أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعدون محسن ضمد - حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الثالثة والاخيرة















المزيد.....

حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الثالثة والاخيرة


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 1728 - 2006 / 11 / 8 - 08:59
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الأبعاد الذاتية والموضوعية لمفهوم التوحيد
إذن يندرج البحث في الأبعاد الذاتية والموضعية لمفهوم التوحيد في نفس سياق الاطروحة التي وصلنا لها تحت العناوين السابقة التي تناولت نفس الموضوع بالنسبة للنص الإسلامي المؤسس. فقد شخصنا إلى الآن أبعاداً ذاتية في النص المؤسس من خلال اعتبار أن محدودية أدوات التلقي الإنسانية (مفاهيم/ مفردات لغة) تحول دون تصنيفنا للنص المؤسس على أنه منتج غير إنساني بشكل مطلق، ذلك أن مصدر الخطاب ومهما كان خارجاً عن النطاق الإنساني، ومجرداً عنه، فأنه ولا بد سيكون مضطراً لأن يأخذ آلة الإنسان الإدراكية بنظر الاعتبار وهو يقوم بعملية الاتصال معه. أي أنه وكما تم توضيحه في العناوين السابقة، لن يقتصر على الاتكاء على لغة الإنسان، بل أيضاً على مفاهيمه التي يعتمدها ـ الإنسان ـ في عملية تلقيه من الخارج. ومن ثم وكما تم توضيحه سابقاً فلن يستقبل الإنسان من الخارج شيئاً خارجاً عن حدود تجربته الذاتية.
أي أن آلة الإنسان الإدراكية ستقوم بإعادة إنتاج أي خطاب يأتيها من خارج، وفي حال كان هذا الخارج هو الله، فإن هذه الآلة ستحول خطابه من الإلهي إلى الإنساني.
وبما أن مفهوم التوحيد يعد ركيزة أساسية من ركائز البنية (المعرفية/ الرسالية/ الاجتماعية) للنص المؤسس، فلا بد وأنه لعب دوراً مهماً في عملية إعطاء الخطاب ولادته الإنسانية. أي أننا، سنقوم ـ نوعاً ما ـ بعملية تطبيق للأطروحة التي فرغنا تواً من توضيحها.

مفهوم التوحيد في سياقه الحضاري
لم يكن مفهوم التوحيد ابتكاراً إسلامياً بحتاً، فباعتباره عملية انتقال من عبادة آلهة متعددة إلى عبادة إله واحد، ينتمي لمجتمعات أو حضارات تقع خارج نطاق الحضارة التي مثلت الرحم الحقيقي للإسلام، القرآن نفسه يخبرنا بأن بوادر التوحيد بدأت عند إبراهيم عندما أدرك خلال تأملاته بأن ثمة منشأ أول (واحد) لأول اثنينية، يمكن أن يتخيلها أي إنسان، وهو لذلك قرر أن يتوجه بعبادته أو تأملاته لذلك المصدر أو المنشأ: ((وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض)). كما أن التاريخ يخبرنا أيضاً بأن من الفراعنة من دعا إلى نوع من أنواع التوحيد، فضلاً عن اليهودية والمسيحية. وإذا أخذنا البوذية بنظر الاعتبار فإننا نستطيع أن ننشط باتجاه دعم أو تقبل الرأي الذي يضع عملية توحيد الإله أو الرب في سياق التطور الحضاري الذي تمر به الأمم عموماً، حيث أنها تبدأ بعبادة المحسوس (نبات، حيوان، جماد، إنسان) إلى عبادة غير المحسوس، ومن عبادة عدت آلهة إلى عبادة إله واحد.
هكذا نستطيع أن نفهم بأن العبادة التي كانت منتشرة بين معظم قاطني شبه الجزيرة العربية، هي العبادة الطوطمية، حيث أن كل قبيلة تعرف رباً معيناً وتعبده وتتقرب إليه، وهي تحج إلى مكة تحت هذا العنوان، ونستطيع أن ندعم هذه الأطروحة من خلال التأكيد على أن الأصنام التي كانت موضوعة في مكة كانت عبارة عن تماثيل لبشر ولحيوانات ولرموز، تخص قبائل مختلفة (اللات، العزى، مناة، هبل).. الخ.
وهكذا يكون التوحيد الإسلامي ـ وبلحاظ كونه متأخراً على تجارب توحيدية سابقة عليه ـ مفهوم إنساني التأسيس لا يخرج عن فضاء التطور الطبيعي لعملية التدين، خاصة عندما نعتبر أن التدين عملية تعاطي إدراكي بين الإنسان وما وراء الطبيعة. إننا في هذه الأوراق نريد أن نعتبر أن اندراج مفهوم التوحيد ـ باعتباره مخرجا من مخرجات النص المؤسس ـ في السياق التطوري المفهومي البشري، وعدم خروجه عن المألوف الإنساني الحضاري، في عملية التدين، دليلاً واضحاً على أن النص المؤسس لم يخرج خلال عملية ترجمته لخطاب ما فوق الطبيعي (الإلهي) عن دائرة التعاطي الإنساني، وهذا الموضوع يمكن أن يعتبر معطى مهم من المعطيات التي أسسنا لها في العناوين السابقة والتي تدفع باتجاه الذاتية التي قررناها سابقاً، أي إلى إنسانية النص المؤسس، وليس إلى إلهيته.

