أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زبير يوسف ؛ منشدُ الأزمان القديمة















المزيد.....

زبير يوسف ؛ منشدُ الأزمان القديمة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 1712 - 2006 / 10 / 23 - 10:42
المحور: الادب والفن
    


زبير يوسف ؛ منشِدُ الأزمان القديمة 1 / 2

1
ذلك اليوم من شهر نيسان 2004 ، شهدَ لقائي بالفنان زبير يوسف ، على هامش كونفرانس ثقافيّ ، وعلى أرض غربتي ، السويديّة ؛ هوَ الضيفُ القادم من ألمانية ، حيث يقيم . لمحته بين ثلة من ضيوفنا ، المتحلقين قربَ الباب الرئيس للنزل ، كما لو أنهم حراسُهُ . قبلاً ، لم أعرفه كشخص ٍ ، اللهمّ إلا صورته الوديعة ، المودَعة في أرشيفٍ إنترنيتيّ ما . ومع ذلك ، أمكن لي لحظتئذٍ تمييزَ الرجل ؛ بسحنته السمراء المطلّ منها عينا متأمل ٍ ، عميقتان ، والمطوّقة بلحية تنتمي لعالم الأساطير . في يوم لقائنا ذاكَ ، كان ربيعنا الكرديّ ما فتأ دامياً ؛ ثمة في الإقليم الشمالي ، السوري ، الذي إحتضن طفولة َ فناننا وصاحبَ فتوته ورجولته . صورٌ مختلفة ، متناثرة على جدران الفندق المتواضع ، المنذور لإجتماعنا الطاريء : صورُ ضحايا الحقد الأسود ، المستمرّ لإسبوع على الأقل بدءاً من الثاني عشر من آذار ، المصاقب لذلك العام ؛ الحقدُ الأعمى ، المنفلت على الجماهير العزل من أطفال ونساء وعجّز . الأخبارُ أيضاً ، كانت يومذاكَ ما تزال نديّة بنجيع الفاجعة ، القاني . أخبارٌ عن صِبيَةٍ معتقلين ، في أعمار تتراوح بين سنّ الحلم ودونها . عشرات من أولئك الأطفال ، سيمكثون لعشرات الأشهر ، الممضّة ، ضيافة الزنازين الموحشة وجلاديها الموغلين في لحمهم البضّ تنكيلاً وإمتهاناً . خللَ تلك الصور ، المصقولة بالألم ، تتداخلُ طفولة زبير يوسف وتتماهى بها .

2
قبل ذلك اليوم الربيعيّ ، بحوالي ستة وثلاثين عاماً ، أفاقتْ شمسُ قرية " خربة بيادر " ، على صخبِ طفل مولودٍ للتوّ ؛ القرية الكردية ، المنسية بين سهوب إقليم ( الجزيرة ) ، والتي شاءت مقادير ذلك الوليد أن تعرّف إسمها بإسمه . كان أسلافُ الطفل ، قد عُرفوا بنعت " المهاجرين " ؛ همُ المنساحون من بقعة إلى اخرى ، طلباً للمراعي الأجود والأراضي الأصلح في ذلك السهل العظيم ، الواقع في قلب الهلال الخصيب . صارَ طفلنا ، بدوره ، يتأثر خطى أولئك الأسلاف ، وهوَ في تجواله الدائب ، الأثير ، بين حقول الحنطة والخضار والقطن ، المحاذية لنهر " الخابور " ، الكبير . آنذاك ، كان العالمُ قرية ً صغيرة ، لا يريد طفلنا رؤية ما يتناهى خلف حدودها . كانت القرية ُ له وحده ؛ كأمّ رؤوم . وما كانت تلك البقاع الخضراء ، المتماوجة ، والمنسوجة بخيوطٍ زاهية غير محدودة من الأزاهير البريّة ، إلا أن تنعكس في العينين السوداوين ، العميقتيْ الغور ، وفي الذاكرة الحادة ، على السواء . هكذا إستهلتْ لعبة ُ الأبعادِ ؛ اللون والخطّ ؛ الظلّ والضوء ؛ المنظور ؛ الكتلة ؛ التكوين ؛ المساحة : هكذا كانت الولادة ، الثانية ، للفنان . زبير يوسف ، وهوَ على الطرف الشماليّ ، القصيّ ، للكرة الأرضية ؛ يتذكرُ تلك القرية الضائعة . ويستعيدُ خاصةً ً أوقاتَ الظهيرة على كتف النهر الكريم ، الدافق المياه ، والذي كان آنئذٍ يتلقى جسده الغضّ ، الطفل ، بين طيات أمواهه الغزيرة : نهره نفسه ، يكاد الآن في زمننا البخس ، الشحيح الحظ ، أن يضمحلّ من قلة سلسبيله ، السالك ؛ ويكاد أن يضحي إسماً بلا رسم .

