجها الكارثية أخمدت همم واندفاعة أنصار الخيار العسكري ضد طهران ودفع بأصحاب القرار هناك إلى مراجعة إستراتيجيتهم الدبلوماسية.
أجرت مؤسسة زغبي سنة 2002 استطلاعاً للرأي عن تدني شعبية الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط واتضح من نتائج الاستطلاع أن أمريكا تتمتع بسمعة طيبة ورصيد جماهيري إيجابي بين الشباب الإيراني، حتى بعد الخطاب الناري لجورج دبليو بوش الذي تحدث فيه عن دول " محور الشر " واستمر يوجه أصابع الاتهام للنظام الإيراني ويشجع على تغييره. حدثت المجابهة الكلامية بين الإيرانيين والأمريكيين منذ سقوط نظام الشاه سنة 1979 ونشوء ما عرف بأزمة الرهائن . ولكن تقارباً سرياً كان قد حصل في عهد الرئيس ريغان إثر حصول ما سمي بفضيحة إيران غيت وبيع أمريكا لأسلحة لإيران بصورة سرية إبان الحرب العراقية ـ الإيرانية بيد أن ذلك التقارب الخجول لم يتكرس ولم يتحول إلى تعاون عميق وثقة متبادلة كما يقول الخبير في انتشار أسلحة التدمير الشامل جورج بيركوفيتش في مؤسسة كارنجي . وتفاوتت العلاقة بين الدولتين بين مد وجزر. فعندما يكون الأمريكيون في موقع القوة والغطرسة كما كان الحال بين 2002 و 2003 كان الإيرانيون هم الذين يبادرون بتقديم التنازلات ويرسلون الوساطة دون أن يهتم أحد بهم بصورة جدية ، وبالعكس، عندما يصيب الضعف الجانب الأمريكي كما حصل عندما انزلق الأمريكيون في المستنقع العراقي بسبب التدخلات الإيرانية ، ويتورطون في دعم وتأييد عدوان إسرائيلي على لبنان ، تنعكس الأدوار ونرى الإيرانيين هم الذين يرفضون أي تقارب أو غزل أو تعاون وعندها يغيب الحوار المباشر كما كان الحال بين 2004 و 2005 ، وفي هذه الأحوال يتمترس الأمريكيون خلف الأوروبيين في التعامل مع الإيرانيين. كان انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيساً لإيران قد غير المعايير والمعطيات وقواعد اللعب فتسممت العلاقات وتفاقمت التوترات والحرب الكلامية في بداية سنة 2006 وراحت الإدارة الأمريكية تدرس جدياً خيار الهجوم العسكري الشامل ضد المنشآت النووية والأسلحة التدميرية والباليستية أو الصاروخية الإيرانية . بل أن البنتاغون أعرب عن رغبته في أن تأذن إدارة البيت الأبيض باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية بغية تدمير المخابئ تحت الأرض والملاجئ المحصنة . إذاً السيناريو العسكري معد وجاهز للاستخدام الفوري. ولكن نظمت عدة ندوات متخصصة وتفصيلية أقنعت البيت البيض بأن الخيار العسكري ليس مقبولاً في الوقت الحاضر وكل الخبراء يتفقون في ذلك ويصرون على خطورة عواقبه لأن تبعاته كارثية . فحتى المحافظون الجدد المتطرفون يعترفون بذلك . فالضربة العسكرية الواحدة والشاملة والخاطفة شيء مذهل وأقرب إلى الخيالي. فالتحرش بإيران يعني شيء واحد مؤكد هو الحرب الشاملة. والتي ستكون حرباً مدمرة ومكلفة عسكرياً واقتصادياً لا يمكن السيطرة عليها أو التحكم بها، إلى جانب انشغال معظم القوات الأمريكية المقاتلة في المأزق العراقي الذي يستحوذ على معظم القدرات العسكرية والمالية وأن تواجد القوات الأمريكية بكثافة في هذا البلد المجاور لإيران يجهل منها صيداً سهلاً وهدفاً مباشراً للضربات الانتقامية الإيرانية لاسيما وأن إيران أعدت آلاف الانتحاريين لمهاجمة القوات الأمريكية داخل الأراضي العراقية. الفريق المحيط بديك شيني نائب الرئيس الأمريكي هو الوحيد الذي لم يستوعب الأبعاد والعواقب الكارثية لمثل هذه المغامرة العسكرية لكنه اقل قوة وثقلاً وتأثيراً داخل الإدارة الأمريكية مما كان عليه في السابق بفضل تجربة العراق المتعثرة خاصة بعد فشل الجمهوريين في الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي وفوز الديموقراطيين واستقالة وزبر الدفاع الأمريكي من منصبه وهو من أكثر الصقور تشدداً في الإدارة الأمريكية .
