أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - يوسف أبو سهى - الطليعة والانتخابات: موقف المشاركة















المزيد.....



الطليعة والانتخابات: موقف المشاركة


يوسف أبو سهى

الحوار المتمدن-العدد: 1715 - 2006 / 10 / 26 - 11:07
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    


عودة للينين والبرلمانية البرجوازية وميزان القوى
لم يكن في نظرنا ضرورة للعودة إلى التجربة اللينينة ، من أجل البحث في ما إذا كان يصح العمل بداخل المؤسسات البرجوازية أم لا. لأن ذلك أصبح غير مطروح للنقاش حتى لدى من يطرح المقاطعة في الظروف الراهنة . لكن عودتنا إليها تفرضها ضرورة البحث في أهم الشروط والمقاييس التي تحدد المشاركة أو عدمها في ظرف معين ، وطبعا قد يخضع الموقف اللنيني للتأويل النظري ، حتى لدى من يطرح المقاطعة مع أن النص واضح . والتأويل قائم في طبيعة الظروف نفسها وهو الذي كان قائما مابين ظروف التجربة السوفياتية والتجارب الأخرى الأوربية ( الالمانية الهولندية الفرنسية) ومع ذلك فقد كان لهذا الاختلاف في طبيعة الظروف القائمة وجهات نظر مختلفة تؤسس المشاركة و المقاطعة بحجج مختلفة .
و يبقى في أخر المطاف قياس الحزب السياسي لتلك الظروف هو المحدد لطبيعة الموقف، مرهونا بموقع الحزب في الصراع السياسي ومدى قدرته على تحقيق مكاسب في مستويات مختلفة جماهيرية تنظيمية وسياسية.
لا نتعامل مع وجهة نظر لينين بمنطق المرجعية المقدسة ، فهي تصورات أفرزتها شروط تاريخية محددة . ومن أجل الاستئناس نورد بعض الفقرات والتي يتضح فيها أن طبيعة المؤسسات البرجوازية لم تكن يوما، محددا للمشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها. وقد عرفت التجربة البلشفية مشاركة ومقاطعة في إطار مؤسسات طاعنة في الرجعية باعتراف لينين نفسه. وبذلك فمقياس المشاركة يوجد خارج طبيعة المؤسسات، بل يوجد في وضع الصراع الطبقي .
يقول لينين في - هل يجب الاشتراك في البرلمانات البرجوازية -"إن هذا القول، حسب كل الدلائل، مفرط في التعميم والمبالغة. لكن الحقيقة الأساسية الواردة هنا لا جدال فيها، واعتراف «اليساريين» بها هو شهادة بينة للغاية على خطئهم. إذ كيف يمكن أن يزعموا أن «البرلمانية قد ولى عهدها سياسياً»، إذا كانت «الملايين» و«الفيالق» من البروليتاريين لا تزال تؤيد البرلمانية بوجه عام، وليس هذا وحسب، بل أنها أيضاً «معادية للثورة» مباشرة!؟"
ويضيف قائلا : "وإذا كانت مجرد أقلية لا بأس بتعدادها، ناهيك عن «الملايين» و«الفيالق»، من العمال الصناعيين تسير في أثر القسس الكاثوليك، ومن العمال الزراعيين تتبع الملاكين العقاريين و الكولاك (Grossbauern)، ينجم من هذا دون شك، أن البرلمانية في ألمانيا لم يول عهدها سياسياً، وأن الاشتراك في الانتخابات البرلمانية وفي النضال من على منبر البرلمان أمر لا بد منه لحزب البروليتاريا الثورية وكذلك بالضبط لأغراض تربية الفئات المتأخرة من طبقته هو، وبالضبط لأغراض إيقاظ وتنوير جماهير القرويين المبلدة والمظلومة والجاهلة. وما دمتم عاجزين عن حل البرلمان البرجوازي وسائر أنواع المؤسسات الرجعية، أياً كانت، فلابد لكم أن تعملوا في داخلها، بالضبط لأنه لا يزال هناك عمال ممن خدعهم القسس وتبلدوا في بيئة الأرياف النائية، وإلا فقد تصبحون مجرد مهذارين..."
يمكننا أن نستخلص من هذه الفقرات الأفكار التالية:
- وضع الوعي السياسي لدى الفئات الحاملة لمشروع التغيير الثوري، مقياسا لاختيار المشاركة أو عدمها في المؤسسات البرجوازية.
- حضور الارتباط بالقوى البرجوازية لدى الفئات الحاملة لمشروع التغيير يفرض المشاركة في المؤسسات وذلك بهدف تربية الفئات المتأخرة من الطبقة العاملة أي تعبئتها وتوعيتها بمصالحها وبطبيعة تلك المؤسسات.
-العجز عن حل البرلمان البرجوازي وسائر أنواع المؤسسات الرجعية يفرض العمل فيها بسبب وجود فآت منخدعة بشعارات البرجوازية.
نوجز هذه الفقرات بالقول أنه عندما ، يكون العمال مرتبطين بالبرلمانية البرجوازية ويثقون بشعاراتها وان القوى الرجعية لها تأثير قوي في الوعي السياسي ، وان ذلك يمنع من ميل ميزان القوى لصالح الحزب الثوري ، وفي العجز عن حل المؤسسات البرجوازية ، فسيصبح من الضروري الاشتراك في البرلمان البرجوازي، وذلك بهدف الكشف عن طبيعتها اللاديمقراطية و تحويل ميزان القوى لصالح الاتجاه الثوري .
