أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - يوسف أبو سهى - فصول من تقرير المهدي بن بركة مندوب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في المغرب المقدم إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة تضامن الشعوب الآسيوية- الإفريقية المجتمعة في بيروت من9 إلى 15 نوفمبر 1960 .















المزيد.....


فصول من تقرير المهدي بن بركة مندوب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في المغرب المقدم إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة تضامن الشعوب الآسيوية- الإفريقية المجتمعة في بيروت من9 إلى 15 نوفمبر 1960 .


يوسف أبو سهى

الحوار المتمدن-العدد: 1717 - 2006 / 10 / 28 - 09:45
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


فصول من تقرير المهدي بن بركة مندوب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في المغرب المقدم إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة تضامن الشعوب الآسيوية- الإفريقية المجتمعة في بيروت من9 إلى 15 نوفمبر 1960 .
من كتاب "الاختيار الثوري في المغرب" الطبعة الثانية –أكتوبر1966 - بيروت

************************
في الوقت الذي تدخل فيه الجزائر مرحلة ثورية حقيقية ، اتخذت الحركة التحريرية في المغرب بقيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في المجلس الوطني للاتحاد الذي عقد في 21 - تشرين الأول- أكتوبر 1960 ، قرارا بربط نضالها من أجل تصفية النظام الاستعماري والإقطاعي بنضال شعب الجزائر.
ولقد رأينا :
" قضية جلاء القوات الأجنبية التي أبقيت في المغرب خمس سنوات بعد الاستقلال ، هي قضية وطنية ويجب أن توضع فوق كل النزاعات والخصومات الحزبية ، نظرا للظروف الحالية التي تجد فيها استمرار حرب إبادة ضد شعب شقيق في الجزائر ، التي هي جزء لا يتجزأ من المغرب العربي.
ونحن نعتبر أن بقاء القوات الفرنسية في المغرب لا يشكل فقط خرقا للسيادة الوطنية ، ومساسا بالكرامة الوطنية، بل أيضا مساعدة فعلية تقدم من بلدنا للقوات الفرنسية في حربها الاستعمارية في الجزائر.
و نحن نعتبر أن عملية تطويل فترة وجود القواعد العسكرية الفرنسية مدة ثلاث سنوات أخرى ( بموجب اتفاقية بين حكومة جلالة الملك مجمد الخامس وفرنسا ) تشكل خطرا على المغرب العربي، نظرا لأن هذه المدة تطابق المدة التي حددها الجيش الفرنسي لصفية الثورة.
وهنا يظهر المغزى الحقيقي للنداء الذي وجهناه إلى الشعب المغربي، و إلى جميع المنظمات الوطنية لبدء عمل حاسم في أول- تشرين الثاني - نوفمبر، يعود مباشرة إلى تصفية بقايا النظام الاستعماري و الإقطاعي وإلى تحرير الجزائر وإقامة مغرب عربي موحد، ديمقراطي وتقدمي.
وقد استجابت جماهير المغرب لهذا النداء بمناسبة الذكرى السادسة لميلاد الثورة الجزائرية ، وتحدت مقررات حكومة الملك بمنع أية تظاهرات خارج التظاهر الرسمي الذي نظمه هؤلاء الذين وقعوا قبل شهرين أي في- أيلول- سبتمبر 1960 اتفاقية بقاء القواعد العسكرية حتى نهاية 1963.
إن مهمتنا الآن هي الانتقال من مرحلة التصريحات إلى مرحلة الأعمال ، واليوم نجد مرة أخرى شعب أقطار المغرب العربي موحدا كما كان من 1953 إلى 1955 ، في جبهة الكفاح المسلح ضد الجهاز الاستعماري الذي تمكن ، في نهاية 1955، من تفتيت هذه الجبهة بإعطاء استقلالات خادعة في تونس والمغرب.
والثوريون الذين قبلوا هذا الحل الجزئي اعتبروا أن هذين الاستقلالين ، رغم كونهما منقوصين ( باعتبار إبقائهما للسيطرة العسكرية والاقتصادية) يجب أن يستخدما كنقطة ارتكاز لتحرير المغرب كله ،بتقديم المزيد من الدعم الفعلي للنضال من أجل حرية الجزائء ، مع الوعي إلى أن الجهود الاستعمارية ستتركز على هذا الجزء الأوسط من المغرب العربي..
