أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فالح حسون الدراجي - أيها العماريون : مات محمد عمارة !!















المزيد.....

أيها العماريون : مات محمد عمارة !!


فالح حسون الدراجي

الحوار المتمدن-العدد: 1723 - 2006 / 11 / 3 - 07:22
المحور: حقوق الانسان
    


أنبأني أمس،أستاذنا البروفسورعبد الأله الصائغ، برحيل صديقنا،الطبيب العراقي الكبيرمحمد عمارة، وقبل أن تصلني
رسالة الصائغ الألكترونية -المكتنزة بالأسى والوجع - كان الأخ العزيزخيون التميمي (قد تآمر) عليَّ بالأتفاق سِراً مع
زوجتي،على أخفاء خبررحيل الدكتورعمارة عني ريثما يتمكنان من أيصال الخبر لي (بالتقسيط) وليس بدفعة واحدة!!
ِإذ كان التميمي قد أتصل بي تلفونياً ليلة أمس-أي لحظة الوفاة -ولم يجدني في البيت- ولأنه يعرف أوضاعي الصحية،
ويعرف، مثلما تعرف زوجتي أيضاً (معزَّة) الدكتورعمارة عندي، ويقدرَّان، قسوة وثقل النتائج التي سيتركها مثل هذا الخبرعلى وضعي النفسي والصحي، فقد أضطرا الى أبعاد الخبرعني تماماً، بل وزيادة في ذلك،فقد حاولت-أم حسون-
منع أي أتصال تلفوني ياتي من ديترويت- حيث يقيم أخي الدكتورعمارة - لكن زوجتي وأبا احمد - ومن حسن الحظ -، لم يحتسبا لما سيصلني في البريد الألكتروني، فكانت رسالة أبي نهار، المفاجأة التي لم يتوقعها أحدٌ منهما !!
وقبل ان اتحدث عن الفقيد العزيز، وعن روعته، وددت ان أعبرعن شكري ، وأسفي أيضاً لكل الأحبة الذين لم أستطع رد التحية والتهنئة لهم بمناسبة عيد الفطر، ولا أكشف سراً لو قلت، بأن سبب ذلك يعود لتعرضي - بعد رحيل الوالد - الى مشكلة صحية أبعدتني عن الكومبيوتر، فقد أصيبت ( شبكية العين ) بشكل مفاجيء أصابة خطيرة، لم يتمكن حتى هذه اللحظة ( طب امريكا المتقدم ) من اكتشاف السبب، مما دفع الطبيب المعالج، الى عرضي على طبيب آخر، حيث
حدد يوم السابع من شهر تشرين الثاني موعداً لأجراء فحوصات تقنية متقدمة، لذلك فقد ألزمني الطبيب الأختصاص -
كأجراء أحترازي - بعدم الجلوس أمام شاشة التلفزيون لأكثر من دقائق، وعدم أستخدام الكومبيوتر، وعدم البكاء !!
حتى ان صديقي الكبيرالبروفسور حنا قلابات - الذي رافقني في تلك الفحوصات - قال للطبيب الأمريكي ضاحكاً :
- دكتور، يبدو أنك لاتعرف بأننا عراقيون، ولو كنت تعرف ذلك، لما طلبت قطعاً من صاحبي أن لايبكي !!
وأظن ان الطبيب الأمريكي لم يفهم ما قاله قلابات،ولم يفهم أيضاً البيت الدارمي الذي رددتهُ مع نفسي بصوت مسموع : ( حرمَّوا حتى الصوت بسمَك فلا أصيح ..... دمعتي بطرف العين بس أرمِش أتطيح ) !!
وهكذا ألتزمت بتعليمات الطبيب ( مكرها ، لابطلاً ) فأبتعدت عن مشاهدة التلفزيون،لأستريح على الأقل من الأخطاء
اللغوية الفاحشة التي ترتكبها ( يا هديل ويا رسالة) وحشد المذيعات والمذيعين الأميين، ولأخلص من أسفاف الشعراء الشعبيين البعثيين الذين عادوا الى ( فضائيتهم) المحروسة بقوة وأقتدار، حتى ان واحداً منهم ظهر في أربع مقابلات تلفزيونية خلال أيام العيد فقط، ولأفلت- أيضاً من طبخات(الچيف) الفلتة خلدون- كما تسميه المذيعة الخطيرة رسالة !!
