أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - غسان المفلح - النص القابض على عنق الوطن 2-2















المزيد.....

النص القابض على عنق الوطن 2-2


غسان المفلح

الحوار المتمدن-العدد: 1729 - 2006 / 11 / 9 - 11:40
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


-4-

كان من الأجدى بالتأكيد أن يكون الهم الآن في سورية هو كيفية تحسين وضع الإنسان عموما في سلطة ديمقراطية وفي ظل دولة القانون، التي أصبحت ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى لأن القضية لم تعد فقط تداول سلطة وما شابه بل القضية الأساس هي إعادة روح التضامن الاجتماعي السياسي بين أفراد ومواطنين سورية، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والقومية والطائفية! لأن مجتمعنا تهتكت كل روابطه التعاقدية والتي كانت نوياتها قد بدأت بالظهور في فترة ما قبل الاستقلال منذ بدايات عام 1936. إن النخب السياسية السورية نخب حطمها العسكر بلا هوادة منذ بدايات الاستقلال كتركة فرنسية! وحتى الآن وفي سياق تطور هذه السلطة القائمة حاليا تحطم المجتمع كله بكل مقاومته لهذا العسف والاستغلال على كافة الصعد والمستويات.

لسنا بحاجة لسرد الكيفية التي حطمت بها هذه السلطة مقومات بزوغ مجتمع مدني حر! والتي باتت معروفة للجميع. بل نحاول من خلال حواراتنا أن نساهم في خلق تيار علماني يعطي لمفهوم الوطن والمواطنة معناه الإنساني وفق التجربة التاريخية للبشرية جمعاء مستفيدين من هذا الإرث العالمي في قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان. ومن جملة هذه الحوارات التي تمت استوقفني حواران، الأول تم بيني وبين الدكتور برهان غليون والثاني بيني وبين السيد عبد الحليم خدام حول المسألة الطائفية، وسأسمح لنفسي التصرف هنا بقليل من المعطيات التي استنتجتها من هذين الحوارين:

يتفق السيدان على أن السلطة السورية هي سلطة عائلة استخدمت الطائفة لمصلحتها وإن كان كل منهما يعبر بطريقته عن هذا الأمر مع اختلاف وسائل التحليل والتقرير والأدوات المفاهيمية والأيديولوجية لكل منهما! ويصر السيد خدام على القول إن الطائفة وجماهيرها تضررت من قبل هذه السلطة أكثر من بقية أبناء الشعب السوري، وأزعم أنني على اطلاع على ما تقوله أحزاب المعارضة في هذا الشأن، وأرى أننا أمام عملية استنفار كامل على كافة المستويات للخلط المقصود أو غير المقصود بين أن تتحدث عن الإشكالية الطائفية بكونها حركة تفاعلية فعل ورد فعل بين السلطة السورية من جهة والمجتمع السوري عموما من جهة أخرى، وبين هذه السلطة من جهة وبين جماهير الطائفة وفعالياتها من جهة أخرى، وبين أن تثير الحساسيات المذهبية ونحن هنا لا نتعرض للجوانب العقيدية والإيمانية لدى الأديان والطوائف مطلقا ونحترم كل هذه المكونات العقيدية لشعبنا السوري. ولا بد هنا من أن نوضح الفكرة هذه لما لها من أهمية في مجال التحليل لممارسات السلطة فإن القول أن هنالك طرفان هما السلطة والمجتمع هذا صحيح نظريا ولكن عند الحديث عن إرادة السلطة عبر القبض على ممارساتها وهي في السياق المجتمعي نصبح أمام شبكة واحدة ومعقدة يتماهى فيها تخلف المجتمع وثقافته الماقبل مدنية مع إرادة السلطة ويتجسد هذا التماهي مثلا في السلوك الطائفي اليومي للكثير من فعاليات الدولة والمجتمع، كما يتجسد ي سلوك الظاهرة القبيسية الآن وأبو القعقاع .. الخ، ومع ذلك يبقى السؤال مشروعا: كيف يمكننا الفصل بين المجتمع وإرادة السلطة وهذا فعل معارض أصلا يحتاج إلى مؤسسات مدنية موازية؟ وهنا لا بد من شكر الدكتور أحمد البغدادي الذي أبدى مجموعة ملاحظات على بحث أعمل عليه حول المسألة ذاتها لقيمة هذه الملاحظات معرفيا. أظن بالنسبة للشعب السوري وبحسه الغريزي والعملي قد فهم رسالة السلطة بما هي سلطة طائفية! والخوف من الحديث في هذا الأمر هو جزء أساسي من وصول هذه الرسالة! ولهذا أصبح المجتمع السوري وبنفس الحس يتحدث في دهاليزه الخاصة عن هذا الأمر ولكنه يخرج في نفس الوقت ليهتف للحكم وهذه ميزة غالبية المجتمعات التي ترزح تحت نير النظم القمعية والتسلطية! أما بما يخص جماهير الطائفة وخصوصا بعد عام 1980 أصبحت ترى أن هذه السلطة سلطتها هي أولا وأخيرا وتتعامل مع الأمر على هذا الأساس بغض النظر عن وضعها الطبقي! لعدة اعتبارات ليس آخرها هو أن أية عائلة في الطائفة يبقى الأمل لديها في أن يرتقي أحد أبناءها سلم السلطة والمال وهذه قضية ليست موجودة بنفس الدرجة عند بقية أبناء الشعب السوري، هذا الأمل المتراكب مع قضايا أخرى لها علاقة بما زرعته السلطة وبنتائج الصراع مع الإخوان .. الخ، جعل التضامن مع السلطة في أعلى مستوياته وهذا ما اختلفت به مع أغلب من حاورتهم.

