|
كتابة مقال
فاطمة الزهراء المرابط
الحوار المتمدن-العدد: 1725 - 2006 / 11 / 5 - 10:43
المحور:
الادب والفن
يظن بعض الناس أن كتابة مقال أمر سهل و ميسور، و انه لا يلزمك لذلك إلا أن تكون ملما بقواعد النحو و الصرف، متمتعا بشيء من الذكاء و المران على الكتابة... و لكن هذا غير صحيح، إذ أن كتابة المقال من أشق الأمور و أجهدها للإنسان، حتى و لو أضفنا صفة العبقرية إلى صفات الكاتب السالفة الذكر، و هذا المقال: كما ترى، خاص بتصوير مصاعب كتابة المقال.. فأول شيء يلزمك كي تكتب هو قلمك الحبر، و قد يكون هذا أمرا بسيطا لولا تلك الصفة العجيبة التي تتمتع بها أقلام الحبر.. و هي أن تختفي عندما يشرع صاحبها في كتابة المقال، فهو ليس على المكتب و ليس في جيبك و أنت لا تذكرالبثة أين وضعته آخر مرة.. و لذلك يلزمك نصف ساعة كاملة قبل أن تجده، إما في الخزانة أو في الثلاجة، و كيف وصل إلى هناك لا تدري... و هكذا تعود بالقلم الهارب، و تعد الأوراق البيضاء و تبدأ في الكتابة، و لا تكتب أكثر من خمسة اسطر حتى يكف القلم عن الكتابة، و إذا به قد فرغ من الحبر فجأة.... فتتنهد في غيظ و نفاذ صبر، و تريد ملأه من جديد و لكنك لا تجد زجاجة الحبر.إنها ليست على المكتب و ليست داخل المكتب.. فأين ذهبت؟ و هكذا يلزمك ربع ساعة على الأقل للبحث عنها في كل مكان معقول، حتى تعثر عليها مخبأة في دولاب الملابس بين المناديل و الجوارب. كيف وصلت إلى هناك؟ لا تدري ، و أنت لا تريد إجراء تحقيق طبعا لأنك مشغول بكتابة المقال.. فإذا ما عثرت على الزجاجة فإنك تضعها على مكتبك، و تفتحها، و تضع القلم فيها و تشرع في ملئه، في اللحظة،التي تقبل فيها ذبابة طائرة و تدخل في أنفك.. حقا انه ليست هناك أي مناسبة لحضور الذبابة في هذه اللحظة... ما جعلك ترتجف رجفة شديدة تخيف الذبابة و تطردها عنك، و تتسبب في الوقت ذاته في قلب زجاجة الحبر على المكتب و الأوراق، و على بذلتك التي يتفق دائما أن تكون هي أحسن بذلاتك و أفخرها.. و لكننا لا شان لنا بتلك الأمور المعقدة، و يكفينا أن نصف متاعب كتابة المقالات. و الآن صار لزاما عليك.. أن تكتب بالقلم الرصاص الذي لا تحب أن تكتب به، و سيلزمك أن تعيد تبييض المقال عندما تعثر على حبر جديد... و العثور على قلم الرصاص ليست أسهل من العثور على قلم الحبر طبعا، و لكنك تنجح في العثور عليه على أي حال، و تسرع في معاودة الكتابة... فلا تكتب غير سطرين أو ثلاثة و تهم بوضع نقطة على أحد الحروف حتى ينقصف القلم فجأة... و تواجهك مشكلة البحث عن موسى لبريه. والبحث عن الموسى هو من أصعب الأشياء جميعا، يلزمك لكي تعثر عليه ـ لرقته ـ زمن طويل و بحث مضن، كما يلزمك في البحث عنه لحدثه حذر شديد و رفق، و لكنك تجده في آخر الأمر و تعود به إلى المكتب. كي تبري القلم المقصوف، و هنا تبدو لك صعوبة كتابة المقالات على حقيقتها. و إذ تشرع في بري القلم بالموسى، فإذا بك.. لعجلتك و نفاذ صبرك.. تبري أصبعك بدلا منه... عند ذلك تنطلق في الحجرة صائحا، تضع اصبعك المجروح بين فخذيك.. و تقفز في ألم و أنت تلعن المقالات و الذي اخترعها و لكنك تذكر أنك تعيش على كتابة تلك المقالات فتتواصى بالصبر، و تحضر قطعة قماش تضمد بها أصبعك، و تعود إلى مكتبك مستعيذا من الشيطان، فما أن تشرع في الكتابة حتى تروع بمفاجأة أخرى، و هي انفتاح النافذة المجاورة للمكتب فجأة، و دخول تيار شديد منها يتسبب في تناثر كل ما على المكتب من الأوراق.. فتقوم لتغلق النافذة و تنحني لالتقاط الأوراق الساقطة و تهم بالنهوض، فيصطدم راسك بحافة المكتب، و تتسبب الهزة في إزعاج ناموسة كانت في المكتب، فتهيج عليك و تلدغك، فإذا ما تم لك جمع الأوراق المتطايرة، و عدت لتجلس على كرسي المكتب، إذا بشيء يخزك في فخذك على الكرسي و إذا به قد انقصف من جديد. و في خلال نصف ساعة، و أنت لم تكتب إلا صفحة واحدة، تنفتح النافذة مرتين على الأقل، و ينقصف القلم خمس مرات، و كلما بريته جرحت أصبعا جديدا، و لا ينتهي المقال إلا وعلى كل أصبع ضمادة، ورأسك لا يزال يؤلمك من الصدمة، و الناموسة لاتزال تلدغك. و ما إن ينقصف القلم مرة أخرى حتى يثور غيظك فجأة، فإذا بك تكسره إلى نصفين، و إذا بك تنقض على المقال الذي كتبته لتمزقه شر تمزيق، و تلقى بشذراته من النافذة، كي تعود بعد حين لتروع بمنظر وجوده... وجود المقال على المكتب كما هو، و إذا بك قد مزقت في عجلتك مقالا آخر.
#فاطمة_الزهراء_المرابط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة الحركة الطلابية
-
صوت امرأة
-
صوت امراة
-
اصيلا ...في رحا ب التاريخ
-
أصيلا...في رحاب التاريخ الجزء الأول
-
اصول اضطهاد النساء
-
الحركة التجارية في تطوان.. ما بين الماضي و الحاضر الجزء الث
...
-
الحركة التجارية في تطوان ....ما بين الماضي و الحاضر الجزء ال
...
-
الحركة التجارية في تطوان...ما بين الماضي و الحاضر الجزء الا
...
-
المرأﺓ...ﺍﻟﻌمل الجمعوي أية علاقة
...
-
الأستاذ التلميذ... أية علاقة ؟!!
-
- المرأة العاملة بين قانون الشغل و مرارة الواقع -
-
اصيلا ذات مساء
المزيد.....
-
مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة
...
-
”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا
...
-
غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم
...
-
-كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
-
«بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي
...
-
إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل
...
-
“قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم
...
-
روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
-
منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا
...
-
قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|