أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - ماهير علي - إسكات انا بوليتكوفسكايا















المزيد.....

إسكات انا بوليتكوفسكايا


ماهير علي

الحوار المتمدن-العدد: 1715 - 2006 / 10 / 26 - 11:05
المحور: الصحافة والاعلام
    



عندما سقطت انا بوليتكوفسكايا، كان هناك نوع من الصمت المطبق حتى في معسكر اعداءها - لم تعدم انا بوليتكوفسكايا الكثير من هؤلاء. الرئيس الشيشاني الموالي لموسكو الو الخانوف اعترف بالصدمة، قائلا: "كان لدينا اختلاف تام في الاراء عما يجري في الشيشان ولكن بوليتكوفسكايا تعاطفت مع الشعب الشيشاني". الالعوبة رئيس وزراء تلك الدويلة، رامزان قاديروف، - الذي يعتبره الصحفي مجرما تحت رعاية الدولة - وصف مقتلها "بانه عقبة امام حرية التعبير"، مضيفا انه برغم "عدم موضوعية كتاباتها عن الشيشان في اوقات"، فإنه "مخلصا" يشعر بالاسف لها كشخص.

تلك التعازي كانت، رغم انها مشينة، اكثر رحمة بشكل هامشي من رد فعل الكرملين. لم تكن بوليتكوفسكايا معروفة فقط على النطاق المحلي في روسيا، ولكنها تبوأت مكانة دولية اعلى من اي صحفي روسي معاصر. يوم السبت بعض الظهر، اطلق عليها الرصاص، فيما يبدو بواسطة قاتل مستأجر في مصعد شقتها ببناية في موسكو حيث كانت تقطن. لم يكن امرا غير معقول ان نتوقع على الاقل ايماءة رمزية للاقرار بالمأساة من الرجل الذي يتبوأ بفخر مصير روسيا. لم يصدر عنه ذلك حتى يوم الاثنين وكان ذلك ايضا عبر حديث تليفوني مع جورج دبليو بوش. صمت فلاديمير بوتن الاستهلالي تحدث بالكثير والكثير.

والمصادفات هي ان ذلك لم يكن يدهش، دعك من انه لا يقلق، بوليتكوفسكايا، التي لم تخف ازدراءها واحتقارها الذي تحمله للرئيس الروسي، "صنيعة اخبث وكالة استخبارات للبلاد" الذي "فشل في ان ينهض بأصوله ويتوقف عن التصرف كعقيد في الكي جي بي". ما بين علامات التنصيص هو اقتباس حرفي من كتابها عام ٢٠٠٤، روسيا تحت حكم بوتن: الحياة في ديموقراطية فاشلة، تشريح تفصيلي للمرحلة الحالية من تطور روسيا (او، كما تناقش بوليتكوفسكايا، الانتكاس نحو بعض من اسوأ جوانب الحكم السوفيتي)، والذي بدأ بفعالية عام ١٩٩٩ مع افتتاحية الحرب الشيشانية الثانية.

بشكل اولي ارسلت بوليتكوفسكايا لتغطية الصراع من زاوية اللاجئين الذين ولدتهم الحرب، ولكن سرعان ما اصبحت انا مسجلة متحمسة لمسلسل الاحداث اليومية للوحشية والبطش الاعمى، مثيرة لانتقادات ليس فقط ضد ما يصيب الشيشاني العادي من اثار الحرب ولكن ايضا لما تسببه من اضرار للروسيا. كتبت بوليتكوفسكايا في نوفايا جازيتا منذ اربع سنوات، "هل ما زلت تعتقد انك يجب ان تقف بجانب هذه الحرب من اجل تحقيق بعض الاهداف التي تسعى الحرب لتحقيقها وذلك حتى لا تسير الامور الى الاسوأ؟ لا يمكن ان تمضي الامور الى الاسوأ. لقد فقدنا كل شعور بالاخلاقيات وكظم الغيظ الذي تعلمناه في الازمنة الاقل صخبا، وشيئا ما شريرا ومشينا لم نكن نتخيله ابدا قد نشب من احط اعماق ارواحنا".

