أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - علي ماضي - من سيوقف صناعة الغيلان في العراق؟















المزيد.....

من سيوقف صناعة الغيلان في العراق؟


علي ماضي

الحوار المتمدن-العدد: 1726 - 2006 / 11 / 6 - 10:46
المحور: حقوق الانسان
    


كل الأمم المتحضرة التي تهتم بالبناء النفسي السليم لأفراد مجتمعاتها ،تولي تجنيب أبناءها( وخصوصا في مرحلة الطفولة دون سن خمسة عشر عاما ) المناظر المروعة ،وتحرص اشد الحرص على أن يترعرع في ظل نظام تربوي خالي من العنف بمختلف أنواعه ،لذلك تمكنوا من بناء مجتمعات مسالمة ،متحضرة،ولكنها طبعا ليست بمثالية ،فهناك شذوذ عن القاعدة ،وهذا الشذوذ يصنف على انه ،اختلال نفسي ،فترى المجتمع ينهمك بدراسة أسباب هذا الخلل ، ليجنب باقي افرد المجتمع أن يتعرضوا لنفس التشوهات التربوية ،لذا ترى مثل هذه المجتمعات ، قد تضطر إلى إبعاد الابن عن عائلته في حال تعرضه للعنف المنزلي ،أو لنظام تربوي خاطئ ،وليس ذلك فحسب بل تعمد هذه المجتمعات إلى محو الآثار السلبية،لهذا الأنماط التربوية الخاطئة،من خلال إعادة التأهيل النفسي .
حدثني احد أصدقائي عن قصة حقيقية عاش تفاصيلها كشاهد عيان ،حينما كان يرافق والده( في مطلع ثمانينات القرن الماضي،) الذي كان يحضر لرسالة الماجستير،في بريطانيا ،كيف أن احد العراقيين ، قام بذبح شاة في عيد الأضحى ،أمام باب منزله في الحي الذي يسكنه ،وكيف أن الشرطة الإنكليزية قامت باعتقاله ،وأجبرته على دفع نفقات العلاج النفسي لكل من شاهد المنظر المروّع ، وأجبرته على أن يغير محل سكناه ،وذلك من حسن حظه ،لأن نظرات الازدراء وعدم الاحترام ستلاحقه ،وانه لن يحظى باحترام أهل الحي مجددا،أنظر كيف استنفر المجتمع مفاصله ذات العلاقة ،لأن احدهم تعرض لنمط تربوي خاطئ ،لإيقاف هذا الّنمط الخاطئ أولا ،ومن ثمّ محو آثاره السلبية ثانيا، وهم يتبعون الآلية التي ذكرت حتى في أبسط الحوادث،فالعائلة التي يموت كلبها،ولديها طفل لم يعش تجربة الفراق ،والموت فأنهم يعرضون هذا الطفل على مختص ليتأكدوا من أنه اجتاز التجربة بشكل صحيح،من دون آثار نفسية سيئة.
أما في مجتمعاتنا العربية عموما، والمجتمع العراقي خصوصا،فالفوضى التربوية عارمة،إذ أنها تعتمد نظاما تربويا يرتكز على العنف ، بل يتعرض الأطفال في هذه البلدان، إلى مشاهد ، عنف حقيقية تكاد تكون يومية ، فعلى سبيل المثال،وليس الحصر ، بعد أن أكملت الدراسة الابتدائية ،أُغريتُ أنا وزملائي على الالتحاق إلى مخيم كشفي ،تلقينا فيه تدريب عسكري من محترفين، على كافة الصنوف العسكرية ،كان اسم المعسكر الفتى العربي الثالث ، كنّا حينها في بداية مرحلة المراهقة الحساسة ،إذ نحتاج إلى رعاية خاصة تبعدنا عن كل ما من شأنه أن ينمي غريزة العنف لدينا .
ثم بعد ذلك بدأت معركة ما يسمى بالقادسية (الحرب العراقية الإيرانية) ،كان تلفزيون العراق يعرض برنامجا عن الحرب أسمه صور من المعركة ،تظهر فيه لقطات بشعة جدا لأكداس من الجثث المتفحمة ، المتورمة ، تعرض على مرأى ومسمع الأطفال، مصحوبة بالأهازيج التي تبشر بالنصر .
وصل بنا الاعتياد إلى حد أننا نتناول طعامنا ، في ذات الوقت الذي نستمتع فيه بمشاهدة هذا البرنامج المروع ،دون أن يرف لنا جفن، أو يتعكر لنا مزاج .
ماذا كانت النتيجة،أجيال اتخذت من العنف وسيلة مهمة للتعبير عن الذات ،ووسيلة رئيسية لحل المشاكل،وخطاب الآخر ،هذه القسوة اللامتناهية، التي تعصف بالمجتمع العراقي ،ما هي إلا تجسيد لتراكمات الأنظمة التربوية الفاسدة .
أكدت التقارير الإخبارية أن الأرهابين العرب هم من يفجر نفسه، على اعتبار أنهم نشأوا بين أحضان الفكر السلفي التكفيري ، الذي يغرس عقيدة الموت (ألشهادة) في عقول معتقديه ، أما الأرهابين العراقيين فهم من يقوم بالذبح ،والقتل ،والتعذيب الوحشي ، وهذا سببه كما أسلفت أنهم نشأوا في بيئة ساديّة ،تتلذذ بتعذيب الآخرين.
