أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - أخطاء وخطايا الكتابة في الدين - الجزء الأول















المزيد.....


أخطاء وخطايا الكتابة في الدين - الجزء الأول


نهرو عبد الصبور طنطاوي

الحوار المتمدن-العدد: 1725 - 2006 / 11 / 5 - 10:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ما كنت أود الكتابة في هذا الموضوع لولا ما استفزني من كثير من الكتاب الذين يكتبون في الدين سواء المؤيدون للدين أو المعارضون له ، وإن ما يدعو إلى الاستفزاز ، هو جهل البعض بأبسط معاني مفردات الدين ، ولا أدري هل هذا الجهل مقصود ومتعمد؟ أم هو جهل حقيقي ناتج عن قصور في ثقافة بعض من يكتبون في الدين؟؟ ، أم هي حرفة لجني الرزق؟؟ ، والحقيقة أني لا أدري ما هي الحقيقة!!.
والحقيقة أني قرأت مقالا لكتاب يدعى (صلاح الدين محسن) على موقع الحوار المتمدن بعنوان (سوبر ماركت القرآن) ، والذي يعتبر نفسه كاتبا في الدين لكنه ليس من المؤيدين له ، بل من المعارضين للدين وخصوصا الدين الإسلامي ، وحين أقول الدين أعني بالدين النص الديني (القرآن) ولا أعني إطلاقا المسلمين ولا الفقهاء ولا التراث ولا التاريخ بل ما أعنيه بالدين هو النص الديني ، وبما أنه يكتب في وعن الدين (النص الديني) كما قال عن نفسه ، فكان من المفترض به وأضعف الإيمان أن يلم بمعاني مفردات الدين الذي يريد أن يكتب عنه حتى لا يقع في أخطاء تضعه في موقف لا يحسد عليه ، ولا يقع في خطيئة نقل معلومات مغلوطة للناس ، وبذلك يكون شوه وجه الحقيقة واستخف بعقول القراء ، وأنا هنا لا أدافع عن النص الديني بقدر ما أدافع عن المصداقية والموضوعية والنزاهة العلمية في تناول الموضوعات التي يتم الكتابة فيها.

وحين قرأت هذا المقال للأستاذ صلاح الدين محسن وجدته يهاجم القرآن الكريم ويشن عليه جام غضبه ويسمه بالتناقض والتضارب في آياته وأحكامه ، ثم قام بسرد بعض الآيات التي رأى هو أنها متناقضة ومتضاربة ، وحول هذا أتوجه هنا برسالة له ولكل من يكتبون في الدين ، وأقول أنا لا يحق لي أو لغيري أن يمنع أحدا من الكتابة في الدين أو عن الدين سواء بالتأييد أو المعارضة لأن الكتابة في الدين وفي غير الدين هو حق خالص لكل فرد ، ولكن ما أعترض عليه هو أن من يكتب لا يكون ملما بأبسط معاني مفردات الدين مما يؤدي إلى تشويه الحقائق واتهامه بعدم المصداقية وعدم الحياد ، فقد وجدت في مقال الأستاذ صلاح من الأخطاء الشنيعة التي لا يمكن التسامح معه فيها ، فمثلا وجدته يصف بعض كلمات القرآن بأنها غير مهذبة مثل كلمة (استنكحها) دون أن يذكر الأستاذ صلاح للقارئ ما هو وجه الاعتراض في أن هذه الكلمة غير مهذبة ، مما يشعر المرء بأن هناك شيء ما وراء النقد الذي لا مبرر منطقي أو علمي له ، بل لقد وجدت الأستاذ صلاح يعترض على بعض التصرفات التي ذكرت في القرآن مع أنه هو من طالب بها أكثر من مرة في مقالته مثل أن تختار المرأة بنفسها شريك حياتها وتعرض عليه ذلك ، فانتقد الأستاذ صلاح مثل هذا التصرف بدون مبرر ، بل إنه اعتبر أن المرأة التي تفعل ذلك فقد جعلت من نفسها خروفا أو معزة كما ذكر هو بالنص ، وسوف أتناول كل ما جاء في مقاله وأحاول مناقشته بطريقة موضوعية وليس دفاعا عن القرآن حتى أتحرى الحيادية قدر المستطاع.

وهنا أتوجه إليه بالقول وبكل موضوعية وأقول له دعني أتفق معك في بعض ما جاء في مقالك (سوبر ماركت القرآن) ودعني أختلف معك أيضا في بعض ما جاء فيه.

