أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الغاء عقوبة الاعدام - ريبوار احمد - المحاكمة والعقاب كانا ضروريين، ولكن الإعدام ليس سبيلاً للحل- بمناسبة إعدام عصابة المجرم الشيخ زانا















المزيد.....


المحاكمة والعقاب كانا ضروريين، ولكن الإعدام ليس سبيلاً للحل- بمناسبة إعدام عصابة المجرم الشيخ زانا


ريبوار احمد

الحوار المتمدن-العدد: 1718 - 2006 / 10 / 29 - 11:43
المحور: الغاء عقوبة الاعدام
    


خلال الأيام القليلة الماضية جرى تطبيق عقوبة الإعدام بحق عصابة الشيخ زانا المجرمة والإرهابية . وجماهير كردستان تعرف أية جرائم كبرى وخطيرة ومرعبة قامت بها هذه العصابة. وفي المقابل تفور أمواج سخط الجماهير عن وجه حق ضد هذه العصابة. وقد انقطع حبل الصبر لدى جماهير كردستان خلال السنة الماضية من أجل محاكمة ومعاقبة هؤلاء المجرمين. وكان القلق شائعاً بين أوساط الجماهير من نجاة هذه العصابة من خلال مساومة معينة فيما لو لم يتم معاقبتها. لأن جماهير هذا المجتمع رأت الكثير من هذه النماذج. والآن حيث أعدمت هذه العصابة تظهر السلطات وكأنها عبرت عن إصرار كبير لمعاقبة المجرمين والقتلة، وكأنها عبرت عن حرصها الدائب على الجماهير وحياتها وأمنها واستقرارها.
ولكن مع أنه كان من الضروري جداً محاكمة هؤلاء المجرمين ومعاقبتهم بالعقاب الذي يليق بهم، من الضروري جداً الآن القيام بجملة من الإجراءات الجدية لأبعاد المجتمع من يد مجرمي هذا النوع من العصابات الدموية، غير أن ما أريد توضيحه في هذه المقالة هو أن الإعدام ليس سبيلاً للحل، أريد أن أوضح أن ثمة تراجيديا كبيرة تكمن خلف الإعدام بشكل عام وإعدام هذه العصابة وفقاً لذلك. إنني أريد توضيح أن الإعدام عموماً وإعدام هذه العصابة سيزرع بذور الإجرام في المجتمع ويبعد المجتمع من الطريقة الواقعية والفعالة والإنسانية. في هذه المقالة أريد توضيح هذه الحقائق للناس. ولكن ما جعلني أصر أكثر على كتابة هذا الموضوع هو التوهم الواسع النطاق جداً بين صفوف الجماهير تجاه هذا الحدث، حتى أنني أريد أن أقول بصراحة أن هذا التوهم يمكن رؤيته بوضوح في صفوف الحزب أيضاً. إنني أريد أن أقف بوجه هذا التوهم وأسعى بدوري وبالقدر الممكن في نص مكتوب لتخليص الناس من هذا التوهم والفهم المقلوب بهذا الخصوص.
الجريمة والمجرم
في البداية من المناسب أن ندقق النظر لنعرف ماذا كانت الجرائم ومن هم المجرمون؟ فليس هناك من شك أن الجرائم التي قامت بها عصابة الشيخ زانا الإرهابية والمجرمة هي من أكثر الجرائم وحشية جرت بحق الإنسان. هذه العصابة بينت بهذه البربرية المنقطعة النظير أنها مغسولة من أية مشاعر ووعي إنساني. غير أن السؤال في البداية هو لماذا يقومون هم بهذه الأفعال؟ لا الجنون، لا المصالح الشخصية، لا الأحقاد الشخصية، لا المطامع، ولا حتى كما تدعي السلطات تدمير أمن المجتمع بحد ذاتها لا يمكنها تقديم الدليل الواقعي لهذه الجرائم الخطيرة والمرعبة. خصوصاً وأن هذه الجرائم ليست جرائم قليلة النظير في العالم المعاصر ولم تحدث فقط في كردستان، بل إننا نرى في الكثير من أنحاء العالم الأخرى مئات النماذج على نفس هذه الجرائم. ففي الجزائر تحول قطع أعناق البشر لسنوات الى وظيفة وعمل الجماعات ذات الفكر والنهج الشبيه بفكر ونهج الشيخ زانا. وفي أفغانستان وإيران والسعودية و...يصورون الأفلام التي توثق مآسي رجم النساء وقطع العضو الجنسي للرجل واغتصاب النساء ومن ثم وأدهن. ونرى يومياً من على شاشات التلفاز الحراب التي تطوق أعناق المواطنين الأبرياء وقد تحولت أرواحهم الى رهينة مرهونة بتغيير سياسات دول لا تضع أهمية وقيمة ولو قليلة لأرواح المواطنين. ففي نفس كردستان وقبل جرائم هذه العصابة كان الإرهاب وقلع الأعين وتمزيق أوصال البشر قد أربك الجماهير وأتعبها لمدة خمسة عشر عاماً في ظل السلطة والأوضاع القائمة. مأساة قرية (خيلي حةمة) لم تجري على يد الشيخ زانا، ولكن على يد مجموعة قتلة تشارك الشيخ زانا في تفكيره وتقاليده ونهجه. ذلك أن تاريخ الإسلام وممارسات القادة والخلفاء تحدثنا عن بحار من القتل وقطع الأعناق والاغتصاب بالضبط مثلما قامت به عصابة الشيخ زانا.