كما أجبرت على الأبتعاد عن الكومبيوتر، متجنباً قدرالأمكان أيضاً رؤية - أفلام البكاء الهندية التي تحدث في العراق-
لأجنب العين العليلة ذرف الدموع المُرَّة، ورغم كل هذه الألتزامات والمحاذير،فقد بكيت في (مصباح عيد الفطر) بكاءً
حاراً، فأذرفت دمعاً لم أذرفه طيلة حياتي،خاصة بعد أن فشلت في التحدث تلفونياً مع أي من أفراد عائلتي في العراق،
أوالسلام عليهم، إذ انهم غادروا بيوتهم وهرعوا جميعاً الى مقبرة وادي السلام في النجف الأشرف منذ الصباح الباكر، حيث مضوا الى ( معايدة الوالد ) والسلام على حشود الموتى والشهداء الأحبة من الأهل والأقارب والأصدقاء!!
نعم، لقد ألتزمت البيت طيلة شهر تقريباً، ولم أخرج غيرمرتين، مرّة لأشارك بقصيدة في ذكرى أستشهاد الأمام علي عليه السلام، ومرَّة لأحضرأحتفالية التابين في ذكرى رحيل المناضل توما توماس،حتى ليلة وفاة الراحل الدكتورمحمد عمارة، حيث أجبرني حشد من الأحبة والأصدقاء على الخروج، واللقاء ( في نادي مولسين العراقي) وليتني لم أمض!
واليوم، إذ أكسركل الألتزامات الطبية، وأرفس كل المحاذيرالصحية، فأكتب هذا المقال، أوهذا النعي، أوهذه السلوى،
متخشباً وراء(الكيبورد) لساعات طويلة، وأنا أمسح الدمع النازل من عينيَّ بمنديل تلومنديل، فليس لأني شخص متمرد وغيرملتزم كما يظن البعض، فأضحي بعينيَّ اللتين هما عندي - وعند أغلب خلق الله أيضاً - اغلى من كل كنوزالدنيا،
بل لأن الشخص الذي أعرض عيني لخطرالعمى من اجله، هوأغلى من نورالعين، وهوعندي والله أعزمن كل العمر،
فالدكتورمحمد لفته ( أومحمد عمارة ) كما هومعروف وشائع ، أخي، ورفيقي، وصديقي، وأبن مدينتي، والأهم من كل
هذا وذاك، هوأبن بلدي، وملح عراقي، وزلال دجلتي وفراتي، مضمخة مساماته أبداً بعطرالعراق، ومشبعة نبضاته
وَجداً بهوى الرافدين، لم يخن يوماً ملح الزاد العراقي، ولم يتنكرساعة (لزُفرَة الزوري العماري) ولم يستبدل قط أريج الياسمين الآذاري، بكل عطورالدنيا ( وأحزابها ) !! هو محمد عمارة ( أبن العمارة الشهم) الذي لم يضعف صوته في الدفاع عن حقوق الجياع ( وخاصة الشروگية ) فلم يقل للباطل يوماً : أنت الحق!! لذلك دخل المعتقلات، ونام وقوفاً في أقذرالزنزانات، فأدمت سياط الجلادين ظهره، بدءاً من سياط الفاشست في شباط الأسود، وليس أنتهاءً بسياط الأوغاد
في تموزالبكروصدام، كان عراقياً من الجِلاد الى الجِلاد، وكان جنوبياً من العظم الى العظم،قلت له يوماً: لماذا أسميت
نفسك محمد عمارة، بينما لم يكن أسمك، أوفي عائلتك أي ذكرلعمارة، الا تضرهذه التسمية بمستقبلك الوظيفي، بخاصة
وأنت واحد من أمهرأطباء القلب في العراق، بل وفي المنطقة كلها، ومن الممكن أن تصبح وزيراُ للصحة يوماً ما ؟!