3
يتجددُ لقاؤنا ، هذه المرّة ، في باريس ؛ في عاصمة الفن والشعر والسّحر . لم يمض أكثر من نصف دزينة من الأسابيع على ذلك اللقاء في مهجرنا ، السويديّ ، الموصوف آنفاً ، إلا ورأيتني وجهاً لوجه أمام الصديق زبير يوسف . حصل ذلك بمحض الصدفة ، ولا شك . إذ إتفق أن لبى كلّ منا دعوة من أحد أطراف المعارضة السورية ، لحضور كونفرانس للحوار الوطنيّ ، إنعقد لمدة يومين في صالة للإجتماعات في حيّ " مالاكوف " . شاءَ منظمو الإجتماع أن يكون نزلُ أولئك الضيوف ، المعارضين ، غيرَ ببعيدٍ عن تلك الصالة . في اليوم التالي لوصولنا ، وإثرَ قضاء ساعاتٍ مديدة في حقل السياسة ، المجدب ، كدحاً وجهداً ، بلا طائل للحقيقة ؛ أبصرتنا في مقطورة " مترو " الأنفاق ، ووجهتنا إلى الرمز الأشهر لمدينة النور ؛ شارع " الشانزيليزيه " . كان مساءٌ ربيعيّ ، حارّ ، قد أرخى سجوفه على البقعة المحيطة بمخرج المحطة ، المودي إلى الشارع الشهير ؛ والتي تحمل إسم الجنرال المحرر " ديغول " ، وتحتبي كذلك نصباً لقامته ، العملاقة . حاذى صديقنا الفنان ، زبير ، موقفي في تلك البقعة العتمة ، ثمّ ما عتمَ أن تأبط ساعدي فيما كنا نهمّ المسير نحو رصيف الشارع ، المنتمي أيضاً لعالم العمالقة : " قوسُ النصررر ! " ، هتف فناننا بصوتٍ بهيج ، كوراليّ ، في ذات اللحظة التي رأيتنا فيها وسط ما يشبه غابة من المشاعل الأسطورية ، المنارة بآلاف الأشجار والحافلات والمحلات والعمارات . ما عتمَ جمعنا أن أحدقَ بذلك المَعْلم الهائل ، المنيف ، كما يتحلق الأطفال أمام لعبة كبيرة . دهشتنا ، فرحتنا ، مرحنا ، مشاكساتنا ؛ كلها كانت على الطابع نفسه من العفوية والطفولية . كان لا بدّ لنا بعدئذٍ من التوجّه إلى رمز المدينة ، الآخر ؛ " برج إيفل " ، الذي كما قيل لنا ، يقعُ على مقربة من ذلك القوس ، المنذور للنصر والمجد . شوارع منارة بأبهر إضاءة ممكنة ، سلّمت خطانا إلى جاداتٍ مظلمة ، يفوح منها عبق القديم ، الرطب ، اللاذع . حتى رأيتنا في منحدر هيّن ، عتم ، فما لبث وعلى حين فجأة ، أن إنبثق من خلف أشباح أبنيته ، الكامدة ، ماردٌ ذو رأس صغير ، ينبعث منه ألف عين ، مشتعلة جميعاً . " إنه البرج .. ! " : تعالى صراخنا المحتفي ، حدّ أنه لفتَ إلينا أنظار بعض المارة ، المستغربين . رغم المسافة ، البعيدة نسبياً ، التي تفصلنا عن " برج إيفل " ، فقد هرعنا إلى أخذ الصور ، اللازمة ، وقد وضعنا في خلفية كل منها ذلك الحضور الضوئيّ ، المارد ؛ وكأنما سيهرب منا أبداً ، ما لم نقتنصه بعيون كاميراتنا .. !