# أولا: دعني أتفق معك:
1- أتفق معك على رفض واستنكار أي وسيلة من وسائل المنع والمصادرة والحجر والمقاضاة والرقابة على أفكار الناس ومعتقداتهم وكتاباتهم وتعبيراتهم من أي شخص سياسي كان أو رجل دين أو مؤسسة أو نظام أو أي جهة كانت سياسية أو دينية, فحرية التعبير وحرية الرأي والمعتقد والفكر هو حق وغريزة إنسانية أقرتها الطبيعة الإنسانية قبل أن تقرها قوانين الأمم المتحدة ولا غيرها, وهذا النوع من الحرية حق أثبتته الفطرة الإنسانية والكرامة الإنسانية قبل القوانين وقبل الأديان وذلك لسبق الإنسان في الوجود أولا على الأديان والقوانين.

2- دعني أتفق معك في أن هناك كم هائل من الشروح والتفسيرات والتأويلات والاجتهادات والجدل حول أحكام القرآن, وكما قلت أنت أنه جدل لا ينتهي.

3- دعني أتفق معك على أن الضحية في النهاية هم أولئك الناس البسطاء الذين ليس لديهم الوعي الكافي ولا الثقافة الكافية ولا الأدوات الكافية لتلمس الحقيقة المنشودة الواحدة الوحيدة حول وجهة أحكام الدين.

ولكن ألا ترى معي أن هذه الاختلافات الهائلة التي ليست فقط في الدين الإسلامي بل في كل الأديان راجعة إلى وجود مصادر كثيرة ومتعددة داخل كل دين من الأديان؟ وألا ترى معي أن تنوع المصادر يؤدي حتما إلى تعدد وجهات النظر وتعميق الخلاف بين أتباع الدين الواحد؟ , ولنأخذ الإسلام كمثال, فأنت تعلم أن للإسلام كما يعتقد الغالبية العظمى من المسلمين عدة مصادر هي: (القرآن والسنة والإجماع والاجتهاد والقياس والاستنباط وأقوال الصحابة والأئمة والفتاوى) والمفارقة هنا أن جميع طوائف وفرق ومذاهب المسلمين متفقون على أن القرآن هو المصدر الأول والأساسي للدين ، ومع ذلك أبوا إلا أن يعتمدوا مصادر أخرى مصطنعة كالسنة والإجماع والاجتهاد والقياس والاستنباط وأقوال الصحابة وغيرها من المصادر, وهذه المصادر المضافة على المفترض أنه المصدر الأساسي والوحيد وهو القرآن أوصل المسلمين إلى ما هم فيه اليوم من تشرذم واختلاف وتضاد وتنوع حول أحكام الدين, وكما ذكرت أنت أيضا مسألة الحجاب هل هو حجاب أم خمار أم نقاب أم حشمة وعفة؟ فلم يتفقوا ولن يتفقوا عليه ما دام أن هناك حزمة من المصادر المتناقضة والمختلفة والمتضاربة مع التذكير بأن كلمة الحجاب بالمفهوم الدارج وأنه يعني زي معين, فهذه الكلمة بهذا المفهوم لم ترد في القرآن ولا حتى فيما يسمى بالسنة, وهكذا مسألة رؤية هلال رمضان وغيرها من المسائل والقضايا.

4- دعني أتفق معك في أن لك كامل الحرية في أن تنتقد الإسلام ولك كامل الحرية في أن تعتقد الإسلام أو لا تعتقده, أو تعتقد أي دين آخر أو لا تعتقد أي دين, ودعني أتفق معك في أن هذا حق خالص لك كإنسان حر مختار لكل أفعالك وكل تصرفاتك وكل معتقداتك وتوجهاتك ولا يحق لشخص مهما كان أن يلومك أو يصادرك أو يقهرك ما دام أنك لا تؤذي أحد أو تعتدي على حق أحد.
ومن حقك أيضا أن تكتب ما تراه صحيحا من وجهة نظرك ، ومن حقك أن تنتقد أي شيء بما فيها الأديان والكتب الدينية والسماوية والأشخاص مهما علا شأنهم, وبما أنك تكتب ليقرأ الناس فمن حق الناس أن يناقشوك وبما أني قرأت لك فمن حقي أن أناقشك وأختلف معك وأعقب عليك بأسلوب متحضر متمدن, وانطلاقا من هذا الحق سوف أقوم بمناقشتك في مقالك سالف الذكر وأختلف معك.