جعلت بوليتكوفسكايا من ذلك مهمتها لتوثيق كل ما شاهدته، وبرزت لانها كانت فعلا الصحفي الروسي الوحيد الذي كان على استعداد للقيام بذلك. انتهت الحرب الشيشانية ١٩٩٣ - ١٩٩٦ جزئيا بسبب ضغوط وسائل الاعلام التي دفعت بوريس يلتسين نحو عقد اتفاقية سلام. في اعقاب الجلاسنوست، روسيا التي تخلصت من السوفيتية حديثا امتدحت جوقة متنوعة من الاصوات في المطبوعات ووسائل الاعلام الالكترونية، العديد منها استهجن علنا ميلاد افغانستان الجديدة.

عند انتهاء القرن، ضمن بوتن انه لن يواجه نفس المتاعب. الضغط المباشر كان فقط احد اوجه الاستراتيجية. سلسلة من القنابل انفجرت في مباني سكنية في موسكو واماكن اخرى، وقع فيها اللوم على انفصاليين شيشانيين، ساعدت على تغيير المزاج العام عند الروس. رغم انه لم يثبت ذلك بشكل قاطع، الشكوك (التي صاغتها شواهد عارضة) استمرت بأن التفجيرات، التي قتلت المئات، تم التخطيط لها بواسطة الاف اس بي، خليفة الكي جي بي في المرحلة ما بعد السوفيتية. ترأس بوتن الاف اس بي قبل ان يلتقطه يلتسين ويعينه رئيسا للوزراء. لاحقا، منح مناخ ما بعد ٩/١١ بوتن القدرة على التظاهر بأن روسيا ايضا مشارك جريح في "الحرب على الارهاب". فعليا كل صوت من الاصوات في وسائل الاعلام اختار دعم ما قررته موسكو ان يكون عمليات "مناهضة الارهاب" و"تطهير" - باستثناء نوفايا جازيتا ومراسلتها النجم.

لم تحمل بوليتكوفسكايا اي تعاطف للمتطرفين الاسلاميين من امثال شامل باساييف وزمرته، ولكنها ايضا كانت تستطيع ان ترى بوضوح عواقب العقاب الجماعي والاشكال الاخرى من ارهاب الدولة الذي يرتكبه الجيش الروسي وعملاء بوتن في جروزني. اخبرت انا المحاور البريطاني منذ سنتين، "الحقيقة هي ان الوسائل المستخدمة في عمليات بوتن لمحاربة الارهاب تولد موجة من الارهاب على شاكلة لم نشهدها من قبل".

تقارير ورسائل بوليتكوفسكايا الى نوفايا جازيتا امتلأت بروايات عن التعذيب والاغتصاب والقتل اللا قانوني، التي يرويها الضحايا واقاربهم. رغم ان تركيزها الاولي كان على المعاناة التي لا توصف التي يعيشها المدنيون الابرياء، وقراهم المنهوبة والمستباحة مرارا بسبب ان الجيش لا يملك اي استراتيجية اخرى لمكافحة الارهاب والتمرد، فقد توقفت ايضا امام اثر الحرب في نزع انسانية الشباب من الجنود الروس. وصف بوليتكوفسكايا المتكرر من حين الى اخر كان يوحي بصورة مصغرة لما يحدث في العراق.

بوليتكوفسكايا كانت شاهدة ايضا على النزاعات بين صفوف الجيش الروسي، بشكل ملحوظ عندما اسقطت طائرة هليكوبتر تحمل جنرالا شابا ارسل للتحقيق في انتهاكات عسكرية فوق جروزني في سبتمبر ٢٠٠١. القى الجيش باللائمة على الانفصاليين. بوليتكوفسكايا التي صادف انها كانت في جروزني وتحدثت الى الجنرال قبل ان يقلع بطائرته بوقت قصير، عرفت ان ذلك كان مستحيلا. القت انا باللوم على بعض ضباط الجيش المتربصين الذين لديهم الكثير مما يريدون اخفاؤه. خلال ايام اصبحت رسائل التهديد بالموت على درجة من الخطورة جعلت زملاء لها من الصحفيين الذين يريدون سلامتها ينصحونها بمغادرة البلاد لبعض الوقت.