وبالعودة لحواري مع الدكتور برهان غليون الذي له مساهمة مهمة على الصعيد الفكري في كتبه ومقالاته التي تناولت هذه المسألة عربيا وسوريا. والذي تبدو لي أن هنالك ملاحظة مهمة تتجسد في أن الدكتور برهان لا يعطي أهمية في تحليلاته ومؤلفاته لممارسات السلطة بتفاصيلها الأهمية التي تستحقها، لأن السلطة في النهاية هي جملة من الممارسات التفصيلية اليومية وتجد تحليلها في الخطاب اليومي للمجتمع وشبكة ملفوظاته. ولا زلنا نتمنى أن نجد عدداً المساهمين في هذا الحوار يزداد يوما بعد يوم حرصا على مجتمعنا وعلى تحقيق انتقال سلمي حقيقي نحو الديمقراطية ودولة القانون.

تبقى هنالك أسئلة مشرعة للحوار، هذه الأسئلة لا تقل أهمية عن الإجابة عليها:

1- العودة إلى السؤال الأساسي هل السلطة في سورية سلطة طائفية أم أنها تستخدم الطائفة؟

2- هل لدينا في سورية الآن مجتمع بالمعنى التاريخي للكلمة؟

3- كيف يمكن مواجهة هذا التأثير المفتت للمجتمع الذي تمارسه لمسألة الطائفية فيه؟

4- وهل يجب التمييز بين الجوانب العقيدية والجوانب لسياسية في مناقشة الأمر؟

5- ما هو دور قوى المعارضة عموما والعلمانية خصوصا؟

6- كيف يمكننا العمل على إيجاد تيار ليبرالي حقيقي لكون هذا التيار لا زال غير موجود حتى الآن ليساهم في إنتاج مفهوما سوريا للتعايش الديمقراطي.