# ثانيا: دعني أختلف معك :
1- دعني أختلف معك ومع الدكتور حسن حنفي في مسألة أن القرآن يشبه السوبر ماركت, فأنا أرى أن هذا التشبيه مجانب للصواب تماما ، لأن مكونات السوبر ماركت تختلف عن محتويات القرآن, فمثلا السوبر ماركت فيه السكر وفيه الملح, فالزبائن التي تريد السكر لن يأخذوا شيء غير السكر والزبائن التي تريد الملح لن يأخذوا شيئا غير الملح, بمعنى أن من يريد سكرا مستحيل أن يأخذ بدلا منه ملحا، ومستحيل من يريد ملحا أن يأخذ بدلا منه سكرا, لأن السكر من المستحيل أن يقوم مقام الملح، ولا الملح يحل محل السكر, فلكل مادة منهما استخداما لا تصلح المادة الأخرى أن تحل محلها, فمثلا الطعام الذي يحتاج إلى الملح لا يمكن أن يوضع فيه سكر، وكذلك المأكولات والمشروبات التي تحتاج إلى سكر لا يمكن أن يوضع فيها ملحا وهكذا بقية بضائع السوبر ماركت.

أما القرآن أو أي كتاب سماوي أو غير سماوي آخر أو أي كتاب في أي مجال من مجالات العلوم الدينية أو الفلسفة أو القانونية أو العلمية أو السياسية فلا يمكن المقارنة أو المشابهة بين موضوعاتها وكيفية التعامل معها والاقتباس منها أو فهمها أو تطبيقها وبين مواد وبضائع السوبر ماركت, فبضائع السوبر ماركت يتم انتقائها واختيارها عن طريق معدة الإنسان وما تشتهيه من ألوان الطعام, أما موضوعات الأديان والعلوم والفلسفات بشتى أنواعها فطريقة التعامل معها تتم بطريقة أخرى ومذاق آخر ألا وهي طريقة العقل ومذاق العقل, فبيئة العقل وعناصر هذه البيئة تختلف تماما عن بيئة المعدة وعناصرها, وكما سبق وأن قلت إن من يحتاج من السوبر ماركت سكرا لا يمكن أن يأخذ ملحا أو أي شيء آخر حتى لو كان هذا الشيء عسلا, فلكل عنصر من عناصر السوبر ماركت خصوصية واستعمالا لا يمكن لأي عنصر آخر أن يحل محله.

أما المادة العقلية والفكرية المكتوبة والمقروءة سواء كانت دينا أو فلسفة أو قانونا أو تاريخا أو أي علم آخر, هذه المادة العقلية والفكرية تتعامل معها العقول وليس المعدة، فأنت وغيرك تعرفون جيدا أن عقول الناس متفاوتة في الفهم والإدراك والتناول مهما كانت مكانة أصحاب العقول, فمثلا العلماء والأطباء والفلاسفة والفلكيين يختلفون حول تفسير ظاهرة بعينها سواء كانت طبية أو علمية أو فلسفية أو فلكية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو فكرية أو أي ظاهرة كانت, فكل واحد من هؤلاء العلماء يقرأ الظاهرة أو الفكرة من زاوية تختلف كليا أو جزئيا عن الآخر, فلكل منهم منظوره الخاص وتناوله الخاص وقناعته الخاصة, فمثلا المادة القانونية الواحدة قد يكون لها أكثر من تفسير وأكثر من احتمال وقد يختلف البعض على تفسير المادة القانونية وقد يتفقوا, وهكذا في جميع كتب الأديان والقانون والسياسة والاقتصاد وغيرها من كتب العلوم الأخرى.

إذن فليس القرآن وحده من اختلف الناس حوله وليس القرآن وحده من تناقض الناس في فهم أحكامه, بمعنى أن القرآن لا يحمل في ذاته مادة التناقض ولا غيره من الكتب والدراسات, إنما التناقض يكمن في الأشخاص الذين يتعاملون مع هذه العلوم، وأكبر دليل على ذلك أن في العالم ما يزيد على المليار مسلم وكلهم يؤمنون بالقرآن فهل يمكنك القول بأن المليار مسلم كلهم إرهابيون ومتطرفون ومتعصبون ؟ فإن كان الجواب بلا وهو المفترض، فالعيب ليس في القرآن وإنما العيب في من يأخذ من القرآن وفق هواه ووفق مذهبه ووفق توجهه ووفق أغراضه الدينية والسياسية والشخصية, ومن هنا ينشأ الخلاف والاختلاف من داخل الناس أنفسهم ومن داخل شهواتهم وأطماعهم ومصالحهم الشخصية والأنانية المحضة.