4
معرفة الفنان زبير يوسف ، تظل منتقصة ، ما لم يعززها المرءُ بالتعرّف على موهبته الغنائية ، التي لا تقلّ أصالة عن موهبته الأساس ، كنحاتٍ ورسام تشكيلي . من جهتي ، فأنْ أسلوَ ، إفتراضاً ، كل ما يمتّ بصلة لهذا الصديق الأصيل ؛ فلا يمكنني نسيان الأمسيات الرائعة ، صحبة صوته الشجيّ ، المفعم في آن بالقوة والحيوية والرقة. ففي سهرة لقائنا الأول ، في مدينة " ساندفيكين " ، السويدية ، فوجئ أكثرنا ، للحقيقة ، بالحضور المتميّز لفناننا : جسارته في التعبير ، الغنائيّ ، بتلويحات يديه وإهتزازات كل عضلة في جسده المربوع ؛ عزفه على آلة العود ، أو غيرها من آلات الطرب ، الوترية ، المتناهي في عفويته وطفوليته وعشوائيته المقصودة ؛ حنجرته الجهيرة ، المترامية في أبعادها القصيرة والقصيّة ، وهيَ تنتقل مرتبة مرتبة بينَ المقامات والطبقات . كل ذلك ، لا يمكن إلا أن يُذكركَ بما تعرفه عن منشد الأزمان الخوالي ، الأسطوريّ . وفي لقائنا الباريسي ، آنف الذكر ، شاءتْ الصدفة أن يختتم فناننا بأمسيةٍ حافلة ، شيقةٍ ، أيامَ الكونفرانس ، الرتيبة ، المضجرة في مجادلاتها البيزنطية . عند إجتماع عصبتنا على مائدة العشاء ، الأخير ، في مطعم محليّ ، فإنّ أصحابه الأرامنة الأصل ، أرادوا أن يحتفوا بنا على طريقتهم : كان إبنهم الشاب عازفاً متمرساً على الغيتار ، وعلى شيء من حسن الصوت ، فراح يدندن مقطوعاتٍ غنائية بالروسية والأرمنية والفرنسية . إنبرى " زبير " بعدئذٍ إلى تسلم الميكروفون من يد ذلك الشاب ، مبدياً رغبته بتقديم وصلة من الطرب الكرديّ . ظهر شيء من الإمتعاض ، الخفيّ ، على ملامح أصحابنا الأرمن هؤلاء ، بالرغم من مسارعتهم إلى الترحيب بفناننا . بعيدَ نصف ساعة ، تقريباً ، من الوصلة " الزبيرية " ، المقترحة ، رأينا أصحاب المطعم أنفسهم وهم في أشدّ حالات الإنسجام ، حدّ مشاركتهم عصبتنا ، الكردية ، بالرقص على الطريقة الأرمنية . في مناسبة اخرى ، جمعتنا معاً ، باحَ لي " زبير " بسرّ هذا الهاجس الآخر لديه ؛ أيْ عشق الغناء . فموهبة الصوت الجميل ، متوارثة ، إن صحّ التعبير ، في أسرته . يبدو أنّ عدداً من أفراد عائلته وأقاربه إمتلكوا تلك الموهبة ، ومارسوها كهوايةٍ لا أكثر . قبل حلول صقيع غربتي ، كان لي في الوطن سعدُ زيارة الإقليم الكرديّ ، ( الجزيرة ) ، في شمال سورية ؛ زيارة متكررة ، وفي أوقات متباعدة ، هيأتْ لي التعرّف عن قرب إلى إنسانه وطبيعته وبيئته واهوائه . ومن بين ملاحظات اخرى ، أضحى لي يقين الإعتقاد بتجذر الميول الفنية ، الغنائية بشكل خاص ، لدى ساكني ذلك الإقليم . الإذن المرهفة لنحاتنا هذا ، قد تشذبت في تلك التربة ومنذ سني طفولته ؛ الإذن المتلقية لكلّ ما يخطرُ في البال من أناشيد الحبّ والبطولة والتضحية والوفاء ، فضلاً عن القصص المتغنية بأبطال الأساطير القديمة وشخصيات المخيلة الشعبية ، المختلقة .



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إسمُ الوردَة : ثيمة الجريمة في رواية لباموك
- أورهان باموك والإشكالية التركية
- معسكراتُ الأبَد : شمالٌ يبشّر بالقيامَة 2 / 2
- العثمانيون والأرمن : الجينوسايد المتجدد
- غزوة نوبل ، العربية
- معسكراتُ الأبَد : إلتباسُ التاريخ والفنتاسيا
- مقامُ المواطَنة ، سورياً
- الوحدة الوطنية ، المفقودة
- حوارُ أديان أمْ حربٌ صليبيّة
- نصرُ الله والعَصابُ المُزمن للفاشية الأصولية
- سليم بركات ؛ الملامحُ الفنيّة لرواياته الأولى
- خيرُ أمّةٍ وأشرارُها
- إعتذار بابا الفاتيكان ، عربياً
- وليم إيغلتن ؛ مؤرخ الجمهورية الكردية الأولى
- الثالوث غيرَ المقدّس
- الحادي عشر من سبتمبر : خمسة أعوام من المعاناة
- الجريمة والعقاب : طريق نجيب محفوظ في بحث مقارن 3 / 3
- الأعلام العراقية والإعلام العربي
- علم الكرديّ وحلمه
- الجريمة والعقاب : طريق نجيب محفوظ في بحث مقارن 2 / 3


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زبير يوسف ؛ منشدُ الأزمان القديمة