وإذن فإن هذه الجرائم وقبل أن تكون جرائم أفراد، هي جرائم التقاليد والحركات والمعتقدات الإسلامية التي تنتج باستمرار وجيلاً بعد جيل جلادين من قبيل الشيخ زانا، وتنتج أحزاباً وجماعات مختلفة، تلجأ الى هذه الأعمال لإيصال وتطبيق رسالتها. إن أعمالاً إجرامية بهذا الشكل كانت طوال تاريخ الإسلام أسلوباً ونهجاً وتقليداً رئيسياً لهذه الحركة لفرض رسالتها. وهذه هي الحقيقة التي تطمسها وتخفيها وسائل الإعلام الرسمية والسلطات على الجماهير وتطعم الجماهير بالضبط ما يعاكس هذه الحقائق.
بناءاً عليه فإن ما يقف خلف هذا الإجرام هو عبارة عن الدين والتقاليد الإسلامية، الجماعات الإسلامية، ممثلي فتاوى الجهاد الإسلامي، وتلك السلطات والدول التي جعلت من الإسلام أساس الدستور والقوانين، وبشكل خاص في كردستان مهدت أوضاع التشرذم وغموض المصير لمدة خمسة عشر عاماً الأرضية لتنامي كل تلك المسائل التي جرى الحديث عنها فيما تقدم.
الإعدام أبشع أشكال القتل المتعمد
ومثلما كان متوقعاً، فإن السلطة الحالية في كردستان وبدلاً من وضع تشخيص أسس وأرضية هذا النوع من المآسي والجرائم بدقة، بدلاً من التعامل الجاد مع كافة المجرمين الذين يقفون خلف هذه البربرية، وبعد عام كامل من السيناريوهات الخفية والمتاجرة بقضية هذه العصابة، في خاتمة المطاف تريد بإعدام هؤلاء المجرمين أن تُظهر وتبين أنها طبقت أكثر السبل حزماً ورسوخاً في مواجهة هذا النوع من الجرائم. ولكنها في الواقع لم تختر فقط أكثر السبل هزالاً، لم تتخلَ فقط عن سبيل الحل الواقعي، لم تحرر فقط أعناق شركاء هذه العصابة في جرائمها، لم تبقِ فقط على أسس وأسباب هذا الإجرام على حالها، بل إنها بهذا العمل إنما تغرس مرة أخرى براعم الجريمة والإجرام.
وقد بينت في مقالة خلال الكشف عن هذه العصابة وجرائمها المرعبة شركاء هذه العصابة وكيفية مواجهة هذا النوع من الإجرام. ولكن ما لم تهتم به السلطات هو سبيل الحل الواقعي. ففي الوقت الذي تريد السلطات أن تبين بإعدام هذه العصابة أنها اتخذت أنجع السبل للتصدي لهذه الجرائم، فإنها بالضبط في نفس هذا الوقت بصدد صياغة وفرض دستور كما يقولون هم يشكل الإسلام مصدره الرئيسي. وقد بين التاريخ طالما بقي الدين ومن ضمنه الإسلام مصدر الدستور والقانون، طالما بقي الدين مختلطاً بالدولة ونظام التربية والتعليم، طالما بقيت واردات البلاد تصرف على الدعاية وتقوية أسس الدين، طالما بقيت الجماعات الإرهابية الإسلامية تمارس نشاطها الإرهابي بحرية وتطلق فتاواها وتستلم أموالاً من الدولة لنشاطها الإرهابي وتشترك في السلطة، وبالنهاية طالما بقيت أوضاع التشرذم في كردستان وغموض المصير التي استمرت على حالها لمدة خمسة عشر عاماً، فإن الإرهاب والقتل الإسلامي للبشر سيبقى مستمراً ومتنامياً.