-5-

في أي كتابة تحمل هذا الهم اليومي والنابع أصلا من مشروع قيمي على المستوى العام والخاص منغمس في هموم المتحرك الفعلي للذاوات الاجتماعية لا تنفصل فيها مصالح الفرد عن تلك الحركة الدائمة والتي لا تتوقف مطلقا. يعتقد بعض حملة هذا المشروع أنهم بمنأى عن العملية النقدية التي تؤسس في مجتمعنا لثقافة مدنية ديمقراطية حقيقية، وهذا ما نحتاجه في هذا الوقت بالذات أكثر من ي وقت مضى خصوصا أن هنالك مهتمون بالشأن السوري يرون أن السيف سبق العدل وإن سورية نحو خراب إلى أجل غير مسمى! ونحن لا زال رهاننا قائما على أن سورية قادرة على تجاوز هذه المحنة في تضافر حقيقي لكل جهد معارض، وفي منتهى الوضوح والصراحة يرافق هذا النوع من الكتابة هذه مستويات من النزق السياسي والذي هو بالمؤدى الأخير نتاج خوف وقمع وغياب حريات والمساحة المسموح تداولها سلطويا ومجتمعيا حتى في أوساط المعارضة سرعان ما يتم تناول المختلف بأبشع الصور التي لو تسنى لأصحابها تناول الجانب الشخصي في حياة من يختلفون معهم لفعلوا ذلك فورا وبلا تردد! وكأنهم أنبياء أو رسل أياديهم طاهرة، ودعواتهم تنطلق من أنهم قديسو هذا الزمن المارق! وبالطبع هنا نتحدث عن المعارضين وليس عن المخبرين وكتبة الفساد - ومع ذلك ربما اللحظة السورية تحتاج لجهدهم ولكن ليس على حساب الفعل السياسي المعارض بما هو فعل يستند بالمؤدى الأخير على تشكيل ميزان قوى تغييري أو ضاغط على هذه السلطة بالحد الأدنى! ون نؤسس لمقولة عفا الله عما مضى تأسيس دستوريا وقيميا فهذا أمر تحتاجه المعارضة كثر من السلطة لأن حاجة المعارضة قائمة على تأسيس أخلاقي وقيمي ومصلحي متداخل ومركب. ما يجعل المرء نزقا أحيانا هو أيضا غياب الحراك السياسي والذي لازلنا نرى أن له أسبابه التاريخية الموضوعية والذاتية.

في هذا الجزء وبعد هذه المقدمة البسيطة سوف نحاول إضاءة جانب آخر من جوانب المسألة طائفية في سورية والذي يتعلق بقضيتين هما:

الإسلام السياسي ممثلا بجماعة الأخوان المسلمين المعارضة وحضورها في اللوحة السياسية والاجتماعية السورية. والقضية الثانية هي: المسألة الكردية في سورية.

كما سبق وكتبنا أكثر من مرة أن الحضور لفعلي للجماعة وفي التوضع التاريخي للمجتمع السوري هو توضع ديني إقصائي من جهة - لا يحق لأي مواطن سوري مسيحي أو يزيدي الانضمام لهذا الحزب!! وتوضع إقصائي طائفي - لا يحق لأي موطن درزي أو إسماعيلي أو جعفري أو علوي أو شيعي سوري الانضمام لهذا الحزب أيضا!! ورغم كل التقدم البرنامجي والممارساتي للجماعة فإن هذا لا يكفي لكي يخلق جماعة مدنية حقيقية في ذهن الآخر الديني أو الطائفي! وعلى الجماعة أن تحل هذه القضية والتي كتبت كما كتب غيري كثير عن هذه القضية وفي أغلب الحوارات مع الجماعة وكتابها ومثقفيها! والمسألة بقدر تعقدها في تاريخية الجماعة ووضعهم الأيديولوجي بقدر وضوح المطلوب من الجماعة على المستوى الوطني! هذا الشكل من الحضور يجعل المسألة الطائفية التي تصادر السلطة المجتمع باسمها مسألة تعقد الفعل المعارض برمته! وأعتقد أن التجربة الراهنة توضح عمق الإشكالية! والنقطة التي تتعلق بهذه الممارسة تتجلى في أن الجماعة عندما تحاور معارضا مسيحيا أو علويا فإنها تحاوره من أجل شكل من أشكال التحالف بين طرفين سياسيين ويبقيا على هذا النحو إلى الأبد، بينما عندما تحاور معارضا سياسيا سنيا فإنها يمكن لها أن تدعوه للانضمام لتنظيم الجماعة تنظيميا وسياسيا ونظريا!! وهذه النقطة لم تعد بحاجة إلى توريات واستعارات من تعامل التجربة الإسلامية مع هذا الأمر عبر التاريخ الماضي، وليست بحاجة للاستشهاد بآيات من القرآن الكريم! بل بحاجة إلى نقلة سياسية نوعية على مستوى الفكر والممارسة.