وقد قرأت لك ولغيرك أكثر من مرة اتهامك للقرآن بأنه هو من يقف وراء أعمال العنف والإرهاب، القرآن والقرآن فقط, ودعني أسألك لماذا لم يتحول الأكثر من مليار مسلم إلى إرهابيون وقتله مع أنهم كلهم يقرؤون القرآن؟ وألا تعتقد معي بأن من الممكن أن تكون السياسة هي من تقف وراء القرآن أو المصالح الشخصية أو الأطماع أو السلطة أو الجهل أو قلة الثقافة؟

ودعني أسألك أيضا ألا ترى معي أن كثيرا من المثقفين والكتاب لا تهتز ضمائرهم ولا تتألم قلوبهم لجريمة ترتكب في العالم إلا إذا كانت هذه الجريمة بدافع ديني وخصوصا الإسلام؟ أليس هناك عشرات بل المئات من الجرائم التي ارتكبت وترتكب وسترتكب بدافع سياسي أو قومي أو اقتصادي أو مصلحي؟
فهل الجرم بدافع ديني هو جرم, والجرم بدافع سياسي أو اقتصادي أو مصلحي أو قومي أو استعماري هو جرم مباح وغير مؤاخذ أو مبرر طالما أنه يتشح بوشاح الدين ؟
أليس الجرم هو الجرم؟ والجريمة هي الجريمة؟ والقتل وسفك دماء الناس هو القتل وسفك الدماء، سواء كان بدافع ديني أو سياسي أو قومي أو استعماري أو مصلحي؟
أم أن هناك معيار للجريمة والجرم لا يعرفه معظم الناس؟؟؟.
ألم يقتل عشرات الملايين من البشر في أكبر وأفظع وأجرم وأبشع مجزرتين بشريتين في العالم في الحرب العالمية الأولى والثانية؟ مجزرتان لم يشهد التاريخ البشري لهما مثيل على الإطلاق, فهل كان القرآن أو الإنجيل أو التوراة أو غيرهم من الكتب الدينية هم من وقفوا وراء إشعال نيران هذه المجازر البشرية القذرة؟ ألم تحدث هذه المجازر تحت مظلة العلمانية والإلحاد والديمقراطية والحرية؟
والله إني لأتوقع أن يأت يوما أجد فيه مقالا يثبت صاحبه أن الإسلام والقرآن هما السبب الرئيسي وراء اندلاع الحرب العالمية الأولى والثانية فكل شيء متوقع في هذا الزمان!! .

إن المكمن الحقيقي للداء يتمثل في الحالة التي يعيشها العالم العربي, حالة الارتجال والسطحية والإقصاء والتهميش والإسفاف والاستخفاف بعقول الناس والابتذال والانتقاء والاجتزاء وعدم النزاهة والاصطياد والتربص والتربح والإفلاس والأمية في أبسط قواعد العلم والبحث.
هذه الحالة البائسة التي يعيشها العالم العربي على كافة المستويات الدينية والثقافية والسياسية والاقتصادية والتي تدعو إلى الغثيان, هذه الحالة التي تصاحب الشخصية العربية أينما حل أو ارتحل وحيثما نقل أو انتقل لا تفارقه متدينا أو ملحدا أو ديمقراطيا أو ليبراليا أو علمانيا مهما غير جلده أو بدل دمائه.

فيوميا أحاول حسبما يسمح لي الوقت أن أتصفح بعض مواقع الإنترنت لعلي أجد مقالا أو دراسة تمتاز بالعمق والموضوعية والنزاهة والشمولية والتجرد تأخذني من وقتي, من شعوري, من متاعب العمل, أغوص معها وأغوص فيها ولا أستفيق منها إلا بعد قراءة آخر كلمة فيها, مهما كان عنوانها أو موضوعها ومهما كان كاتبها ومهما كان توجهه لكن قليل ما أجد ذلك, أما بقية المواضيع ما هي إلا معارك شخصية أو معارك دينية أو معارك سياسية وكلها معارك فئوية حزبية طائفية أو بعضها عبارة عن عمليات قص ولصق وترقيع, شيء من هنا وشيء من هناك, أو تجربة شخصية لا تقل تفاهة عن برامج التلفزيونات الرسمية الحامضة, أو بعضها عبارة عن خطبة مرتجلة كلها حماس تشبه خطب بعض قادة الجماعات الدينية حين تنتفخ أوداجه وتحمر عينيه ويتناثر اللعاب من فمه.