كذلك إن السلطة الحالية لا تعمل بأي شكل من الأشكال لإزالة أي واحد من هذه العوامل، وليس هذا فقط، بل وإنها تعمل على تقويتها باستمرار وتجعل من تقاليد ومعتقدات وشرائع الشيخ زانا أساس الدستور وتدخلها على القوانين. وبدلاً من تلك الخطوات الفعالة، تلجأ الى طريقة الإعدام الهزيلة. إنهم يعدمون الشيخ زانا، ولكنهم يجعلون من مراسيمه بالضبط تبريراً للتقاليد والمعتقدات التي ربت وعلمت الشيخ زانا. انهم يعدمون الشيخ زانا ولكنهم يرفعون من شأن معامل إنتاج الشيخ زانا وأشباهه بالدستور والقوانين والواردات والدعاية. ولكن بمعزل عن ذلك التخبط والتناقضات الكبيرة التي تكتنف قرار واقدامات السلطة، يمكننا أن نبين أن الإعدام ليس سبيلاً للحل، بل إنه غرس لبراعم الإجرام ورفع مستويات الجريمة واتخاذ أسلوب لإخافة الجماهير وترهيبها والسيطرة عليها.
ومثلما يقول منصور حكمت فإن "الإعدام أبشع أشكال القتل المتعمد". ففي مجتمع يقتل فيه أشخاص بموجب القانون وبشكل رسمي من قبل الدولة، بشكل متعمد وبوعي وبموجب قرار وخطة صيغت مسبقاً، على مرأى ومسمع الجماهير، في مجتمع تنظم فيه المراسم لتنفيذ حكم الإعدام القاسي ويتم التعبير عنه بالكثير من المديح في وسائل الإعلام، في مجتمع يتم جعل عرض صور الإنسان المخنوق بحبل المشنقة في وسائل الإعلام على حد قول الصحف مصدراً "لإرضاء قلوب الناس"، في مجتمع يشارك ممثلي الوزارات والمؤسسات الرسمية بسرور في مراسم تنفيذ عقوبة الإعدام ويسوقونه للناس كعيد، يعتبر أي حديث في ذلك المجتمع عن التصدي للقتل واستئصال الجريمة ادعاءاً بالغ السخف والخداع. ما تقوم به السلطة بإباحة قتل الإنسان واستحلال دمه بموجب القانون وبموجب قرار محاكمها، حتى لو كان المجرم تجاوز الوصف في إجرامه، ليس له من معنى سوى أنها تفسح المجال بأوضح الأشكال أمام الجريمة وقتل الإنسان. وما يجري إقامة المراسم والاحتفالات له ويتم جعل الجثث المشنوقة على صفحات الصحافة مقبلات لإثارة الجماهير، ليس له من معنى سوى جعل الناس تعتاد على الجريمة وإظهار قتل الإنسان كحدث عادي.
يقول منصور حكمت "قتل القاتل تكرار لعملية القتل"، وسواء قامت الدولة بهذا العمل وفقاً للقانون وبشكل رسمي، أو قام به حزب وقوة سياسية، أو قامت به عصابة وأفراد، فإن شيئاً لن يغير من جوهر هذا الحكم الصحيح الذي أطلقه منصور حكمت. فإذا كان مقرراً في مجتمع معين أن يكون قتل الإنسان أمراً شرعياً ومسموحاً به وفق القانون، فإن ذلك القانون سيبني تقاليد واعتقاداً في ذلك المجتمع في أن البشر ستتلطخ أياديهم بدماء الآخرين ويقتلونهم بحجج وذرائع معينة دون أن يطرف لهم جفن. إن هذا يفسح المجال أمام أية عشيرة وعائلة وحتى أي فرد لفرض حكم الموت بافتخار على فتياتهم ونساءهم وأولادهم أو على أشخاص آخرين، على نفس أسس وأعراف السلطة والقانون، بسبب أي عمل يعد وفق عقلهم ومنطقهم جريمة كبرى، من خلال محاكمهم تماماً كالدولة. ونماذج ذلك لا تعد و لا تحصى.
