أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نضال نعيسة - الجريمة والنقاب















المزيد.....

الجريمة والنقاب


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1725 - 2006 / 11 / 5 - 10:48
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


انشغل العرب والمسلمون، وعبر تاريخهم المديد، بمسائل التكفير و"التمريق"، وحف الشوارب، وقضايا الحجاب، والنقاب، واللحية، والحيض، والنفاس، وشعر العانة، ونقض الوضوء، وتقصير الأثواب، وتركوا القضايا الفكرية، والفلسفية الكبرى، والمسائل الهامة كالحرية، والعلمانية، والديمقراطية، وتقديس المبادرات الفردية المبدعة، والعلوم الحديثة، والفيزياء النووية لـ"الكفار" و"الأغيار"، الذين سيطروا على الأجواء، والسموات السبع الطباق، وصاروا يتجسسون على كل شيء، حتى على غرف نوم الزعماء، ومخادع، وقلاع النساء المحصنة، والتي أجهد المسلمون أنفسهم، وعبثاً، بإخفائهن، عن عيون الآخرين. وبالرغم من كل هذه المعطيات المريرة الفاقعة، تبرز، الآن، قضية النقاب، كواحدة من أكبر "تحديات" العصر المصيرية، التي يواجهها العرب والمسلمون، وأم المعارك الكبرى التي نذروا أنفسهم لها في الغرب.

أضحى النقاب، تلك العادة الاجتماعية الصرفة، وبكل ما فيها من عملية ترميز مركزة لطبيعة نظم التعتيم الفكرية السائدة، والتي لا علاقة لها بأي شكل من أشكال الورع، والتقوى، والإيمان، ونقضها كثير من الفقهاء و"العلماء"، رمزاً للتجاذب الحاصل ما بين قوى الحداثة، وقوى التيار السلفي الأصولي الطامح للعودة لحقب زمنية خلت، وصارت في ذمة الزمان، ولا يمكن إعادة انتاجها بأية حال. كما أن إثارة تلك المسائل بين الفينة، والأخرى، تبدو في أحد وجوهها، عرضاً للعضلات، وتحدياً لتطور المجتمعات، يشهره لوبي التأسلم السياسي المتحالف، أبداً، مع أنظمة الطغيان. ولنعترف، بادئ ذي بدء، أن النقاب، هو أحد أهم تداعيات، وتجليات ما يسمى بـ"الحقبة السعودية"، التي أدت إلى انهيار قيمي، وسلوكي كارثي، وشامل في هذه المنطقة، التي يطلق عليها، تجاوزاً، اسم الوطن العربي. وتزامن انتشار هذه الظاهرة، مع ازدهار تلك الحقبة بفعل عوائد النفط الضخمة، وانتشار الفكر الوهابي المتزمت في العديد المجتمعات العربية، والذي كان مجهولاً، ولم يكن موجوداً البتة، خارج أراضي مملكة آل سعود، قبيل ستينات القرن الماضي، وخسرت هذه المجتمعات، بذلك، جلّ رصيدها التنويري الآفل، والذي جمعته، بالكاد، من عهود ما بعد الاستقلال عن دولة الخلافة العثمانية المتخلفة البائدة.

والنقاب واحد من أبرز سمات المجتمعات الذكورية، التي يسيطر فيها الفحل الذكر، على كل مقدرات الحياة، بما فيها المرأة، ويمنع عنها الكثير من حقوقها، ويحرمها من مزاولة عديد من النشاطات الإنسانية، والاجتماعية المختلفة، ويجيّره بما يتوافق مع مصالحه الغريزية،الشهوانية، والحيوانية الصرفة.

