أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في أصل -الممانعة- ونظامها وإيديولوجيتها ..وازدواج وجهها















المزيد.....

في أصل -الممانعة- ونظامها وإيديولوجيتها ..وازدواج وجهها


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1716 - 2006 / 10 / 27 - 10:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الممانعة إعطاء ظهرنا للعدو والثبات في موقعنا قدر الإمكان، إدبار وصمود. إنها امتناع عن مواجهة العدو، وعن التطوع لفعل ما يرغبه. هي أيضا مرتبة وسطى بين مواجهة قد تنقلب إلى مجابهة مفتوحة؛ وبين "الاستسلام" للعدو. في الممانعة دِبرُنا للعدو، لكننا صامدون لا نتزحزح - إلا إذا اضطررنا. وتاريخ الممانعة هو تاريخ تأهب للاضطرار، واستعداد للانضغاط حين يضغطنا العدو. وهي تستبطن تاريخ إخفاقات موجعة أمام إسرائيل، وتسدد قسطها للعلا بأن لا تسارع إلى إرضائها. والوضع الممانع هو وضع انهزام موقوف، لكنه "ينتظر" الفرصة كي ينتقل إلى موقع ممانع أدنى. فالممانعة، خلافا لما يفضل مروجوها، ليست "لحظة" في دينامية مواجهة أو مقاومة تتحين الفرصة للانتقال إلى المبادرة؛ إنها لحظة في مسار تراجع لا نهائي، يبقى الممانع خلاله مُندارا عن العدو، غير ساع إلى إمساك زمام المبادرة. ولأن الممانعة مسار تراجع لا قرار له، فإن الممانع، بالتعريف، لا يستسلم. فاحتياطي التراجع لا ينضب.
وتفيد صورة الإدبار أمام العدو في تمثيل الوجه المزدوج لسياسة الممانعة. فأهل الممانعة يولون العدو دبرهم، فيما يواجهون مجتمعاتهم. هنا الحرب والمواجهة، وهنا الجبهة. حصل أن عبث العدو بقفانا، بينما الممانعون منشغلون بحربهم الداخلية المستمرة، مثابرون على الصمود. فسياسات الممانعة هي في الوقت نفسه سياسات تعسف وقبض على الداخل، على غرار ما يظهر مثال أبرز نظام ممانع: المثال السوري.
الأشد تضليلا في إيديولوجية الممانعة أنها تطرح خيارين لا ثالث لهما: إما مجابهة العدو أو الاستسلام له. المجابهة مكلفة وقد تكون مدمرة كما هو معلوم، ويفترض أن الاستسلام غير مقبول. الممانعة هي الحل الوسط. ما تحجبه إيديولوجية الممانعة بمحورة السياسة كلها حول العدو هو إمكانية سياسة مختلفة تماما: سياسة تكف عن محاربة المجتمع المحكوم دون أن تنساق إلى مجابهة العدو القوي؛ سياسة معنية ببناء دولة وطنية حية تحفظ حقوق سكانها وفرصهم في حياة لائقة، سياسة تهتم بالتعليم والاقتصاد والحياة اليومية ونظافة المدن والنهوض الثقافي والأخلاقي لعموم السكان. باستبعاد هذا الممكن تواطأت نظرية الممانعة ونظم الممانعة على تضييق خيارات العرب التاريخية إلى درجة تفوق ما استطاعت إسرائيل تحقيقه في هذا المجال.
ونميل إلى الاعتقاد بان وظيفة إيديولوجية الصمود أو الممانعة هي تسويغ سيطرة النظم والتنظيمات الممانعة على رعاياها وجمهورها، دون اعتراف بحقوقهم ودون حرب مع العدو. فهي تؤسس لحالة حرب دون حرب، تدر منافع الحرب من تعبئة واستنفار وإعلان حالة طوارئ، دون أن تجلب مخاطرها المحتملة. إنها الحل الخطابي والجهازي الذي يسهل للنظم الممانعة حكم مجتمعاتها وقمع الانشقاق فيها من جهة، ويضمن استقرارها وبقائها سالمة فوق رؤوسهم من جهة ثانية. فعلاقة الحرب دون حرب بالحرب أوهى بكثير من علاقتها بالسلطة.
ليست الممانعة، تاليا، شكل المقاومة الممكن في شروط يتمتع العدو فيها بتفوق عسكري وسياسي ساحق، بل هي شكل الحكم الذي يستبطن شرط تفوق العدو، ويتيح لنخب السلطة هامشا واسعا من الحصانة والاستئثار بالموارد المادية والمعنوية لمجتمعها. بعبارة أخرى، نجد مفتاح تفسير استمرار الممانعة في البنى الاستبدادية للسلطة، وإن نشأت أصلا من شروط غير مؤاتية لمواجهة العدو المحتل. وأن تنتقل عقيدة الممانعة من مجال المواجهة مع العدو إلى تمويه شكل نظام الحكم، فلأنه يراد لما يفترض أن يتمتع به المجال الأول من إجماع وطني أن يحجب عمليات وسياسات محلية، تقتضي طبيعتها بالذات أن تكون مثار تنازع وتجاذب اجتماعيين. فتعميم منطق السيادة العليا (وهي واحدة وغير تنازعية تعريفا) إلى مجال السياسة الداخلية، وهي أرض تنازع ومعارضة واختلاف، وظيفته تجريم الاعتراض السياسي وجعل الاحتجاج على السلطة خيانة للوطن. وفي سورية، وهي مثال للنظام الممانع، تتكفل حالة الطوارئ بضمان المطابقة بين السيادي والسياسي. وإذا كان أكثر الناس، في سوريا وربما خارجها، يعتقدون أن حالة الطوارئ فرضت بسبب الحرب مع العدو الإسرائيلي، فالفضل في ذلك لإيديولوجية الصمود والممانعة. في حقيقة الأمر فرضت حالة الطوارئ في ثاني بلاغ صدر عن قيادة الانقلاب البعثي الأول في 8 آذار 1963 (أعلن البلاغ الأول الاستيلاء على السلطة).