إن الإعدام يغرس براعم الجريمة والانتقام، وفي تلك المجتمعات التي تنفذ فيها أحكام الإعدام من قبل الدولة، يجري أكبر عدد من الجرائم وعمليات القتل. وبينت التجارب أن في بلد كالسويد الذي يمنع فيه حكم الإعدام وليس هناك من تبرير للإعدام، تنخفض نسب الجريمة وقتل البشر فيه بدرجات مضاعفة على بلد كامريكا التي تنفذ فيها أحكام الإعدام. وبنفس الشكل في البلدان التي تزداد فيها نسب الإعدام، فإن نسب قتل البشر تكون أكبر وهي أمر عادي. فالإعدام بوصفه أوضح أشكال القتل المتعمد، يعلم البشر ويعودهم على القتل والإجرام، ويضعف روح التنصل عن الابتعاد عن القتل في داخل الإنسان. إنه يجعل من قتل البشر بحجج مختلفة عملاً عادياً ويعود الناس عليه، ويمسخ عواطف الإنسان تجاه أبناء نوعه. الإعدام ليس من تقاليد الإنسان وليس لائقاً بالإنسان، بل هو من بقايا عصور البربرية وعصور أكل البشر للحوم بعضهم البعض الآخر.
إن الإعدام لا يقطع الطريق على الإجرام وليس بخطوة لاستئصال الجريمة. وتلك السلطة التي تشرع القوانين لإعدام البشر، غرضها الرئيسي ليس مواجهة الجريمة والمجرمين، بل إن غرضها هو إخضاع وترويض الناس والسيطرة عليهم. في مجتمع ينفذ حكم الإعدام وفقاً للقانون، كي يعدم أربعة مجرمين من قبيل الشيخ زانا، يتم إعدام مئات وآلاف البشر المناضلين، مئات وآلاف البشر الأبرياء بسبب معارضتهم السياسية وعدم الخضوع للسلطة، أو بسبب استخدامهم لأبسط حقوقهم وتخليهم عن التقاليد الرجعية. وقد برهن كل تاريخ المجتمع البشري على هذه الحقيقة.
الإعدام هو تخلي عن سبيل الحل وتنصل عنه
إن الإعدام هو تنصل عن سبيل الحل الواقعي. مع المحاكمة العلنية للمجرمين وحبسهم، فإن اتخاذ جملة من الخطوات السياسية والاقتصادية والتربوية والتدريبية، بوسعه أن التقليل من بوسعه أن التقليل من الإجرام والقتل المتعمد للبشر الى أقصى درجاته. وقد بينت في هذا الخصوص في مقالي "من هم شركاء عصابة الشيخ زانا في جرائمها وكيف يتم اجتثاث هذا الخطر" جملة من تلك الخطوات. غير أن السلطات تغض النظر وتخفي رأسها في الرمال وتصر على الإبقاء على أسس هذا الإجرام، وبدلاً من كل ذلك تلجأ الى طريقة الإعدام القذرة.
و واحدة من أوضح ظواهر الظلم ضد جماهير مجتمع معين هي تطبيق عقوبة الإعدام بموجب القانون في ذلك المجتمع ضد الإنسان. فما هو ذنب أولئك الملايين من الناس كي يتعرضوا للضغط النفسي بالحديث عن الإعدام ومراسم الإعدام ومشاهدة الجثث المشنوقة؟ إن المجتمع الذي يرتاح قلبه بالقتل المتعمد للإنسان إنما هو مجتمع مصاب بمشكلة وبلاء كبير. والسلطة والدولة التي تعتبر الإعدام أحد السبل الفعالة في التصدي للجريمة تقدم الدليل على أنها غارقة في انعدام العدل والإجرام. ويشكل النظام البعثي ونظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية أوضح النماذج لهذه الحقيقة. ولنضع ملف دكتاتورية هذين النظامين وقمعهما السياسي جانباً، ولكن لو اعتبر حتى إعدام الناس بسبب الجريمة والقتل والسرقة و...معياراً للعدل والوقوف ضد الإجرام، فإن حكومة الإقليم هي أقل بدرجات قليلة جداً من النظام البعثي ونظام الجمهورية الإسلامية في ميدان الوقوف ضد الجريمة. ولو كان ممكنا بتطبيق عقوبة الإعدام التقليل من هذا النوع من الجرائم، إذن لكان الحديث عن هذا النوع من الجرائم في ظل سلطة النظام البعثي والجمهورية الإسلامية في خبر كان.