المسألة الثانية والتي تتعلق بالقضية الكردية في سورية:

لقد تركت التجربة العراقية أثرا سلبيا على موقع القضية الكردية في سورية لأن المواطن السوري غير الكردي لم يجد نتائج إيجابية في هذه التجربة الدموية حتى هذه اللحظة! هذا المواطن الذي لا يهمه كثيرا ما هي الأسباب الموضوعية والذاتية بل يهمه أين وصل الحال في العراق! رغم النقلة التي تحققت في لقاءات القوى الديمقراطية العربية والكردية والتي يجب أن تتعمق أكثر فأكثر إلا أننا لا زلنا أمام حالة من غياب الفعل الذي ينشأ خطابه السياسي وشبكة ملفوظاته بعيدا عن التشنجات والعصبيات الضيقة حزبيا وقومجيا.. الخ.

وما يؤكد هذه الإمكانية على التلاقي والفعل المشترك هو التضامن الذي حدث بمناسبة الذكرى السنوية للإحصاء المشؤوم الذي جرد عشرات الآلاف من المواطنين الأكراد من جنسيتهم السورية، حيث شارك إعلان دمشق وجبهة الخلاص في الدعوة للاعتصام مع القوى الكردية التي دعت للاعتصام والتي هي خارج هذين الإطارين وأقصد الأحزاب الكردية اليكيتي والمستقبل الكردي وآزادي والذي تعرض فيه المعتصمون للضرب على يد أجهزة القمع السلطوية وكان منهم السيد رياض سيف.

ومن مقتضيات هذا الأمر هو أن تدرك كل القوى الكردية والعربية المعارضة خطورة المسألة الطائفية في تشابكها مع الطموحات الكردية في سورية ومع التعايش الأصيل الكردي العربي، لأنه من المعروف أن هذا النظام قد استخدم نفس الورقة الكردية في تفعيل الممارسات الطائفية في وقت ما من الثمانينيات من القرن المنصرم!

بقي أن نقول إن على قوى إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي بالدرجة الأولى وقوى جبهة الخلاص الوطني والتيارات المعارضة الأخرى أن تولي أهمية أكبر لفتح هذا الحوار حول هذه المسائل من أجل الوصول إلى أرضية مشتركة لفهم حساسيات الواقع السورية الذي تعطيه خصوصيته وفرادته التي تغني عملية انتقاله نحو الديمقراطية وليس إعاقة هذا الانتقال كما هي الحال اليوم أو كما تبدو كذلك.

الجزء الأخير

-6-

بعد أن تعرضنا بالنقد لجماعة الأخوان المسلمين وللحركة الكردية وعلاقة ذلك بالمسألة الطائفية، نحاول أن نميز نظريا بين فعل السلطة وإرادتها وممارساتها التي يجب القبض عليها متلبسة في تفاصيل الدولة والمجتمع وبين ما يدور أصلا في مجتمعنا السوري الغني بتشكيلاته ومكوناته الدينية والطائفية والاثنية، وهذه المكونات التي لا بد من وجود فاعل تاريخي داخلها / دينيا طائفيا أثنيا يعبر عن نفسه في طرح أو خطاب سياسي #1 نعتقد أن يشكل الفاعل الأكثر حضورا داخل هذه المكونات وهذا يعود لجملة من الأسباب أهمها على الإطلاق إرادة السلطة على مدار أربعة عقود من الممارسات / ينزع نحو العصبوية في مواجهة الآخر الشريك في وطن واحد، رغم الحديث المتكرر عن التعايش وما شابه من خطاب يعد في قسم منه للاستهلاك الإعلامي ليس أكثر، ولكن هذا لا يعني بدون إرادة سلطة ومؤسسات تكون جماهير هذه المكونات تريد ممارسة العنف طواعية ضد الآخر! والعنف القائم في العراق تحكمه مؤسسات فاعلة على المستوى الديني والسياسي والطائفي والإثني.. الخ، كما أن هذا العنف له من الدعم الإقليمي والدولي ما يكفي لاستمراره وهو وإن بدا عنف أعمى لكنه في النهاية يحمل أجنده سياسية مهما كانت شعاراتها براقة! فالعنف في المجتمعات الحديثة عنف إما أن يكون من قبل السلطة المالكة الوحيدة لأجهزة القوة أو يكون من مؤسسات لها دعم في السياق الدولي المعني زمانا ومكانا!

