أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - أحمد الفيتوري - بغداد أفق مسفوح في بحر اللامتناهي















المزيد.....


بغداد أفق مسفوح في بحر اللامتناهي


أحمد الفيتوري

الحوار المتمدن-العدد: 1729 - 2006 / 11 / 9 - 08:42
المحور: سيرة ذاتية
    


من رسائل العراقيين القدامى
: رسالة أولى
أخبر المرأة أليتم؛ أبلم أرسل الرسالة التالية: ليحفظك إله الشمس بصحة جيدة. لقد جاءتني المرأتان ؛ لاماسم ونيش إنيشو ، باكيتين ومطأطئتي الرأسين ، وقالتا لي : " أتريد أن تهجرنا وتذهب إلى بابل دون أن تترك لنا طعام ليوم واحد ! " . لقد اذرفن الدموع وناشدنني قائلتين : " ساعدنا هذه السنة لأننا على شفا حفرة من المجاعة .
رسالة ثانية:
أخبر مولاي ؛ خادمك ياكيم – آدو ، أرسل الرسالة التالية : قبل فترة وجيزة كتبت إلى مولاي ما يلي : " لقد ألقي القبض على أسد في مخزن للتبن في بيت في أكاكا . إن على مولاي أن يكتب ما إذا كان يجب إبقاء الأسد في المتبن حتى يصل مولاي أو يجب علي جلب الأسد إلى مولاي . ولكن الرسائل من مولاي بطيئة جدا في الوصول والأسد مازال في المتبن لخمسة أيام ، لقد رموا له بكلب وخنزير إلا أنه رفض أكلهما . لقد انتابني القلق : " لا سمحت السماء ! إن الأسد سيهزل " .

قدام وزارة الدفاع وقفت برفقة صديقي محمد عفيفي مطر ؛ الشاعر المصري المتجه إلى عمله : مجلة " الأقلام " الشهيرة ، لفت انتباهي مدفعان موجهان نحو البناية التي تصدر فيها تلك المجلة الشهيرة وغيرها والتي يأمها المثقفون ، قدام هذه الوزارة في مرمى البصر ثمة مبنى شعبي قديم منهار الواجهة وغطى بقطعة قماش هي عبارة عن " الشادر " لحاف المرأة العراقية الأسود ، دسست فضولي حيث أطفال نصف عراة يلعبون ونسوة خلف الستر .
دس استغرابي هذه اللقطة في تلافيف الذاكرة من بغداد سبعينات القرن المنصرم ، حين ولجت مبنى " الأقلام " التقيت عدة من مثقفي العراق والعرب ؛ شدني توكيد وسامة غالب هلسا في عيني زميلته المصرية ؛ الناقدة المسرحية زينب منتصر وهو يتطلع لساقيها ، في هذه المرة الأولى التي التقيه سألني عن رأى في تلكما الساقين موحيا بالعلاقة بين التراث والثورة فيما بين ساقي زينب وبلقيس ، أجريت حوارا معه عن " نادية " بطلة روايته " الضحك " . الشاعر التونسي الطيب الرياحي في وجوم الصحراء ؛ هذا شكل بيننا قفصا زجاجيا وهو يسألني عن حال الشاعر الليبي محمد الشلطامي الذي قراء بعيض شعره في " الأقلام " : كان مقر المجلة يبدو لي برج بابل ؛ في أعلاه أرباب عراقيون وأسفله عملة عرب يرطنون لهجات أهم مشترك بينها هو الاختلاف وسؤ الفهم : هكذا أوحى لي عبد الرحمن الربيعي سكرتير تحرير المجلة وهو يحتفي بي مزهوا بأنه مطلع على الثقافة في ليبيا حتى أنه كتب عن كتاب " كراسات أدبية " لخليفة التليسي وبعث به للنشر في مجلة " الثقافة العربية " الليبية ! كذا أبديت له علامة تعجب .