يذكر سيمور هيرش في صحيفة نيويوركر أن إدارة بوش أعطت الضوء الأخضر للإسرائيليين لشن هجومهم على لبنان بحجة ضرب قواعد حزب الله لكنهم شاهدوا على أراضي الأرياف اللبنانية بروفة عامة وبالحجم الطبيعي ما يمكن أن يكون عليه الحال بحجم أكبر بكثير وأخطر بكثير في حال شن هجوم عسكري على إيران. لقد مر الإسرائيليون عبر شبكة ديك شيني للحصول على الدعم والتأييد كما ذكر سيمون هيرش إلا أن النتائج الناجمة عن تلك المغامرة العسكرية الإسرائيلية قد صدمت دعاة الحرب في واشنطن ولجمت اندفاعهم وحماسهم . ولكن التخلي عن سيناريو الحرب ، ولو على نحو مؤقت، لا يكفي، ويتعين على واشنطن تغيير إستراتيجيتها الدبلوماسية أيضاً وهذا ما يصر عليه الديموقراطيون الذين باتوا يسيطرون على مجلس النواب والشيوخ في الكونغرس الأمريكي. إن أغلب المطالب الأمريكية، وإن كان بعضها مشروعاً في نظر الحلفاء، لم تكن واقعية وليس لدى واشنطن اليوم إمكانية فرضها على أية جهة. فكلما أصر الأمريكيون على تلك المطالب التعجيزية وغير الواقعية ولم يحصلوا على النتائج المرجوة، كلما ظهروا بمظهر الضعفاء في مداولاتهم ومفاوضاتهم حسب تقدير ترينا بارسي المختصة بالعلاقات الإيرانية ـ الإسرائيلية ، لهذا من الأفضل للولايات المتحدة الأمريكية أن تبدأ مفاوضات حقيقية وبلا شروط مسبقة مع إيران، أي التخلي عن الشرط المسبق القاضي بالتوقف الفوري لنشاطات التخصيب. عليهم أن يفهموا أن الإيرانيين ليسوا مستعدين للتفاوض من موقع الضعف وتحت شروط مسبقة لأنهم يشعرون بأنهم أقوياء ولديهم أوراق رابحة وقوية رغم أنهم لا يعرفون ما سيكون عليه العالم بعد عامين قي أعقاب إنتهاء ولاية جورج بوش الإبن. مما لاشك فيه أن التخلي عن فكرة العقوبات لا تعجب الجميع فمن الخطأ التخلي عن طلب من الأمم المتحدة ومجلس الأمن إثر إنتهاك اكتشفته وفضحته الوكالة الدولية للطاقة النووية وليس الولايات المتحدة وحدها كما يقول خبير أسلحة التدمير الشامل بيركوفيتش.
يقول الخبراء العسكريون الدوليون أنه ينبغي على الجميع إفهام إيران أنهم مستعدون للنقاش حول كافة المواضيع وعلى رأسها أمن إيران ومصالحها في المنطقة والأمن الإقليمي والعراق والخليج ، بل وكذلك ما يتعلق بالتخصيب الذي يشكل الآن عقبة كأداء، عند ذلك يمكن أن تقبل إيران بفكرة القدرة المحدودة للتخصيب على أراضيها.