الأبعاد الذاتية في التوحيد
بعد أن اعتبرنا مفهوم التوحيد، نموذجاً واضحاً نستطيع أن نؤكد من خلاله بعض الملامح الذاتية في النص المؤسس، نجد أن علينا أن نوضح كيف أن ملامح هذا المفهوم وبحسب الطرح القرآني، هي ملامح إنسانية وليست إلهية. وذلك من خلال الإشارة لعدد من السمات الإنسانية التي اتسم بها هذا المفهوم خلال الطرح القرآني له:

أولاً: توحيد الذات وتعدد الأسماء والصفات
قلنا بأن الإنسان وخلال صعوده بمراقي الحضارة قام بعملية توحيد لمعبوده وإلهه. وبعد أن كان يعبد آلهة متعددة، بتعدد دواعي العبادة ـ الرزق، الحماية، النصر.. الخ ـ أصبح يعبد إلهاً واحداً فقط. غير أن الملاحظة الجديرة بالاهتمام، أن هذا التوحيد كان على صعيد الذات فقط، أي أن الإنسان لم يستطع أن يفهم بأن الإله لا يشبهه، ولا يشبه أياً من المواضيع التي وقعت يوماً ما تحت تعاطيه الإدراكي. وهو لم يستطع أن يفعل ذلك لأنه وكما وضحنا سابقاً يدرك المواضيع الجديدة عليه من خلال مقارنتها بالمواضيع التي خبرها سابقاً.
إن وقوع مفهوم التوحيد ـ بحسب الطرح الإسلامي ـ بنفس المطب يؤكد لنا حجم الممارسة الاسقاطية الذاتية التي تعرض لها الخطاب الإلهي. فالتوحيد لم يخرج الإله عن كونه (سميع، بصير، مريد، قادر، حي، رزّاق)، وهذه التعددية الواضحة في الأسماء والصفات، تعيدنا لتعدد المعبود بحسبب تعدد دواعي العبادة، وهي ممارسة إنسانية المنشأ، فمن المؤكد أن الصفات المتعددة إنسانية ليس للإله علاقة بها، الأمر الذي يبرر لنا القول بأن التعددية السابقة للتوحيد كامنة في التوحيد، وأن منظومة الإنسان لم تستطع التجرد بصورة كلية عن أرثها السابق، الأمر الذي استدعى كمون الآلهة المتعددة ـ إله الرزق، إله الحرب، إله الحب، إله الحماية.. الخ ـ أو ظهورهم في الأسماء والصفات المتعددة. ولو أن ملامح الصورة الذهنية للتوحيد كانت مرسومة من قبل الله في النص المؤسس وبدون إسقاطات لما كانت بهذا الشكل الإنساني الفاقع، بل لما تشابهت مع الصور الذهنية المرسومة عن الإله في الحضارات التي لم تعرف الديانات السماوية.