الشاعر عبدالوهاب البياتي وكان آنذاك وكيل وزارة جاءني حتى فندق المنصور حيث أقيم في سيارة فولفو جالسا في الخلف ، سائق الوزارة يفتح له باب السيارة عند باب الفندق ، الفندق الذي في داخله فوجئ البياتي باللمة : الشاعر المصري محمد عفيفي مطر ، الكاتب الأردني غالب هلسا ، الشاعر التونسي الطيب الرياحي ، الشاعر الفلسطيني خيري منصور ، الشاعر العراقي الشيعي مسلم جابر ، في تلكم الجلسة أذكر كان موجودا من العراق من كل ملة ومذهب ؛ السني والصابئ ، الكردي والعربي والآشوري والكلداني والوطني والملكي والشيوعي والبعثي – كان البياتي آنذاك يوحى بأنه بعثي بنوعية خاصة وفريدة لشاعر مثله ، مؤكدا على عدم صلته بالشيوعيين البتة - ، وكان الشيوعي والشاعر سعدي يوسف سكرتير تحرير مجلة تراث الشعب حيث زرته في مقرها واحتفاء بي باقتضاب الشاعر وكثافته ، فيما بعد بقيت بيني وبينه معزة خاصة ، رغم أننا لم نلتق إلا قليلا بين طرابلس والقاهرة .
دفع البياتي بكرم الآلهة الآشورية تكاليف القعدة ، واستولى مقابل ذلك على الجلسة وعين نفسه ملك الشعر العربي ، أخرج من جب الشاعر لفافة ورق تضم ما كتب عنه ، وقد كان يعزم على نشر محتوى اللفافة في كتاب ، أطلعني عن ما كتبه الصادق النيهوم عنه ، وأشار لي أنه اختار لمقدمة أعماله الشعرية الكاملة مقالة يوسف القويرى التي نشرها في كتابه الكلمات التي تقاتل وعلق : كتب عنى ما كتب بلغات الدنيا غير أني لم أجد فيما كتب ما يخصني كما وجدت في ما كتب يوسف القويرى .
في صباح اليوم الثاني كنت في مقر مجلة " الطليعة الأدبية " هناك التقيت القاص أمجد توفيق وثلة من المثقفين العرب ؛ هذه المجلة للأدباء الشبان – حين كان للأمة شيوخ وشباب في الحياة كما في الأدب – وكنت وقتها : مؤسس ومشرف لصفحة " آفاق ثقافية – كتابات شابة " التي قدمت ما سمي فيما بعد بجيل السبعينات ، والتي هي الصفحة الأسبوعية – كل يوم سبت للثقافة في جريدة الفجر الجديد فترة رئاسة تحرير عبد الرحمن شلقم . رئيس تحرير الطليعة الأدبية طلب كتابات أدبية للشباب الليبيين، قدمت له ملفا نشر ونشر في العدد التالي نقدا لهذه الكتابات ما أعدت نشره في الأسبوع الثقافي فيما بعد.
تورمت بغداد وتورم البشر فيها وانتفخت أوداج ، سرطن النفط كل شيء عقب رفع سعير البرميل عقب مناورة السادات الشهيرة في عام 1973 أو حرب رمضان المجيدة .
المجيد الركن صدام حسين له في أرفف شارع الرشيد بين كل مؤلف ومؤلف مؤلف ، نائب الرئيس يكتب ويفاوض الشاه ويكتب ، نائب الرئيس يكتب ويدير معارك النفط مع الشريكات الأمريكية - التي كلما زاد النفط زاد الدخل ؛ هي صاحبته وصاحب الأرض شريك – ويكتب ، وهو يدير المعركة القومية فالأمة العربية خالدة وذات رسالة واحدة يكتبها المهيب الركن نائب الرئيس صدام حسين ، في شارع الرشيد مكتبات وكتب مؤلفها صدام حسين وجوقة المرحلة كتاب العرب : عبد الرحمن منيف يكتب عن تأميم النفط وصدام يؤمم ، غالى شكري يكتب ثقافة الأمة الاشتراكية الواحدة وصدام يقرر ، وبعد تدبير حرب العرب
الأهلية في بيروت ضمن صدام في حضيرته لفلول اليسار العربي من بعثي سورية والعرب ويساري مصر الأمن والشبع : ميشيل عفلق ، عاصم الجندي ، ناجي علوش ، احمد عباس صالح ، أمير إسكندر ، .. الخ ، ضمن المأوى وآمنهم من جوع ومن خوف .