منع الإعدام ليس له قيود وشروط واستثناءات
للتوجه المعارض للقتل المتعمد للبشر والإعدام على وجه الخصوص، بوصفه دافعاً إنسانياً، جذور واسعة في المجتمع. وبشكل محدد في مجتمع عصري مثل المجتمع الكردستاني، فإن وعي أهله وصل لدرجة أن هناك سخطاً ونفوراً عريض النطاق من الإعدام. وقد ساهم حزبنا خلال هذه السنوات العديدة بدوره في تقوية هذا التوجه والاعتقاد الإنساني. لهذا فإن معارضة تطبيق عقوبة الإعدام يمكن رؤيتها الآن كاتجاه واسع النطاق. ولكن من الباعث على القلق أن حتى بين صفوف أولئك الذين ضد هذه العقوبة، وحتى بين صفوف الحزب الشيوعي العمالي، هناك تصور قائل بأن "من الصحيح أن عقوبة الإعدام ليس جديرة ابلإنسان ويجب منعها، ولكن كحالة خاصة من قبيل عصابة الشيخ زانا أو صدام وقادة البعث، وبموجب جرائمهم الكبرى هم يستحقون الإعدام ولا يجب أن يشملهم مبدأ منع عقوبة الإعدام".
ولكن في الحقيقة فإن هذا التصور خاطئ وباطل بمجمله. هذا الاستثناء لا يبقي أي معنى لمنع عقوبة الإعدام. لأن عقوبة الإعدام هي في الواقع تطبق على أساس هذا الأطروحات والتصورات. لم يعتبر أي شخص وأي مجرم وأي مصاص دماء عقوبة الإعدام جديرة بكل شخص، ومن منظار كل شخص له قناعة بهذه المسألة، ثمة أشخاص يستحقون الإعدام وثمة آخرين لا يستحقون الإعدام. فمن منظار صدام والخميني وبوش وبن لادن...يشكل الناشطون السياسيون والثوار والمعارضون لهم مجرمين ويستحقون الإعدام، ومن منظار أشخاص آخرين على سبيل المثال أولئك الذين يؤيدون إعدام عصابة الشيخ زانا، فإن صدام وقادة البعث والشيخ زانا مجرمون كبار ويستحقون الإعدام. وبهذا الشكل بوسع عجلة الإعدام أن تستمر في حركتها ولكل سلطة وقوة أن تجد أعناق أشخاص ما لتقطعها. إن هذا ليس مناهضة لعقوبة الإعدام، بل إنه نظرية استمرار عقوبة الإعدام.
القضية ببساطة ووضوح إما أن يكون الإعدام ممنوعاً أو غير ممنوع. فإذا كان ممنوعاً فإن هذا المنع يشمل مجرمين من قبيل صدام وقادة البعث وعصابة الشيخ زانا والزرقاوي وبوش وبلير وبن لادن أيضاً. وإذا كان غير ممنوع فإن سينفذ ويطبق بتبريرات مختلفة خصوصاً ضد كل شخص بريء، ضد العمال والكادحين المحتجين ضد الظلم والاضطهاد، ضد جميع الناشطين السياسيين، وضد النساء...أيضاً. جلال الطالباني يقول لقد وقعت وثيقة ضد تطبيق عقوبة الإعدام، ولهذا لا يمكنني التوقيع على قرار إعدام صدام. وإذن فإن جميع أولئك الذين هم حقيقةً ضد الإعدام لا يمكنهم أن يجدوا أية استثناءات، وبهذا لا يمكنهم حتى تأييد إعدام عصابة الشيخ زانا وصدام وقادة البعث أيضاً.