مشاهد العنف الذي تعرضت له أجيالنا ليست بالشيء الذي يذكر قياسا لما تتعرض له الأجيال الحالية ،فالوضع أكثر من مأساوي ،أكثر من 40%من أطفال العراق (الإحصائية تقديرية) بعيدا عن المدارس ، 100%منهم يتعرضون إلى العنف بشتى أنواعه ، ويشاهدون مشاهد اقل ما يمكن أن توصف به ، من إنها وحشية ومروعة ، يروي لي احد أولاد عمومتي انه كان في مجلس عزاء لشاب قتل بسبب العنف الطائفي في بغداد ، يقول :فيما نحن جالسون وإذا بسيارة تتوقف وتنزل منها مجموعة ،وتقول انزلوا الذبيحة ، يقول تصورت أنهم سينزلون كبشا ،أو ما شابه ذلك ،ولكنني فوجئت بأنهم انزلوا شابا ما بين (19_20) ،وكان يتوسل باكيا ( أنا من محبي آل البيت ،أنا أمي شيعية ) ،داروا حوله بالأهازيج وطلبوا من أخ القتيل أن يقتله كان مراهقا يبلغ من العمر (14_15) فارداه قتيلا بأكثر من عشرة اطلاقات في الرأس ، بعدها أخذن النسوة بالزغاريد ، حدث كل ذلك أمام مرأى ومسمع الأطفال ،من مختلف الأعمار.(1)
وينقل لي آخر كيف انه كان مع ابنه الذي يبلغ من العمر 11 عاما ،حيث توقفت أمامهم سيارة على بعد 500 متر قاموا بإلقاء شاب موثوق اليدين ومعصوب العينين من الباب الخلفي ثم ترجل احدهم ليطلق النار (بكل برود) على مؤخرة رأسه ، يقول تركوه وما زال في روحه بقية كان يرفس كالدجاجة المذبوحة ، أوقفت سيارتي على مسافة مناسبة حرصا على أن لا يشاهد أبني هذا المنظر المروع ،علي أستطيع أن أقدم بعض المساعدة ، تجمهر نفر من الناس ،وإذا يأبني يستخدم نقالي في تصوير المشهد المأساوي ، دون خوف أو وجل أو استغراب،وعندما سألته أجابني : بابا أن مكاتب الموبايل تشتري مشاهد الصك(هذا هو الاسم البديل للاغتيال في العراق) الحقيقية بمبالغ عالية، طفل آخر عرضته شاشة العراقية ، كان يقف أمام الكاميرة ويصف أحداث تفجير حفل الزفاف الذي حدث قبل يومين في مدينة الشعب،يصف مشاهد مرعبة،بكل رباطة جأش، ،حيث يقول}وجدت أحدهم رجله مقطوعة،ويداه مقطوعتان،حاولت تحريكه،كان لاطش(ملتصق)على الأرض{، وكأنه يتحدث عن مبارة لكرة القدم ،مسكين أنت أيها الطفل الصغير ،ترى من سيزيح مخلفات هذا المنظر البشع من لا شعورك؟من سيدفع تكاليف علاجك النفسي ،لتستعيد عافيتك؟أطننا سنتركك تواجه مصيرك المجهول لتصبح غول المستقبل.
مشاهد الرعب هذه لا تخص طائفة مسلمة دون أخرى( مع ملاحظة أن العنف في العراق من نتاج إسلامي خالص) ،فالجميع معتقل في محاجر الانتقام ، والحقيقة أن من حفز مارد العنف ،على أن يبعث من مرقده الكامن في لا وعي المجتمع العراقي عموما، هم السلفية ،واز لام صدام من فدائيين ،وجلادين أدمنوا القتل والتعذيب ، في زمن كان الجلادون يمنحون فيه أوسمة وأنواطا كلما ارتقت جرائمهم بشاعة على سلم تصنيف الأجرام والوحشية ،من خلال قتل السّنة والشّيعة على حد سواء ليجرّوا المجتمع العراقي إلى حرب أهلية، ليجسدوا نبوءة عرّابهم الشهيرة ،(سنسلمهم بغداد تراب).
بعد هذا الاستعراض لما تعرّض و يتعرض له الإنسان في العراق بصورة عامة ،والأطفال بصورة خاصة ، أتوقع ما يلي:
1. أن يتمكن القارئ من أن يدرك ضآلة ما تعرضت له الأجيال في أحضان البعث(على الرغم من فداحتها) ،بالقياس لما يتعرض له الإنسان ألآن ،فإذا كان هذا الكم من العنف في زمن البعث المقيت ،أطلق هذه الغيلان التي تقتل للقتل ليس إّلا ،ساترك لخيال القارئ أن يسبح في فضاءاته لعله يجد بين أروقتها ما يسعفه ،لتصور ،بشاعة الغيلان التي ستنتجها الظروف التي تعصف بالعراق ،ولعله يدرك حجم خطورة المرحلة المقبلة.
2. أن يتمكن القارئ من طرح جملة من الأسئلة،منها
• إذا كنّا لا نقدم لأطفالنا نظاما تربويا صحيحا ،بل ونلقي بهم في خضم بحر من العنف،والموت ،هل يحق لنا أن نقتص منهم فيما لو أصبحوا غيلان المستقبل؟
• إذا كنا قلقين حيال مستقبل أبناءنا ، كيف يمكن لهم أن يعيشوا ،في بلد ستسوده الغيلان ؟ ألا يحق للعالم أن يقلق حيال أجياله المقبلة مما يعرف بالشرق الأوسط ،بؤرة الإرهاب العالمي ؟ويقدم مشاريع ومقترحات،كما هو الحال مع مشروع الشرق الأوسط الكبير.
• ويبقى السؤال الأكثر أهمية،من سيوقف صناعة الغيلان في بلدي؟.....
يقال عن مطار هيثرو العالمي،لوصف حركة الطائرات فيه ،في كل دقيقة تهبط طائرة وتقلع أخرى ، وأنا أقول أن في العراق في كل دقيقة يموت إرهابي(غول) ويولدون عشرة.
1.ارجو أن لايفهم من يقرأ مشاهد العنف التي ذكرت من انني اتهم الشيعة بالعنف فقط ،فالحقيقة أن العنف الشيعي لم يكن إلا رد فعل لما قامت به الطائفة الاخرى .