يستمر لينين في دحض الموقف الخاطئ لليساريين الألمان ، في النظر للمؤسسات البرجوازية ، و يؤكد على أن ما تعيه القوى الثورية ومناضليها ،ليس واقعا موضوعيا و هو وعي متقدم ناتج عن الممارسة السياسية والانخراط في الفعل الثوري لكن ذلك الوعي الذي يسري في دماغ المناضلين ليس هو الذي يوجد لدى الطبقة العاملة وعموم الجماهير الشعبية ، وبصيغ هذه الفكرة بالقول". وواضح أن «اليساريين» في ألمانيا قد اعتبروا رغبتهم وموقفهم السياسي والفكري واقعاً موضوعيا. وهذه هي أخطر غلطة يرتكبها الثوريون.
ويضيف في نفس الفقرة من المرجع أعلاه" إن البرلمانية قد «ولى عهدها سياسياً»، طبعاً، بنظر الشيوعيين في ألمانيا، ولكن، القضية هي بالضبط في أن لا نعتبر ما ولى بالنسبة لنا، قد ولى عهده كذلك بالنسبة للطبقة وبالنسبة للجماهير."
إن عرض هذه الفقرة هدفه الإجابة عن سؤال قد يؤرق البعض هو موقف الجماهير إزاء المشاركة في الانتخابات بعد أن عرف الحزب بمقاطعتها ، ويجيب عليه لينين بالقول " عليكم ألاّ تهبطوا إلى مستوى الجماهير، إلى مستوى الفئات المتأخرة من الطبقة. وهذا ما لا جدال فيه. عليكم أن تفضوا إليها بالحقيقة المرة. عليكم أن تسموا أوهامها الديمقراطية البرجوازية والبرلمانية أوهاماً. وعليكم مع ذلك أن تتابعوا على نحو سليم الحالة الحقيقية لوعي واستعداد الطبقة كلها بالذات (لا طليعتها الشيوعية وحسب)، الجماهير الكادحة جميعها بالذات (لا أفرادها المتقدمين وحدهم). "
إن القناعات السياسية التي يحملها المناضلين المنخرطين في الفعل السياسي والتنظيمي لا تشكل مقياسا لتحديد طبيعة الوعي السائد لدى الجماهير الشعبية العادية التي تناضل من اجل حقوق مادية محضة محددة في الزمان والمكان . والناتجة في أغلبها على رد فعل عفوي على الحيف الاقتصادي والاجتماعي والتهميش السياسي ،و الحرمان من الحريات وغيرها. إن أوهاما تسري في دماغ المناضلين قد تجعل من تحقيق وعي ذاتي بطبيعة المؤسسات يعتبر كافيا لتحقيق شروط تدميرها، و ذلك يعد من طبيعة اليسار الطفو لي الذي يجعل من الشعارات قوة قادرة على تغيير الواقع.
" إن الهولنديين و«اليساريين» عموماً يتناولون هذا الأمر كثوريين عقائديين لم يشاركوا قط في ثورة حقيقية أو لم يتمنعوا في تاريخ الثورات، أو يعتقدون بسذاجة أن «الرفض» الذاتي لمؤسسة رجعية ما يعني تحطيمها فعلاً بتضافر مفاعيل جملة كاملة من العوامل الموضوعية."
وفي خلاصة لهذه الفقرات نقول أنه إذا كان ميزان القوى هو المحدد الرئيسي للمشاركة في المؤسسات البرجوازية ، فان تحديدا دقيقا لحركية الصراع الطبقي وطبيعة التناقضات وآفاقها المرحلية والممارسة السياسة للطبقة الحاكمة تعتبر من أهم المحاور التي يجب التدقيق فيها حتى لا يبقى الحديث عن ميزان القوى مبررا للعجز عن خوض المعارك الضرورية المباشرة الأكثر تقدما. فقد اخفت العديد من قوى اليسار رأسها بداخل اختلال ميزان القوى لتبرر عجزها عن المواجهة ، وشكل ذلك تكتيكا يمارس مع المناضلين بهدف تحقيق إستراتيجية مؤسساتية لا غير. وذلك ما عرفه الحزب في بداية الثمانينات والذي كان من الأسباب التي ستجعله يخوض صراعا مريرا ضد التيار الانهزامي داخل الاتحاد.
في خلاصة لهذه الفقرات يمكن القول انه لا يمكن تحديد مقياس محدد أبدي للمشاركة أو عدمها فذلك يخضع للتطورات التي قد يحضر فيها شرط للمشاركة في الانتخابات ويغيب شرط آخر ، ويصبح من الصعب تحديد لائحة لمقاييس المشاركة المبدئية، فقد يعيش الحزب وضعا متقدما على المستوى التنظيمي و تسود بداخله الرغبة في خوض معركة مباشرة كالمقاطعة ، لكن الشرط العام الذي تعرفه أوضاع اليسار و أوضاع الوعي الديمقراطي تعرف خللا . فهنا يصعب الحديث على خوض تلك المعارك وقد يكون كذلك العكس فقد تكون ميزان القوى متقدمة إلا أن الحزب يعرف جزرا وظروفا تنظيمية قد لا تسمح بخوض تلك المعارك الجماهيرية .
ملاحظات حول الوضع السياسي الراهن
تميزت مرحلة التحولات السياسية الدولية التي عرفها العالم خلال عقد الثمانينات والتسعينات بخاصيتين أساسيتين، متناقضتين.الأولى تتمثل في انفراد الولايات المتحدة الأميركية بالهيمنة على العالم وتحكمها وتوجيهها للصراع السياسي والاقتصادي الدولي في إطار شعارات متعددة منها النظام العالمي الجديد والعولمة . ولهذا الشرط انعكاس على مختلف المجتمعات وعلى أوضاعها الاقتصادية والسياسية بحكم علاقات التبعية التي تربط بينهما.