لقد بين التاريخ عملياً أنه حتى بمعزل عن الجانب الإنساني، فإن الجماهير والجبهة التحررية كانت دائماً قد تضررت ضرراً كبيراً من عقوبة الإعدام وتحولت الى ضحية لها، وكانت الجبهة الرجعية وجبهة الظلم أكثر من استفاد منها. والى أن صادف أن وقع أشخاص من قبيل صدام والشيخ زانا أمام حبل المشنقة، تم شنق ملايين الأشخاص الأبرياء والمناضلين والتحرريين. إن التاريخ شاهد على أن الإعدام وحبل المشنقة هو في الأساس كان للجماهير المضطهدة والتحررية والمحتجة، وليس للمجرمين الحقيقيين. وإذا منعت هذه العقوبة بشكل تام، فإن الجماهير والإنسانية والجبهة التحررية في المجتمع هي من يتخلص منها في الأساس. ولكن إذا كانت الجبهة التحررية تريد انتشال البشرية من وطأة عقوبة الإعدام وتمنعها، إذا كانت تريد إيثاق يد الظالمين والسلطات الدموية والدكتاتوريات من التطاول على الإنسانية، عليها بالضبط أن تقوم بهذا الأمر حين يصل الأمر الى مجرمين من قبيل صدام والشيخ زانا. وعليها في ذلك اليوم أن تقول أن هؤلاء المجرمين وبالرغم من كل إجرامهم وأن عليهم أن يعاقبوا، ولكن لا ينبغي إعدامهم، لأن الإعدام ليس لائقا وجديراً بالإنسان. فإذا تمكن المجتمع اليوم من أن يفرض أن الإعدام ليس جديراً بالإنسان وممنوع وحتى أنه لا ينبغي تطبيقة ضد مجرمين كبار من قبيل صدام والشيخ زانا، فإن هذا يعني أنه قد أتخذ أكبر خطوة في طريق منع عقوبة الإعدام وصنع أكبر جدار أمام أية سلطة وقانون يريدان في الغد بأية حجة وذريعة أن يحكما أشخاص آخرين من الناس الأبرياء والثوار واليساريين والشيوعيين بحكم الإعدام.
إذن الحديث عن جرائم عصابة الشيخ زانا الوحشية وإبرازها، حتى لو كانت أكثر، ليست دليلاً في أي حال من الأحوال يمنح الحقانية لإعدامهم. فحين نقول الإعدام ممنوع ولا يجب إعدام الإنسان، لا يقوم هذا الأمر على أن ذلك الشخص المحكوم بالإعدام جريمته كبيرة أو صغيرة، كذلك أن هذا الأمر لا يحمل جانب الدفاع عن المجرم أو التقليل من شأن جريمته، بل إن الغرض هو تثبيت وترسيخ معيار ومبدأ للدفاع عن الإنسانية، للدفاع عن حرمة وكرامة الإنسان. وهذا لا يمكن وضع قيد أو شرط أو استثناء له، وإلا لن يبقى له أي معنى واقعي.
الإعدام و"قدسية القانون" في كردستان
في الحقيقة يمكن بيان جملة من الملفات والأغراض والحقائق الكامن خلف إعدام عصابة الشيخ زانا. واحدة منها تلك الدعاية القائلة بتأخير إعدام هذه العصابة لمدة عام بسبب أن قانون العمل بهذه العقوبة لم يكن موجوداً وأن السلطات كانت تنتظر قرار إعادة العمل بهذه العقوبة من قبل البرلمان. فإذا كان هناك شخص ليس على إطلاع على واقع كردستان ويسمع هذا الكلام، سيقول ما شاء الله! كم أن حكم القانون في كردستان يجري بشكل مضبوط وكم من احترام هناك لحقوق الإنسان؟
ولكن في الحقيقة لا تأخير هذا العمل خلال فترة العام الماضي له علاقة بقانون العمل بعقوبة الإعدام ولا تنفيذه هذا الحكم له علاقة بالقانون والتصدي للجريمة. إلقاء نظرة بسيطة على ممارسات السلطات في كردستان خلال خمسة عشر عاماً مضت كافية للقضاء على أي شك بهذا الخصوص. فلو كان الحظ ضيفاً على عصابة الشيخ زانا ورأفت بهم الظروف وشملتهم مساومة سياسية، لكانوا قد نجوا من عقوبة الإعدام خارج أي قانون، وليس هذا فقط بل لكانوا قد أطلق سراحهم مثل مئات المجرمين الآخرين. وآخر الأمثلة على هذه الحقيقة إطلاق سراح قاتل أختين أسمهما "مهاباد وجوان عبد الله" الذي جرى بتخطيط من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني ومن خلال عملية صلح عشائري. فإثناء سلطة وحكم هذه الأحزاب تم جعل مئات المجرمين موضوعاً للمساومات بين الأحزاب وتم إطلاق سراحهم.