بعد ذلك بشهرين، اخبرت بوليتكوفسكايا مراسلا في فيينا: "اتصل بي اطفالي واخبروني ان امرأة قد قتلت في مدخل المبنى السكني الذي نسكنه: شخصية تشبهني - نفس العمر نفس الطول، شعرها رمادي. اخبرتهم، مثل هذه الاشياء تحدث في مدينتنا. قالوا لي، لا لم تكوني انت المقصودة". كانوا على حق.

واجهت بوليتكوفسكايا ايضا عملية اعدام خداعية وتهديدات بالاغتصاب على ايدي الاف اس بي في الشيشان. وبينما هي في طريقها لتغطية حادث حصار مدرسة بيسلان سيئ الصيت في ٢٠٠٤، قدم لها كوبا من الشاي المسموم كاد ان يقتلها. اشتركت بوليتكوفسكايا وقت ما في محاولة اقناع القائد الانفصالي الشيشاني الغير اسلامي اصلان ماسخادوف للتفاوض مع محتجزي الرهائن، وهي محاولة انتهت الى لا شيء بسبب محاولة القتل الفاشلة. قتل اكثر من ٣٠٠ شخص في محاولة "الانقاذ" الرعناء التي تلت ذلك، اكثر من نصف الضحايا كانوا اطفال.

كان تكرارا مرعبا، بشكل من الاشكال، لحادثة مسرح موسكو الذي وقع منذ عامين قبلها، عندما استخدمت السلطات الغاز السام ضد محتجزي الرهائن الشيشان وقتلوا عددا من الرهائن في عملية الانقاذ هذه. في تلك المرة، طلب الارهابيون التحدث مع بوليتكوفسكايا بالاسم وضد نصيحة عائلتها واصدقائها عادت من المنفى لهذا الغرض. لم تكن لديها تجربة مماثلة مع مثل هذه الحالات، ولكنها استطاعت ان تدبر اقناع المحاربين السماح لها بجلب المياه والعصير لاكثر من ٨٠٠ رهينة. لم تستطع ابدا ان تغفر لنفسها تأنيب الضمير بانها مذنبة لعدم قدرتها صنع ما هو اكثر من ذلك.

قد يكون من الخطأ وصف بوليتكوفسكايا بأنها لا تخشى شيئا: فشجاعتها الغير معتادة - البعض يسميها شجاعة لا عقلانية - تكمن في انها لم تسمح للخوف ان يسيطر على مشاعر الواجب كصحفية. شعرت بالتزام ان تسجل كل ما تراه، وتسمعه وتفكر به: من اجل مستقبل الاجيال، ولكن ايضا كمحفز محتمل لتسوية سلمية. حقيقة كونها مثلت نضالا منفردا لم يعكس اثرا حسنا على نخبة مثقفين تلبستها رأسمالية شماشرجية واستأنستها سلطوية بوتن المتسلقة. وصف ميخائيل جورباتشوف بدقة مقتلها "كجريمة خطيرة ضد البلاد، ضد كل واحد منا". كان حكيما بشكل كاف حتى يعرف ان إسكات بوليتكوفسكايا بدم بارد يقلل من شأن كل الروس - فقط بضعة الاف قليلة منهم خرجت للشوارع محتجة يوم الاثنين لتودعها وتسجل احتجاجها، في مقدمة جنازة بوليتكوفسكايا امس.

