أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال المظفر - حوارية الرأس المقطوع















المزيد.....

حوارية الرأس المقطوع


جمال المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 1730 - 2006 / 11 / 10 - 11:48
المحور: الادب والفن
    


هذه القصة حقيقية حدثت في العراق جراء اعمال العنف التي طالت مئات الابرياء ، اذ قام المجرمون بقتل الاب وفتحوا شقا في صدره وقطعوا رأس ابنه ووضعوه في الشق ، وبجوار الجثة في المشرحة جثة فتاة قتلت هي الاخرى واقتلعت عيناها وربطت بالبراغي في كفيها في ابشع جرائم ترتكب بحق البشرية.
* * * * * * *
خارطة من الدم المتجمد مرسومة على ارضية المشرحة ، تشبه توزيع مساحات اليابسة والبحار والمحيطات على سطح الكرة الارضية ، وفي الزاوية البعيدة تقبع صناديق الفاكهة التي خبأت فيها الرؤوس التي اقتطعت من اجسادها ، الا ذاك الرأس الصغير المخبأ في صدر الأب ، حيث قام القتلة بقتل الأب وفتح شق في صدره وحشروا رأس الطفل فيه.
كانت الجثة ملقاة على ارضية المشرحة ، لم تعد الثلاجات تستوعب الاعداد الكبيرة من الضحايا الذين قتلوا بطرق شتى ، البعض منهم ثقبت اجسادهم بالمثقب الكهربائي قبل قتلهم ، وأخرون بلا رؤوس ، والبعض مثل بأجسادهم ...
عينا الطفل تترقبان المكان بحذر ، لم يره من قبل ، مقاطع كهربائية ومشارط وفؤوس ومفكات وغيرها من الادوات التي تستخدم في دوائر الطب العدلي ...
عينان تترصدان المكان في حركة دائرية بأتجاه عقارب الساعة حتى استقرتا صوب عيني الفتاة المشدودتين في كفيها با لبراغي ، كانت عيناها لامظتين مثل مصباح سيارة فولكس واجن.
كان رأس الطفل حذرا ، يخاف أن تتغلغل هذه الفتاة الى داخل الأب مثلما تغلغلت نساء أخريات وتسببن في مشاكل عائلية كادت تفضي الى الطلاق بسبب غيرة الزوجة التي لاتود ان تشاركها أية امرأة أخرى على فراش الزوجية أوحتى لمجرد علاقة عاطفية عابرة تخلو من مفردات الجنس أو القبل والمداعبات والمزح .
قال بهدوء: لم اشعر يوما بمثل هذا الدفء الذي يحتويني ، ما أوسع قلبك ياأبي هذا الذي أراه بحجم كف يدي والذي استوعب كل حماقات امي واستفزازاتها ، ولكن .... لماذا كنت تعلن افلاسك كلما طلبت منك بضعة دراهم لشراء قطع الشيكولاته .... ها هي الدنانير متلتلة في جيبك .... لست بخيلا ياأبي ولكنك انسان عصامي تحاول ترتيب امور حياتك بشكل عملي ... اني امزح معك ......
أعاد النظر الى اليسار ، كانت عينا الفتاة متسمرتان بأتجاههما ، تراقبانهما بنظرات غريبة ، تغلغل الرأس في داخل الشق يريد أن يستحوذ على كل جسد ابيه ، أن لايدع ثغرة كي تنقذ منها الفتاة.
- : آه ... ماهذا ياأبتي هل كانت هناك نساء اخريات في حياتك غير أمي ، آه ... لو كانت تعلم لقلبت حياتك جحيما ، انها عصبية جدا ، ولكنها طيبة القلب ، عندما تهدأ تحاول الاعتذار أو فعل اشياء أخرى تشعرك فيها بالندم حتى وان لم تكن بصورة مباشرة .
- حاول الرأس مراقبة مايدور حوله ، أدار عينيه بحركة دائرية ماسحا كل الفضاءات التي تحيط به ، وثبت اتجاهه صوب جثة الفتاة ، كانت عيناها متسمرتان باتجاههما طول الوقت ...
- : لن اغادر أبي كي تستحوذي عليه ، سأبقى ملتصقا به الى ما لانهاية ، سيعود القتلة ويأخذون عينيك الرماديتين ، أما أنا فسأعود مع أبي الى امي ، فهي تعد العشاء لنا ، وللناس المتكورين في داخل البيت ، فأني أرى أن هناك ضيوفا قد ملأوا البيت .
دخل عمال المشرحة لنقل الجثث ، أحس رأس الطفل بأن هناك محاولة لنقلهم الى مكان اخر وربما يتم ابعاده عن ابيه ، خبأ رأسه في الجسد بعيدا عن أنظار العمال ، تغلغل شيئا فشيئا في زوايا الجسد ، انتبه أحد العمال الى اختفاء رأس الطفل الذي كان موجودا داخل جسد الأب ، لابد أن احدا ما سرق الرأس ولربما هناك سر في اختفائه ، راح العمال يبحثون في المشرحة عن الرأس ...... هناك رأس ناقص في المشرحة ..... الرأس الذي اصبح حديث الناس وعمال الطب العدلي ، بل حتى الرجل الطاعن في السن الذي مارس مهنة التشريح منذ أن كان شابا وحتى هذه اللحظة ، لم ير صورة بتلك البشاعة التي رأها ليلة البارحة ، رأس مقطوع في داخل جثة مفتوحة الصدر ، الكل يبحث عن الرأس .... العمال... والوزير .. والمدراء العا مين والاطباء.... خوفا من انتشار خبر الاختفاء بين الناس ....