في بغداد هذه كانت وظيفة العقل – عن جدارة - أن يبحث عن مأوى .
في مساء اليوم ، في مشرب التشكيليين ، في مقر الفنانين التشكيليين العراقيين أحفاد آشور وبابل ؛ قال مضيفي هنا أفضل مشرب في بغداد دونه أبى نواس ، وفي عجرفة نفطية ظاهرة ولى بها خبرة كنفطي ؛ فتحت زجاجة وذبحت أختها قبل انتصاف الأولى : كان عبدالرحمن الربيعي ؛ الذي اختار تونس كمنفى فيما بعد ، هو مضيفي الذي جاء بي هنا حتى نتوحد هربا من لمة كـ " لمة " الليلة السابقة . وأخذت كما المثقفين العرب في تلكم اليوميات أقضى الوقت بين مشرب وبين مقر المجلات الثقافية المتميزة التي عرفت بها بغداد عقب ذبح بيروت في العقد السبعيني من القرن العشريني الغارب ، وكان ذلك قدام وزارة الدفاع حيث وقفت ولفت انتباهي مدفعان موجهان نحو البناية التي تصدر فيها تلك المجلات الشهيرة وغيرها والتي يأمها المثقفون ، قدام هذه الوزارة في مرمى البصر ثمة مبنى شعبي قديم منهار الواجهة وغطى بقطعة قماش هي عبارة عن " الشادر " لحاف المرأة العراقية الأسود ، دسست فضولي حيث أطفال نصف عراة يلعبون ونسوة خلف الستر .
كنت قادما من الكويت ؛ عقب وصولي من تونس التي عدت منها أثر المشاركة في ندوة القصة العربية : في المطار أوقفت ولم يسمح لي بالدخول فلم تكن معي تأشيرة لأن السفير التونسي آنذاك بلغ رئيس اتحاد الكتاب الليبيين الأستاذ خليفة التليسي أنه بامكاني الحصول عليها فور وصولي من قبل جوازات المطار ، وأن ذلك تم بالتنسيق مع وزير الداخلية للمدعوين من قبل الدولة ، لم أحصل على التأشيرة ولكن في المطار شاهدت بأم عيني مواطن سويسري يدخل وبرفقته صبى لا جواز له و لا يوجد اسمه على جواز ذلكم السويسري .
هكذا عقب وصولي من تونس وفورا طلب منى رئيس التحرير أن ألتحق بوفد الأسبوع الثقافي الليبي بالكويت الذي طار في اليوم السابق إلى هناك ، قدم لي السفير الكويتي تأشيرة الدخول على ورقة يجب الاحتفاظ بها وإبرازها لجوازات مطار الكويت الذي كان عبارة عن مزبلة نظيفة آنذاك ، الكويت التي كانت اجدابيا كبيرة يلفها في ورق سولفان الغبار وتجفف الحلق ويطرد غبارها سكينة النفس المطمئنة ، وصلت فجرا فشغل الكسل عنى رجال الأمن ، ركبت تاكسي لمواطن كويتي بدون – كما سوف أفرق في ما بعد بين مواطن كويتي ومواطن بدون .. – قاد هذا البدون دابته في سرعة الجنون حتى كاد يصدم بشرى ، حين رفعت عقيرة الاحتجاج رد السائق ببرود نفطي: انه مصري.