قد يتعجب بعض من هؤلاء هل هي مجرد مصادفة ان المناضلة التي لا تتصالح ذات الثمانية واربعين عاما قد اغتيلت يوم ميلاد بوتن الرابع والخمسين. على اية حال لا يمكن تخيل ان مستشارا ما كريهة يساوي بضعة كوبيكات زهيدة قد خطط عملية ازالة شوكة تثير الازعاج في حلق الرئيس كهدية لعيد الميلاد. او بالنسبة لرامزان قاديروف الذي اتم الثلاثين قبلها بيومين، مما يجعله صالحا للترشح لرئاسة الشيشان التي يتوق اليها عن حق - المنصب الذي تبوأه ابوه، احمد قاديروف، منذ وقت غير طويل، الذي طبقا لاقرانه، تحدث ذات مرة عن بوليتكوفسكايا "كامرأة مدانة". مقابلتها مع آلة الحصاد هذه حدثت عند عملها على توثيق فضيحة اخرى لقاديروف الاصغر تتعلق بتورطه في عمليات التعذيب.

بوتن وعد بوش باجراء تحقيقا مكثفا ويترأس النائب العام الروسي لجنة تحقيق وتحري لمقتل الصحفية المعارضة. ذلك طبعا ليس ضمانة للوصول الى اي نتيجة، وصحيفة نوفايا جازيتا - التي خصصت عددها في الاثنين الماضي بالكامل لتأبين بوليتكوفسكايا - اعلنت انها سوف تجري تحقيقا خاصا بها. السؤال "من قتل انا بوليتكوفسكايا؟" قد يتردد صدى هذا السؤال عبر عشرات السنين. ولكن كلماتها سوف يتردد صداها بالمثل لسنوات وسنوات، وكذلك ادانتها الكاسحة للجرائم ضد الانسانية التي ارتكبت باسم كل الروس. حقيقة انه لا كتاب من كتبها - روسيا بوتن، حرب قذرة وركن صغير من الجحيم - قد نشر في بلدها تلك الحقيقة تدعم النتيجة التي وصلت اليها بأن "روسيا ما زالت مصابة بميكروب الستالينية".

في تأبين اقيم لها في نهاية الاسبوع، اوليج بانفيلوف، مدير مركز موسكو لصحافة الاوضاع الخطيرة، اشار الى: "عندما يرتفع السؤال هل هناك صحافة شريفة في روسيا، تقريبا في كل مرة سوف يكون الاسم الاول الذي يمر بالخاطر سيكون بوليتكوفسكايا". قد يصلح هذا شعارا مناسبا لهذه الحالة، ما عدا ان بوليتكوفسكايا نفسها، وقد جاء ذلك بشكل ما سابق لاوانه، خرجت لنا بشعار افضل منذ خمس سنوات اثناء منفاها في فيينا: "لقد بذلت مجهودا شاقا لاسلط الضوء على الاحداث في هذه الحرب، والان هم استطاعوا ايقافي".


١٢ اكتوبر ٢٠٠٦



#ماهير_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- لماذا تهدد الضربة الإسرائيلية داخل إيران بدفع الشرق الأوسط إ ...
- تحديث مباشر.. إسرائيل تنفذ ضربة ضد إيران
- السعودية.. مدير الهيئة السابق في مكة يذكّر بحديث -لا يصح مرف ...
- توقيت الضربة الإسرائيلية ضد إيران بعد ساعات على تصريحات وزير ...
- بلدات شمال شرق نيجيريا تشكل وحدات حماية من الأهالي ضد العصاب ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود- على أهداف في العمق الإيراني و ...
- قنوات تلفزيونية تتحدث عن طبيعة دور الولايات المتحدة بالهجوم ...
- مقطع فيديو يوثق حال القاعدة الجوية والمنشأة النووية في أصفها ...
- الدفاع الروسية: تدمير 3 صواريخ ATACMS وعدد من القذائف والمسي ...
- ممثل البيت الأبيض يناقش مع شميغال ضرورة الإصلاحات في أوكراني ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - ماهير علي - إسكات انا بوليتكوفسكايا