وإذا كانت أمريكا تعتقد أنها محقة في محاولاتها منع إيران إمتلاك السلاح النووي إلا أن عليها أن تتفهم منطق بديهي يقف وراء الجهد والسعي الإيراني للمحافظة على استقلالية إيران وحقها الطبيعي في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية. فمع وجود منافس باكستاني يمتلك السلاح النووي، وخصم صهيوني مدجج بالسلاح النووي، وعدو أمريكي لاينقطع في الحديث عن التهديد باستخدام القوة العسكرية فإن إيران تكون نموذجاً للدولة التي تعمل بكل ما لديها من قوة للتسلح بالذرة لأغراض الردع كما يقول سكوت ساغان من جامعة كاليفورنيا ستانفورد . بعبارة أخرى ينبغي على الولايات المتحدة ألا تعامل إيران باعتبارها دولة إرهابية تبحث عن إشعال حرب القيامة النووية بل يتعين عليها أن تأخذ بالحسبان عامل الشعور القومي والوطني الإيراني وطموحات الإيرانيين الذين يرون في القنبلة رمزاً لهيمنتهم التاريخية على المنطقة ووسيلة لحماية أنفسهم والدفاع عن أرضهم . من هنا يتوجب على واشنطن أن تتعايش وتتكيف مع الوجود الإيراني كما هو . وبالرغم من فشل محاولات التقارب مع إيران في عهد بيل كلينتون ومادلين أولبرايت ، إلا أنه من الواجب تقديم ضمانات ومحفزات لطهران لإقناعها بالامتثال طوعاً للمطالب الدولية وإفهامها أن الأمريكيين جادين على الجبهتين الدبلوماسية والعسكرية . فهم من جهة يريدون مفاوضات حقيقية تخرجهم من المأزق ولكن إذا فشلت هذه المساعي الدبلوماسية الأخيرة فلن يتردد الأمريكيون في اللجوء إلى خيار القوة العسكرية فهل سيفهم الإيرانيون هذه الرسالة؟



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قوة الردع الأمريكية بين الترهيب والاستهانة
- العراق بين نار الدكتاتورية وجحيم الفوضى
- الزعامة الأمريكية للعالم نعمة أم نقمة؟
- سيناريوهات الحروب القادمة على ضوء الحرب على لبنان.. الصراعات ...
- هل هي حقاً مبادرة الفرصة الأخيرة؟
- دردمات سعد سلمان تشريح لمأساة وطن إسمه العراق
- العراق: هل وصلنا نقطة اللاعودة؟
- أمريكا وإيران : الشرارة التي قد لاتنطفيء
- العراق: هل سيكون كعب آشيل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ...
- أمريكا والشرق الأوسط : نهب العراق وإيران والسعودية والخافي أ ...
- ما أشبه اليوم بالأمس هل دقت ساعة إيران بعد العراق؟
- العراق : بعد ثلاث سنوات من السقوط هل حان وقت تقديم الحسابات؟
- ماذا يخبيء لنا الغد في العراق؟
- العراق: تشاؤم أم تفاؤل؟
- العراق وأمريكا: إنعطافة تاريخية؟
- حكومة وحدة وطنية أم حكومة إستحقاقات انتخابية رسالة إلى رئيس ...
- من سيحكم العراق؟
- إلى أين يسير العراق... نحو الهاوية أم باتجاه نهاية النفق؟
- التهميش الاجتماعي أبعاد الظاهرة ودلالالتها
- العراق: تحديات الأيام المقبلة الدستور،المحاكمة،الانتخابات، و ...


المزيد.....




- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بشارة - إيران بين الحل الدبلوماسي واحتمالات المواجهة العسكرية