وفي بعض الأوقات تستوقفني دراسة ما أو مقالة ما، أشعر معها بمدى العمق الذي يفقدني الإحساس بالوقت والزمان والمكان وقد يكون مقالا أو دراسة في الإلحاد أو علم النفس أو الفلسفة أو السياسة أو الدين مهما اختلفت أو اتفقت مع مضمونها إلا أنني في ختامها أجد نفسي دون أن أشعر أهديها ابتسامة إعجاب وتقدير لكاتبها وذلك لما تحتويه من عمق ومنطق وعلم وثقافة وأسلوب وشمولية وتجرد ونزاهة وأدب وتحضر وسعة اطلاع وغزارة في المعلومات وتنوع في شتى فروع العلم لدرجة أنني أجد نفسي في نهاية المقال قد ابتسمت إعجابا وتقديرا للمقال وكاتبه حتى ولو كان المقال في صميم الإلحاد أو العلمانية أو السياسة أو الدين أو في أي شيء, ويبدو أن مثل هذه المقالات والدراسات قد بدأت في النضوب حتى تحتل مكانها الخطب والمعارك والتجارب الشخصية والإسفاف والارتجال والسخرية والاستخفاف بعقول الناس .

يا أستاذ صلاح نحن العرب لا ينقصنا العلم إذا أردنا أن نتعلم ولا ينقصنا الفكر إذا أردنا أن نفكر, لكن في الحقيقة ما ينقصنا هو الأخذ بأدوات العلم التي اتبعها الغرب وأساسياته وأصوله, فهناك اختراع في الغرب موجود منذ زمن اسمه قواعد المنهج العلمي موجود منذ ديكارت واضع المنهج العقلي وبيكون واضع المنهج التجريبي, هذا المنهج له أسس وأصول تقوم على الحياد وعدم السبق بالأحكام، والموضوعية، وعدم اجتزاء الحقائق، والتجرد أي النزاهة العلمية، والإحصاء الشامل، والبعد عن استخدام العلم لتبرير المواقف والتوجهات والنيات المبيتة، هذا المنهج هو الذي أوصل الغرب إلى ما هو فيه من حضارة وتقدم.
أما نحن فليس لدينا منهج علمي ولا عقلي ولا تجريبي ولا بطيخي, نحن ليس لدينا إلا الارتجال والسطحية والأمية الثقافية والابتذال والاستخفاف بعقول الناس, وما من شخص تخطى أسس وأصول المنهج العلمي في كتاباته أو دراساته إلا وكثرت مزالقه وزلاته وعثراته, ودعني أقدم لك بعض الزلات الفادحة والمفترض أنها لا تصدر من شخص لا يكتب إلا في وعن الدين الإسلامي فقط كما ذكرت أنت ذلك.
لقد قلت في مقالك المعنون (سوبر ماركت القرآن) ما يلي :
[ ومن يريد دليلا على وجود حد قتل المرتد فسيجد بالقرآن (ما لكم لا تقاتلون قوما نكثوا إيمانهم) (سورة التوبة – آية 13) انتهى.
أولا: لقد أخطأت في نص الآية, فنص الآية يقول { ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم } فالآية ليس فيها (ما لكم)كما ذكرت فهذه زيادة من عندك.
ثانيا: لم تذكر النص الكامل للآية وهو كالتالي: (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) هذا هو النص الكامل للآية.
ثالثا: أنت قصدت من هذا الجزء الذي ذكرته من الآية أن توهم القارئ بالتالي: مالكم لا تقاتلون قوما نكثوا أي نقضوا وارتدوا عن إيمانهم, واسمح لي بأن أقول لك بأنك قد جانبك الصواب, بل دعني أقول لك إذا أردت تكتب في وعن الدين الإسلامي فقط, فعليك أن تتعلم أولا كيف تقرأ آيات وكلمات القرآن بشكل صحيح, واعلم أني لا أقلل من شأنك إطلاقا ولا أستخف بك ولكن هذه هي الحقيقة, فما اتضح لي أنك لا تقرأ كلمات القرآن بشكل صحيح وبالتالي يخونك فهم النصوص القرآنية، ودعني أثبت لك ذلك بالدليل القطعي, أنت سقت هذا النص للدلالة على وجود حد للردة في القرآن حيث فهمت أنت أن القرآن يحض على قتل من نكث إيمانه, ولكن النص لا يتحدث عن الإيمان بكسر الهمزة إطلاقا وإنما يتحدث عن الأيمان بفتح الهمزة وهناك فرق شاسع بين الإيمان بالكسر والأيمان بالفتح.