لم يكن بإمكان اقتصاد تلك المجتمعات على الصمود في وجه التحولات المذكورة بسبب طبيعته التبعية وبنياته المتهرئة غير المتماسكة والتي لا تعرف منطقا مستقلا في صيرورتها وحركتها.
وفي الجانب السياسي استمرت الامبريالية في دعم الطبقات التابعة لها و إملاء قراراتها عليها في مواجهة الأخطار الناتجة عن الاحتجاج الذي فرضته عمليات النهب والاستغلال المستمرة لخيرات الشعوب.
في هذا الإطار تأتي الميزة الثانية لتلك المرحلة وهي تطور المطالبة بالديمقراطية ،وذلك بهدف الكشف عن حقيقة شعارات الامبريالية التي طالما تغنت بالديمقراطية .و برزت في الساحة الدولية حركة ديناميكية لحقوق الإنسان تجاوزت الحدود الجغرافية المعهودة من جهة ،ومن جهة ثانية أصبحت تنفذ إلى وعي المواطنين بمختلف مواقعهم الاجتماعية والسياسية. وإذا كان المغرب الخادم الأمين للإمبريالية الأمريكية والموضوع في لائحة اقرب المقربين إليها يحضا برضاها ودعمها من أجل مواجهة الأزمات التي عرفها لمدة طويلة ،فان ذلك لم يفلح في تحقيق الاستقرار السياسي بفضل تطور النضال الديمقراطي الذي عرف مدا سيسمح بتحقيق مكتسبات مهمة في مجال حقوق الإنسان .
أمام هذا المد النضالي المتميز بتطور الوعي الديمقراطي وتوسع الحركات الاحتجاجية في مختلف القطاعات الاجتماعية، وعجز الطبقة الحاكمة على إعادة إنتاج الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بنفس الاختيارات والأساليب المخزنية المعهودة ، حاولت التأقلم مع المستجدات السياسية الدولية والمحلية ، وقامت بالتنازل عن بعض المكتسبات ، مقدمة ذلك كدليل على الإرادة السياسية في تغيير ممارستها وذلك بهدف إيجاد مبرر للدفع بانخراط القوى المعارضة في اللعبة السياسية قصد احتوائها في ما بعد.
اتساع الحركات الاحتجاجية على الصعيد الوطني وكثافة الحملات النضالية من اجل حقوق الإنسان والتي وصلت حدا بعيد في فضح الأوضاع الحقوقية المحلية على الصعيد الدولي ، واتجاه الأوضاع الاجتماعية نحو الانفجار الخطير أدى بالطبقة الحاكمة على حمل التيارات المرتبطة بمشروعها السياسي إلى التحرك من اجل المساهمة من موقعها في ضمان الاستقرار السياسي .
أول خطوة في هذا الاتجاه تأتي من داخل البرلمان الذي أصبح غير معنى منذ مدة طويلة بما يجري على المستوى الاجتماعي اللهم في إصدار قرارات التضييق على الظروف المعيشية للمواطنين والمزيد من فتح فرص النهب للطبقة الحاكمة و تزيين الواجهة. و لأن تلك القوى انكمشت حركتها منذ الانتخابات التشريعية سنة 1984 وفقدت مصداقيتها، حاولت استعادة الثقة أولا من خلال طرح ملتمس الرقابة في البرلمان وثانيا في انخراطها في الحركة الاحتجاجية التي عمت البلاد في بداية التسعينات. و سيكون ملتمس الرقابة ذو هدفين الأول من أجل استعادة الثقة في مؤسسة البرلمان و بالتالي في الممارسة السياسية للحكم والثانية استعادة الثقة في قوى المعارضة الانتخابية التي فقدتها من جراء نتائج انخراطها اللا مشروط في اللعبة الانتخابية، وطبيعة أداءها في تلك الانتخابات المتميز بنفس الأساليب المخزنية في الممارسة الانتخابية.
كان ملتمس الرقابة محاولة لامتصاص غضب الشارع و استعادة المبادرة من قبل تلك القوى في مواجهة تيار الرفض العارم الذي ساد في وعي الجماهير الشعبية وقواها الديمقراطية الحقيقة والذي سينتهي في إضراب 14 ديسمبر والاستفتاء حول دستور 92 والمقاطعة للانتخابات.
و رغم أن الطبقة الحاكمة قامت بالتنازل عن بعض المكتسبات إلا أنها لم تفلح في ضبط الحقل السياسي و تجاوز أزمة الاحتجاج العارمة على الصعيد النقابي والسياسي والجماهيري. فقد اضطرت في ما بعد إلى الاستنجاد بقوى المعارضة البرلمانية القابلة للاحتواء والتي احتلت موقعا في الساحة السياسية من خلال استغلال النضالات الجماهيرية وهيمنتها البيروقراطية على بعض المنظمات النقابية الوازنة. اضطرت إلى الاستنجاد بها من أجل حل الأزمة التي نتجت عن الاختيارات اللاشعبية و اللاديمقراطية .وهكذا فقد تم جر تلك القوى إلى التوقيع على ما يسمى بالتصريح المشترك في سنة 1996 والقاضي بتحقيق توافق بين الباطرونا والدولة وجزء من المنضمات النقابية الخاضعة لهيمنة القوى الرجعية وقوى المعارضة البرلمانية.مقابل بعض الوعود التي لا ترقى إلى مستوى وضع النضال الديمقراطي.
كان لهذا التصريح المشترك أن يكون مقدمة لتوافق سياسي يعبر عن اندماج كلي للقوى البرلمانية في النظام المخزني ، والطلاق مع شعارات الارتباط بالجماهير الشعبية . وقد انتهى ذلك التوافق في التوقيع على ميثاق الشرف الذي يفسر مسؤولية كل الأطراف الموقعة عليه في الأزمة ، إلى تنصيب حكومة اليوسفي سنة 98 .