وهذا ينطبق أكثر ما ينطبق على المقاومات المسلحة للإسلام السياسي والبعثي والإيراني! ومن البداهة القول إن مهمة الدولة الحديثة والمعاصرة هي مصادرة العنف! وليس مصادرة السياسية كما هي حال السلطة في سورية الآن! لأن الدولة ليس مهمتها مصادرة السياسية مطلقا! لهذا عندما تعبأ أجهزة القوة من قبل السلطة في هذه الدولة طائفيا فإن هذا يعني أن الدولة أصبحت برمتها أداة بالقسر وللقسر ضد المجتمع بيد هذه السلطة! وهذا ما حدث ويحدث في سورية منذ زمن وحتى والآن، ولهذا التغيير أولى مهماته هي: فصل الدولة عن السلطة فصلا دستوريا قانونيا وسلميا. ومن باب الطرفة يمكننا القول وفق منطوق شعارات القادة العظام: الدولة للأبد والأشخاص زائلون - القادة والحكام - بينما لدينا الدولة تزول والأشخاص للأبد!!

وهذه وجه من وجوه المحنة السورية!

المجتمع السوري مثله مثل بقية مجتمعات الأرض فيه مكونات اجتماعية كثيرة وفيه ثقافات ما قبل مدنية عصبوية ومتسامحة وفيه من يدعو للإقصاء ومن يدعو للتعايش.. الخ، ولكن من تعطيه خصوصيته هي إرادة سلطته وكل كلام عن خصوصيات تمنع التغيير الديمقراطي وبناء دولة القانون خارج هذا الأمر هو عبارة عن خطاب سلطوي حتى لو كان مغلف بغلاف معارض!

لهذا كنا ولا زلنا مصرين على أن الوضع السوري يحتاج لقيمة رمزية حقيقية والتي يمكن اشتقاقها من مقولة عفا الله عما مضى، وهذا بالضبط ما يستحق فتح الحوار في كل ما يعيق هذا الانتقال السلمي نحو الديمقراطية دون أن يكون ذلك على حساب أي مكون سوري مهما كانت علاقته بالسلطة الحالية، والحوار وحده يجعلنا نؤسس لثقافة تصالح ومسامحة حقيقية، وليست مزايدة وحتى لو افترضنا أن السيد الرئيس بشار الأسد قاد عملية الانتقال فيجب دعمه وبلا تردد عندما نلمس هذا الأمر. ولا أعتقد أن هذا الأمر بحاجة لكثير من التحليل لكي يلمسه المرء في حال توفرت إرادة سلطة من أجل هذا التغيير. وفي رأيي حتى في السياق الحالي لو ثبت أن النظام متورط في جريمة اغتيال الشهيد الحريري وقام بهذه الخطوات فيجب أن يتم التعامل مع الأمر وفق أولوية التغيير الديمقراطي في سورية! وتبقى مشكلة تسليم الجناة مهمة الحكومة التي تقوم بإجراءات التغيير(2). ربما يبدو هذا الكلام ليس منطقيا ولكننا بحاجة ماسة في سورية: لإرادة سلطة قانونية ودستورية من اجل الدولة الديمقراطية المنشودة! وتبدأ هذه السلطة بإجراءات المصالحة الوطنية الحقيقية وإلغاء المادة الثامنة من الدستور السوري والدعوة لمؤتمر وطني عام يضع دستورا جديدا لبلاد مؤسس على صناديق الاقتراع وتداول السلطة والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.. الخ.

بذلك نكون قد قصرنا المعاناة على شعبنا السوري ووضعنا لبنة أساسية في نشر ثقافة مدنية حقيقية تحل الإشكالية الطائفية والقومية على المستوى الكردي. لأنه من الواضح أن على فاعلي هذه السلطة أن يقتنعوا أن التاريخ لا يتوقف في بلد واحد كما يحاولون حتى هذه اللحظة وليست المفارقة الطريفة والتراجيدية لأخيرة في قضية الإفراج عن ميشيل كيلو سوى إحدى هذه المحاولات في تأبيد العسف والفساد والثقافة الفصامية: فإذا كان القاضي قد أمر بإخلاء سبيله فأي تلفون رن في مكتب آمر السجن كي يبقيه سجينا وعلى أي ساس!!؟ إنها التوجيهات الشفهية وهذا ما ذكرناه في القسم لأول من هذه المقالات!

