أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - هاشم نعمة - التركز الحضري ومشكلاته في العراق















المزيد.....

التركز الحضري ومشكلاته في العراق


هاشم نعمة

الحوار المتمدن-العدد: 513 - 2003 / 6 / 9 - 05:57
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


                         

 

    النمو الحضري في العراق لم يأخذ طريقه بشكل متوازن مما أدى إلى تركز السكان الحضر في مدن قليلة العدد وظهور ظاهرة المدينة المهيمنة الكبرى بغداد . وقد الحق هذا الوضع ضررا بالغا بتوازن شبكة المدن . وخلق صعوبات كثيرة وجدية أمام عملية التنمية الاجتماعية-الاقتصادية .

     هناك تباينات مهمة في توزيع السكان الحضر في العراق تبعا لأحجام المدن . وتبين المعطيات الإحصائية أن نسبة السكان الحضر الذين يسكنون في كل صنف من أصناف المدن تزداد بنسبة طردية تبعا لحجم المدينة حيث أن أكبر مدينة تستحوذ على أعلى نسبة من السكان الحضر والعكس صحيح . إضافة لذلك هناك اتجاه صاعد ومستمر في نسبة سكان المدن الكبيرة من مجموع السكان الحضر إذ أرتفعت من 34% في 1947 إلى 58% في 1965 ونتوقع أن هذه النسبة بقيت مرتفعة في التعدادات السكانية اللاحقة في 1977 و 1987 و1997 . أما الأصناف الأخرى للمدن فقد سجلت انخفاضا في نسبتها . ومن هنا يتضح أن نمو السكان الحضر في العراق منذ 1947 ينتج في الغالب من نمو المدن الكبيرة .

     الجزء الأبرز من سيطرة المدن الكبيرة يعزى إلى هيمنة مدينة بغداد . ففي تعداد عام 1977 كان يقطنها  حوالي 25% من مجموع سكان العراق . واستمرت هذه النسبة تقريبا في تعداد 1987 حيث بلغت كثافتها السكانية 5233 نسمة في كم2 وهي الأعلى في العراق في حين بلغت كثافة الموصل 41 والبصرة 46 نسمة في كم2 .

     وهناك مؤشر قوي على هيمنة بغداد على بقية المراكز الحضرية يتمثل في مؤشر المدن الأربع لمدينة بغداد ( نسبة إلى المدن الثلاث مجتمعة التي تليها في الحجم ) الذي كان  1,7 في عام 1957 وأرتفع إلى 1,9 في 1965 وإلى 2,4 في 1977 إذ إن سكان بغداد أكثر من سكان المدينة الثانية البصرة ( تراجعت مرتبتها إلى الثالثة في تعداد 1987 بسبب نزح الكثير من سكانها في الحرب العراقية-الإيرانية )  بأكثر من خمسة أضعاف وأكثر من مجموع سكان المدن الثانية والثالثة والرابعة بأكثر من ضعفين على التوالي . هذه الظاهرة تعكس عدم توازن الشبكة الحضرية وهي سمة عامة تشترك فيها الدول النامية .بينما في الدول المتقدمة يلاحظ وجود تدرج في أحجام المدن يتناسب مع الوظائف التي تؤديها . تركز الجزء الأكبر من السكان الحضر في المدن الكبيرة يعني أن هناك غياب فعلي للهرمية Hierarchy أو نظام المراكز الحضرية الذي يشاهد عموما في الدول المتقدمة .

     ومن دلائل هيمنة بغداد على بقية المدن تركز الجزء الأكبر من المؤسسات الصناعية فيها إذ بلغت نسبتها 57% من المجموع بينما تقل النسبة إلى 0,4% في النجف و0,2 % في دهوك . التركز الصناعي بصورته هذه شكل خللا واضحا في توزيع المشاريع الصناعية ونتجت عنه مشاكل اقتصادية واجتماعية وحتى عسكرية . ونتيجة هذا التركز استحوذت بغداد على الجزء الأكبر من العاملين في المشاريع الصناعية إذ بلغت نسبتها 54% في حين بلغت نسبة البصرة 8,5% وبابل 7,4% ونينوى 6,8% وذي قار 0,8 % والقادسية والنجف 0,6 % لكل منهما .

     ومن المؤشرات الأخرى للهيمنة تركز الخدمات الاجتماعية والصحية في بغداد إذ تتمتع بنسبة 1964 شخصا لكل طبيب بينما البصرة 3778 وذي قار 5822 والسليمانية 6111 . وما ينطبق على الخدمات الصحية وتركزها ينطبق أيضا على الخدمات التعليمية كالمدارس والمعاهد الفنية وعلى الخدمات الضرورية الأخرى مثل توفر المياه الصالحة للشرب والكهرباء والطاقة والمجاري ودور السينما والبنوك والهاتف .