ولكن الأكثر إثارة للعجب من هذا هو الإدعاء بأن هذه هي المرة الأولى التي تطبيق فيها عقوبة الإعدام خلال فترة حكم الحركة القومية الكردية في كردستان، وجرى هذا وفق القانون وحكم المحاكم! غير أن ليس هناك من مواطن من مواطني هذا المجتمع لا يعرف حقيقة أن مئات الأشخاص أعدموا حتى الآن على يد هذه الأحزاب والسلطات في الزوايا وحتى من دون إقامة أية محاكمات حتى ولو شكلية. ومن الأمثلة على ذلك الذين أعدموا أمام أنظار الناس هم بكر علي الذي أعدم وهو مجروح، والشيخ عبدول الذي أعدم وهو أسير...وغيرهم، ولو كان ممكنا وضع أرشيف سجون عقرة ودوائر أمن السليمانية بين أيدي الجماهير، لظهر أية أمواج من الناس الذين أعدموا دون محاكمات في تلك السجون خلال هذه السنوات. ولكن الأوضح من ذلك هو الإعدامات الجماعية لأسرى الحرب الداخلية الذين قتلوا وهم أسرى. وحتى الآن هناك المئات من أسرى تلك الحرب المشؤومة الذين فقدوا ومازالت أسرهم تبحث عنهم. هل أن الطالباني والبارزاني على استعداد لأن ينهيا انتظار تلك الأسر والكشف عن مصير أبناءها والاعتراف بالإعدامات والمجازر الجماعية التي قامت بها أحزابهما ومليشياتهما؟!
الاستنتاج
إن الحديث بالمديح عن إعدام عصابة الشيخ زانا كخطوة من قبل السلطة، ليس سبيلاً للحل، بل هو تشريع قتل الإنسان. وقتل الإنسان على يد الإنسان بموجب القانون، سيعمق أكثر من جراح جرائم ذلك النوع من العصابات في جسد المجتمع. سيسحق وينتهك حرمة وكرامة الإنسان، سيغرس براعم الجريمة، سيقوي من روح الثأر، سيبعد المجتمع عن المعايير والمبادئ الإنسانية، وسيعود الناس على القتل والقتل المتعمد. في ظل قانون من هذا النوع ستنمو الجريمة وستمهد الأرضية لظهور عشرات العصابات القاتلة من قبيل عصابة الشيخ زانا.
في الوقت الذي يوجد فيه سبيل حل فعال، كان من الممكن اتخاذ ذلك السبيل، كان من الممكن محاكمة تلك العصابة محاكمة علنية، كان من الممكن أن يوضح للجماهير أية أغراض وأهداف ونهج وتقاليد تقف خلف هذه العصابة وجرائمها، كان من الممكن التوضيح للجماهير ذلك التقليد والنهج الذي أنتج الشيخ زانا وفضحه وبهذا الشكل يتم إبعاد الجماهير عنه، كان من الممكن إعداد المجتمع لمواجهة فعالة ونشطة وشاملة مع هذا النوع من المخاطر. كان من الممكن جعل تلك المحكمة أساس الخطو لإبعاد المجتمع عن تقاليد ومعتقدات الشيخ زانا وأمثاله، كان من الممكن بهذه المناسبة فصل الدين عن الدولة وعن التربية والتعليم، كان من الممكن بهذه المناسبة منع نشاط الجماعات الإرهابية الإسلامية خصوصاً أن باعتراف هذه العصابة أنها حصلت على الدعم والتعاون المباشر وغير المباشر لتلك الجماعات، كان من الممكن بهذه المناسبة القيام بحملة كبيرة اجتماعية وللتوعية للوقوف ضد الجريمة والعنف والإرهاب..كان من الممكن...كان من الممكن...وكان من الممكن....كان من الممكن اتخاذ العديد من الخطوات الأخرى من هذا النوع. والى جانب كل هذا حبس عصابة الشيخ زانا وقطع الطريق على جرائمها. بهذا الشكل كان من الممكن بدلاً من "إرضاء قلوب الناس" بإعدام وقتل الإنسان وإظهار قتل الإنسان كأمر عادي في نظر الناس، كان من الممكن تقوية مشاعر البشر تجاه بعضهم البعض، تقوية السخط على الجريمة وقتل الإنسان، وجعل الإنسان مقدساً ومحترماً، وإظهار قتل الإنسان ككفر كبير بحيث لا يفكر فيه أي شخص ويضع ذلك التقليد والعقيدة والنهج الذي يبرر ويحلل الجريمة والقتل المتعمد للبشر بأي ذريعة وسبب كان.