في الكويت لم نلتق مثقفين و لا مختلفين حتى بدا لي الجميع واحد وتيقنت من الضرورة التي دعت العرب العاربة لاختراع: المفرد بصيغة الجمع ! . وتكشف لي أن " العربي " مجلة مصرية لا كما يظهر متنها وحسب ولكن أيضا كما يفصح المسكوت عنه ؛ لكن ذلك لم يبدد إعجابي بالكويتيين الذين جعلوا لبلادهم مكانة غير مكانة البرميل النفطي . في هذه الكويت " كنت أرسم نوافذ في كل مكان / فوق الجدران العالية جدا / فوق الجدران الواطئة جدا / في الهواء وحتى على السقوف / كنت أرسم حتى على الأبواب / لكني لم أرسم بابا قط / لم أكن أرغب لا في الولوج و لا في الخروج / كنت أعلم أن الأمر غير ممكن / كنت فقط أريد أن أرى ، أن أرى / كنت أرسم النوافذ / في كل مكان .. " في الكويت الهواء محروق ، وفي الفندق الذي يسر لي السائق بدون أن أنزله لم يكن ثمة مكيف ، كنت أردد قصائد وشذرات عمودية لروبرتو خواروث الميتا شعرية الأرجنتينية ، ردد على وقد عببت من التعب ما جعل الشقاء في مأمن : قبل أن نستطيع النوم ، علينا أن نعرف الاستيقاظ .
في الكويت هذه عرفت ما كنت أعرف: أن ليس البغدادي بغدادي والشامي شامي أن البغدادي والشامي جميعا نفط ! ، في فندق شيراتون الكويت كان المطرب الثخين ذو اللحية الكثة المحناء ؛ ديمس روسس اليوناني يتمخطر ، برفقته حسيناء عظمها يشفه لحم مآسي وثوب عبارة عن قميص بض أو أبيض رجالي يكشف كل مستور . في ذات الفندق يتداعك الوفد الثقافي الليبي أبيض أسود : الشاعر على الفزاني ، القاص عبدالله القويرى ، الممثل سالم بوخشيم من اقترحت عليهم أن نمر في طريق العودة ببلد الرشيد بغداد ؛ حتى نتبين الشامي من البغدادي وقد التبس النفط المشهد ، جمعهم فضل أثينا دون نقاش ولم يكن الوقت وقت حوار .
غادرت الكويت على طائرة مغربية عند الفجر كما دخلتها ، ودخلت بغداد لاقف في طابور المواطنين حيث لم يكن يلزم العربي تأشيرة ، العين اللعينة كانت تحرقني وكنت أحكها متلصلصه على طابور الأجانب حتى تبين الخيط الأسود من الأبيض : حجز ما معي من علب سجائر زائدة عن المسموح به ، فيما كان الأجنبي يدخل بما معه ، العين المحروقة تنبهت قبلي حين انطلق لساني : لكنى أجنبي يا حضرة الأفندي ، لم يعر ضابط الأمن لمنطوقي انتباه فقد انشغل عنى بي ، داسا حواسه المعروف منها والسادس في .. !.



دخلت بغداد مسلوبا من هدايا كنت سأمن بها على من سأعرف من خلق العرب ومن لا أعرف.. بغداد أفق مسفوح في بحر اللا متناهي من الصحارى ، البغدادي مفقود كما الخارج عنها مولود والعراق سفاح يسفح عرق البلح كما يسفح عرق البدن ، دجلة كذبة كما التمر العراقي خيال ومن نسج حكايا خوال ، في ميادين بغداد كتب تنطح كتب وفكر مذهول والشعراء في كل واد يهيمون : حينها علمت أن أحدهم كتب مرثية في صديق شاعر غاضه ، كتبت الغيرة مرثية في الصديق النديم في نفس جلسة المنادمة التي في صبحها جاءه من يسعى بخبر موت النديم ولم يجف بعد مداد المرثية ؛ بغداد ما عرفت مدينة المفارقة وطريق الفراق : تهاب نائب الرئيس صدام حسين وتحي صورة البكر الرئيس في طابور الصباح لا غير ، حيث حللت حلت صورة النائب بارزة وإذا كانت أنياب الليث بارزة فلا تأخذك الظنون أن الصورة المرافقة ؛ صورة البكر صورة الرئيس ، إلى جانب هذه فإن لصور شروح تشرح جسد الحقائق مبينة فصاحة الساعة : أن تأميم النفط ثمن لتكميم الأفواه ؛ فلا صوت يعلو على صوت المعركة غداة أن طلع البين فمات الناصري ، وطلع السادات من نفق أكتوبر بضوء كمب ديفيد ، لتكون بغداد عاصمة العرب الرافضة : كذا حدث أبي هريرة فقال في كل مشرب نأمه في بغداد وبين كل العرب النازلة بغداد يومذاك ؛ فكل قصيدة ليست لبغداد كفر بين .


