أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهند عبد الحميد - السيكولوجية الفلسطينية















المزيد.....

السيكولوجية الفلسطينية


مهند عبد الحميد

الحوار المتمدن-العدد: 1722 - 2006 / 11 / 2 - 09:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


طغت المعالجات السياسية على ما عداها من موضوعات وقضايا تتصل بالمجتمع والصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، فكان طرق أبواب أخرى كالسيكولوجية الفلسطينية نادرا وغير مطروح على بساط البحث الفلسطيني،لكنه موجود على أجندة الاهتمام الإسرائيلي لغاية هزم المجتمع والسيطرة عليه. ونظرا لثراء وتعقد واهمية التعرف على الشخصية وفهم السلوك الانساني فقد استحدث علم الشخصية منذ أوائل القرن العشرين وتنوعت نظرياته. وتركز اهتمام العلماء على دراسة الطابع القومي لشعب من الشعوب عبر ما يسمى بالعلوم السلوكية، وعلم سيكولوجيا الشعوب الذي يعنى بدراسة معتقدات وعادات وتقاليد واساطير وغير ذلك من المظاهر الدالة على عقلية الشعوب ونفسيتها. والهدف هو فهم منطلق وأسلوب تفكير شعب معين، والتنبؤ بما يمكن أن يحدث. وفي هذا المجال ركز علماء التحليل السلوكي االامريكان على اكتشاف طبيعة وخصائص المجتمعين الألماني والياباني المتصارعين مع بلدهم.
إذا أردنا التعرف على ملامح السيكولوجية الفلسطينية، فان ذلك يستدعي التوقف قليلا عند ملامح في السيكولوجيا الإسرائيلية، نظرا للتأثير المتبادل خلال صراع عمره يناهز القرن.
ما يلفت النظر في السيكولوجية الإسرائيلية ظاهرة اقتناع أكثرية الإسرائيليين "بالخطر الوجودي" الذي يهدد بإزالة إسرائيل، رغم أن هذه الدولة أقوى خامس جيش في العالم، ولا يوجد قوة فعلية تهددها بعد ابرام المعاهدات واستبعاد النظام العربي لعامل الحرب والقوة من استراتيجيته، انها الدولة الوحيدة التي تهدد الاخرين فلماذا يتم إسقاط تهديد الدولة الكولونيالية الفعلي على الاخرين؟ إن الافتراض بأن "غير اليهود يكرهون اليهود كراهية لا تزول ولا تدول" يؤدي الى بناء حالة حصرية منفصلة نفسيا عن البشرية، وفي حالة كهذه لن تتمكن دولة أن تكون طبيعية ولن يتمكن شعب أن يكون طبيعيا إذا تم الافتراض أن العالم يكرهه. النتيجة، تخيل خطر خارجي دائم، وتوهم الاضطهاد، وشعور جمعي إسرائيلي بعدم الأمان، وبقاء أبواب القلعة مغلقة "حالة الغيتو"، وافتقاد القدرة على التصالح مع المحيط الخارجي، وهذه أعراض نفسية خطيرة.
غير أن أخطر خاصة للسيكولوجية الاسرائيلية هي حالة "التوحد بالمعتدي"النازي السابق من خلال استشعار الرغبة في تحطيم الضحية الجديدة " الفلسطيني"، بهدف التأكيد على دور المعتدي الجديد واستبعاد احتمال الإرتداد الى ما كان عليه وضع اليهود. التحول من ضحية الى طاغية وتقمص الرموز" فالزعيم المفضل هو الجنرال الذي يبطش بالضحية ويمثل صلف وخيلاء المعتدي، والحرب لا تترك للمتوحدين مع المعتدي مواجهة الذات، الحرب تقيم الدليل على انتصار السيد على العبد، والهزيمة التي يلحقها بالضحية الفلسطيني والعربي تحقق الذات وتمنحها شرعية الوجود، وبمعنى آخر فإن نفي الفلسطيني جسديا "القتل" ونفي حقوقه أي تحويله الى "عبد" يؤدي إلى تحقيق الذات وشرعية الوجود ولكن بصورة مرضية. يمكن تلخيص ما تقدم في حبكة مفادها "نكوص" الشخصية الإسرائيلية الى مرحلة سابقة، إلى ماضي مؤلم و"التثبيت"عليه وتقمص دور الضحية من موقع الجلاد والمعتدي، وبهذا المعنى أصبح للضحية ضحية جديدة. الشخصية الإسرائيلية لا ترغب وتقاوم بشدة كل محاولة للخروج من موقع الضحية، فكل نقد لجرائم احتلالها وكل مطلب يدعو لمعاقبتها يعتبر عداء للسامية وهذا هو التجلي السافر "للتثبيت" على حالة الضحية.
وفي صراع تناحري كالصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا يعقل أن يكون ويبقى بين ضحيتين متنافستين على موقع الضحية، لا بد أن يكون هناك معتدي وضحية، والمعتدي الإسرائيلي الظاهر للعيان وهو المحتل"الذي مارس ويمارس النفي الجسدي والحقوقي للآخر الفلسطيني، يصر على التعامل مع نفسه في الوعي الجمعي والفردي كضحية ترفض الاعتراف بالضحية الفعلية وبحقوقها ويرفض التصالح معها. فكيف ينعكس ذلك على الضحية الفعلية الفلسطينية؟