اتضح من خلال تجربة التناوب التوافقي أن الطبقة الحاكمة ،حققت ما عجزت عن تحقيقه في ظروف سابقة كانت اشد قوة ، حيث تم تمرير عدد من المشاريع الاقتصادية والسياسية والقانونية في ضل ذلك التناوب. وقامت عمليا بتعسير عمل اليسار النضالي .
ستعمل حكومة التناوب على جر ما تبقى من قوى المعارضة البرلمانية وثلة من المثقفين المرتبطين بها ،إلى القيام بما عجز المخزن عن تحقيقه في المجال الاجتماعي والسياسي ، وتميزت تلك الفترة بحملات من قمع الحريات العامة و انهيار في وضع حقوق الإنسان رغم شعارات متناقضة كليا مع الممارسة اليومية. وهكذا فقد تم فرض قيود جديدة على الإعلام و تعرضت عدد من الصحف إلى محاكمات صورية ، وشملت عمليات القمع مختلف النضالات الجماهيرية.
لم تكن لهذه الحكومة نتائج تمكنها من الاستمرار في نفس الشعارات نظرا لما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، بل ان تلك القوى التي انخرطت فيها لم تنل سوى السخط العام للجماهير الشعبية وبذلك وقعت في فخ الطبقة الحاكمة التي كان من ضمن أهدافها أن تتقاسم مسؤولية الأزمة مع أطراف طالما حملت شعارات يسارية .
في إطار إفلاس شعارات التناوب التوافقي وتجربتها، سيتم انتقال السلطة إلى ولي العهد الذي سيجدد العهد على الاستمرار في نفس الاختيارات السابقة ، متمسكا بحكومة التناوب، التي قبلت بالعمل على لعب دورها في عملية انتقال السلطة إلى ولي العهد وتحصينها و إعادة تجديد شرعية النظام المخزني بدون مقابل يسمح بتحقيق مطالبها في الانتقال الديمقراطي.
تمت عملية انتقال السلطة إلى رئيس الدولة الحالي في أجواء من الهدوء تميزت بالتشبث بشرعية النظام الحاكم ، و سيتم ذلك من خلال طورين الأول هو تجديد الشرعية المخزنية والثانية من خلال إعادة هيكلة النظام المخزني على أسس تسمح بتطوره وضمان سيادته.و إذا كان الطور الأول تم بدون آثار تذكر حيث حضرت مسبقا الشروط الدستورية والقانونية والسياسية لذلك من جهة، ثم حصول الوهم بإمكانية تحقيق مطالب المعارضة البرلمانية في العهد الجديد من جهة ثانية. فان الطور الثاني والقاضي بإعادة الهيكلة للدولة المخزنية سيحقق بعض من مطالب المعارضة البرلمانية والمتمثلة في بعض الإجراءات التي كانت تعتبر في زمن سابق شرطا لانخراطها في المشروع السياسي للطبقة الحاكمة وتتمثل تلك الإجراءات في تنحية وزير الداخلية وتصفية بعض الملفات العالقة .
إعادة ترتيب البيت الداخلي تمت في ظروف جعلت وهما يسود الوعي الجماهيري يقر بإمكانية تحول في الممارسة السياسية للعهد الجديد،خاصة بعد إطلاق مبادرات متعددة في المجال الاجتماعي تحت إشراف المؤسسة الملكية ، والتعبير عن الرغبة في بناء مغرب جديد وتحقيق انتقال ديمقراطي ومصالحة مع الذات و ما يسمى بالتجديد في ضل الاستمرارية ، واستطاع الحكم من خلال تلك الروتوشات والشعارات المرافقة لها أن يتمكن من التأثير في الرأي العام الذي أصبح نسبيا يثق في إمكانية حدوث تحولات اجتماعية وسياسية، وجاء ذلك في ظروف صعبة يعيشها اليسار.
لم يدم عمر تلك الأوهام طويلا حيث بدأ يتضح أنها مجرد ذر الرماد على العيون. فلا شيء تحقق في الواقع ، بخلاف بعض الفتاة الذي استفادت منه بعض الفئات الاجتماعية المرتبطة بجهاز الدولة المخزني و أخرى مرتبطة بقوى التناوب التوافقي.
استغلت بعض القوى الظلامية تلك الظروف لتمارس بشكل سيسمح بتطورها وتطور بنياتها التنظيمية بعضها من خلال الطاعة المطلقة للمخزن والاندماج في اللعبة السياسية والبعض الآخر من خارج اللعبة ،وقد استطاعت أن تتوسع قاعديا خاصة مع تناسب شعاراتها مع مختلف الظروف المحلية والدولية .
كان لتطورها أن ينتج العملية الإرهابية 16ماي ، ويتخذها الحكم كذريعة لإصدار قانون مكافحة الإرهاب الذي سيتم من خلاله المزيد من التضييق على الحريات العامة والذي لم يتم تمريره بسهولة في الظروف السابقة عن العملية الإرهابية، واتضحت إمكانية عودة زمن الرصاص من خلال عمليات التعذيب الذي تعرض لها المعتقلون بسبب تلك الأحداث وذلك في مرحلة إعداد هيئة الإنصاف و المصالحة لمشروع المصالحة .
بعض الخلاصات حول الوضع الراهن
الجديد في ما يسمى بالعهد الجديد يتمثل في تضخيم الشعارات ذات الطابع الحقوقي والديمقراطي، يعتمد في تنفيذها على جزء هام من الأطر التي تربت في إطار حركة اليسار. في نفس الوقت يتم التراجع عن العديد من المكتسبات التي تحققت بفضل النضال المرير لحركة النضال الديمقراطي، وعملية التراجع هذه تتم من خلال استعمال نخبة سياسية تبرر الممارسة السياسية للمخزن تحت شعار الانتقال الديمقراطي.