و لكن تلاقي المصالح الاستعمارية وأهداف سياسة الاستعمار المقنع الجديد، مع تلهف إلى الحكم لدى عناصر محلية نصف إقطاعية، ولدي البرجوازية الكبيرة المعادية للشعب، ولدى سماسرة الشركات الأجنبية، جعل الأمور تتطور في اتجاه آخر. وقد أدى تسلط بعض القادة ، المرتبطين بهذه المصالح المختلفة ، على قيادة الحركات الوطنية ، إلى تجميد الطاقات الشعبية خلال سنوات.
الاتحاد الوطني للقوات الشعبية
كان لا بد من انتظار 25 -كانون الثاني – يناير 1959 عندما فضحت قاعدة الحركة الوطنية عجز وفشل قادة حزب" الاستقلال" التقليديين ، وأعلنت في -6 أيلول- سبتمبر التالي تشكيل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، حتى أصبح بالإمكان إعادة تحريك طاقات الشعب وتعبئة جماهيره من أجل مواصلة الكفاح الوطني .
وهكذا عادت قيادة حركة التحرر الوطني إلى القوى المحركة التي قادت الكفاح 1956 والتي نجحت في تعبئة مجموع الشعب.
لقد بذلت العناصر الرجعية المحافظة للاستعمار، خلال تلك السنوات الأربع من " التجميد " جهودا مستمرة لتفتيت هذه القوى الشعبية المحركة. سواء بإثارة ازدياد مصطنع لعدد من الأحزاب السياسية ولما يسمى بجمعيات المقاومين أو النقابات، أو إثارة حركات انفصالية بوحي قبلي أو طائفي(1).
لقد وضع تكوين الاتحاد الوطني للقوات الشعبية حدا لعملية التخريب والتفتيت هذه، عندما كشف القناع عن أوجه الذين يقومون بها، وعندما حقق إعادة تجمع كل القوى الوطنية التي تحركها نفس روح النضال ضد كل أشكال السيطرة الاستعمارية والاستغلال.
إن ما تراءى ، خلال مدة قصيرة ،أنه مجرد " صراع داخلي من أجل الحكم بين فئات من البورجوازية الوطنية تختلف في درجة تقدميتها " ،اتضح الآن أنه صراع واصح بين مجموع قوى الشعب المعادية للاستعمار من جهة ، وبين العناصر الرجعية النصف – إقطاعية المرتبطة مباشرة أو بشكل غير مباشر، بالمصالح الأجنبية .
إن حقيقة هذا التجمع الوطني تتركز أكثر وأكثر في مواقف مختلفة من فئات الشعب الاجتماعية من القضايا الوطنية:
العمال والعاملات يدويا وفكريا المنظمون في الجامعة القروية للاتحاد المغربي للشغل الذي ينضم 600 ألف عضو.
رجال المقاومة وجيش التحرير من عناصر ريفية الأصل خصوصا ، وعناصر حديثة الحياة في المدن.
الحرفيون وصغار التجار الذين يشكلون طبقة وسطى ما فتئت تغذى باستمرار صفوف الحركة الوطنية.
الشبيبة الطلابية المنظمة في الاتحاد الوطني لطبة المغرب.
جميع هذه الفئات ، المتميزة في ميولها السياسي ووسطها الاجتماعي ، ولكن الموحدة في رغبتها المتساوية في الاتحاد والنضال الوطني ، أعلنت يوم السادس من- أيلول - سبتمبر 1959 :
" إنه لا يوجد أي تناقض بين مصالح العناصر التي تؤلف الشعب المغربي، وأن الاتحاد الوطني وحده كفيل بإحباط المطامع الاستعمارية وبتحقيق الأهداف الوطنية".
وجميع هذه الفئات أكدت :"إن الهيئات السياسية في شكلها الحاضر أصيبت بالتعفن ولم تعد صالحة للقيام بتربية الجماهير وتجنيدها للمهام والبناء بل صارت أداة للتفرقة ووسيلة لاكتساب مراكز شخصية أو الاحتفاظ بها، هذا إن لم تمهد السبيل لتدخل اليد الأجنبية ، ولم تسخر في خدمة مصالح خسيسة مستترة"
وقد كان هذا أحدث كشف و توضيح لشعب المغرب الذي كان منذ الاستقلال ضحية عملية تضليل وبلبلة خطيرة.
ولم يترك الاتحاد الجديد خارج صفوفه إلا أعداء الشعب المغربي الطبيعيين ، الظاهرين والمستترين ، بما فيهم القواد والعملاء وبقية الحماية الفرنسية الذين أصبحوا الآن معتمدي القصر بعد أن كانوا أداة للاستعمار المباشر في محاربة القصر عام 1953 .