على المجتمع أن يتعقب سبيل حل من هذا الطراز وأن يرفض حكم الإعدام بوصفه أقسى وأبشع أشكال القتل المتعمد للإنسان. لا ينبغي فسح المجال أمام هذه الظاهرة القذرة وغير اللائقة بأية ذريعة تبرير كان، يجب منع حكم الإعدام بشكل تام.




#ريبوار_احمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحروب التي تكمن خلف هذه المعركة على العلم
- إطلاق النار على إضراب طاسلوجة، إنذار للطبقة العاملة
- يدمرون مجتمعاً بحجة تحرير أسيرين! حول الهجمات الإسرائيلية عل ...
- لنقل في الخامس عشر من كانون الأول (لا) أكبر من (لا) الخامس ع ...
- من هم شركاء عصابة -الشيخ زانا- في الجريمة وكيف يتم اجتثاث هذ ...
- الطبقة العاملة قادرة على إنقاذ المجتمع من هذا المأزق!، نحو ا ...
- كلمة افتتاح المؤتمر الثالث للحزب قدمها ريبوار احمد
- كلمة ريبوار احمد سكرتير اللجنة المركزية للحزب في المؤتر الثا ...
- مقعدا الطالباني و الجعفري يرتكزان على حقد ومأساة القومية وال ...
- إلى الاحرار في العالم... ساندوا حملتنا لإحباط سيناريو الانتخ ...
- ريبوار أحمد في مقابلة مع الصحيفة الأسبوعية (جةماوةر-الجماهير ...
- على كافة جماهير العراق التحررية الوقوف ضد تهديدات غازي الياو ...
- تصريح من ريبوار أحمد ليدر الحزب الشيوعي العمالي العراقي حول ...
- يجب تنحية اللصوص وتسليم الإدارة ليد ممثلي الجماهير
- لا أمريكا، ولا الإسلام السياسي بل الحرية والعلمانية،
- الطبقة العاملة قادرة على إنهاء هذا السيناريو المأساوي!
- لا أمريكا، ولا الإسلام السياسي، بل الحرية والعلمانية
- الشيوعية العمالية والقضايا الأساسية الراهنة في العراق
- ان مصير قرار -مجلس الحكم- حول تشديد عبودية المراة هو الفشل و ...
- زُمرٌ وحثالة… وقتلة النساء


المزيد.....




- بوريل يرحب بتقرير خبراء الأمم المتحدة حول الاتهامات الإسرائي ...
- صحيفة: سلطات فنلندا تؤجل إعداد مشروع القانون حول ترحيل المها ...
- إعادة اعتقال أحد أكثر المجرمين المطلوبين في الإكوادور
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي للاشتباه في تقاضيه رشوة
- مفوض الأونروا يتحدث للجزيرة عن تقرير لجنة التحقيق وأسباب است ...
- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي بشبهة -رشوة-
- قناة -12-: الجنائية ما كانت لتصدر أوامر اعتقال ضد مسؤولين إس ...


المزيد.....

- نحو – إعدام! - عقوبة الإعدام / رزكار عقراوي
- حول مطلب إلغاء عقوبة الإعدام في المغرب ورغبة الدولة المغربية ... / محمد الحنفي
- الإعدام جريمة باسم العدالة / عصام سباط
- عقوبة الإعدام في التشريع (التجربة الأردنية) / محمد الطراونة
- عقوبة الإعدام بين الإبقاء و الإلغاء وفقاً لأحكام القانون الد ... / أيمن سلامة
- عقوبة الإعدام والحق في الحياة / أيمن عقيل
- عقوبة الإعدام في الجزائر: الواقع وإستراتيجية الإلغاء -دراسة ... / زبير فاضل
- عقوبة الإعدام في تونس (بين الإبقاء والإلغاء) / رابح الخرايفي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الغاء عقوبة الاعدام - ريبوار احمد - المحاكمة والعقاب كانا ضروريين، ولكن الإعدام ليس سبيلاً للحل- بمناسبة إعدام عصابة المجرم الشيخ زانا