يقول الناقد اللبناني جهاد الزين في معرض تعليقه على الأفلام التي تتناول القضية الفلسطينية في هوليود: "الظلم المطلق الذي سحق الفلسطينيين عسكريا وأغلق أفق قضيتهم على سطح الأرض هو نفسه الذي يضخ ماء أخلاقية وفكرية وسياسية في نهر قوتهم الجوفية التي لم يكن يراها كثيرون. كانت هزائم 67، 70، 82، 2002، تتحول إلى حالة انبعاث تجعل الحالة الفلسطينية أقوى مما كانت عليه، وحتى عندما أصبح الضحية جلادا في لبنان والكويت وعندما قام بعمليات ضد المدنيين الإسرائيليين لم تتغير قوة الدفع الأخلاقية في نهر القضية الجوفي غير المرئي. وتبين ذلك عندما عرضت أفلام "الجنة الآن" و"ميونخ"، فكان النهر الجوفي يموج في هوليود بعناصر القوة أخلاقيا وفكريا وسياسيا". إن هذا التحليل يؤكد عدالة القضية الفلسطينية وحضورها الطاغي، ويقدم في الوقت نفسه الوجه الرئيس للشخصية الفلسطينية، بما هي ضحية حقيقية لم تستسلم للقهر والتسلط، رغم الاختلال الفادح في توازن القوى لمصلحة الاحتلال. إن العنصر الأهم الذي يجعل العدالة متدفقة في النهر الجوفي هو الرفض الجمعي للظلم والقهر المعزز بمقاومة جماعية "الانتفاضات" أو عبر التماهي الجمعي مع "العمل الفدائي" والثورة. كان ميزان القوى وعلاقة التسلط العنفي تقود الى رضوخ وتبعية الشعب الفلسطيني لكن ذلك لم يحدث، لأن المقاومة بما هي رفض للخنوع ولاستلاب الإنسانية تحول دون التوحد بالمعتدي، وتخلق التوازن الضروري في بنية الشخصية والسلوك الفردي والجمعي كما يقول المختص النفساني فرانز فانون. اليهود الذين لم يقاوموا النازية سابقا وخنعوا واستكانوا -بصرف النظر عن الأسباب- توحدوا مع المعتدي لاحقا وأصبحوا معتدين، واليهود الذين قاوموا النازية رفضوا وما زالوا يرفضون إيجاد ضحية جديدة ويرفضون محاولات تحطيم الضحايا الجدد.
ما تقدم، لا يعني أن الشخصية الفلسطينية أفلتت تماما من التسلط العنفي الذي مارسه المعتدي (الاحتلال) وما زال، فالسلب الجسدي والحقوقي المتواصل وعملية الاستنزاف الدائم تركت بصمات سلبية على التركيبة النفسية بجوانبها الانفعالية والعاطفية والذهنية. إن فقدان الفلسطيني للأمن، وفقدانه السيطرة على مصيره، وما يتعرض له من تبخيس ومهانة، كل هذا يتحول إلى نوع من "عدوانية مرتدة على الذات"بطابع صريح أو رمزي، ويعبر عن نفسه بنوع من القسوة على الذات، ونوع من الاتكالية والسوداوية وفقدان الثقة بإمكانية الخلاص، والأخطر من ذلك، محاولة التسلط على من هم أدنى مرتبة أو قوة في عرف المجتمع كالنساء والأطفال والتلاميذ والعاملين..وبروز ظاهرة العنف داخل المجتمع.
وفي ظل انغلاق أفق الخلاص من الاحتلال بفعل الانسداد السياسي الذي تحرص حكومة الاحتلال على استمراره تتشكل ميكانيزمات الدفاع السلبي، ومن أبرزها العودة الى "العلاقة الدمجية" والاختباء داخل المجموعة العشيرة والخضوع لتوجهاتها التعصبية و أعرافها المتخلفة والبائدة.
الفلسطيني ضحية بلا شك، ومن الطبيعي أن يكون لديه "سيكولوجية الضحية"، ولأن هذا النوع من الضحية مقاومة غير متوحدة بالمعتدي فإن انعكاساتها السلبية تبقى محدودة وقابلة للمعالجة،ومن ابرز ملامحها تضخيم الأنا الذي يرتقي بأصحابه الى نوع من النرجسية، فيمكن ارتكاب أعمال بدون الأخذ بالحسبان للواقع وشروطه وميزان القوى والرأي العام وبصرف النظر عن الأذى الذي يلحقه مثل هذا النوع من الأعمال بأبناء جلدته. وسيكولوجية الضحية تدفع إلى إسقاط الأخطاء والعجز والقصور وكل السلب على المعتدي وصولا إلى حالة التبرير التي تقف سدا منيعا أمام التطور، وهذا شيء خطير بعد تحوله إلى ظاهرة داخل المجتمع. وتستخدم سيكولوجية الضحية في تبرير أعمال غير مشروعة من السلب والنهب وانتهاز الفرص والبزنسة السياسية. وبفعل تلك الاستجابة السلبية التي تولدت بفعل التسلط العنفي القهري للاحتلال، جرى تغير سلبي ملحوظ على موقع وتأثير شخصية الضحية الفلسطينية من موقع التوحد العالمي الشعبي مع عدالتها وطابعها الانساني، الى موقع التضامن والتأييد. وهذا يتطلب إعطاء حيز أكبر للداخل الذي يشهد تسلل أمراض خطرة.



#مهند_عبد_الحميد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجندي الذهبي
- الترابي بين نارين
- الحريات العامة ..مخاوف ومحاذير
- جرائم الشرف
- ارفعوا ايديكم عن اطفالنا
- لم ينتصــروا.. ولم ننهزم
- يوم واحد للمرأة ... لا يكفي
- الطيارون الرافضون: نقطة مضيئة في ظلام اسرائيلي
- ماذا لو فشلت خارطة الطريق؟
- النجاح والإخفاق في عامي الانتفاضة
- الصمت المريب


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهند عبد الحميد - السيكولوجية الفلسطينية