: من الآداب العراقية القديمة



تعويذة ضد مؤامرات الآخرين ( البارانويا )
ها هم يسعون ! ، دائبين يتآمرون ضدي ، ليطوني كالحصير ، لينقضوا علي مثل فخ طير ، ليهدموني مثل سد ، ليقعوا علي مثل شبكة ، ليربطوني بالحبال مثل الحطب ، ليتسلقوا علي مثل سور ، ليملئوا الساقية بي وكأني ماء ، لينبذوني من الباب مثل الكناسة ! ، أنا ، بمشيئة مردوك ، رب طقوس المساء ، وبمشيئة أسالوهي ، رب الرقى والتعاويذ ، سأطوي ساحرتي وساحري كالحصير ، وأنقض عليهم مثل فخ طير ، وأحطمهم مثل سد ، وأقع عليهم مثل شبكة ، واربطهم بالحبال مثل حزمة حطب ، وأملأ الساقية بهم وكأنهم ماء ، وأرميهم من الباب مثل الكناسة ، يا تماثيل ساحري ! يا تماثيل ساحرتي ، كوني رمادا ! .
تعويذة ضد الآلام :
أغربي يا رياح، أخرجي يا رياح ! ، أغربي يا رياح ! يا نيل الآلهة ! أغربي يا رياح، يا خير الشعوب ! أخرجي من الرأس يا رياح ! ، أخرجي من العين يا رياح ! أخرجي من الفم يا رياح، أخرجي من الأذن يا رياح، أخرجي من الإست يا رياح، دعي الرجل يتحرر ويستريح، دعي الرجل يذوق الراحة والرقاد.
تعويذة ضد القبض ( الإمساك ):
الحشا مضطرب ، مقفل مثل صندوق ، مثل ماء في نهر ، لا يعرف أين المسيل ، مثل ماء في بئر ، لا يعرف أين يجري ، مغلق مثل جرة تخمير الجعة ، الماء والطعام لا يستطيعان الدخول إليه ، عندما لمح مردوك هذه الأعراض ، نادى على أبيه إيا : أيها الأب ! الحشا مضطرب ، مقفل مثل صندوق ، مثل ماء في نهر ، لا يعرف المسيل ، مثل ماء في بئر ، لا يعرف أين يجري ، مغلق مثل جرة تخمير الجعة ، الماء والطعام لا يستطيعان الدخول إليه ! فأجاب الأب ابنه مردوك : يا بني ، وماذا أعلم ما لا تعلم ؟ ، ما أعلمه تعلمه ، وما تعلمه أعلمه ، سواء كان ذلك إنسان أو ثور ونعجة .. ، بعد ذلك يعطى الشفاء .
تعويذة ضد الضراط :
ضرطة يا ضرطة ! ضرطة ، أنت نار الآلهة ، أنت الريح بين البول والغائط ، لقد خرجت واستويت في مكانك ، بين الآلهة ، إخوانك .
عن مجلة عيون – العدد 14 – السنة السابعة 2002 م .
