أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي المصري - ما بين التحضر والتحجر... (2) البابا بندكتوس... والبابا شنودة















المزيد.....


ما بين التحضر والتحجر... (2) البابا بندكتوس... والبابا شنودة


سامي المصري

الحوار المتمدن-العدد: 1709 - 2006 / 10 / 20 - 11:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ثانيا: تعليق على حديث البابا بنديكتوس وموقف الأنبا شنودة المتطرف

موقف البابا شنودة من خطاب البابا بنديكتوس هو مدعاة للتعجب خاصة لمن لا يعرفون البابا شنودة. كثير من المسيحيين وخاصة قيادات الكنائس الشرقية وقفوا موقفا عدائيا من خطاب البابا بنديكتوس قبل أن تعلن ترجماته، حيث عرَّضهم الخطاب لمخاطر جسيمة وهذا أمر طبيعي. أما موقف الأنبا شنودة المتطرف جدا لجانب الإرهاب الإسلامي لدرجة القيام بمظاهرات مماثلة لما يقوم به السلفيون الإسلاميون -بقيادة صبي البابا بالكنيسة المعلقة- لهو أمر مستهجن ومرفوض ومخجل. الأنبا شنودة يكرر هجومه على البابا بصورة مبالغ فيها جدا في كل مناسبة وبدون مناسبة.

الأنبا شنودة معروف بالتعصب الديني المتطرف ورفض الآخر فأكبر تهمة أو إهانة ممكن أن يتهم بها إنسان هي، "بورستانتي" كما ينطقها!! تصريحاته ومعاملاته مع الكاثوليك تمثل صورة مقيتة من التعصب. خطاب البابا بندكتوس أعطاه فرصة ليمارس سلوكه المتعصب. لماذا عندما يتعرض للعرب والفكر الإسلامي يبدي انشراحا مفتعلا وتعاطفا غير منطقي؟!!! فيطنب في مديح مبالغ يخرج عن كل معقولية، لدرجة أنه يمتدح الغزو الإسلامي للشعوب المقهورة التي عانت الويلات ويقدم دفاعا عن هذا التاريخ الأسود أمام الصحافة الأجنبية متحديا للحقيقة ولكتب التاريخ الإسلامي نفسه!!! هل هو متصور إن الناس مش فهماه؟!!!!

الأنبا شنودة يرفض تماما استخدام العقل، لسبب واحد أنه براجماتي تحركه المصلحة في كل ما يعلنه من إيمان ومبادئ التي هي جميعا قابلة للتغير السريع حسب الموقف والمناسبة. ولذلك تجد أن مبادئ الأنبا شنودة هي أكبر معادي لمبادئ الأستاذ نظير جيد. كما أنها تتعارض كليتا مع نسكيات أبونا أنطونيوس السرياني. وتتحدى المبادئ الرعوية التي كان ينادي بها الأنبا شنودة أسقف التعليم. فلكل مجال مقال ولكل موقف ثياب حتى بلغ إلى الفاخر المذهب منها. إذا كان الأنبا شنودة يرفض نفسه ومبادئه وأخلاقياته عندما تتعارض مع مصالحه النفعية فكم بالأكثر يرفض الآخر المنافس له ومن هذا المنطلق يشعر بالعداء للكاثوليك والبروتستانت، وبالأكثر جدا يجاهر بأقصى صور العداء والكراهية المريرة نحو كل مثقف نافع للكنسية القبطية. وفي نفس الوقت فهو ينافق الإرهاب الإسلامي بما يخالف تماما الحق والواقع، ويُظهر سلبية كاملة من الاعتداءات المتكررة على الكنيسة التي يرأسها.

لتحاول أن نخرج خارج غلاف النفاق المجتمعي والمصالح النفعية البراجماتية وحب البقاء فوق الكرسي لنتفهم موقع الأنبا شنودة الحقيقي من الفكر الحر الوارد بخطاب البابا بندكتوس. لهذا يلزم أن ندرس الخطاب دراسة علمية متأنية لنري أين الباب شنودة منه.