لم يعد النظام يعتمد الأساليب العتيقة في المواجهة السياسية على الأقل على المستوى الشكلي ، فأكيد أنه يحتفظ بجوهر ممارسته السياسية ، غير أنه متأكد أن إستراتيجيته القديمة تتحقق بأساليب جديدة من خلال فسح هامش من الحريات لا يرقى إلى مستوى المس بجوهر شرعيته وسيادته.
إنه الأسلوب العصري ، الذي لا يتطلب المواجهة الشرسة للمعارضة قصد إسكاتها ، فقد تكون أشكالا أخرى مستوحاة من التراث المخزني في العلاقة مع النخبة السياسية أكثر جدوى في استمالة النخبة وربطها بالمشروع السياسي المخزني ، وهي ما يعرف بالهدايا والمنح ، وبلغة سياسية بالمصالح السياسية والشخصية .وإن لم تفلح تلك الأساليب فهناك سيخرج المخزن من تراثه أدوات القمع الطبيعية في سلوكه السياسي.
وإذا كان هذا الأسلوب ، استطاع أن يوفر حاشية صلبة تقوم بدورها في تدجين الوضع السياسي ، و تحصين الشرعية المخزنية ، وجعل سيادتها غير مطروحة للنقاش، فقد استطاع النظام المخزني كذلك أن يتفوق على المستوى الإيديولوجي وذلك عن طريق القيام ببعض المشاريع القانونية والاجتماعية والسياسية من قبيل مدونة الأسرة الأمازيغية تقرير التنمية البشرية وهيئة الإنصاف والمصالحة و خلق منظمات تعمل في الأسود تقوم على المساعدة والتضامن الاجتماعي و أساليب أخرى أظهرت المخزن بمظهر يتماشى مع العصر على المستوى الشكلي .
وجدت تلك الصيغ قدرتها على الـتأثير في الوعي السياسي للجماهير الشعبية لأسباب متعددة منها الظروف المعيشية للجماهير الشعبية وعجز اليسار على المواجهة سياسيا وإيديولوجيا. وفي هذا الإطار أصبحت تلك الأشكال من الممارسة السياسية تمس جوهر الوعي السياسي ومن شانها أن تفرز وعيا يستنتج أن تلك الإجراءات والروتوشات تجسد الإرادة السياسية في التغيير الاقتصادي الاجتماعي والسياسي .
إن إستراتيجية النظام المخزني وكما سبق الذكر لم تتغير فقد كانت ولازالت تتمثل في التحكم المطلق في السلطة السياسية وحماية مصالح الطبقة الحاكمة وحلفائها وتأمين شرط التبعية الاقتصادية والسياسية للمتروبول الامبريالي وتوسيع مصالحه الاقتصادية.
فما يمكن ملاحظته حول تلك الإستراتيجية فيتعلق بتعاطي الحكم مع بعض الفئات الاجتماعية التي أصبحت توضع موضع الثقة بالنسبة للطبقة الحاكمة وبالتالي فقد منحها موقعا في المؤسسات السياسية بحكم ثقته في قدرتها على تحقيق إستراتيجيته السالفة الذكر ، والملاحظة الثانية هي أن القمع المباشر الذي كان يشكل الأسلوب الوحيد لتحقيق تلك الإستراتيجية في العهد المسمى بزمن الرصاص ، حصل فيه نوع من التعديل يعتبر الممارسة الإيديولوجية من شانها أن تلعب دورا يحقق إستراتيجية القمع السياسي المباشر ويحد من الاحتجاج الجماهيري. و أن القمع السياسي المباشر الذي عرفته البلاد في ما يعرف بزمن الرصاص لم يكن يكلف النظام آنذاك تأطيره إيديولوجيا ،بالطريقة التي يمارس بها الآن،وذلك من أجل إخفاء طابعه السياسي المعادي للتحرر والديمقراطية ،واعتباره يأتي في إطار عملية خدمة مصالح الشعب في الأمن والاستقرار.
معنى ذلك أن الممارسة الأيديولوجية تساهم بشكل قوى في تحقيق إستراتيجية التحكم في السلطة السياسية وتامين المصالح الطبقية للتحالف الطبقي الحاكم. ( ونموذج على ذلك ،عمد النظام على التوجيه بعض عائلات ضحايا 16 ماي على الاحتجاج على تنديد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على الانتهاكات التي تعرض لها المعتقلون في إطار هذه الأحداث وكان الهدف من ذلك التشكيك في مصداقية الجمعية وعبرها اليسار برمته)
وضع اليسار في ما يسمى بالعهد الجديد
في ظروف سابقة عن التحولات العالمية وحتى بعدها بقليل، كان خطاب اليسار مقبولا إلى حد ما ، من كونه بديلا تحرريا وديمقراطيا من موقع نقيض للتحالف الطبقي الحاكم ،رغم ما تعرض له من احتواء وتوجيه من قبل بعض القوى الانتخابية، وكانت عملية التأثير في الوعي السياسي ممكنة وهي مرهونة بفعله التنظيمي والسياسي والجماهيري ، الذي يسهل عملية اختراق الوعي الديمقراطي وإشاعته على المستوى الجماهيري .إلا أن الظروف الحالية وطبيعة الممارسة السياسية الجديدة للحكم وتطور المد الظلامي الذي مس مختلف الفئات الاجتماعية و القطاعات الحيوية والذي يقوم بتامين عملية اختراق الحركة العمالية ،كل ذلك جعل من خطاب اليسار يتعثر في اختراق الوعي السياسي لتحويله إلى وعي ديمقراطي وتحقيق ميزان قوى لصالح بناء ديمقراطي حقيقي.