تحولت بغداد لمرعى المثقفين العرب خاصة يسارهم ، والسبعينات جذوتهم حين حللت بغداد في الرحب والسعة ؛ إني من عرب النافطة . وكان سيمياء المدينة : النفط نفط العرب وصدام قائدهم كذا لسان وعيون وأنف ويد وأذن حال تلكم المرحلة .
في شارع أبى نواس لقمت السمك المشوي وجرعت العرق العراقي : عرق المسيح كما رقن على زجاج القناني ، وللعراقي رفق بالقناني وشدة على الشاربين ، زورت بعدها ملهي على بابا وشاهدت اللا عدد للحرامية ؛ كان هذا مساء أما في الصبح الذي هناك يطلع بعيد العاشرة فقد زورت مبنى الإذاعة والتلفزيون ، صدفة كانت لجنة الرقابة تطالع فيلما هو بدوية في باريس للمطربة البدوية سميرة توفيق .
عند زيارتي لبيت صديقي محمد عفيفي مطر شاهدت المخرج المسرحي المصري كرم مطاوع رفقة زوجته الممثلة سهير المرشدي ، كانا مجاورين لبيت صديقي من كنت في ضيافته ، وكان في بغداد عندئذ ثلة من فناني مصر من فروا من كامب ديفيد وقوانين العيب وأخلاق القرية ، منهم المخرج السينمائي توفيق صالح الذي تعد أفلامه من أهم الأفلام العربية ، الذي سيقدم شريطا سينمائيا عن القائد الضرورة ؛ كما نعت المثقفون العرب صدام القادسية ، شريط الأيام الطويلة عن رواية الكاتب العراقي عبد الأمير معلة .
في مرة ركبت تاكسي وفي دردشة مع السائق من أراد أن يعرف موطني ، قلت من ليبيا فقال من بلد عمر المختار ، ألح أن أزور بيته كي ألتقي والدته ، لم أرد أن أخيب أمله فانصعت لرغبته ، في بيتهم رحبت بي الأم وأهدتني عباءة عراقية من نسجها . وكانت بغداد وقتها نسيج بعثي وصدام الناسج ، وان تباينت الرواء والمشارب عند المثقفين العراقيين والعرب الهاربين من نار أهلهم إلى رمضاء العراق ، فإن اللحاف واحد .
في صباح يوم التقيت الشاعر العراقي فوزي كريم مخمورا بشكل مفرط أخذ يحدثني عن موت الشاعر شاذل طاقة ؛ المعروف كمسئول بعثي ، بحرقة فهذا الشاعر ترك مكانه في الحالة الشعرية لكن فنجان قهوته مازال يطلبه له زملائه في كل قعدة ، ويتركون كرسيه كذلك دون أن يستعمله أحد . لكن شاعرا مثل محمد عفيفي كان يعانى غربة مفرطة ولم يكن يعامل كشاعر قدر معاملته كموظف بحاجة لمأوى ، كمثل كل قادم خارجي . لهذا فإن الفلاحين المصريين الذين جلبوا بإعداد كبيرة قيل تصل المليون بقوا عمالا في أرض الرافدين وإن جلبت رفات آلهم كي لا يشدهم الحنين لمرقد الجدود والأهل ، نظرت العراقي لم تتبدل اتجاههم فهم عمال تراحيل أو كما نظر لهم اقطاعيوا مصر . وقد توزع العراقيون في سياحة واسعة في شرق أوربا خاصة بولندا حيث الشقراوات ، هناك سفح العراقي العرق والنفط ، ودم بعض القتلة من نساء المواخير ؛ عقب انفجار العنف العراقي من أثر الخمر ونشوة النفط والدور التاريخي ؛ الذي يتحقق على أيدي السيد نائب الرئيس كما كان ينعت الرئيس البكر نائبه ، وهكذا كما أصابت لعنة الفراعنة الشعب المصري بجنون العظمة لوثة بابل لوثت عقل العراقي فللشعبين عمر يناهز سبع الآف عام من الموت ، طائر الموت يحوم حيثما ثمة عراقة ، لذا توزع مثقفو المرحلة بين حانات العراق للتزود بالعرق ولتسويف المجد الذي يستمد الرسالة الواحدة للأمة الخالدة من التاريخ مقبرة كل عقل حر ناقد ، وبالعرق تظهر هامة المستقبل المجيد كغول يقتات الدماغ وحسب . لكن ديدن المثقفين " الإعلان كل بضعة سنوات عن " تغير المنهج " فالماضي وراءهم ومن الممكن أن نتناساه كلما عدونا تجاه المستقبل المشرق .. " وربما " كان هذا من أكثر التوجهات السهلة ، ولكنه ليس جديرا بالإعجاب أبدا .. " أو كما يعلق نعوم تشومسكى : لكن لا يوجد خطاب يزكي خيار البقاء بلا وعي بالحقائق التي يعرفها الضحايا خير معرفة .