البابا بنديكتوس الذي كان أستاذا جامعيا في كلية اللاهوت في واحدة من أكبر جامعات العالم الصانعة للفكر يقف في نفس الجامعة ليقدم رسالة المسيح الحضارية لعالم رافض. في حديث البابا يوضح طبيعة المستمعين في قوله، "... أشار أحدهم إلى أنه كان هنالك شيء غريب حول جامعتنا: فهي كانت تضمّ كليّتين مخصّصتين لشيء لا وجود له: وهو الله." يطرح البابا رسالته لفكر مناهض يقدس العقل والمنطق الأرسطتلي الأفلاطوني، معتمدا على النتائج المذهلة لثورة التقنية الحديثة، والمعرفة العلمية، لذلك يرفض الله. البابا بندكتوس لم يستهدف بحديثه لا الإسلاميين ولا المسيحيين بل كان يتحدث على مستوى أكاديمي بحت، موجها حديثه أساسا للفكر الغربي الذي جرد العقلانية من كل فكر روحي. فحديث البابا هدفه هو نقد العقل الوضعي، والفلسفة التي تستند إليه في العالم الغربي، ليضيف بعدا روحيا لحرية الفكر، مع دعوة لإعمال العقل تقوم على المعتقدات الدينية خاصة المسيحية. موضوع الحديث هو "الإيمان والعقل" عرض فيه بكل المصداقية عثرات التاريخ في استخدام العقل معترفا أن الكل قد اخطأ حسب فوله "وأننا كنا نتقاسم المسؤولية عن الاستخدام السليم للعقل". ففي جميع الحالات عندما تصور الإنسان أنه قد بلغ الذروة في إعمال العقل كانت هناك بقع عمياء "Blind Points" وقصور في الرؤية عوَّقت الإنسان عن الإدراك السليم للحقيقة. وهذه البقع العمياء كما كانت في الفكر المسيحي الكاثوليكي والبروتستانتي والإسلامي أيضا كانت في الفلسفات قديمها وحديثها. وهي تقوم اليوم في العقل الوضعي الذي يرفض الله يدون أي منطق أو معقولية مستخدما نفس صور التعصب والتحجر الديني. البابا قدم للعالم المحبة المسيحية كحاجة اجتماعية ماسة افتقر لها عالم اليوم المستند على العقل الوضعي المتجرد من الروحانية.

ملاحظة: عبارة "البقع العمياء Blind Points" لم يستخدمها البابا لكنها إضافة لتوضيح فكره، وسنكررها في المقال.

حديث البابا بنديكتوس الأكاديمي بدأ بتقريظ الفلسفة اليونانية وإعمال العقل، وربط القلسفة اليونانية بالكتاب المقدس بعهديه. وهو لم يتعرض للفكر الأرثوذكسي إلا فيما أشاد به من الأهمية للترجمة اليونانية السبعينة للعهد القديم التي تمت في الإسكندرية. وبالرغم من ذلك فبدون قصد من البابا بنديكتوس فجر الحوار حول القضايا الملتهبة الدائرة اليوم في الكنيسة القبطية.

بدأ البابا بعرض تاريخ ارتباط اللاهوت الكاثوليكي بالفلسفة اليونانية والنتائج التاريخية الضارة وما تبعه من ردود فعل ودعوة لتخليص الفكر اللاهوتي المسيحي من الثقافة اليونانية فيما أسماه "Call for a Dehellenization of Christianity". ارتبط اللاهوت الكاثوليكي بالتراث اليوناني الهيليني في القرن العاشر عندما قدم القديس إنسليم فكره اللاهوتي المعروف باللاهوت المدرسي ""The Tradition of Scholastic Theology وقد بلغ هذا اللاهوت ذروته في القرن الرابع عشر على يد القديس توماس إكوينس. اعتمد اللاهوت المدرسي على المنطق والفلسفة اليونانية بصورة مبالغ فيها وبالأكثر اعتمد على الفكر القانوني الإقطاعي السائد في العصر الوسيط، حيث قانون السيد والعبيد. فابتعد تماما عن الفكر المسيحي الذي ساد في القرون الخمسة الأولى القائم على الحب والرجاء والمغفرة، وعلى الإيمان بالمسيح كمخلص العالم، ونعمة الخلاص المجاني المبني على وحدة أعضاء جسد المسيح حيث المسيح هو الرأس الأوحد للكنيسة. الفكر المدرسي قام على القانون والعقاب، والتضخيم من خطورة الخطية لدرجة تعوِّق العمل الإيجابي لبناء النفس والمجتمع. أعمال الزهد تصل إلى تعذيب الجسد وإذلاله والذي صار العرف الديني السائد. لم تعد نعمة البنوة للمسيح أو الإيمان أو الفرح بالخلاص بذات قيمة في حياة الفرد، بل الحزن المغرق على الخطية وأعمال التكفير عنها لا بدم المسيح بل بالممارسات الذاتية، مما أفسد الحياة العامة وصير الفرد مجرد عبد وليس ابن للمسيح (ميمر العبد المملوك هو إحدى صور تسلل اللاهوت المدرسي الكاثوليكي للكنيسة القبطية). كل ذلك ارتبط بتضخيم سلطان الأكليروس، كصورة من الإقطاع، إلى الحد الذي أدخل العالم لظلمة العصور الوسطى، ومحاكم التفتيش، وسجن البستيل، ومؤامرات الكاردينال روشليه، وفساد البابوات المذري، وعصمة البابا، وبيع الغفرانات، ومنع الشعب من قراءة الكتاب المقدس خوفا عليه من خطية عدم فهمه.... ألخ.