بمعنى أن خطاب اليسار أصبح يجد صعوبة في إقناع الجماهير الشعبية بمشاريعه السياسية الديمقراطية ، وذلك يمكن إرجائه إلى أسباب عدة نذكر منها.
- نجاح النظام في تشكيل وتحصين نخبة تشتغل إيديولوجيا وسياسيا من أجل الدفاع عن شرعيته وتبرير ممارساته .
- سيادة نخبة من المناضلين والمثقفين من اليسار متأثرة بالتحولات السياسة الدولية والمحلية. بما فيها التأثر بممارسة الحكم الحالية باعتباره ينحى نحو بناء مغرب ديمقراطي .
- عجز اليسار عن المجابهة في الواجهات السياسية والإيديولوجية والاجتماعية، وفقدان التأثير في الوضع السياسي والنقابي .بل العجز عن الحفاظ على الوحدة النقابية
- خطاب اليسار لم يعرف تطورا يجيب على مختلف المستجدات التي عرفتها الساحة السياسية والدولية بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، مما جعله مسجونا في أساليب عتيقة في الخطاب والممارسة.
- استمرار ظاهرة التشتت في حركة اليسار رغم ظهور بعض البوادر التي تحفز على إنجاز تجربة العمل النضالي المشترك ، والتي مازالت في مهدها ولم ترقى بعد إلى قوة قادرة على المواجهة في الساحة السياسية، سواء تجربة تجمع اليسار الديمقراطي أو تجربة التنسيق بين الطليعة والنهج الديمقراطي.
- توسع المد الظلامي الذي أصبح يستفيد منه النظام، بعد أن احتل عنفا مواقع اليسار، وأصبح يشكل قوة سياسية مؤثرة في مواجهة المشروع الديمقراطي. واستطاعت تلك القوى إلى حد بعيد كسب قاعدة مؤطرة تحت وعي يجعل اليسار موضع المواجهة و كأنه منتج للازمة التي يعرفها المجتمع. وهي تختار الفئات الاجتماعية المؤثرة في العملية السياسية منها الانتخابية بالخصوص.
إن نتائج هذا الوضع ،وبفعل تحركات واسعة للحكم في إطار ما يسمى بمواجهة الإرهاب على المستوى الدولي والمحلي جعلت الرأي العام الدولي ،يرى في التجربة المغربية تجربة فريدة تخطوا خطوات نحو البناء الديمقراطي ،وخاصة بعد أحداث 16ماي الإرهابية التي ستسمح للحكم بتمرير مشروع قانونه لمكافحة الإرهاب والذي يتم في إطاره التخلي عن العديد من المكتسبات التي تحققت في ضل المد الحقوقي الذي عرفته بداية التسعينات،وتمكن النظام المخزني في فترة إعادة هيكلة ذاته من سن قوانين تجعله يتحكم أكثر في اللعبة السياسية، وفي توجيه الحقل السياسي بما يخدم إستراتيجيته ومنها قانون الأحزاب وغيرها .
يجري كل هذا في ضل شعار الانتقال الديمقراطي ،الذي مضت على انطلاقه مدة تكفي لإحداث تغييرات بنيوية اقتصادية وسياسية واجتماعية ، بل يمكن القول أن المدة التي تفصلنا عن الإعلان عنها كان من شانها أن تحدث تطورات تنقل المغرب إلى مرتبة عليا في الممارسة الديمقراطية. إلا أن الذي حصل سيجعل من مختلف الإجراءات و الروتوشات المحدثة لغرض الانتقال الديمقراطي تتآكل يوما بعد يوما وبدأ يتضح أن المغرب سيعيش زمنا طويلا مسيجا في شعار الانتقال الديمقراطي بدل الخوض في الممارسة الديمقراطية ،وأنه سيكون من الصعب تصور أفق لهده الممارسة خاصة وأن الأحداث التي تلت رحيل الملك السابق وتولي العرش من قبل الملك الحالي تميزت بتناقضات عديدة تجعل الأمل في تحقيق انتقال ديمقراطي في ظل سيادة النظام القائم يزول شيئا فشيئا ، فبالإضافة إلى الأحداث الاجتماعية المعبرة عن رفض الجماهير الشعبية للاختيارات الاقتصادية والاجتماعية ثم المواجهة القمعية التي وجهت بها تلك الأحداث والانتهاكات التي رافقتها في الجانب الحقوقي .فإن الحكم يدخل في صراع مباشر مع القوى الديمقراطية من خلال تطوير ترسانته القانونية القمعية ، من أجل المزيد من ضبط الحقل السياسي ويتجلى ذلك في القوانين الانتخابية وقانون الأحزاب وقانون مكافحة الإرهاب...وإصراره على الاستمرار في نهج اختيارات لا شعبية ولا وطنية تزيد من تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية،
وفي مقابل هذه التطورات ،عرفت الساحة الجماهيرية نضالات واسعة في مختلف القطاعات الجماهيرية ، مست مختلف الفئات الاجتماعية ، و إذا كانت تلك النضالات توحي ببروز وعي متقدم يناقض الوعي السائد فأن الاتجاه العام للأوضاع الاجتماعية ينذر بإمكانية انفجار حقيقي خاصة بعد حملة الزيادة الأخيرة في أسعار المواد الاستهلاكية والتي تشكل وجها من أوجه بداية تطور مد نضالي مقبل . و إذا كانت تلك النضالات عفوية وغير مؤطرة ومحكمة من قبل القوى الديمقراطية وتعكس إفلاس ما يسمى بالانتقال الديمقراطي، فان الوضع يتطلب من اليسار ومناضليه أن يصحوا من الغفلة التي سيكون بدونها مآل غير محمود.ولن تكون هذه الصحوة غير الانخراط الفعلي في الحركة النضالية التي بدأت بوادرها تظهر في مختلف المواقع والقطاعات الاجتماعية و بتصورات جديدة تفوق وتتجاوز المنطق الانتخابي والحسابات الحزبية الضيقة، وتنفض الغبار على تأثير المرحلة السابقة .