ولم يكن في بغداد غير شعب واحد ، لم يكن للحقائق غير صيغة واحدة تظهر في قانون القائد الضرورة الذي يصوغه المطاريد : مثقفو العرب ، وكان الشعب لاه عن هذا وذاك وللحق لم أقابل في بغداد الشعب رغم تباين ما التقيت من أجناس عراقية ، عريقة ودون معنى ؛ كان الشعب مخمورا على بكرة أبيه برائحة النفط ومزهوا بالدور العراقي الذي لا وجود له حتى في تفاصيل يومه ، الشعب العراقي كما كل شعوبنا اصطلاح يستمد مصدقيته من اضبارات رجال السلطة حين يوجهون خطابهم للجموع : المفرد بصيغة الجمع .
قابلت الكثير في بغداد تلك لكن لم أقابل مرة الحماس فكانت مقبرة دون شاهد ، وأكلت الكثير في ولائم لا حصر لها لكن لم أر تمر العراق على أي مائدة عراقية مما جلست ، في مطاعمها كان السمك سلطان المائدة ، والعراق بلد داخلي محاصر عن البحر غير شط البصرة الضيق والذي تنتزع الكويت من سندباده سعة البحر وزرقته ، فتلحف الجسد العراقي السواد وكتمت الصحراء أنفاسه رغم أن منخريه دجلة والفرات ولكن لتركيا مقدرة على سد هذين المنخرين .
هكذا بدأت بغداد لي مدينة محتقنة كما هي الساعة ، وأهم سحاتها : ساحة التحرير تمتلئ بجماهير غفيرة كأنها دلقت في متاهة وأنها غريبة عما يحوطها ويخطط لها ، في الساحة صرح مرتفع تقصر الهامات عن أن تراه ، كنت أرى الرؤوس مطأطأ والأكتاف مثقلة بحمل هذه الرؤوس التي يبدو وكأن الأجساد ليست بحاجتها . لفت انتباهي هذا الصرح الذي يتوسط هذه الساحة: " يقوم نصب الحرية في ساحة التحرير، وهو مكان دائب الحركة لا يسمح للمشاهد برؤية تماثيل النصب إلا من بعيد، نسبيا. ورغم ضخامة هذه التماثيل ، فإن البعد الذي يساعد على رؤية الأشكال متكاملة ، ورؤية العلاقات والنسب بين الكتل النحتية ، لا يسعف العين على متابعة التفاصيل الرائعة في كل تمثال ، بجزئياتها المدروسة ونسجها الحسي الخشن . " هذا النصب من فعل الفنان والنحات العراقي جواد سليم الذي طلب منه المسئولون ، بعد الثورة – عام 1958 م – بأشهر قلائل أن يصمم نصبا للثورة لكي يقام في ساحة التحرير ، وقد نفذ النصب / الحرية التي تحققت في " الجزء الثالث من ذروة الصراع التي تمثلها هذه المجموعة الوسطي من النصب . وقد مثل الفنان الحرية على الغرار التقليدي منذ أيام الإغريق ، بامرأة تحمل مشعلا ، ولكنه شحن فيها شعور الفرحة العنيفة التي تكاد تحلق بها في الأجواء . وعندما سئل جواد سليم ، لماذا لم يجعل لها قدمين ، قال : ان القدمين تلصقانها بالأرض وأنا أريد لها أن تحلق عاليا .. " . أو كما جاء على لسان جبرا إبراهيم جبرا في كتابه جواد سليم ونصب الحرية .