طبعا البابا بندكتوس لم يشرح ما هو اللاهوت المدرسي إذ كان يكلم علماء ومفكرين، لكنه عرضه كصورة لارتباط اللاهوت الكاثوليكي بالفلسفة اليونانية-وهو نفس المنطق الذي يرتكز عليه الفكر المعاصر- فكانت البقعة العمياء "Blind Points" به من الضخامة بالدرجة التي أفسدت حياة الإنسان وأدخلته للعصور المظلمة. وترتب على ذلك ظهور البروتستانتية، حيث كانت أيضا دعوة لاستخدام العقل، لتحرير الإنسان من فساد اللاهوت المدرسي، وارتباطه بالثقافة اليونانية الهيلينية. وقامت البروتستانتية علي أساس الإيمان بالمسيح، فكانت محاولة للعودة بالمسيحية إلى أصولها الأولى (لقد كان مارتن لوثر يعتبر نفسه تلميذا لكتابات كل من القديس كيرلس الكبير والقديس يوحنا ذهبي الفم). كان الجهد البروتستانتي نحو التنوير باستخدام العقل يستهدف تحرير الدين بل تحرير الإنسان من عبودية التدين المريض، التي هي أساسا دعوة السيد المسيح نفسه. ولكن بالرغم من الهدف النبيل الذي قامت من أجله البروتستنتية فإن البقعة العمياء قد لازمت الفكر البشري الضعيف بصورة مستمرة. فالتمادي والتطرف في أي اتجاه يصيب الفكر بعدم القدرة على الرؤية. ويشير البابا إلى شكل من التطرف البروتستانتي في، "The principle of “Sola Scriptura”" . ثم يتابع البابا حديثه لعرض جهود الكنيسة الكاثوليكية المكثفة فيما أسماه "Christianity Dehellenization of"، وذلك للخروج والتخلص من سقطة اللاهوت المدرسي التاريخية المريعة. وشرح البابا ثلاثة مراحل لذلك خلالي القرن التسع عشر والقرن العشرين. ثم يوضح البابا مشاكل كل مرحلة وملازمة البقعة العمياء للفكر البشري. وختمت كل هذه الجهود بقرارات مجمع الفاتيكان الثاني والتي تقاربت في الكثير من المناحي مع الفكر الأرثوذكسي. البابا الذي يعرض أخطاء كنيسته ويعلن انه يؤمن بالتنوير العقلي، يحذر من أن هناك دائما قصور بشري يصاحب كل حركات التنوير يمنع العقل من رؤية كل الحقيقة.

لذلك يدعو البابا لتضافر العقل والإيمان بطريقة جديدة، حتى يمكن التغلّب على التحديد الذاتي للعقل لكي يقتصر على ما هو تجريبي وقابل للاختبار، ليكشف من جديد، عن الآفاق الشاسعة للعقل.