فالإيمان بالكسر ووضع الهمزة تحت الألف هو المعتقد الديني أما الأيمان بالفتح وضع الهمزة فوق الألف جمع يمين أي العهد والقسم والذي جاء في النص القرآني هو: (نكثوا أيمانهم) أي عهودهم ومواثيقهم وليس الإيمان المعتقد الديني.
وإذا كان ذلك كذلك، فما هو وجه الدلالة من هذه الآية على حد الردة؟؟؟
رابعا: إن النص الكامل للآية لا يتحدث إطلاقا عن قتال المرتد وإنما النص يتحدث عن مقاتلة الذين نقضوا أيمانهم أي عهودهم ومواثيقهم وأخرجوا الرسول من داره وماله ووطنه وهم من بدأ بالعدوان أول مرة وهذا هو النص الكامل للآية: (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين).
فما اتضح لي يا أستاذ صلاح أنك لا تعرف الفرق بين لفظ الإيمان ولفظ الأيمان وهذه مصيبة، وإن كنت تعرف فالمصيبة أعظم!!!.
أعلمت كيف يصبح القرآن (سوبر ماركت)؟؟ لأن كل منا يأخذ منه على نفس الشاكلة, يأخذ ما يريد من القرآن وما يوافق هواه وتوجهه ومصالحه الشخصية أو لحاجة في نفسه, فبهذه الطريقة وبهذه الطريقة فقط الغير موضوعية والمجتزأة والغير نزيه والغير كاملة أصبح القرآن سوبر ماركت كما قال الدكتور حسن حنفي ثم دعني أسألك سؤالا, وإذا كنت تصر على أن حد الردة موجود في القرآن، فلماذا تلوم هذا الشاب المتعجل كما تقول لو قتل حسن حنفي أو أي شخص آخر, أليس هذا دينه وعقيدته فلم اللوم إذن؟!!
هذه زلة , وإليك الزلة الأخرى:

لقد قلت في محكم مقالك ما يلي: (ومن أراد آية بالقرآن تجيز أن تهب امرأة نفسها .... الخ ), في نص كلامك هذا ثلاث اعتراضات هي:
1- الاعتراض على أن تهب امرأة نفسها للنبي.
2- الاعتراض على لفظ يستنكحها غير المهذب.
3- الاعتراض على أن محمد على خلق عظيم مع وجود لفظ يستنكحها.
نذكر نص الآية كما ورد في سورة الأحزاب ثم نناقش اعتراضاتك, قال تعالى: (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).

1- أما اعتراضك الأول على أن تهب امرأة مؤمنة نفسها للنبي:
فقد قلت (تهب نفسها لا أن تهب خروفا أو معزة أو بيتا , بل تهب نفسها) كما قلت, وهنا نسأل هل وهبت هذه المرأة نفسها للنبي ليمتلكها أو على سبيل الهدية؟ الجواب: هذه المرأة وهبت نفسها للرسول أي عرضت نفسها على النبي ليتزوجها بدليل نص الآية:(إن أراد النبي أن يستنكحها) أي يتزوجها, وهنا نسأل أليس أنت يا أستاذ صلاح من المنادين ليل نهار في معظم مقالاتك بحرية المرأة في اختيار شريك حياتها وزوجها وأن هذا شيء يتعلق بحقوق الإنسان؟؟؟
وما فعلته هذه المرأة المؤمنة هو حقها الخالص في اختيار الرسول كزوج لها, ولكن يبدو أن حقوق الإنسان لأناس دون آخرين ويبدوا أن المرأة لها الحق في اختيار زوجها في أي مكان في العالم لكن إذا تعلق الأمر بالإسلام تصبح المرأة بهذا خروفا أو معزة أو بيتا.
ودعني أطرح عليك سؤالا وعلى من يدافعون عن المرأة, هل بدفاعكم عن المرأة تريدون لها أم تريدون منها ؟؟؟؟، إذ هناك فرق شاسع بين من يدافع عن المرأة يريد لها وبين من يدافع عن المرأة يريد منها!!.