وأخذ الكفاح الوطني من أجل الحرية يعود الآن، بقيادة قوة ثورية حقيقية حركية ويقظة، هذه المرة.
استئناف الكفاح من أجل الاستقلال الوطني
لقد استؤنف الكفاح الوطني جديا ، على الصعيد الرسمي من قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد اللذين أصبحا رئيس ونائب رئيس مجلس الوزراء في الحكومة الملكية بعد إبعاد رئيس الحكومة أحمد بلافريج أحد القادة المعزولين في السكرتارية العامة لحزب الاستقلال.
وخلال عام 1959 وحتى- أيار – مايو 1960 استطاعت حكومة عبد الله إبراهيم ، رغم المناصب الوزارية الهامة التي كانت ما تزال تشغلها عناصر رجعية ، استطاعت أن تضع القضايا الأساسية للكفاح الوطني.
وحققت نتائج إيجابية نسفت مواقع الاستعمار وحلفائه داخل البلاد.
إعادة 44000 ألف هكتار من الأراضي التي اغتصبها الاستعمار الفرنسي ، إلى الفلاحين وتوزيعها بشكل تعاوني.
تحضير ملفات استعادة مئات آلاف الهكتارات الأخرى التي استولى عليها المعمرون الذين مازالوا يملكون حوالي مليون هكتار من الأراضي.
تأميم تجارة الشاي ، المشروب الشعبي التقليدي في المغرب.
إقامة مصرف وطني للإصدار و مصرف للتنمية الاقتصادية.
مراقبة انتقال رؤوس الأموال للخارج.
إقامة أجهزة تحضير وتنفيذ مشروع سنوات خمس يهدف إلى إعادة بناء هيكل البلاد، و إلى الإصلاح الزراعي وتأمين تقدم الأرياف وتنفيذ تصنيع حقيقي وتكون الملاكات.
إلغاء الإذاعة الأجنبية
وهذه العملية المركزة بشكل خاص عل ميدان التحرر الاقتصادي كانت تهدف إلى سلب الجهاز الاستعماري الجديد وسائل ضغطه و مساوماته،تحضيرا لتصفية بقية عناصر السيطرة الاستعمارية في المستوى العسكري.
إن معارضة عملية التحرر الوطني هذه، لم تتوقف حتى داخل الحكومة نفسها بقيادة ولي العهد الأمير الحسن ، الذي يعتمد على جيش وشرطة يوجههما المستشارون الفرنسيون( وبشكل أكثر سرية مستشارون أمريكيون جدد) ويقودهما على الغالب ضباط مغاربة من المرتزقة الذين خدموا في صفوف الجيش الفرنسي خصوصا في حرب الهند الصينية.
وقد مرت معاكسة سياسة حكومة عبد الله إبراهيم بمرحلة تردد، بسبب حذر الملك من طابع المغامرة الذي ظهرت به السياسة اللاوطنية المعادية للشعب التي تقودها الحاشية و ولي العهد.
لذلك نظمت هذه الفئة عملية دعاية نفسانية لتضليل الشعب، تضمنت بعض الاعتقالات والأعمال البوليسية، تحت ستار مكافحة مؤامرات مزعومة:
وهكذا فقد جرى:
خنق مؤتمر الطلبة وملاحقة الصحافة الوطنية التي نشرت مقرراته- آب –أغسطس 1959
محاكمة ترخيص الحزب الشيوعي – تشرين أول- أكتوبر 1959
تعطيل جريدة التحرير اليومية التقدمية واعتقال مديرها ورئيس تحريرها البصري واليوسفي ، من مؤسسي حركة المقاومة والاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
و توقيف حوالي عشرين مناضلا من قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، من الأعضاء والقادة السابقين في جيش التحرير.
و خصوصا نزع سلاح وتصفية جيش التحرير المغربي في الصحراء، الذي ما انفك منذ عام 1956 مستمرا في حماية الجبهة الجنوبية الغربية لشعب الجزائر المحارب والعمل على تحرير موريتانيا.
ومع ذلك فقد تابع الوطنيون في حكومة عبد الله إبراهيم بتصميم عملهم لتصفية الجهاز الاستعماري .وبعد حصولهم على إعلان جلاء القوات الأمريكية تصدوا لقضية الجلاء الفوري للقوات الفرنسية التي تتابع عملها المكشوف و التجسسي ضد حركة التحرر في المغرب والجزائر.