في مرحلة الانتقال الديمقراطي ، باعتباره مرحلة الانتقال من وضع لا ديمقراطي إلى وضع ديمقراطي ،يتم فيه إعادة إنتاج السلوك المخزني، و عصرنته للتلاؤم مع ما يقتضيه تطور الاستبداد المطلق والتحكم في السلطة السياسية في مختلف مجالات ممارستها . يعتمد فيها على أطر تم تكوينها في إطار حركة اليسار وتمكينها من إعادة إنتاج المخزن على صعد مختلفة وجعلها تبرر شرعية الحكم و هيمنته .
في هذا الإطار أصبح الحكم يتحرك مطمئنا في ممارسته السياسية الاقتصادية والاجتماعية ، معتبرا ممارسة اليسار النضالية لا تحمل في ذاتها عنصر يحتم عليه إعادة النظر في ممارسته ، متسلطا لا يقبل التنازل عن ابسط المطالب معتمدا في ذلك على انهيار الطموح في ممثلي الحركات ذات الطابع الاحتجاجي وبالأخص الحركة العمالية والتي وجد فيها إمكانية إعادة إنتاج قوته وإنتاج شروط هيمنته السياسية والاقتصادية ، برزت في التواطؤ المكشوف لعدد من تلك الحركات مع الحكم في مجموعة من المحطات التاريخية .
أصبح بعض من قواعد اليسار وربما قيادات تجد في ممارسة القوى الظلامية أسلوبا ناجعا في المقاومة ،وذلك بطرق علنية وأخرى خفية وأن ظروف المرحلة تقتضي الاقتراب منها والحوار معها في أفق بناء تحالف معها يمكن اليسار من استعادة قوته، مبررا ذلك في نجاح الحركة الظلامية في تسديد ضربات موجعة للامبريالية وقدرتها على التوسع الجماهيري والتـأثير في الساحة السياسية . ويمكن القول أن ذلك التبرير بدأ ت تغيب حججه بسب تطور نسبي في وعي الجماهير والتي نتجت من جهة عن أثار 16 ماي ومن جهة بما خلفته من ضحايا أبرياء ومن جهة ثانية بسبب انسحاب نسبي لقوى الظلام من الساحة السياسية وانطلاق حركة نضالية جماهيرية بدأت تفقد الثقة في ممارسة النظام السياسي وأذنابه.
بعد أن تأكد الحكم من ضعف اليسار وعجزه على مقاومة التيارات الماضوية ، منحها موقعا سياسيا لم تكن تحلم به لولا انهزام اليسار وتراجعه، وذلك تحت مبرر تدجينها و دمجها في اللعبة السياسية للتمكن من احتوائها ونزع الطابع الإرهابي عنها لتساهم في إعطاء الشرعية للتسلط المخزني و تشيعه في أوساط قواعدها وقواعد التيارات ذات المرجعية المشتركة.
في إطارا لانتقال الديمقراطي يتم تضييق الخناق على قوى التغيير عبر خنق الحريات وقمع الحركات الاحتجاجية وعدم تلبية مطالبها ووضع اليسار على هامش الصراع السياسي ، وتطويق ممارساته وأنشطته ووضعه في شروط ذاتية تساهم في تعميق التناقضات بداخله ، ليتمكن المخزن من اقتناص ما يمكن من أطره لتوظيفها في صراعه ضد اليسار ، ولتقوم بمهمة طالما عجز المخزن تحقيقها تتمثل في التشكيك في هوية اليسار الديمقراطية و تسييد فكرة إفلاسه في الوعي الجماهيري .
- في امتداد ممارسة الحكم لمختلف المستويات ، بل ونالت من قطاعات واسعة كانت ذات بعد أساسي في ممارسة اليسار. و احتواء مختلف القطاعات ذات الطابع الإيديولوجي و بالأخص الإعلام ، الذي أصبح اليسار اليوم غير قاد على النضال في جبهته بحكم الشروط القاسية التي تفرضها الطبقة الحاكمة في هذا المجال ، مؤسسة لإعلام على مقاسها يدعي الاستقلالية ، في وقت يكون منحازا انحيازا مطلقا للظلامية والطبقة الحاكمة أو على الأقل تنصيب نفسه كقوة جريئة في من أجل الحريات الديمقراطية ،وذلك بأساليب ملتوية ، وبذلك ينافس قوى اليسار ويسرق شعاراتها .

- في ضل عجز مطلق لليسار لقيادة معارك جماهيرية في شقها الاجتماعي والديمقراطي ،وعجز أطره على الإجابة على أسئلة الحاضر التي تلت انهيار المعسكر الشرقي و غياب القدرة على الاستقطاب والتواصل مع الجماهير في افق تأطيرها .
- في ضل وجود بنياات تنظيمية حزبية عاجزة عن الحركة بالإيقاع المفروض والذي عرفه تاريخه الذهبي على انهيار المعسكر الاشتراكي ،واستمرار الأساليب المرضية التي نخرت وتنخر قوى اليسار من اعتماد عقليات لا ديمقراطية داخلية، وعقليات مناهضة لها حلقية تصوب السهم للشخص في البنية التنظيمية بدل التنظيم وتصوره ، و اتكالية تنتظر إشارة القيادة الحزبية لتململ أطرافها ، ونزعات تائهة في التبرير للعجز تؤدي إلى المزيد من التيئيس واختيار التحرك خارج البنيات التنظيمية لتحقيق وهم الحرية في التفكير والممارسة ، بينما تتآلف قوى الرجعية و الظلامية

وفي ضل هذه الشروط ما ذا بقي للجملة الثورية ، المكدسة في الكتابات والخطب الرنانة ، البعيدة عن ما يجري في الواقع من احتواء قوى اليسار والهيمنة على الوعي الديمقراطي وتوجيهه لاستعادة الثقة في البنيات المخزنبة ، والمراهنة على قدرة المؤسسات على تحقيق الديمقراطية الفعلية.