#علي_ماضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إقليمي الوسط و الجنوب المزمع إقامتهما في العراق
- قراءة متاخرة في الحدث اللبناني
- العلمانية
- الاشعور
- صديقي ومنطق العجوز الأنكليزية
- سياسة الحمق في ايران والعراق
- شمس التغير لن يحجبها غربال
- بلدي بين ياسي وتفاءلي
- صراع الديكة
- العقلية البدائية
- لقطات
- دراما المشهد السياسي في العراق
- أحداث ألاعتداء على المراقد... تحت المجهر
- مسكوا الحمار
- حطوتنا الثالثة
- افرحني..ابكاني...اغضبني
- اكلت يوم اكل الثور ألأبيض
- كيف نقيم وننتخب؟
- ما نحتاجه ألآن
- الشروع في قلع الطبوع


المزيد.....




- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...
- حماس: لا نريد الاحتفاظ بما لدينا من الأسرى الإسرائيليين
- أمير عبد اللهيان: لتكف واشنطن عن دعم جرائم الحرب التي يرتكبه ...
- حماس: الضغوط الأميركية لإطلاق سراح الأسرى لا قيمة لها
- الاحتلال يعقد اجتماعا لمواجهة احتمال صدور مذكرات اعتقال لعدد ...
- مسؤول أمريكي: قرار وقف النار وتبادل الأسرى بيد السنوار.. وقد ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - علي ماضي - من سيوقف صناعة الغيلان في العراق؟