ضحك الدكتورعمارة وقال:- (وداعتك أبوحسون: كلها عناد، شفت صدام وجلاوزته يكرهون العمارة، وأهل العمارة ،
وشفت الحبربشية صاروا بليلة وضحاها تكارتة، ودوريين، تتصوَّر يافالح حتى الكاولية صاروا يحچون(عجَل يابه) ،
لذلك سميّت نفسي أول مرَّة محمد العماري، بعدين ما اعرف شلون صارمحمد عمارة، بس هيَّ حرشة وداعتك حرشة)
هكذا كان محمد عمارة عنيداً،وشرساً في مواجهة الأوغاد، صمد في 63صموداً مذهلاً، ثم أستبسل في قصرالنهاية
أستبسالاً فريداً، ورغم ذلك فقد تألق في دراسته، فكان الأول على أقرانه في أغلب الأمتحانات الوزارية، فأصبح طبيباً
يشار له بالبنان، فما ان يذكراليوم أسم محمد عمارة أمام أي طبيب عراقي مختص، حتى تسمع منه مديحاً مبهراً بحق
الرجل، الذي شكل يوماً مع زميله الطبيب المعروف ( جعفرالكويتي ) فريقاً طبياً عظيماً، انجزالكثيرمن العمليات الجراحية القلبية الصعبة بنجاح ساحق (مرَّة، حاول أحد ضباط دائرة الجنسية في بغداد بعد أنتفاضة آذاروشعبان بأيام- الأساءة للدكتورمحمد، بعد ان عرف أن مسقط رأسه مدينة العمارة ( الغوغائية )، فما كان من الدكتورمحمد الاّ أن يرد
له الصاع صاعين، ويدافع عن مدينته بقوة امام هذا الضابط الوغد،وبينما كان الرجلان يتصايحان، خرج مديرالدائرة
لمعرفة الأمر وأستفهام سبب الضجة، وما ان وقعت عينه على الدكتورمحمد عمارة، حتى صاح بصوت عال :-
دكتورمحمد ياللمصيبة ؟! ثم ركض اليه معانقاً، بعدها ألتفت الى الضابط وهو يقول:- لك بابا يا غوغاء يا بلية سوده، هذا دكتورمحمد، هذا فخر للعراق والعراقيين، هذا انقذ بنتي بعملية جراحية مستحيلة، وهيَّ چانت بحلگ الموت،
ثم سحب المدير يد الدكتورمحمد ليدخله الى مكتبه، وينجز بيده معاملة شهادة الجنسية لأبن الدكتور، ويعتذرمنه بود!!
لكنَّ الدكتورمحمد كان قد قررحزم حقائب السفرومغادرة العراق هرباً مع عائلته الى اليمن، حيث عمل هناك طبيباً، ثم غادراليمن بعدها الى أمريكا، ليقيم في ولاية مشغان - ديترويت - حيث عاش هناك مع اهله ومحبيه من ابناء عراقه، فكانت الجمعية العراقية لحقوق الأنسان أول منظمة عراقية ينتمي لها رسمياً ، حتى صارعضواً منتخباً في هيئتها الأدارية لأكثرمن دورة أنتخابية، حيث عمل بكل جد ونشاط فيها، مانحاً لها الوقت والجهد المتبقي لديه، بعدها ألتحق
بالأ تحاد الديمقراطي العراقي( الوعاء النضالي والأجتماعي التقدمي لأبناء الجالية العراقية في الولايات المتحدة ) فأصبح عضواً - وبالأنتخاب أيضاً - في سكرتارية الأتحاد، وأظن بأن جماهيرية وشعبية الدكتورمحمد تؤهله للفوزبأية
أنتخابات ديمقراطية تقام، والا كيف تمكن وبفترة قصيرة من ان يصبح عضواً في أهم منظمتين ناشطتين في امريكا ؟
وللحق، فأن ما يعجبني في هذا الرجل بساطته وشعبيته وطيبته ومحبته للناس، فوالله لوكان للطيبة عنوان يذكر، لكان محمد عمارة عنواناً لها، ولو كان للأنسانية أسم تسمَّى به لسميت بأسم محمدعمارة، فقد كان هذا الرجل ( خرافياً ) في