ثانياً: ذكورية الإله الواحد
إن أول سمة نستطيع أن نلاحظها في هذا المفهوم، هو طغيان الذكورية فيه، فهو إله، ذكر، أو هو على كل حال ليس بأنثى، ليس على صعيد تذكير الاسم فقط، بل أيضاً على صعيد تذكير الصفات، إذ من الواضح بأن جميع صفات الإله الواحد هي صفات ذكورية (جبار، قهّار، قويّ، منتقم).
وهنا تتضح الإشكالية، فالإنسان بصورة عامة لا يستطيع أن يتعامل (مفهومياً) خارج إطار بيئته، أي أنه وعندما يكون بصدد التعامل مع موضوع مجرد، فإنه يقوم بعملية صياغة مفهوم يخص هذا الموضوع، وهو لا يستطيع بأي حال من الأحوال أن يأتي لهذا المفهوم بملامح خارج نطاق خبرته الخاصة (الإنسانية الذاتية)، فحتى المفاهيم المتعلقة بالكائنات الخيالية الأسطورية نجد أنها ذات ملامح إنسانية، أو حيوانية بصورة عامة، أي أنها مندرجة في فضاء خبرة الإنسان. وعلى هذا الأساس نجد أن كل المسميات التي أطلقها الإنسان على المواضيع التي وقعت موضوعاً لإدراكه، هي مسميات إما مؤنثة أو مذكرة. ومن ثم فإن اندراج مفهوم الإله الواحد، في هذا الإطار يؤكد ما ذهبنا إليه من أن القلعة التي تحيط بآلة الإنسان الإدراكية لا يمكن اختراقها بخطاب يأتي من جهة أخرى خارج حدود ذاته وتجاربه الخاصة.

ثالثاً: تجسيم الإله الواحد
مهما كانت عملية توحيد الإله المعبود متجهة صوب تجريده من الملامح البشرية بصورة خاصة، والطبيعية بصورة عامة، إلا أن العوق الموجود في الإدراك الإنساني، والذي يحول بين الإنسان وبين التعاطي مع موضوعات إدراكه بصورة منفلته عن خبرته الذاتية، جعل أمر الابتعاد بهذا التجريد عن المثالية أو الكمال غير ممكناً، ولذلك نجد أن الإله الواحد في نهاية المطاف يتخذ شكلاً إنسانياً، من خلال منحه أعضاء إنسانية، أو تصوره يقوم بحركات أو أنشطة إنسانية، فهو ذو يد (يد الله فوق أيديهم) وهو يسعى (وجاء ربك والملك صفاً) ويعتدل(استوى على العرش).
خاتمة
إن الإسقاط الذي أشرنا لوقوعه على النص (المقدس) والذي مارسته منظومة الإنسان الإدراكية، خلال استقبالها له، يكشف لنا عن الحاجة الماسة للتعامل مع هذا الموضوع تعاملاً آخراً ينطلق لا من التساؤل المتعالي الغيبي المؤسس على المسلمات المسبقة، بل من التساؤل الواقعي الأرضي المؤسس على الفحص الموضوعي الواقع خارج إملاءات الذات المجتمعية أو الانتمائية.
إن الأعضاء والحركات والفعاليات الإنسانية، وهي تشكل الخطوط العامة للصورة الذهنية الخاصة بالإله الواحد، تهيئ لنا فرصة قوية للتأكيد على أن النص المؤسس لم ينجح بالانفلات عن إطار التعاطي الإنساني، ومن ثم فإنه كخطاب، قد تعرض لعملية إعادة إنتاج بشرية، ربما صادرت الكثير من طاقته (الماورائية) وهذا الموضوع بحد ذاته يطالبنا بإعادة فحص للقيمته الموضوعية لكل ما يتم استقباله بأدواتنا البسيطة الخاصة بالتلقي.



#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الثانية
- حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الأولى
- جريمة أنني أفكر/ أفكر؛ أنني مجرم
- كذبة كبيرة أسمها.... العراق
- وداعاً شهاب الفضلي.. ما دمت هناك وأنا هنا
- الإسقاط الرمزي لشكل الأعضاء التناسلية.. دراسة في عدوانية الذ ...
- ولمية عفاريت
- مدفع الشرق الأوسط الكبير... الدرع الأميركي بمواجهة القذيفة ا ...
- تحضُّر العجرفة... ضريبة أننا لا نريد الاعتراف بالعجز
- تجريم الإسلام.. دعوة للتنقيب بحثاً عن كل جذور العنف في العرا ...
- تهافت المنهج في العلوم الإنسانية
- إفلاس الانثروبولوجيا
- الثابت والمتحكم في جدل الإنسان والدين
- المجد لحضارة المقابر... حيث الموتى وحدهم يتكلمون*
- العقل الخالي... تخبط السياسة الأمريكية بين نموذجي خاتمي ونجا ...


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعدون محسن ضمد - حدود الإدراك في منظومة التلقي الإنساني... الحلقة الثالثة والاخيرة