وقد حصل هؤلاء الوزراء الوطنيون على موافقة الملك على خطة الجلاء في شهر- نسيان- أبريل، في مجلس الوزراء الذي أقر عملية الجلاء وتوقيتها.
وكان- أول حزيران – يوليو 1960 هو الموعد الأقصى المحدد لتحقيق الجلاء بواسطة الوسائل الدبلوماسية .و إذا لم يتم الجلاء بهذه الوسائل حتى ذلك الموعد كانت الخطة تقضي بإنهاء خدمات جميع الضباط الفرنسيين "و المستشارين الفنيين" في القوات المسلحة الملكية وفي الدرك والشرطة ، وإعادتهم إلى الحكومة الفرنسية، ودعوة الشعب للعمل المباشر في تحقيق الجلاء .
وكان هذا الجلاء حقيقيا بكل ما تعنيه الكلمة ،ولا يمكن أن يمسخ إلى حد إبدال العلم الوطني بعلم قوات الاحتلال .وقد اصطدمت أول محاولات تضليل من هذا النوع فورا بالفشل.
وبالفعل جاء سفير الولايات المتحدة يطلب من الرئيس عبد الله إبراهيم الذي هو أيضا وزير الخارجية ، قبول عدد من ضباط القواعد العسكرية الأمريكية، بينهم المقدم (كومندن) بلير، كملحقين عسكريين في السفارة الأمريكية و" كمستشارين" في نفس الوقت ، للأمير مولاي الحسن ولي العهد قائد القوات المسلحة الملكية ، بعد أن وافق الحسن نفسه على ذلك.
وقد كانت مصادفة غريبة أن يطابق رفض عبد الله إبراهيم طلب السفير الأمريكي هذا ، وقت إقالة الملك للحكومة التي يرئسها عبد الله إبراهيم في 19 مايو 1960 .
و كان من البديهي أن تصميم هذه الحكومة على محاربة الاستعمار ، لا يمكن أن يقابل من المصالح الأجنبية الكبرى بالسكون ، وهي التي تريد أن يستمر ،تحت اسم استقلال المغرب ، جهاز سيطرة استعمارية مرتكزة إلى النظام النصف إقطاعي .وهكذا فقد قامت حاشية الملك الرجعية ، بناء على أوامر هذه المصالح الأجنبية ، بعمل فعال لإخراج ممثلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من الحكم ، مهما كان ثمن ذلك وكان الانقلاب الملكي وتأليف حكومة برئاسة الملك نفسه وابنه الحسن ، ولي العهد ، تعتمد على عناصر مرتبطة بالعائلة المالكة أو بالعائلات الإقطاعية والتجارية الكبرى ، التي لها امتيازات هذا العهد.
القوى الشعبية تواجه الاستعمار الجديد
منذ منصف عام 1960 أصبحت حكومة المغرب المستقلة مهددة بالانحراف وباتخاذ وجه جديد، ليس ذلك الذي حرك صراع القوى الشعبية، والذي كان يعطي الاستقلال محتوى من الديمقراطية والتقدم ونهوض الجماهير الشعبية .هذا الوجه الجديد هو الاستعمار المقنع الذي غدا معروفا بعد ظهور عدد من "الاستقلالات" المزيفة في إفريقيا.
إن خطة حكومة الملك الجديد تؤدي إلى تراجع عن سياسة التحرر و عدم الانحياز وتفقد الشعب ثمار انتصاره في معركة التحرر الاقتصادي والسياسي للبلاد
إن مشروع السنوات الخمس الذي حضرته الحكومة السابقة قدم في- حزيران – يونيو الأخير من قبل نائب رئيس الحكومة الجديد الأمير الحسن ، بصيغة محوره تحويرا أساسيا عما كان ، وبشكل لم يعد يترك في المشروع أي مجال لإصلاح هيكل البلاد ولا الإصلاح الزراعي ، بل يجعل منه أداة لزيادة سيطرة رؤوس الأموال الأجنبية وزيادة سيطرة النظام العسكري والبوليسي في البلاد.
إن مشروع السنوات الخمس هذا ، بدل أن يكون أداة انطلاق العمل في البلاد وإثارة حماس الجماهير من أجل التعبئة للبدء الوطني ، يشكل رجعة حقيقية إلى الوراء ويؤدي إلى زيادة البطالة ، حسب تصريحات وزير العمل نفسه في حكومة الملك.