ونرجو بفتحنا لهذا الأمر ألا نكون قد أسأنا لأي مكون من مكونات شعبنا السوري بغير قصد!

__________



الهوامش:

1- هنالك حيث يتكرر لدى هؤلاء الفاعلين التاريخيين على أنه لا يوجد بديل لهذه السلطة! أو الحديث المتكرر عن وجود تيار إصلاحي داخل السلطة يجب دعمه! أو أن المجتمع كله طائفي ومتخلف! وإن إرادة السلطة ليست إرادة طائفية بل هنا الخطر يكمن في التيار الذي يمثله جماعة الأخوان المسلمين وبالتالي الأفضل أن تبقى هذه السلطة على أن يأتي هذا التيار إليها! وهنالك نغمة أخرى هي بقاء هذه السلطة أفضل من مجيء عملاء الأمريكان إلى السلطة.. الخ من أحاديث وخطب يعج بها الإعلام السوري الرسمي والمعارض! وكأن سورية هي الدولة الوحيدة في العالم التي يتربص بها كل هذا الكم من الأعداء!! والسلطة الحالية هي من تحاول الحفاظ عليها والذود عن حياض الوطن طبعا متروك لها الحرية في أن تموت قضية الجولان بالتقادم التاريخي!!

2- عندها يمكن الفصل ولمصلحة سورية بين النظام وبين الأشخاص! ولكن هل يمكن لهذه السلطة أن تعتقل التاريخ إلى الأبد؟!







#غسان_المفلح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النص القابض على عنق الوطن (1-2
- اللاعقلانية حضور القول غياب الفعل الخطاب المقاوم نموذجا
- جبهة الخلاص وإعلان دمشق عود على بدء
- المعارضة السورية الحاجة إلى تفعيل مؤسسي
- إشكاليات
- الماركسية واليسار نوستالجيا متأخرة أم تعبير عن إفلاس؟
- القضية الكردية في سوريا تنميات على المواقف
- الطائفية وإرادة السلطة شيء من الفخ العراقي
- لبنان وسورية دولتان لشعب واحد
- فدوة لله شكد يخبل جيفارا
- على المسلمين الاعتذار
- الإسلام السياسي من منظور هجين سوريا نموذجا
- 11سيبتمبر كارثة على أمريكا أم علينا ؟
- مشروع الهيبة في فضاء الخيبة !!تعزية خاصة إلى ميشيل كيلو
- المعارضة السورية بين قمع السلطة وغياب السياسة 3
- المعارضة السورية بين قمع السلطة وغياب السياسة
- الليبرالية العربية ..تغيير المسميات في هذا الزمن القحط
- الارتجال السياسي من يحكم سوريا ؟
- البيانوني يعود غلى خطاب السلطة
- الجولان المحتل بعد 1701


المزيد.....




- -التعاون الإسلامي- يعلق على فيتو أمريكا و-فشل- مجلس الأمن تج ...
- خريطة لموقع مدينة أصفهان الإيرانية بعد الهجوم الإسرائيلي
- باكستان تنتقد قرار مجلس الأمن الدولي حول فلسطين والفيتو الأم ...
- السفارة الروسية تصدر بيانا حول الوضع في إيران
- إيران تتعرض لهجوم بالمسّيرات يُرَجح أن إسرائيل نفذته ردًا عل ...
- أضواء الشفق القطبي تتلألأ في سماء بركان آيسلندا الثائر
- وزراء خارجية مجموعة الـ 7 يناقشون الضربة الإسرائيلية على إير ...
- -خطر وبائي-.. اكتشاف سلالة متحورة من جدري القرود
- مدفيديف لا يستبعد أن يكون الغرب قد قرر -تحييد- زيلينسكي
- -دولاراتنا تفجر دولاراتنا الأخرى-.. ماسك يعلق بسخرية على اله ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - غسان المفلح - النص القابض على عنق الوطن 2-2