|
ليلة القدر في الشعر الروسي ؟ - تنزّل الملائكة و الروح فيها ... -
إبراهيم إستنبولي
الحوار المتمدن-العدد: 1710 - 2006 / 10 / 21 - 10:06
المحور:
الادب والفن
يُعتَبر الشاعر نيقولاي سيميونوفيتش تيخونوف ( 1896 – 1979 ) أحد أهم الشعراء . و قد تحول ولعه بالشرق إلى شغف عميق ملأ حياته بأكملها . و في الستينيات من القرن العشرين ، و أثناء زيارة لـه إلى إحدى بلدان هذا الشرق طرح عليه أصدقاء الكلمة سؤالاً فيما إذا كان يعرف شيئاً عن ليلة القدر . هكذا بدأ اهتمام الشاعر السوفييتي تيخونوف بهذه الليلة المقدسة . و لقد وجد ذلك تعبيراً لـه في قصيدته الرائعة " الإسلام " . لكن الشعر الروسي الكلاسيكي عرف قصيدة تحت نفس العنوان لآخر الأدباء الروس الكلاسيكيين ، الشاعر و الكاتب و الرحالة المعروف إيفان بونين ، الذي قدّمَ لقصيدته " ليلة القدر " بآية من ذات السورة القرآنية :
" و تنزّل الملائكة و الروح فيها بأذن ربهم ... "
إنها ليلةُ القدرِ . تلاقتِ الجبالُ و اتحدتْ ، و صعدت ذراها نحو السماء . كبّرَ المؤذّن . و قطعُ الجليدِ ما زالت حمراء . و لكن صقيع الظلام قد بدأ يتنفس في الثغور و الوهاد . إنها ليلة القدر . و الغيومُ ما فتئت تهبط و تتشتتْ على سفوح الجبال المظلمة . كبّرَ المؤذِّن . و النهرُ الماسيُّ يجري أمام العرش المعظّم ، و هو يتبخّر . و جبريل – دون أن يُسمَع أو يُرى – يلفّ العالمَ النائمَ . ربي ، باركْ الدربَ الخفيّة للحج المقدس و امنحِ الأرضَ ليلة من السلام و المحبة !
إن هذه القصيدة الممتلئة بالبهجة و الإعجاب ، بالحب و بالجمال و بالأمل ، إنما تنبع من قلب نضر حي ينبض بالربيع الباكر . بينما نجد أن ليلة القدر المقدسة قد استدعت أحاسيس أخرى عند الشاعر الكسنادر كوسيكوف . ففي قصيدته " ليلة القدر " ، التي يصف آول شركسي في منطقة كوبان لا توجد تلك اللوحة الشاملة للعالم كما هو الحال عند إيفان بونين . إلا أنه بالنسبة لكوسيكوف أيضاً ، الذي صوّر جذموراً قديماً في دغلة صغيرة ، فإن حلول ليلة القدر إنما يعني إمكانية ازدهار و تفتح جديد . " ينتظرنا بياض آمال جديدة " . و هنا أورد ترجمة لمقاطع طويلة من قصيدة نيكولاي سيميونوفيتش تيخونوف الفريدة . و هي بعنوان " الإسلام " : ... إلاّ الله . شفاهي – حق و حساب ! لكم – البشر ، لكم – الغيوم ، لكم – وحوش الصحراء . أبوه – جمل بأسنمةٍ كالدخان . أمّه ذات الشعر المتجعد الأخضر – نخلة في المدينة المنوّرة . لقد اقتفيتُ آثار أقدامه . و لكن قلبه – قطعة جمر ، و روحه – ضالة . ..... و ابتعدتُ ، ابتعدتُ إلى حيث الريح و الطريق - أ هو ، يا الله ، مَن سيكنس الظلام ؟ و إذ بالجملِ الماسيّ يشقُّ لي صدري بحوافره ، و الكلبُ المقدس يَنبحُ : نعم ، هو . ألِف ، لام ، ميم ! اِسمع : ليلةُ القدر أكثر اخضراراً من الغابة ، يا مَن دق البابَ عندي و القلبَ ؟ ..... تَعِبَ النخيل من هزّ الرؤوس نحو الشرق ، النبات يصلّي ، و الأُسُود لا ترِدُ الماء – ليس مائة قبلةٍ ، بل حقاً ثلاث مرات سآخذ منك مائة مع أول نجمة ليلية ، لكي تعود حياتي إليَّ في ليلة القدر هذه . و أنا قلتُ لذلك الشخص : " وقت " ، هو الأكثر بأساً ... شفاهي حق ، و شفاهي – حساب ! غداً سأنطلق في الدرب ، لأنني جمّال أنا ، و الجمل ، و الأرض ، و السماء فوقها ... و يوم غد – كالسيف . لتنامي ، يا زهرتي ، فاليومَ سلامٌ – في الأرض و في المحيط . اليومَ في ليلةِ القدر يدخلُ الجنّةَ مع الأنبياء حتى أشدّ المنبوذين بين الناس .
كما نرى ، إن التوتر الدرامي يبلغ مداه في هذه القصيدة و كما لو أنه يتناغم مع صور السراب في الصحراء العربية !.. هناك ، في سورة " الشعراء " من القرآن الكريم توجد آيات تشير إلى عدم استحسان واضح من قبل النبي بحق الشعراء الذين ضلّوا الطريق : " .. و الشعراء يتبعهم الغاوون . ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ... " . و نحن بدورنا نأمل بأن ذلك يخص الأفّاكين و الخارجين على الدين ، الذين أغواهم الشيطان و سيطر عليهم . و هذا لا ينطبق على الشعراء الذين تنبع كلماتهم من مشاعرهم الممتلئة بالإيمان الصادق و بالخوف من عظمة الخالق . إن سورة " ليلة القدر " العظيمة ، و على الرغم من قصرها ، قد أعطت دفعة قوية لمثل ذلك الإلهام الشعري الرفيع ، و تسبب الإطلاع عليها بنشوء تيارات عميقة من الرؤى و التصورات في الأدب الروسي .
#إبراهيم_إستنبولي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعليقات سريعة حول قضايا راهنة
-
ما بين التزوير و التضليل ... توضيح
-
طرطوس و المقاومة ... و عماد فوزي الشعيبي
-
أحلام = شيطانية = صغيرة
-
ديموقراطية .. غير شعبية - نص شبه أدبي
-
المواطن السوري ما بين الهم و القبح
-
تفاصيل صغيرة في قضايا كبيرة - من دفتر يوميات
-
لا تقاوموا الشر
-
و يحدثونك عن الإصلاح ! نهاية التضليل ؟
-
كلمات بلا عنوان
-
بعض الملاحظات على المشهد السياسي العام
-
قوة الصمت و لغز النوم
-
رمز الصليب
-
انتصار حماس : بداية النهاية للخطاب القومي
-
العروبة في خدمة ... أعدائها
-
فولاند في شوارع موسكو - المعلّم و مارغريتا - في التلفزيون ال
...
-
قيثارة أرمينيا- Ovanes Shiraz أوفانيس شيراز -
-
سيرغي يسينين Sergey Esenin كمنجة روسيا الحزينة
-
من مواطن سوري إلى الأكثرية النيابية في لبنان
-
بؤس الإعلام الشمولي
المزيد.....
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
-
مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
-
مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف
...
-
-بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|