اللاهوت المدرسي الكاثوليكي طرق أبواب الكنيسة القبطية في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. كانت الكنيسة القبطية بمعزل عن الفكر الغربي منذ القرن الخامس حتى القرن التاسع عشر، عندما طرق المبشرين البروتستانت أبواب مصر. الكنيسة القبطية كانت تربطها علاقات متقطعة بالعالم الأرثوذكسي الشرقي حيث تظهر تأثيرات مباشرة في الفكر والفن والعقيدة خلال العصور المختلفة. لم تقبل الكنائس الشرقية اللاهوت المدرسي الذي لوث الفكر الغربي، ولذلك لم تتعرف عليه الكنيسة القبطية. عندما أصبح نشاط الإرساليات البروتستانتية مؤثرا، كان مدعاة لقيام عمل ناشط بالكنيسة القبطية على المستوى المعرفي والثقافي واللاهوتي. وأصبح الرد على البروتستانت للدفاع عن الوجود هو أهم ما يشغل بال الكنيسة القبطية. بدأ المثقفون الأقباط في دراسة جادة للخروج من الأزمة، فقاموا بدراسة وترجمة الكتب الكاثوليكية حتى يمكن الرد على البروتستانت، حيث بدأ التعرف لأول مرة على اللاهوت المدرسي. في البداية لم يكن للاهوت المدرسي تأثيرا ذات قيمة على روحانية الكنيسة القبطية التي كانت تعيش على الليتورجيات والتسابيح والصلوات الكنسية، والفهم الإنجيلي البسيط المنقول عبر ثقافة أرثوذكسية متوارثة. فانحصر فكر اللاهوت المدرسي في التعليم اللاهوتي والحوار ضد البروتوستانت. ظهر كتاب علم اللاهوت تأليف القمص ميخائيل مينا في أربعة أجزاء ضخمة وهو عبارة عن ترجمة حرفية لأعمال القديس توماس إكوينس. لا يسع قارئ هذا الكتاب إلا أن يشعر بالملل الشديد، والجفاف الروحي، والعقلانية الهيلينية المغرقة التي تتنافى تماما مع الروحانية الأرثوذكسية. فرض هذا الكتاب نفسه على التعلم اللاهوتي في مدرسة الرهبان بحلوان والإكليريكية واعتبر المرجع اللاهوتي للكنيسة االقبطية. كما ظهر كتاب الصخرة الأرثوذكسية للأستاذ حبيب جرجس وفيه حاول المؤلف أن يرُد على الفكر البروتستانتي بتعاليم اللاهوت المدرسي الكاثوليكي، كما يرُد على تعاليم الكاثوليك المخالفة للأرثوذكسية بكتابات البروتستانت، وكان هذا هو أقصى ما يمكن عمله في وقت انعدمت فيه المراجع الأرثوذكسية، واحتبست تعاليم الآباء في مخطوطات يونانية أو قبطية غير مفهومة. كما ظهرت بعض الكتب الطقسية الضعيفة مثل اللآلئ النفيسة ومنارة الأقداس. كل هذا لم يعوِّق الكنيسة عن ممارسة روحانيتها بشكل طبيعي بل كان أيضا مدعاة لزيادة نشاطها التعليمي والتثقيفي والذي تجلى في قيام مدارس الأحد التي أنشأها الأستاذ حبيب جرجس على غرار ما قام به البروتستانت مع صبغها بالطابع الأرثوذكسي. كما قامت المدرسة الإكليريكية لتعليم وتثقيف رجال الدين بالقدر المتاح من التعليم الديني والذي كان متواضعا جدا في مستواه العلمي والمعرفي.

