أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحمن جاسم - كأن يعتاد المرء أمراً














المزيد.....

كأن يعتاد المرء أمراً


عبد الرحمن جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1729 - 2006 / 11 / 9 - 09:27
المحور: الادب والفن
    


(1)
كان المراسل يلهث بالخبر، قامت القوات الإسرائيلية باقتحام بيت حانون، وقتلت العديد.... فغيرت القناة! هربت من القناة إلى أخرى، يتلوى فيها مطربٌ لا شكل محددٍ له، أهرب من قناةٍ إلى أخرى، لكي لا أرى ظلي، قديماً قرأت قصيدة، للشاعر الإنكليزي ياتس، يتحدث فيها عن رجل ظل هارباً من ظله، وحينما تيقن من أنه لا يقدر، أمسك بمسدسه فأطلق النار على رأسه، وارتاح!
يا أحبتي، ليتني أقدر أن أطلق النار على ظلي فلا أراه بعد الآن، المجازر في عالمنا العربي، باتت خبزاً يومياً، ملمحاً عابراً تعابثه ويعابثك، تداوره ويداورك، لا تماس فيه ولا تجاهل، تريده ويريدك، وحتى ولو هربت منه، هو ظلك الذي لا يفارقك.
أغيّر القناة، كما يفعل الكثيرون غيري الآن، والشعور بالعجز يتقمصنا. قبل أيام كان بيتنا يقصف، بنفس الطائرات، ونفس الصواريخ، يومها كنا خائفين بعجز، وعاجزين بخوف، كانت القنوات لا تتغير وقتها، وكانت ظلالنا هي الأخرى، لا تختبئ بداخلنا.
قبل أيام، كنا هناك، في قلب الخبر، وكان المراسل يلهث ما بيننا، وكان هناك آخر، مثلي الآن، في بلدٍ آخر، في مكانٍ آخر، يغير القناة، ويذهب باحثاً عن مطربٍ لا شكل له، لكي يغير له شكل يومه. كنا هناك يا أحبتي، نعاقر اجتيازاً ما يحدث في فلسطين اليوم. كانت الطائرات تقصف، وكان بشرنا يقتلون، ويستشهد الكثيرون، ويرحل الشهداء كأسراب النوارس، كالطيور المهاجرة، لكن بلا وداعٍ أبداً.
وأعتاد الأمر، كما اعتدته منذ سنواتٍ طوال، أعتاد رؤية الدماء، أعتاد متابعة الشهداء، أعتاد مراقبة تعدادهم، كما لو أنهم مجرد أرقامٍ بسيطة، يكررها المذيعون والمراسلون. حيث يفقدون هؤلاء الأحبة أسماءهم، يصيرون خبراً عابراً على قناة. هو اعتياد تقريري، تتعلمه شيئاً فشيئاً، ولأنه "لا ناقة لك ولا جمل" تتأكد أنك التعود على الأمر، خير من قتل نفسك، ولكن غرائز حفظ الذات تحميك، تخفض رأسك وتغيّر القناة.
أن تنظر فحسب إلى جثث الشهداء المتناثرة هنا وهناك، البيوت المتهدمة، الأماكن الذكريات، هنا ترك الأحبة أحبتهم، هنا كان فتيةٌ يلعبون، عند زاوية الطريق تعارك فلانٌ وفلان، عند هذا الحائط لافتة الصيدلية القديمة، بائع الكعك بالجوز، كلها ذكريات، مر عليها الطوفان، مر عليها الشيطان، وصارت ذكرى! صارت ذكرى.
أن تعاد رحيل الأشياء التي تحب، عادي في بلادنا، إنه اعتياد الرحيل. وطقوس الرحيل، ولأننا عرب، والعرب بطبيعتهم رحّل، متلازمون والرحيل، فالأمر، ببساطة، إعتياد!

(2)
نحن شعوبٌ لا تحب الحياة، هكذا يحاولون وسمنا دائماً، كما لو أن هذه الحياة هي لهم فحسب، هم يريدون المدارس، والسينماهات، والمسارح والأفلام، وكل ما نريده نحن هو الموت، هكذا يريدون أن نبدو، لكن يا أحبتي، لماذا لا يبين منا شيٌ آخر؟ لأنه لا ملمح آخر يبين منا، نحن نظهر على وسائل الإعلام بشكلين لا ثالث لهما. الأول جثث بلا وجوه، أو أسماء، أرقام تسقطها طائراتهم، والدماء تنفر حولها بغزارة، هذه الصورة هي للشرق، لنا، لها استعمال للتأديب وللترهيب، لأعداء شعب الله المختار. الشكل الثاني، أكثر بساطة، رجالٌ مقنعين، يحملون بنادق حربية، ويهددون، أو يخرجون سيوفاً ويقطعون رؤوساً "قد أينعت". هذه الصورة هي للغرب، هي لأصدقائهم، للإيحاء، ويمكنك أن تعرف ماذا يعني أن ترى رجلاً يحمل سيفاً وينطق بكلمات بلغةٍ غريبة، ثم يقطع رأس رجلٍ أعزل.
يا أحبتي، هذه هي صورتنا، وهذه هي ظلالنا، وكل مشاهدنا اليومية، ومشاعات حياتنا، فأين سيكون نطقنا؟ وهل سننطق؟ أم سنبق صمت الظلال الأخير؟ وسنختفي، وهل سيردد الصدى، كلام سياتل زعيم هنود "الداوميش" آخر زعماء الهنود: "يا سيد البيض، خذها مني، سيبقى لك أخيراً صمت هذه القبور، حينها، لن تجد أرحب منها للسكن".



#عبد_الرحمن_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحاب ضاهر في عملها الجديد -أسود فاجر-
- تسميات
- ورد
- عن الديمقراطية من جديد
- للرئاسة!!!
- عن فلسفة الأمر البسيط -2-
- تماهي
- قتلت القمر
- وحياتك من جهتك
- لا ليس لي
- دوران
- إنه النفير ألا تسمعون؟
- حدثٌ لعمركِ رائعٌ أن تهجري
- تأثير الملح
- حينما يلتقي العسكر بالماء
- أجل، نحن لا نستسيغ النقد
- منغانا الحاج في ديوانها -عمر الماء-:: تجربةٌ تستحق أن تقرأ
- فلسفة الأمر البسيط
- نرى ما نريد!
- القسر لا يدوم - 2-


المزيد.....




- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحمن جاسم - كأن يعتاد المرء أمراً