وأضحى النقاب، هذه العادة الاجتماعية البحتة، والموروثة، نوعاً من العقاب الجماعي للمرأة في كثير من المجتمعات المغلقة، حيث وضعت المرأة بموجبه، في إطار لا تستطيع، ولا يسمح لها بالخروج منه. وإن "حبس"، و"زرب" المرأة، طول العمر، في ذاك الكيس الأسود غير محدد الملامح، وبفعل ضغط من قوى سلفية، وماضوية، بعينها، يفقد المرأة كثيراً من خواصها الأنثوية الإنسانية البسيطة، ويجعل منها، كائناً، بلا هوية خاصة، وبدون أية ملامح مميزة، ولا سمات معروفة، تميزها عن باقي النساء. ويعكس هذا، وبحدة، عدم إيلاء الفرد أية أهمية خاصة، وسيادة ثقافة القطيع، و"الجماعة"، في هذه المجتمعات.


وتخرج الفتاة، أو المرأة، عموماً، للحياة صباحاً، بوجه مشرق باسم يعانق، الأمل وتتبادل نظرات الود، والتعارف، والصداقة مع الآخرين، فيما تخرج المرأة المنقبة بذاك الزي الأسود الذي لا يؤسس لأي نوع من الود، والتواصل، والتعارف، والعلاقات الإنسانية الصافية بين الناس، ويجعلها مع الآخرين في حالة من التصادم، والتنافر الدائم، والشك المتبادل، ويؤسس لحالة من الحرب الدائمة والاستعداء المتبادل مع الآخرين. كما أنه يثير في النفس الخوف، والتوجس، وعدم الارتياح من كل ما يقبع خلفه من كائن شبح مجهول الهوية، والملامح، والسمات. هذا، وبغض النظر، دائماً، عن النواحي الأمنية، وغير القانونية الكامنة خلف ارتداء النقاب. ولن أنسى ما رواه لي صديق، حين نزل في إحدى مطارات التصحر الطبيعي، والقحط الفكري، والجمود العقلي، والتهافت الإنساني العام، كيف "زعقت" ابنته الصغيرة، "زعقة" الموت الأخيرة، وبصوت لافت للأنظار، وذهبت في نوبة طويلة من الفزع والبكاء، عند أول مقابلة لها، لمنقبة في ذاك المطار، وكيف أنه احتاج لجهد جهيد، وزمن مديد للتخفيف من روعها.

ويجسد النقاب، وبقوة، ذاك المفهوم الظلامي العام، الذي يعتبر المرأة عورة كاملة، ومفسدة للصلاة. ولذا لا يجوز أن يظهر منها شيء على الإطلاق. ويكرّس أحقية الرجل بامتلاك مصيرها، وتوجيهه بما لا يفك أسر النساء أبداً، من قبضة الرجال. فالرياضة، والرقص، والجري، والمشي، والموسيقى، والطعام، والشراب كلها نشاطات إنسانية أساسية، تحرم منها المرأة المنقبة، ولا تستطيع ممارستها بحال من الأحوال.

ويجادل السلفيون المؤيدون لهذه الظاهرة، بأن النقاب، يمنع الفجور والرذيلة، والاختلاط بين الجنسين، بكل ما يثير ذلك من نوازع شيطانية. والحق أن هذا الزي، وهذا النمط من التفكير البدائي، لم يفلح سوى في تشويه نفسية هؤلاء النسوة، والقضاء عليهن كلياً، وإخراجهن كلياً من دائرة التنافس، ومعادلة الحياة، وزيادة المثلية الجنسية، في هذه المجتمعات، ورفع نسب العنوسة والطلاق، بكل ما يترتب على ذلك من مشاكل اجتماعية مستعصية. ولم نر امرأة منقبة استطاعت أن تفلح في أي مجال، وتتبوأ مكانة عالية بين الناس، وتخرج نفسها من ذاك "الشوال" الذي وضعها فيه الرجال. وهنا، بداهة، والحال عما هو عليه، سيبقى الذكر كائنا غريباً، وعصياً على الفهم، بالنسبة للنساء، وكذا هو حال المرأة بالنسبة للرجال، حيث تبدو المرأة ككائن خرافي، وحلم أبدي، لا يمكن التواصل معه، بشكل طبيعي بعيداً عن "المطاوعة"، والعسس، والمخبرين، وهيئة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وحين تتم الزيجات الاعتباطية، والسريعة، المعروفة، تبدو منقوصة من الكثير من مقومات التفاهم، وعوامل النجاح، وتزدحم محاكم الشرعية بقضايا التفريق التي تنهك قوة المجتمعات.