إن هذا التراجع في ميدان التحرر الاقتصادي رافقثه سلسلة من الخطوات الديكتاتورية التي تهدف إلى كبت ردة الفعل الشعبية.
إن نتائج انتخابات- أيار- مايو الأخيرة في الغرف التجارية والبلديات و الجماعات القروية، التي أكدت انتصار الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، أرعبت العناصر الرجعية التي تسيطر على الحكم ، وأقنعتها بحقيقة قوة هذا الاتحاد التي ظهرت في عدة مناسبات بإضرابات الاحتجاج العامة التي تجمع العمال والمزارعين والتجار والموظفين والطلبة ، وتشمل الحياة العمة في البلاد ، مما جعل الفئات الرجعية تقرر الصراع مع الجماهير الشعبية .
فألغت انتخابات غرفة التجارة في الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للبلاد، بعد أن أبعد جماهير صغار التجار التقدميين عن هذه الغرفة سماسرة الشركات الأجنبية في انتخابات –أيار- مايو 1960.
وأقامت جامعة نقابية مصطنعة - الاتحاد العام للعمال المغاربة - ورخصت لها في - تشرين الأول - أكتوبر 1960لمحاربة وحدة الطبقة العاملة المنظمة في الاتحاد المغربي للشغل.
وقامت بتصرفات تعسفية ضد الحافة الديمقراطية كالمكافح والرأي العام بلسان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والطليعة الناطقة بلسان الاتحاد المغربي للشغل ، اللتين تتعرضان للمصادرة الدائمة.
وعينت بعض الضباط السابقين في الجيش الفرنسي المعروفين بمناوئتهم للحركة الوطنية في مراكز ولاة المناطق ،ومديرات أجهزة الأمن والدرك.
و استبدلت الخبراء التقدميين في مختلف المراكز الاقتصادية والمالية والهامة بعناصر مرتبطة بمصالح العائلات الكبرى النصف إقطاعية والبورجوازية التي تطمح في أن تحل محل الاستعمار الأجنبي في الاستثمار والاستغلال (2).
ولكن هذا كله لم يكن سوى عمليات ثانوية تهدف إلى إلهاء الشعب المغربي عن الاتجاه الجديد لسياسة الحكومة إلى جانب الاستعمار.
ففي الكونغو تتصرف قيادة القوات المسلحة الملكية الموضوعة تحت إشراف الأمم المتحدة ، وكأنها قوات استعمارية.
والمراقبون الاستعماريون يعتبرون أن كبار ضباط هذه القوات الملكية مسئولون جزئيا عن المؤامرات الاستعمارية التي دبرت ضد حكومة لوممبا الشرعية، وأنهم حققوا بذلك خطة الذين يريدون أن يقاتل الإفريقيون إخوانهم الإفريقيون.
وفي نفس الوقت كان هناك مشروع لزيادة جهاز الجيش الملكي إلى ثلاثة أضعافه ، لإيصاله إلى مائة ألف رجل مزودين بمعدات و ملاكات أمريكية.
و في المغرب نفسه تخلت الحكومة عن الخطة الموضوعة لجلاء القوات الأجنبية.
ففي –أول أيلول – سبتمبر- 1960 وقعت حكومة الملك مع حكومة فرنسا اتفاقية تسمح ببقاء القواعد العسكرية الفرنسية ، تحت اسم مدارس عسكرية ، إلى نهاية عام 1963 ، في الوقت الذي تدخل فيه معركة شعب الجزائر مرحلتها الخطيرة الحاسمة.
وهذا بالضبط هو تكريس لانتقال الرجعية المتسلطة على الحكم إلى حظيرة الاستعمار.
إن هذا هو الذي فرض على القوى الشعبية أن ترد على الخطة بقوة، دون أن تنزلق في عمليات التضليل وتشتيت القوى في معارك جانبية تطرح الآن وهي:
قضية موريتانيا(3)
قضية إغلاق قنصلية فرنسا في وجدة.
قضية طرد بعض المعمرين من هذه المنطقة.
وكان من الواضح أن شعب المغرب وجد نفسه، نتيجة هذه الخطة، أمام خطر تحول بلاده إلى أداة خطيرة في يد الاستعمار الجديد.