نقائه ونبله وصدقه ووطنيته، وكذلك في خلقه العالي، وصبره العظيم، فهولم يعتد يوماً على احد قط،ولم يجرح شعور أحد، ولم يتكبرعلى بسيط، ولم يتعال على صغير، لذلك بكاه العراقيون صغاراً وكباراً امس، علمانيين وأسلاميين، جنوبيين وشماليين، رياضيين وأدباء وفنانين وأئمة جوامع، أجل فقد بكاه في ديترويت كل من عرفه وألتقاه ، أو لم
يلتق به، فصاحب هذه الكفاءة الوطنية المرموقة، وهذه القامة الطبية الباسقة، وهذه الشخصيةالأكاديمية العلمية العالية والمرموقة، كان رجلاً شعبياً بسيطاً جداً، يحب النكتة بكل أشكالها، ويستخدم القفشة، ويلقي الدارمي، ويطرق الهوسة، فما ان يتصل بي تلفونياً حتى يصلني صوته مبتهجاً وهو يقول :- ها أبن اللوه شلونك؟ ( يقصد أبن اللواء)!! ثم يكمل
كلامه معي بفرح طفولي، وهويمتدح مقالة لي أو قصيدة ،أوموقف، فيختتم حديثه بهوسة (يعمارة أبنچ عايف روحه)!! وبقدرماكان أبوأثيرأممياً جداً، وأنسانياً جداً، كان عراقياً جداً، وشروگياً جداً، فلم يستح أو يتحرج من الدفاع علناً عن اهل العمارة، فهو يقول لي دائما: (أسمع يافالح، من لم يدافع عن مظلومية أهله في الحلفاية، أوعلي الشرجي، أومُعيَن، لن يدافع بأخلاص عن مظلومية أكراد قلعة دزة،أوتركمان تلعفر،أومسيحيي تلكيف،أوأيزيدية سنجار،أوأهل المعظم)!!
كان يقول دائماً : أنا احبك يافالح لأسباب كثيرة وعديدة، ولكن أقوى هذه الأسباب وأكبرها، هوهذا المزيج الرائع الذي
تمزج به فكرك الماركسي التقدمي، مع حبك الصلب والشديد لقضية الشيعة، وهذا التعلق الكبير بعلي بن أبي طالب
والحسين عليهما السلام، مع تعلقك بسلام عادل وفهد وكل الشهداء الوطنيين، أنت انموذج رائع في هذه الثنائية !!
قبل ستة أشهر، وقبل ان يصاب أبوأثيربسرطان الرئة اللئيم، أقام لي وليمة رائعة في بيته الانيق في ديترويت، دعا
أليها الأشخاص الذين يعرفني أحبهم، ويعرفهم يحبونني، فكان هناك حشد من المحبين، والمناضلين، والأصدقاء مع بعض العوائل الصديقة أيضاً،وكانت الدكتورة فتحية زوجة الدكتورمحمد عمارة، والدكتورة سندس أبنته مثل حمامتين
تحلقان بمحبة وكرم على المدعوين، فلم يتركا نوعاً من الطعام، أوالحلوى، او الفواكه، الا وجاءتا به لنا وللمدعوين. كنت والدكتورمحمد الوحيدين اللذين ندخن في تلك الجلسة، فكنا نذهب الى المطبخ لندخن سجائرنا هناك، بخاصة وأن
ثمة عوائل في الصالة، اضافة الى أن البيت (مزدحم) بالأطباء والطبيبات الذين يمقتون التدخين، وينفرون منه أيضاً فضلاً عن مراعاة الوضع الصحي للبروفسورعبد الأله الصائغ، الذي كان قد أجرى عملية جراحية لقلبه قبل أيام قليلة ، كنا ندخن - أنا ومحمد - مثل لصين خائفين، لكننا والحق كنا نتلذذ بتلك السريَّة، وتلك (الختلة) حتى ان الدكتورمحمد
كان يسحب نفساً من سيجارته بطريقة مثيرة، ومغرية أيضاً، فيقول لي وكأنه يعلم بما سيلحق به من مصيبة :-
( وداعتك فلوحي، محَد راح يكتلني ويموتني غيرهاي الجگارة الملعونة ) !!