إن الاستنتاج الوحيد من ما أوردناه سابقا ان الظروف التي عرفتها بداية التسعينات ليست هي الظروف الحالية ، و أن كل ما كان في صالح اليسار أصبح الآن في قبضة النظام المخزني ،فقد كان النظام يبحث عن منفذ لإيجاد جسور بينه وبين اليسار الذي كانت مواقفه الديمقراطية وحركيته وسط الجماهير متميزة من تنظيم وتعبئة وفضح لممارسة الحكم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. و شكل موقف المثقفين الديمقراطي دعما أساسيا ، يشعونه عبر مختلف وسائل الإعلام ، بينما الآن يتبوأ المثقف موقعا إما معاديا لحركة اليسار والاشتراكية و إما مناديا لاندماجها في المشروع السياسي للطبقة الحاكمة المتمثل في ما يسمى بالانتقال الديمقراطي. ولم تعد الثقافة تلعب دور التكوين والصراع الإيديولوجي الذي عرفته بداية الثمانينات والتسعينات، خاصة وأن العمل الجمعوي الذي شكل مجالا للصراع الإيديولوجي أصبح كميا ونوعيا في خدمة ما يسمى بالعهد الجديد.
وشكل الإعلام في تلك الفترة ، مجالا متميزا للمجابهة بفضل نوعيته في تناول مشاكل المواطنين وفصح أوضاع حقوق الإنسان و موقف إيديولوجي نتج عنه إغلاق لعدد من الصحف التي لا تأتمر بأمر مهندسي الرقابة، كل ذلك أصبح غائبا فالحديث عن الاشتراكية يتم بأفواه تصدر للحفاظ على ماء الوجه وأصبحت بعض المقدسات قابلة للتناول بتصور ليبرالي تدعم المخزن أكثر مما تواجهه ،ثم سيادة صحف الجرائم وما يشابهها من صحف ليبرالية.
وضع مثل الذي ذكرناه ، يثير مسألتين الأولى تؤكد ميل ميزان القوى لصالح النظام وحلفائه الرئيسيين والثانويين،والثانية تثير التطورات التي تعرفها الساحة السياسية والجماهيرية إمكانية تطور المد النضالي في اتجاه تغيير ميزان القوى، و يتجلى ذلك في بداية تطور نوعي في الوعي الديمقراطي بعد فشل ممارسة الحكم في تحقيق حلم الانتقال الديمقراطي و اتضح فشل كل إجراءاته السياسية ، ثم بداية انهيار البنيات السياسية والتنظيمية لقوى الظلام التي اتلت مواقع اليسار لمدة طويلة ، رغم محاولتها اختراق بعض المجالات التي تتناقض طبيعيا مع تصورها الإيديولوجي والسياسي ،ونقصد الطبقة العاملة.
إنه الأمل الذي يمكنه وحده ، الدفع بانطلاقة جديدة لليسار ، تتأسس على نقض الأخطاء التي ارتكبت في الماضي وتصور سياسي في مستوى المرحلة ، يتميز بجرأة في طرح مختلف إشكاليات النضال الديمقراطي في البلاد بعيدا عن الكواليس و الحسابات الضيقة تصبح فيها مصلحة الشعب فوق أي اعتبار.
في إطار هذه الأوضاع ، يحتل حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي موقعا أساسيا في ساحة النضال الديمقراطي ، يمكنه من لعب دور الدفع بميزان القوى لصالح اليسار، من جانب سمعته الجماهيرية الناتجة عن فعله التاريخي وموقفه السياسي ، ومن جهة ثانية تطور العلاقات مع مكونات اليسار التي تتجه في اتجاه بناء قطب يساري ، تشكل الممارسة السياسية المعتمد على الجماهير قاعدته الرئيسة.



#يوسف_أبو_سهى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المهدي بنبركة: أسطورة الفكر الثوري في المغرب
- الطليعة والانتخابات موقف المشاركة
- الطليعة والانتخابات موقف المشاركة وبعض ردود الفعل الحلقة 2
- الطليعة والانتخابات موقف المشاركة وبعض ردود الفعل


المزيد.....




- تجاهل محكمة العدل في تدابيرها الاحترازية الاضافية وقف اطلاق ...
- قلق أمريكي من تصاعد الحراك الشعبي الأردني وشعاراته
- حوار مع الرفيق فتحي فضل الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي الس ...
- أبو شحادة يدعو لمشاركة واسعة في مسير يوم الأرض
- الوقت ينفد في غزة..تح‍ذير أممي من المجاعة، والحراك الشعبي في ...
- في ذكرى 20 و23 مارس: لا نفسٌ جديد للنضال التحرري إلا بانخراط ...
- برسي کردني خ??کي کوردستان و س?رکوتي نا??زاي?تيي?کانيان، ماي? ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28 مارس 2024
- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...


المزيد.....

- هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟... / محمد الحنفي
- عندما نراهن على إقناع المقتنع..... / محمد الحنفي
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة / عبد الرحمان النوضة
- هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟... / محمد الحنفي
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك ... / سعيد العليمى
- نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس ... / سعيد العليمى
- نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى وقواعد العمل السرى فى ظل الدولة ال ... / سعيد العليمى
- نِقَاش وَثِيقة اليَسار الإلِكْتْرُونِي / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - يوسف أبو سهى - الطليعة والانتخابات: موقف المشاركة