وبشكل أكثر وضوحا وجد الشعب أن بلاده قد أصبحت قاعدة شرعية معترفا بها لتدريب وانطلاق قوات العدوان الاستعماري ضد ثورة شعب الجزائر ، وهذه خدمة لإستراتيجية الاستعمار الحريص على إبقاء سيطرته على هذه الضفة من البحر الأبيض المتوسط ، ولو كان ذلك بتنفيذ مؤامرة فلسطين مرة أخرى في المغرب : تقسيم الجزائر وإقامة توازن جامد في المنطقة يرتكز على تعايش أنظمة استعمارية مقنعة وأنظمة فاشستية ، وأنظمة نصف إقطاعية.
إن حكومة الملك تقف أمام اختيار لابد منه: إما رفض المساعدة التي قدمت رسميا للجيش الفرنسي، والوقوف مع الجماهير الشعبية إلى جانب شعب الجزائر ، و إما مقاومة التعبئة التي قررها شعب المغرب لتصفية جهازه السيطرة الاستعمارية في المغرب العربي نهائيا.
الخاتمة

وهكذا بدأت التعبئة لدخول الجماهير الشعبية بصورة مباشرة في الثورة الجزائرية ابتداء من أول – تشرين الثاني – نوفمبر 1960. وسلحنا في هذه المعركة هو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي أثبتت المحن والتجارب القاسية صلابته وثباته .
و إن المعركة التي تخوضها اليوم شعوب المغرب الغربي ضد النظام الاستعماري والإقطاعي تجري في ظروف جد مواتية:
لأن القوى الشعبية بلغت درجة فائقة في الوعي السياسي والتنظيم والاتحاد .
ولأن عناصر الرجعية والتضليل أسفرت عن وجهها الحقيقي .
ولأن قوى الحرية والديمقراطية في العالم قد اكتسبت تعزيزا متواصلا بفضل الانتصارات التي حققتها الشعوب ضد السيطرة الاستعمارية .
ويكفي أن تتضافر اليوم جهود جميع القوى الديمقراطية في العلم لإحباط مخططات بعث النظام الاستعماري ، والقضاء على مؤامرات الرجعية و الإقطاعية ضد الشعوب.
ونحن نعلم أنه مع هذه الإمكانيات كلها سنواجه معركة طويلة مريرة يجب أ، نتسلح لها مزيدا من العزم والصمود والصبر واليقظة إلى أن نحقق النصر الكبير.
وهذا النصر الذي كتب لنضال الشعوب سيضمن للإنسانية الحرية والديمقراطية والتعايش السلمي الصحيح.
هوامش
1-من ذلك حركة العصيان المسلحة التي قام بها عامل إقليم تافيلالت عدي أو بيهي في كانون الثاني – يناير 1957 ، بحجة دعوة قبائل هذه المقاطعة إلى حماية العرش من تهديد القوى الشعبية. وقد فشلت الحركة و ظهر أنها كانت مسلحة ومدعومة من قبل القوات الفرنسية المرابطة في المنطقة.( وقد انتهت محاكمة الحركة أمام المحكمة العليا في كانون الأول –ديسمبر 1959 بالحكم بالإعدام على العامل الذي لم ينفذ فيه الحكم بل يتمتع حاليا بحماية مستمرة من القصر الملكي) ، وقد كان من العناصر الوسيطة في المؤامرة وزير التاج الحسن اليوسي الذي هرب إلى إسبانيا وهو من مؤسسي حزب سياسي يقوم على نزعة قبلية إقطاعية ( الحركة الشعبية).
2-إدارة مكتب الدراسات والمساهمة الصناعية –مصرف التنمية الاقتصادية –مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية – مكتب الفوسفات.
3-إظهار قضية موريتانيا كقضية إلحاق مقاطعة تتعارض مع تيار التحرر في إفريقيا، الوقت الذي جرد فيه جيش تحرير موريتانيا من سلاحه.إن موقف الاتحاد الوطني من هذه القضية يتلخص في كلمتين: حرية تقرير المصير- والانتماء إلى المغرب العربي.



#يوسف_أبو_سهى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطليعة والانتخابات: موقف المشاركة
- المهدي بنبركة: أسطورة الفكر الثوري في المغرب
- الطليعة والانتخابات موقف المشاركة
- الطليعة والانتخابات موقف المشاركة وبعض ردود الفعل الحلقة 2
- الطليعة والانتخابات موقف المشاركة وبعض ردود الفعل


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - يوسف أبو سهى - فصول من تقرير المهدي بن بركة مندوب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في المغرب المقدم إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة تضامن الشعوب الآسيوية- الإفريقية المجتمعة في بيروت من9 إلى 15 نوفمبر 1960 .