وبعد مضي شهر واحد على هذه الجلسة الجميلة،اتصل بي صديقي حميد مراد ليخبرني بأصابة الدكتورمحمد بسرطان
الرئة جراء التدخين، وحين جئت الى ديترويت لحضورعزاء الأربعين المقام على حبيبنا الشاب أحمد خيون التميمي،
زرت أبا اثير في بيته، فوجدته قوياً واثقاً، لم يترك المرض فيه ضعفاً أوخوفاً أو رهبة قط، رغم نحول جسده الرقيق ،وأرتعاش يديه الناحلتين، كان أقوى من المرض، وأصلب من عناد السرطان، رأيته يناقش كعادته، ويضحك كما هو،
أشرَّ لي بيده، طالباً مني ان أجلس جنبه، وحين جلست، مسك بيدي بكل مودته، وضغط عليها، ثم أقترب مني ليهمس في أذني قائلاً : ( ها أبو حسون أشگتلك قبل شهر، مو گتلك محد راح يكتلني غير هاي الجگارة الملعونة ) !!
قلت له: (أذكرالله أبوأثير) فأنت مؤمن، وأنشاءالله عمرك طويل، فالأطباء يقولون بأنك ستشفى ولن تموت بالسرطان!
ضحك وقال : ( لا أبو حسون، ما لك شغل بحچي الأطباء، هذوله يريدون يصبرون على ام اثير، وعلى سندس، لأن
أحنه متفقين ومتفاهمين على كل شي، يعني قابل يقشمروني، ليش آني طالب مدرسة ، لو آني جديد عالمصلحة ) !!
ثم سألني قائلاً :- هل معك علبة السكَائر الآن ؟
قلت :- نعم
قال: أعطني العلبة من فضلك !!
أخرجت علبة السجائر، وأعطيتها له ، فما كان منه الا أن أبتسم لي، ثم قال :- أفتح النافذة وأرمِ هذه العلبة رجاء، فلا أريدك أن تدخن بعد اليوم، لأني احبك وأريد لك ان تعيش، لا أن تموت وأنت في ريعان شبابك، فضلاً عن أن لك أهلاً، ولك جمهوراً واسعاً من القراء والمحبين، كما ان عراقنا الحبيب بحاجة لقلمك، ومواهبك، ومن الظلم ان يحرم الناس من عطاءاتك الوفيرة، لذا فأني أرجو أن تعاهدني عهد الأحرار النجباء أن لاتعود للسجارة بعد اليوم مطلقاً !!