نقلت الجثث في صناديق خشبية لدفنها في مقبرة الشيخ معروف ، اكثر من مئتي جثة ، لكن هناك رأسا مفقودا ، اين اختفى ذلك الرأس ؟!! ، رتبت الصناديق فوق بعضها بشكل متراصف وكأنها بضاعة شحنت للتو من الميناء، من يرى هذا الكم الهائل من الصناديق لايتوقع انها تحوي جثثا بتلك الطريقة المرتبة.
همس رأس الطفل في مؤخرة اذن ابيه من الداخل : لو سألوك عني قل لهم اني خرجت ولم اعد ، أو لتقل لهم أن لصوصا قد خطفوني وعليك تحرير محضر بأختطافي ، ولكن عليك أن تطمئن أمي بأني معك لأنها ستبقى قلقة لاختطافي أو ربما تبوح بالسر لأن النساء كما علمتني لايخفين سرا، فما في قلوبهن على السنتهن.....
مرت الشاحنة التي تحوي الصناديق في شوارع العاصمة ، ينظر الناس الى البضاعة التي يقطر الدم منها ، لايعرفون ماذا تحوي هذه الصناديق ..... كانت الشمس تلقي بأشعتها العمودية على المدينة ، الناس تختفي تحت المظلات المخصصة لحافلات نقل الركاب وآخرون يرفعون الصحف فوق رؤوسهم والبعض يقف ملاصقا لعمود الكهرباء للبحث عن شبه ظل .
سارت الشاحنة بأتجاه الجسرالمحدودب الذي يستند بذراعيه على نهر دجلة ، كانت هناك رؤوس تتساقط في النهر ، السماء تمطر رؤوسا ، لم يكن هناك غيم ولم يكن هناك آثار كائنات سماوية أو اطباق طائرة تلقي بتلك الرؤوس .
همس رأس الطفل ثانية في اذن ابيه : انظر ياأبي انها رؤوس تتساقط في النهرتشبه الكرات التي نلعب بها ، لكن لها عينان واذنان وانف وفم ، انها ليست كرات ..... رؤوس ... رؤوس..
وأخيرا نطق الأب : كرات ....كرات
رد الطفل : رؤوس ... رؤوس
وتداخلت الهمسات بين الاب ورأس الطفل : رؤوس ... كرات ... رؤوس ... كرات ... رؤوس ... كرات ... رؤوس ... كرات ... رؤو ..... كر ...... كرات ... رؤوس ....كر ... كر ... كرات ....
السماء تمطر بشدة .... الرؤوس تهطل على المدينة ... تحدث مويجات حلزونية في النهر ... تتوالى المويجات ... ترتفع ... حركة غير اعتيادية ... الموج يرتفع ويرتفع معه مستوى المياه .... هيجان النهر لامثيل له ..... غضب الهي ... غضب الهي ... الجوامع تكبر والكنائس تقرع الاجراس ... غضب الهي ... غضب الهي ...
الناس تهرع الى البيوت والبعض يختبئ في الملاجئ والمحال القريبة خوفا من تساقط الرؤوس ومد المياه .....
تسونامي ... تسونامي ثانية ... انه الطوفان .....
بدأت المدينة تغرق ،كان لون المياه داكنا يشبه لون الدم المتجمد على ارضية المشرحة... اشتد سقوط الرؤوس على المدينة واخذت تشكل كتلا تشبه الهياكل الاسمنتية للعمارات العالية ، كتل من الرؤوس التي تشبه الكرات .. بعضها مثقبة واخرى مهشمة ... حجبت الرؤوس اشعة الشمس عن المدينة بينما صدى الترانيم ملأ السماء ..... رؤوس .... كرات ... رؤوس ...كرات ... رؤوووووووس .... كر..كر...كر.... كركرات..... كركرات...
تغلغل الرأس في جسد الأب وذاب في ثناياه ، لم يعد هناك رأسا مفقودا وضاع في زحمة الرؤوس التي تساقطت على المدينة في يوم ليس شتائيا.



#جمال_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مثقفون على خط الفقر
- البصرة ذاكرة المدن اللامرئية
- للحرب نشوة
- أعدموا الزعيم مرتين
- مشا عر مضطربة
- طقوس روحانية
- ادلجة الارهاب
- قاماتنا اعلى من تمثال الحرية
- الغاء البطاقة التموينية جريمة كبرى
- الكبسلة تغزونا بثياب الادوية
- انصفوا المثقف المضطهد
- براءةالطفولة
- هويات من عاج ومثقفون جياع
- قصائد للشهيد والشهادة
- ثعالب السلطة ... والغرف الحمراء
- تكميم الافواه
- سيادة مع وقف التنفيذ
- كتابات فوق المرمر
- ليلة واحدة لفاطمة
- هل نستورد الثورة أم الكافيار؟


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال المظفر - حوارية الرأس المقطوع