2- الاعتراض على لفظ (يستنكحها) غير المهذب:
لقد قلت في مقالك أن لفظ يستنكحها هو لفظ غير مهذب, وهنا نسألك لماذا لم تذكر للقراء أين تكمن قلة الأدب وعدم التهذب في هذا اللفظ؟؟, ثم ألا تتفق معي أن قبح اللفظ وحسنه يكمن في مدلوله ومعناها واستخدامه وليس في مجموع حروفه, ودعني أضرب لك مثالا: لو قال زيد لعمرو أنت حمار, هل كلمة حمار كلمة غير مهذبة من حيث مجموع حروفها ومعناها الأصلي؟ أم أن استخدام الكلمة في موضع السب والتحقير هو الغير مهذب؟ الجواب بالتأكيد كلمة حمار كلمة عادية لأنها تدل على حيوان بعينه لكن استخدامها للنيل من عمرو وتحقيره وإهانته هو الغير مهذب.
وتعال معي نتعرف على كلمة النكاح المشتق منها الفعل يستنكحها ونرى ما هي الدلالة الأصلية لهذه الكلمة؟
إن الفعل نكح كما جاء معناه ومدلوله في اللسان العربي يعني القطع بالعهد أو بالعقد, بمعنى أن يقطع الإنسان على نفسه بعقد أو عهد, والنكاح في اللسان العربي هو العقد على المرأة قبل الوطء أي قبل الدخول بها.
وهنا نسأل إذا كان لفظ يستنكحها الوارد في الآية قد ورد بمعنى عقد الزواج قبل الدخول وهو المدلول الأصلي للكلمة فعلى أي أساس استقذر الأستاذ صلاح لفظ يستنكحها؟ وهل الأستاذ صلاح كان يعلم معنى اللفظ قبل وصفه له بغير المهذب أم كان لا يعلم؟ فإن كنت تعلم معناه فعلى أي أساس وصفته بغير المهذب؟ وإن كنت لا تعلم فعلى أي أساس وصفته بغير المهذب؟ أليس من المفروض عليك يا أستاذ صلاح على أقل تقدير إذا أردت أن تكتب في وعن الدين أن تكون ملما بمعاني ومفردات هذا الدين حتى لا تضع نفسك في موضع لا تحسد عليه؟؟؟.



#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعلن انسحابي
- الفرار إلى الله والفرار منه
- حوار الأديان أطرافه مفتقدة الأهلية
- تعقيب على رد الأستاذ أسعد أسعد ، ليس المسيح والله شيء واحد
- محاضرة البابا بين الله المسيحي والله المسلم
- محاضرة البابا وردود الأفعال
- الولاء والبراء في القرآن
- نهرو طنطاوي يرد على كامل النجار - القرآنيون ليسوا خوارج
- الجهاد والقتال في سبيل الله كما جاء في القرآن - الجزء الرابع
- الجهاد والقتال في سبيل الله كما جاء في القرآن - الجزء الثالث
- نهرو طنطاوي يرد على الأستاذ مدحت قلادة
- الجهاد والقتال في سبيل الله كما جاء في القرآن - الجزء الثاني
- الجهاد والقتال في سبيل الله كما جاء في القرآن - الجزء الأول
- المثقف ورجل الدين وليس من أحد معصوم
- الناسخ والمنسوخ بين فتاوي بن باز وعقلانية ذكريا بطرس -الجزء ...
- الناسخ والمنسوخ بين فتاوي بن باز وعقلانية ذكريا بطرس - الجزء ...
- طاعة الرسول واجبة في حياته وليست بعد وفاته
- الله والآخر بين الأوصياء على الدين والكتب المقدسة
- الاجتهاد الديني تشريع إلهي أم اختراع بشري؟
- محاولة لقراءة جديدة للإسلام في كتاب نهرو طنطاوي


المزيد.....




- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...
- الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - أخطاء وخطايا الكتابة في الدين - الجزء الأول