فتحتُ النافذة -أستجابة لطلبه الغالي- ورميتُ العلبة من الطابق الرابع حيث يقيم، ومنذ ذلك اليوم -أي منذ ستة أشهر- الى هذا اليوم لم أضع سجارة واحدة في فمي، وكان ألتزامي هذا وفاءً لهذا الرجل الجميل والطيب!! بعد ذلك بقينا على
أتصال مستمر حتى أنعقاد المؤتمرالرابع للجمعية العراقية لحقوق الأنسان في ديترويت قبل شهرين تقريباً، حيث ألتقيت الدكتورعمارة في السهرة الرائعة التي أقامتها لنا السيدة سميرة كوري ( عضوالهيئة الأدارية للجمعية العراقية لحقوق الأنسان) وزوجها الشخصية الوطنية صلاح كوري، في بيتهما، مع حشد من الزملاء والأصدقاء الأحبة، كان
من بينهم الفريق احمد كاظم البياتي، والأستاذ انتفاض قنبر، والأستاذ الكاتب المعروف نزار حيدرمديرمركزالأعلام
العراقي في واشنطن، والأستاذ حميد مراد رئيس الجمعية، ونائبه عقيل القفطان،و نك نجارمديراذاعة صوت ديترويت
وحازم دنحا وعائلته، وفريد ثويني، والسيد رعد أيار، والزميلان ثامرالعماروعاتي السعيدي عضوا الهيئة الأدارية
للجمعية،والعزيز نجاح التميمي، كما حضرت زوجة محمد عمارة، وكريمته الدكتورة سندس وعدد من العوائل المحبة
وللحق فقد كان المزاج وقتها رائقاً، خاصة بعد أستكمال الأعداد للمؤتمر، فضلاً عن التطورات الأيجابية التي طرأت وقتها على الوضع السياسي العراقي، مما جعل الحاضرين يتفاعلون بفرح مع الأغاني والقصائد والمناخ البهيج، وقد
كان للدكتورعمارة حضورفاعل وجميل، رغم التعب والوهن الظاهرين على صوته، وملامحه، فقد كانت تلك الليلة بحق ليلة عراقية شعبية، لكنني لم أكن أعلم بأنها ستكون ليلة الوداع مع أخي ورفيقي وصديقي الدكتورمحمد عمارة!!
بعد تلك الليلة بدأت أوضاع أبي اثيرترتبك، ولم أعد أسمع صوته قط، حتى جاءني صوته مبللاً بالدمع وهو يواسيني
بوفاة الحاج الوالد،ويلح عليَّ بالموافقة على مجيئه الى كاليفورنيا لحضورمجلس الفاتحة،علماً بانه كان يرقد في غرفة
الأنعاش ، فأية روعة، وأي قلب يملك هذا الأنسان الفاخر ؟!!
أما آخروصاياه فقد قال: إن أدفنوني قرب قبرأحمد خيون التميمي في مقبرة ديترويت،وحين تستقرالأوضاع في العراق
أرجو نقل رفاتي الى هناك، ودفني قرب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب، ولا طلب لي سوى الأمنيات للعراق،
والعراقيين بالخيروالأمن والسلام، كان أسم العراق آخركلمة لفظها لسانه الطيب، وأطلقها قلبه الطاهر،وفمه العفيف!!
وداعاً أبن العراق المبجل،وداعاً فلذة كبد العمارة،وستحتفي بك يوماً أزقة وبيوت محلات الماجدية والدبيسات والسرية والصابونجية والمحمودية وعواشة والسلام وكميت وعلي الشرقي وعلي الغربي والعزير والبيضة والسودة وقلعة صالح والمجر، وسيغني لك مغنوالمشرح والكحلاء والصحين وجداول دجلة الخير(طورالمحمداوي) الذي كنت تحبه، كما سيفخر يوماً بمواهبك ونضالك كل العراقيين، وأولهما العماريون الطيبون، وأخيراً : يؤسفني أن أنعي لكم اليوم يا أبناء العمارة الكرام ، وأقول لكم بكل الحزن والأسى : ايها العماريون : لقد مات محمد عمارة !!



#فالح_حسون_الدراجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلم عند الله ، وعبد الله وزاير بوش !!
- الصابئة برحي العراق ، فأحموا برحيكم
- ليلى فائق في ذمة الخلود
- أحقاً أنا طائفي ياسيد قلَّو ؟
- وأحنه أشما نقصنه أنزود !!
- في الذكرى الحادية والسبعين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي
- أي عراق هذا ، بلا مسيحيين ؟!!


المزيد.....




- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن
- اعتقال رجل هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإيرانية بباريس
- طهران تدين الفيتو الأمريکي ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- عشية اتفاق جديد مع إيطاليا.. السلطات التونسية تفكك مخيما للم ...
- الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس في الشرق الأوسط
- سويسرا تمتنع في تصويت لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم ا ...
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر مؤيد للفلسطينيين من حرم جامعة كولو ...
- بمنتهى الوحشية.. فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي لاعتقال شاب ب ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فالح حسون الدراجي - أيها العماريون : مات محمد عمارة !!