على أن مناقشة سياسة الممانعة تجازف بأن تغفل عن واقع أن الممانعة شرط ثقافي عربي. فعلاقة العرب المعاصرين بالعالم والحداثة اقرب ما تكون إلى ممانعة تجمع بين رفض الانخراط وتعذر المقاومة. ندير قفانا للعالم، ونحرن أو "نُتنِّح". لا ريب أن هذا الموقف يتغذى من البلاء الإسرائيلي الذي تسبب في احتقان عربي مقيم، وبث في علاقة العرب بالغرب المشكل لوجه العالم دينامية توتر وسخط متجددة. لكنه كذلك يعكس تكوين النخب السياسية والثقافية العربية المستفيدة من حالة التمنع والشلل النفسي والمعنوي كي تحتفظ بالسلطة السياسية والثقافية في مجتمعاتها. بعبارة أخرى، الممانعة هي الشرط الأنسب للاستبداد على الصعيد السياسي، ولتصدر نخب منابرية تجمع بين القَبَلية والعقم على الصعيد الثقافي. وإنما لذلك الممانعة سمة نظم عربية متصالحة مع إسرائيل، ونظم أخرى معتدلة وصديقة للأميركيين، فضلا عن النظم غير المتصالحة مثل سورية.
نعم، هناك خياران أمام العرب ثقافيا، وأمام أية أطراف عربية سياسيا، في مواجهة إسرائيل والضمانة الغربية لها: أحدهما هو المواجهة، وهي في غير صالحنا اليوم وفي المدى المنظور. والثاني ليس الاستسلام، بل التحول من منطق المواجهة إلى منطق البناء الوطني والانخراط الإيجابي في العالم. الاستسلام ليس خيارا إلا إذا أردناه نحن. ويفترض بداهة أننا لا يمكن أن نريده. لكن كم تضلل البداهة؟ فنحن نجزم بأن فرط تداول كلمة الاستسلام في خطاب الممانعة وظيفته إظهار الاستسلام كخيار فعلي، والاستفادة تاليا من هامش اللااستسلام، المتاح دوما، لتشريع نظم الممانعة. لسان الحال يقول: انظروا! رغم "الظروف الحرجة" و"الأوضاع الصعبة" و"المخاطر المحدقة" و"المؤامرات الخارجية"، ها نحن لم نستسلم! ألسنا أبطالا؟
ترى هل هناك نظم سياسية ثقافية أخرى، تطرح الاستسلام أمام أعدائها كاحتمال فعلي، وتكتفي بتهنئة نفسها أنها لم تستسلم بعد؟ هل هناك ثقافة مسكونة (ومفتونة) بالاستسلام أكثر من ثقافتنا المعاصرة، بالخصوص التيار القومي فيها؟
لكن، بلى، الاستسلام خيار ممارس فعلا. إنه الاستناد إلى مواجهة (مستحيلة) مع العدو، لرفض نهج الإصلاح والبناء الوطني والانتماء إلى محيطنا الطبيعي والدولي. إنه الممانعة من وراء حجابيها: الحربوي والسلاموي، السوري والمصري، بوصفها تضييقا للخيارات واستسلاما للفكر والمخيلة قبل رضوخ الإرادة. ليست إسرائيل ولا أميركا هي التي منعت مصر من التوجه نحو وطنية مصرية متطورة، حتى لو اضطرتاها إلى توقيع معاهدة سلام غير متكافئة. الاستسلام ليس المعاهدة، بل جملة السياسات والخيارات الاجتماعية والاقتصادية التي سلكها النظام المصري خلال قرابة ثلاثة عقود بعد المعاهدة المصرية الإسرائيلية. وهي خيارات يتحمل المسؤولية عنها النظام المصري، لكن أيضا قطاعات من النخبة المثقفة المصرية أهدرت عقدين على مقاومة التطبيع (وعلى محاولة أسلمة المجتمع بالقوة)، دون أن تتبين أن نظام الاستبداد في مصر لا يجد ما يسوؤه في هذه الممانعة الثقافية، بل هو المستفيد الأول، وربما الوحيد، من تغذية موقف توجسي إزاء العالم، يتيح له التحكم بالمصريين الخائفين من انتهاك حرماتهم، فيما النظام لا يكف عن انتهاكها. وهو انتهاك أسوأ من الصلح مع إسرائيل بألف مرة.
"أذلوني لدرجة أني أحسست أن كلاب الشوارع عندها كرامة أكثر مني"، يقول طه الشاذلي في رواية "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني. ويضيف الشاب الإسلامي الذي تعرض لأفانين تعذيب مروعة في معتقلات بلاده، بما فيها "هتك عرضه": "لو إنني اعتقلت في إسرائيل لما فعل بي اليهود مثل ذلك.. بل ولو كنت جاسوسا خائنا لديني وبلدي لما فعلوا بي ذلك