     هيمنة المدينة الكبرى تعد مشكلة من وجهة نظر التخطيط الحضري والسياسة المتعلقة بإيجاد توازن بين النمو الحضري والريفي وبين المدن الكبيرة والمتوسطة والصغيرة .ثم إن تركز المشاريع والاستثمارات في العاصمة أدى إلى استمرار نموها غير المتوازن . وتعزى هذه الهيمنة إلى النقص في تكامل التنمية الاجتماعية والاقتصادية على المستوى الوطني والإقليمي وإلى غياب المشاريع الصناعية والإنتاجية في المناطق الريفية . مما حفز الهجرة الريفية نحو المدن الكبيرة وبالأخص بغداد .

    يبدو أن اتجاه التركز السكاني وتضخم المدن الكبيرة بالأخص بغداد سيتواصل إذا ظلت سياسة التنمية الاجتماعية –الاقتصادية المتوازنة غائبة عن اهتمام السلطة الجديدة . فقد بلغ عدد سكان بغداد حوالي أربعة ملايين نسمة حسب تقدير 1990 والتقديرات الآن ترفع الرقم إلى خمسة ملايين . وفي تعداد 1987 كان يقطنها حوالي 34 % من مجموع السكان الحضر في العراق ويقطن حوالي 48% من هذا المجموع في المدن الثلاث بغداد والموصل والبصرة .

مشكلات التركز الحضري

    يفرز التركز الحضري والتوسع العشوائي للمدن العديد من المشكلات التي بات حلها يصعب يوما بعد آخر وتنعكس هذه في خلق المعوقات الجدية إمام عملية التنمية الاجتماعية –الاقتصادية . وباتت المدن الكبيرة المتضخمة غير قادرة على إستيعاب المزيد من نمو سكانها ومن المهاجرين . وأصبحت عاجزة عن تقديم لخدمات الكافية .

     وقد أصبحت المدن العراقية عرضة لعوامل التلوث البيئي بالأخص بعد حرب الخليج الثانية والثالثة نتيجة استخدام الأسلحة المحتوية على اليورانيوم المنضب وتدهور الخدمات الاجتماعية والصحية وعرضة كذلك لأزمات متتالية في السكن والتموين والمواصلات وفي توفير الخدمات الأخرى . إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض الأجور وانتشار الأعمال الهامشية والفقر واشتداد التوتر الاجتماعي واختلال التنظيم الاجتماعي وضعف الأمن وانتشار الجريمة . ونتج عن توسع المدن ترييف قطاعات من المراكز الحضرية والزحف على حساب الأراضي الزراعية بسبب التوسع الأفقي غير المدروس للمدن فمثلا تبلغ مساحة مدينة بغداد 734 كم 2 ويقطنها حوالي 5 مليون نسمة في حين تبلغ مساحة باريس حوالي 100 كم2 ويسكنها أكثر من 8 مليون نسمة .

     وتعد أزمة السكن من المشاكل المزمنة التي تعاني منها المدن العراقية وقد تفاقمت خلال وبعد الحروب الكارثية التي تسبب بها النظام الدكتاتوري المنهار وحتى قبل الحرب العراقية- الإيرانية 1980-1988 عندنا كان العراق يتمتع بموارد مالية ضخمة  من عوائد النفط كانت 60% من المساكن في حالة رديئة إضافة إلى أن مساحة البناء لا تتطابق مع المقياس العالمي وهو 25-35 م2 لكل شخص بينما تقارب هذه 11 م2 في المنطقة الجنوبية و14 م2 في المنطقة الشمالية و15 م2 في المنطقة الوسطى .

    وأصبحت مرافق الخدمات العامة تعاني من مشكلات عديدة نظرا لتزايد الضغوط عليها فعلى سبيل المثال تجاوزت معظم شبكات المياه في المدن العراقية عمرها الافتراضي وباتت تعاني من تسربات خطيرة مما يسبب هدرا كبيرا واحتمالات التلوث المتبادل مع المجاري . وتفاقمت هذه الوضعية أكثر بعد غزو الكويت في 1990 وما نتج عنه من فرض الحصار الاقتصادي الجائر على العراق وهي الآن أسوء نظرا لغياب حكومة عراقية تدير شؤون البلاد .