وكنت في ساحة التحرير يشدني هذا التحليق العالي والرؤوس المنكسة وصور نائب الرئيس وكلمة عيوني التي تطلق بمناسبة وبغير مناسبة ، وكانت عيون البغداديات عيون المها بين الرصافة وبيني يزلن " البغددة * " التي تقبض نفسي في ساحة التحرير ، عند نصب الحرية التي علقت في هذا النصب تحلق بعيدا دون أية علاقة بالأرض والواقع .
خلت أن عبد الرزاق عبد الواحد يقطع ساحة التحرير يكتب مقطوعته ؛ فروسية في عصر صغير : لابسا جلد أخيل / لن أقاتل / إنني أفرش من لحمي مشاتل / لنبال مزقت جسم الحسين . هذا الشاعر العراقي النزق غاب عن النظر ؛ هارب من متحف الآثار : كان درعا لخمسة آلاف عام / تآكل من فرط ما صدئت فوقه الأعين / استنزفت خوفها / أنشبته بمرمره أرضة / أنفذت كل عين إلى عريه ألف عين تنقب / خمسة آلاف عام .. / تشظى به اللحم والدم / ضجت قراراته / اشتعل الغيظ في قاعها / كان درعا إذن .. / سار نحو زجاجته / لن يبقي شيئا / و لا أثرا منه فيها . / تذكر أشياءه / العري / والموت . / . كنت أتصفح ديوانه / الأعمال الشعرية – المجلد الأول الحائز على جائزة صدام للآداب لعام1987 م فوجدتني ساعة الكتابة أذكره لأذكر مقاله: فإن قلت يا صدام، ناديت أمة / لأن المنادى زهوها وفخارها / ويا حبذا صدام وصدام أمة / وتاريخ أرض يستعاد ازدهارها.
انحرفت عن ساحة التحرير ونصب الحرية مستهدفا دار الكتب الوطنية ، حيث قدام وزارة الدفاع وقفت برفقة صديقي محمد عفيفي مطر ؛ الشاعر المصري المتجه إلى عمله : مجلة " الأقلام " الشهيرة ، لفت انتباهي مدفعان موجهان نحو البناية التي تصدر فيها تلك المجلة الشهيرة وغيرها والتي يأمها المثقفون ، قدام هذه الوزارة في مرمى البصر ثمة مبنى شعبي قديم منهار الواجهة وغطى بقطعة قماش هي عبارة عن " الشادر " لحاف المرأة العراقية الأسود ، دسست فضولي حيث أطفال نصف عراة يلعبون ونسوة خلف الستر .



#أحمد_الفيتوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شارع الإذاعة : سر من رآه ، سر من لم يره
- بورتريه الثعلب
- بورتريه العنيزي
- بورتريه البوري
- بورتريه الفلاح
- بورتريه الكوني
- بورتريه المنتصر
- بورتريه مطاوع
- بورتريه زغبية
- بورتريه مطر
- بورتريه لوركا الليبي
- بورتريه توينبي
- المفكر الليبي عبدالله القويرى ومشكل الهوية
- نقد ثقافة التنمية
- اطرابلس : طرابلس الغرب ، طرابلس الشروق
- الفارس الوحيد يتكلم الآن
- محاكمة عمر المختار
- لو لم يكن رضوان بوشويشة ما كانت طرابلس الغرب
- حربستان .. عشق آباد
- ثلاثة وجوه لسيرة واحدة!


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - أحمد الفيتوري - بغداد أفق مسفوح في بحر اللامتناهي