والجانب الآخر في النقاب، يعكس كونه وسيلة لفصم عرى التواصل بين الناس في المجتمعات، ويعمق من عملية الفرز الاجتماعي بين الجنسين، الذين يشكلان قطبي المجتمع السليم، والسوي، ويعطل الحواس الإنسانية العامة لدى المرأة، كالنظر، والشم، واللمس، والتفاعل العام مع الحياة. غير أن أحد أهم إيجابيات النقاب، هو كونه وسيلة أيضاً، لإخفاء البشاعة، والقبح، والدمامة التي تتمتع به بعض النساء، ومن هنا يكمن، أحياناً، حرص بعضهن على التمسك به ، والترويج له. وإذا كانت الأحكام القضائية المؤبدة، تنتهي بمرور خمسة وعشرين عاماً، فإن "حكم" ارتداء النقاب، والبقاء في سجنه، لا ينتهي إلا بالممات. ويصبح التوصيف الحقيقي عند ذاك لواقع المنقبات، من قبر الحياة، إلى قبر الممات.

و أول ما يستذكر المرء، لدى رؤية النقاب هو منظر المعتقل، ولأي سبب كان، والعصابات حول فمه، وعينيه، وكل مكان. فأية جريمة ارتكبتها المرأة حتى يتم "اعتقالها" بذاك اللباس، لتبقى أسيرة ذاك الإطار النمطي القاتل لا تبرجه طول الحياة؟ وأية قوى متوحشة لا ترحم تسهر على تطبيق هذا العقاب؟ وأي عقاب يمكن أن ينزل بها أشد هولاً من هذا الزي الذي أفقدها كل مظاهر إنسانيتها، وأنوثتها، ومغزى وجودها الدنيوي.

ويبرز السؤال الأدهى، هل هو حقاً نقاب، أم عقاب؟



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل هي قصة لحم مكشوف، أم فكر مكشوف؟
- جبهة الخلاص الوطنية الأمريكية وطريق الضلال
- مثلث برمودا الفكري: نقاب، وحجاب، وجلباب
- قناة الشام الفضائية: الكوميديا السورية السوداء مستمرة!!!
- كل ربع ساعة وأنتم بخير
- المزرعة الإخوانية
- الحوار المتمدن في دائرة الاستهداف
- رئيس مغتصب، و زير نساء
- لا، ........يا وفاء سلطان
- العرب بين فسطاطين
- الفبركة الأمنية، والأبواق السعودية، في محاولة تفجير السفارة ...
- وزارة الاتصالات السورية تكافح الإدمان
- هل ستصبح القومية إرثاً من الماضي؟
- قطر تمنع فضيحة عربية في الأمم المتحدة
- صعود التوتاليتاريات الدينية
- هل يصبح شافيز رائداً من رواد القومية العربية؟
- الغادري: حين يطقّ شرش الحياء
- للبيتِ ربٌّ يحميه
- الأمن الشمولي والأمن الديمقراطي
- تلفزيون المستقبل: برنامج الاستحقاق أم الاستظهار؟


المزيد.....




- هذه الدول العربية تتصدر نسبة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوي ...
- “لولو العيوطة” تردد قناة وناسة نايل سات الجديد 2024 للاستماع ...
- شرطة الكويت تضبط امرأة هندية بعد سنوات من التخفي
- “800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم ...
- البرلمان الأوروبي يتبنى أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة
- مصر: الإفراج عن 18 شخصا معظمهم من النساء بعد مشاركتهم بوقفة ...
- “سجلي بسرعة”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت ف ...
- إيران - حظر دخول النساء الملاعب بعد احتضان مشجعة لحارس مرمى ...
- هل تؤثر صحة قلب المرأة على الإدراك في منتصف العمر؟
- اغتصاب وتحويل وجهة وسطو وغيرها.. الأمن التونسي يوقف شخصا صدر ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نضال نعيسة - الجريمة والنقاب