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في أن الخيانة نتاج وظيفة تخوينية لنظام ثقافي سياسي مغلق
- في مديح الخيانة
- نحو حل غير نظامي للمشكلة الإسرائيلية!
- -غرابة مقلقة- للإرهاب في سورية!
- في انتظام الطوائف وتبعثر الأمة
- في أصول -ثقافة الهزيمة-
- صراع حضارات أم طائفية عالمية؟
- من استكمال السيادة إلى عملية بناء الدولة الوطنية
- نصر نصر الله!
- في الحرب وتكوين الشعور العربي المعاصر
- فرصة لتجديد النقاش حول قضية الجولان
- في نقد الخطاب الانتصاري التخويني
- حرب لبنان بين الليبراليين والقوميين الإسلاميين
- -حب الدبب- والدول المضبوعة
- أقوياء، متطرفون، وقصار النظر
- حالة حرب: محاولة لقول كلام هادئ في وقت عصيب
- سورية والأزمة اللبنانية: حصيلة عامة أولية
- انتصار الدولة والمقاومة في لبنان ممكن!
- أهل بيت الموت!
- مصلحة لبنان والعرب منع هزيمة حزب الله


المزيد.....




- ولاية أمريكية تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة
- الملك السعودي يغادر المستشفى
- بعد فتح تحقيق ضد زوجته.. رئيس وزراء إسبانيا يفكر في تقديم اس ...
- بعد هدف يامين جمال الملغى في مرمى الريال.. برشلونة يلجأ إلى ...
- النظر إلى وجهك أثناء مكالمات الفيديو يؤدي إلى الإرهاق العقلي ...
- غالانت: قتلنا نصف قادة حزب الله والنصف الآخر مختبئ
- بايدن يوقع قانون مساعدات كبيرة لأوكرانيا والمساعدات تبدأ بال ...
- موقع أمريكي ينشر تقريرا عن اجتماع لكبار المسؤولين الإسرائيلي ...
- واشنطن.. التربح على حساب أمن العالم
- السفارة الروسية لدى سويسرا: موسكو لن تفاوض برن بشأن أصول روس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في أصل -الممانعة- ونظامها وإيديولوجيتها ..وازدواج وجهها