     أخيرا فإن التركز السكاني والصناعي والخدمي في مدن قليلة العدد يخلق مشكلات تتعلق بالجوانب الأمنية والاستراتيجية للدولة ككل حيث في حالة نشوب الحروب – هذا ما حدث فعلا – تتعرض المناطق ذات التركز الصناعي العالي إلى الدمار أكثر من غيرها إضافة إلى خطورة تركز السكان في مناطق معينة من البلاد .

           بعض المقترحات للمعالجة

   رغم خطورة النتائج التي يفرزها النمو الحضري غير المتوازن إلا أن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تتبنى سياسة حضرية شاملة إذ بقت هذه أما ناقصة أو مفقودة في الوقت الذي يتطلب العمل تطوير وسائل فعالة للسيطرة على الاتجاهات الحالية للنمو الحضري .

   إن التدابير والسياسات التي يمكن أخذها في الاعتبار أو التي يمكن تنفيذها يمكن تلخيصها بما يلي :
1-  تخطيط التنمية الاقتصادية، بحيث تتضمن توزيع المشاريع الصناعية، بصورة متوازنة بين المناطق الحضرية والريفية .
2-  تنمية المناطق الريفية اجتماعيا وثقافيا وتعليميا وصحيا وخدميا .
3-  تخفيف الضغط على المدن الكبيرة وذلك بتنمية المراكز الحضرية الجديدة والمدن الصغيرة والمتوسطة لاجتذاب سكان المدن الكبيرة وفائض سكان الأرياف .
4-  تطوير صلاحيات البلديات بدرجة كبيرة بخصوص خطط التنمية الحضرية ويتحقق هذا عندما تكون مجالسها منتخبة بطريقة ديمقراطية .كذلك يجب أن تقيم البلديات علاقات وثيقة مع مؤسسات القطاع العام والخاص والمنشئات الاقتصادية ومراكز التدريب والجامعات ومعاهد التخطيط والبحث العلمي .
5-  أن يتم اتخاذ القرارات الخاصة، بمستقبل التحضر والنمو الحضري من قبل مؤسسات التخطيط والإدارة بالتظافر والتعاون مع التخصصات في حقول المعرفة المختلفة . وأن يكون هناك تنسيق بين مؤسسات التخطيط المركزي والمؤسسات المحلية في المدن عند وضع أي خطط تتعلق بتنمية وتطوير المدن .

     من البديهي لا يمكن أن تتحقق تلك التدابير والسياسات بشكل فاعل إلا في ظل حكومة ديمقراطية منتخبة من قبل الشعب العراقي .     

 



#هاشم_نعمة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهجرة السكانية وحرب الخليج رؤية في أنماطها وتأثيراتها- الجز ...
- الهجرة السكانية وحرب الخليج رؤية في أنماطها وتأثيراتها - الج ...
- الهجرة السكانية وحرب الخليج رؤية في أنماطها وتأثيراتها - الج ...
- الهجرة السكانية وحرب الخليج رؤية في أنماطها وتأثيراتها- الجز ...
- قراءة في كتاب -أوروبا :قارة واحدة وعوالم مختلفة
- تهنئة حارة للحوار المتمدن في عامه الأول
- الهجرة السكانية وحرب الخليج رؤية في أنماطها وتأثيراتها - ا ...
- الهجرة السكانية وحرب الخليج رؤية في أنماطها وتأثيراتها - الج ...
- موت مليوني عامل سنويا نتيجة ظروف العمل
- قراءة في كتاب الدولة والمجتمع: مسألة التحول الزراعي في العرا ...
- قراءة في كتاب- ظاهرة طالبان … أفغانستان 1994-1997
- دور الغرب في بناء الماكنة الحربية للنظام العراقي


المزيد.....




- تحقيق لـCNN.. قوات الدعم السريع تطلق العنان لحملة إرهاب وترو ...
- ستتم إعادتهم لغزة.. مراسل CNN ينقل معاناة أمهات وأطفالهن الر ...
- أردوغان يريد أن يكمل -ما تبقى من أعمال في سوريا-
- استسلام مجموعة جديدة من جنود كييف للجيش الروسي (فيديو)
- عودوا إلى الواقع! لن نستطيع التخلص من النفط والغاز
- اللقاء بين ترامب وماسك - مجرد وجبة إفطار!
- -غباء مستفحل أو صفاقة-.. مدفيديف يفسر دوافع تصريحات باريس وب ...
- باشينيان ينضم إلى مهنئي بوتين
- صحة غزة: ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 31819 قتيلا ...
- هل مات الملك تشارلز الثالث؟ إشاعة كاذبة مصدرها وسائل إعلام ر ...


المزيد.....

- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 4 - 11 العراق الملكي 2 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - هاشم نعمة - التركز الحضري ومشكلاته في العراق