أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - (عقارب) قصة قصيرة














المزيد.....

(عقارب) قصة قصيرة


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 1713 - 2006 / 10 / 24 - 11:31
المحور: الادب والفن
    


اكتشفت أخيرا أن الأشياء المرقطة في الحياة تبقى خالدة... كالذكريات. لا ذكرى بدون اللون الأسود, حتى لما أتخذت مقعدي الثابت في زاوية الغرفة الصغيرة, لم ترفق بي العقارب وهي تدور وتدور, تفرض عليّ عقوبة الانتظار فأذوب شوقا للغد وما يحمله من ...

أتمسك بالثواني وكأني أمسك بلوح ثلج أعرف أنه حتما يذوب وسيقذف بي الى الأعماق, ولا أملك في مساحة الساعة سوى قلمًا صاح ٍتعوّد أن يهزل بين أصابعي ويختنق.

أنا الآن خارج منطقة العقارب المسممة, فقد خرجت بروحي وحيدا احملها وتحمدني على عودتي سالما الى الحياة!

لم أنسَ أنني دست بقدميّ ظهرها في يوم ما ورحت أجوب بينها كالراقص المعربد على مسرح الموت, فما الحياة سوى مصدر لا ينتهي بأسرّة النهاية, خيط اسود يمسك الحياة من طرفيها, وعلى الذكي تحويل الخيط الى حرير مشجى بالالوان الأكثر ازدهارا.

حكايتي لن تنتهي حيث بدأت. بل هي حكاية الدوائر التي مضت اليها العقارب على مرّ الأزمان, عقرب تلو الآخر وتمتليء الساحة بأشواق وأشواك, الموت وحب الحياة, الأبيض منها والأسود الذي ملأ الوجود...

هززتُ جسدي داخل الكرسي وأخذت أطرق باب الانزياح, رأيتُ نفسي أتمسّك بعقرب لا يتحرك, خشيت أن يمضي العمر بلا انجاز فأخذت أشجع القلم البقاء بين أناملي المتعبة المرتجفة أمام عقارب الساعة أمامي.
- هل كبرت كثيرا؟
سألني القلم وأجبته:
- الأشياء هي التي تكبر وتشيخ!
- الألوان تتبدّل!
أجبته بكل هدوء وكأني انتظر سؤاله:
- أليس المُنتظَر هو الذي يتبدّل؟
لم أسمح باستمرار الحديث, فلم أعد أقوى على تحمل الأسئلة, قتلت الأسئلة بقمة القلم وهو يدوّن دون صراخ لأنه كان ما يزال يحتفظ بهدوئه...

سمحت له التجول في ساحة الحياة بحرية لأنه بحاجة للمشاهدة المستمرة, والمشاهدة بحاجة الى تجديد.

تطوعت العقارب المعلقة بخرق جدار الصمت الذي داهم سماء الحجرة, استمرت في الدوران, كرسيًّ الهزاز سكنَ مكانه, فكان كمن يدوّن مشاهدة يومية, أو يكتب مسرحية طويلة لا نهاية لها.

انتابتني فكرة جنونية, صرخت من بين ردفي الصمت, اهتزت السطور وتدفقت الرعشة بايجاد الأشياء, صرخت وصرخ قلمي, خنقتهُ وأفلت من يدي باهمال واضح, وبدا لي عندما سقط في زاوية ما وكأن عقربَا سامَا من عقارب الصحاري انتفض وهرول مسرعا باحثا لنفسه عن ملاذ في جحر معتم :
- احتاج الى سكين جميل به أقطع شرايين الذكرى!

صرخت في أنحاء الليل, نهضت وهززتُ قاصدا الكرسي البارد وكأني أطلب منه الكف عن المشاهدة والبت في الأشياء. لا يستطيع حمل الكارثة الى مكان آخر, ستبقى معه هنا, هو شاهد فقط .

ضحكت أمام الشّاهد وأنا أحترق, ضحكت وضحكت بالرغم من أني كنت مسكونا بمواجع الأشياء! وأحمل كثيرا من الجراح!

كانت الأشياء مظلمة في الخارج, البلاد غارقة في سبات, غفت على ضفتي النهر السّاكن, تنتظر الصباح كي يعلو ويستيقظ من سباته هو أيضا, جيش من الحوريين والحوريات سوف يستقبله على مشارف الفجر, رأيتهم في منامي ولن أفوت الفرصة على ألا أراهم هذا الفجر بالذات. سأمرّ الى النهر باكرا, حيث يستوطن القديسون والأنبياء. تعلّمت اعتناق لغة الطيور السابحة على النهر الجميل وتدرّبت على فهمها. والأكثر جمالا من ذلك هو سماع تراتيل الطيور الأخرى على الأشجار السامقة. سأخرج لكن حتى بزوغ الشمس سأقوم بحفر المزيد على الأوراق التي تنتظرني بشوق وألم.

حملت سكيني الجميل وأسكنته بعض شرياني, تدفق الدم على ذراعي, الألم أعاد اليّ صحوي ووضع الذكرى في مكانها, واستمريت بالكتابة وأنا أنزف. أحبّ هذا النزيف المنبثق من روحي! يأخذني الى قارب الزمن, الى كل الأشياء, وأبدأ أتذكّر الأحداث, حتى اللحظات التي اعتقدتها ميتة.

لقد فتحت النار على قلمي وكأني أفتح زجاجة خمر وأثمل, كشفَ النقاب عن أشياء كثيرة, حوّل السّكون الى صراخ, صراخا متواصلا علا أدى الى العقارب الاسراع بالهرب, بعشراتها, ترتجف الأرض من تحتها, تطلق هديرها المرعب وتنزوي, تركن الأطراف المظلمة, وأنا أمرّ بينها, فارا هاربا, أهرب من هجوم قائم سيبيدني وينهيني.

لا أحد يستطيع أن يعبيء مسدسه وأن يطلق على الحياة الرصاص! لم يبقى في مسدسي سوى رصاصة أخيرة! العالم ذراع مسكون بالخبايا والخيبات, وأنا مُحتاج الى شرايين تنبض ولا تكف عن النبض, والعقارب ما تزال تدور على الحائط , لكنها بطيئة, بطيئة جدا, أريد تحريكها, لكن إن حصل وحركتها سأصاب بالكفر, سأكفر حتما بذاكرة الزمن ...



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كائنات في الظل
- اللوحة الخالدة
- صندوق بريد
- لماذا لا تبكي جدتي
- عيون الليل الحزين
- السماء لا تمطر أقنعة
- وتر بلا عازف
- استسلام بكبرياء
- ناطحة سحاب وبرج حمام
- وفي قلمها ينطوي العالم الأكبر...!!!
- ناجي ظاهر بين التفاؤل والحزن والتعلق بالمكان
- في يوم المرأة العالمي وعيد الأم أناجي أمومتي
- لماذا نخفي رؤوسنا ونغمض أعيننا أمام الشعارات الزائفة
- امرأة من زجاج
- لا تنزع عنكَ أبدا قناع الحرية
- دموع الشموع
- * هل جاء (الحلم المزدوج) ليكون للحقيقة لسان ؟


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - (عقارب) قصة قصيرة