أبونا متى المسكين ظهر كحدث فريد، فبدأ يشق طريقه في صحراء مقفرة من المعرفة، إلى جانب الحفر في صخور التجمد والجهل والرجعية. لم يحاول أبونا متى أن يهاجم ظلمة الجهل الواقع في الفكر الكنسي، لكنه بكل صبر بدأ يثقف نفسه أولا بالفكر الأرثوذكسي الآبائي من كنوز العصور الذهبية للاستنارة والمعرفة. وبحس روحي مرهف، وبعقل متوقد بالذكاء ومميز ومستنير بالحق، شق أبونا متى طريقه التنويري بكل قوة، فكان ظاهرة مبهجة لكل من لاقاه. بدأ أبونا متى يقرن ما استخرجه من كنوز الآباء بالنص اليتورجي القبطي وكتب التسبيح مما جعل فكره مرغوبا، فحتى القيادات الكنسية في ذلك الوقت قابلت فكره بالترحاب والأمل في مستقبل كنسي مشرق. لذلك عيَّنه الأنبا يوساب سكرتيرا له بالإسكندرية مركز أسقفية البابا. فكر اللاهوت المدرسي الواهي السطحي لم يكن ليستطيع أن يقف أمام فكر الآباء التنويري الذي عرضه أبونا متى، إلا كما تقف ظلمة الليل أمام بزوغ شمس الصباح. وكما أوضحت فالكنيسة القبطية لم تكن مرتبطة بهذا الفكر بأي صورة إلا بقدر احتياجها للدفاع عن وجودها أمام غزو بروتستانتي. وفي نفس الوقت كان اللاهوت المدرسي قد صار مرفوضا تماما على المستوي العالمي، وخاصة من الكنيسة الكاثوليكية التي أصبح يُذكِّرها بانحرافها (كما في خطاب البابا بنديكتوس). وعلى الجانب الآخر، ففكر أبونا متى المتجزِّر في الأرثوذكسية لم بكن فقط قادرا على مواجهة الفكر البروتستانتي بل كان قادرا على احتواءه بالحب والفهم العقلاني المحترم بدون تعصب أو انفعال. فوجد فكره التنويري ترحيبا منقطع النظير بين البروتستانت والكاثوليك وحتى بين المسلين. وكان ظهور أبونا متى في الكنيسة أيضا يشبع الغرور لطموح شباب ذلك الزمان، فتعلق به الأستاذ نظير جيد إلى درجة أنه قرر أن يترك كل شيء وبترهب مع أبونا متى صاحب الاسم المتألق (أنظر مقال "وددت لو بقيت هناك" للأستاذ نظير جيد في مجلة مدرس الأحد- فبراير عام 1951). فمن عام 1951 صار ملاصقا له _فمن جاور السعيد يسعد- مؤازرا للنجاح الكبير حتى عام 1957 حينما بد الصليب يتراءى في الأفق. عندما وجد أبونا أنطونيوس السرياني أن مصالحه البراجماتية نحو بلوغ كرسي مار مرقس تتعارض مع البقاء مع أبونا متى غادره في الحال. ولم يكتفي بذلك فقد بدأ رحلة العداوة المنقطعة النظير ليضيف لمواجع أبونا متى أكثر المواجع إيلاما الصادرة ممن كان أكثر الناس التصاقا به. هنا فقط ظهرت أهمية اللاهوت المدرسي الكاثوليكي في معتقدات الكنسية القبطية الأرثوذكسية المستقيمة الرأي، كوسيلة تدمير، ليس فقط ضد أبونا متى بل ضد سلام الكنيسة القبطية ووحدتها وأمنها وعقيدتها وحرية فكرها وسلامة مسارها وكل شيء!!!!

منذ وصول الأنبا شنودة إلى كرسي البطريرك أخذ اللاهوت المدرسي وضعا جديدا وأهمية قصوى ليس فقط من الناحية اللاهوتية النظرية بل بالأكثر من الناحية العملية في كل مناحي الكنيسة. فدخلت الكنيسة القبطية تدريجيا لظلمة العصور الوسطى (محاكم التفتيش، ومؤامرات الكاردينال روشليه (الأنبا بيشوي)، عصمة البابا، الفساد البابوي مع أساقفته المذري، بيع الغفرانات بالمغالاة في سير القديسين الخرافية والمعجزات الخيالية، التعتيم على الحق الإنجيلي ومفاهيم الكتاب المقدس بتعاليم مزيفة تحض على السلبية والخنوع وعدم مواجهة الفساد والمطالبة بالإصلاح.... ألخ). الأنبا شنودة شخصيا لم يسمع عن اللاهوت المدرسي في دراسته، فأعلى مؤهل لاهوتي حصل عليه هو دبلوم الكلية الإكليريكية القسم المسائي بمهمشة، حيث كان مستوى التعليم متناهي في التواضع والضعف. فعلم اللاهوت كان يتركز في مرجع واحد كبير من تأليف القمص ميخائيل مينا، لم يقل لهم أحد أن هذا الكتاب هو خلاصة اللاهوت المدرسي الكاثوليكي، بل كان يُعلَّم على أنه اللاهوت القبطي اللأرثوذكسي الذي تسلمته كنيسة الآباء المجيدة عن الأجداد دون أي تحريف من فم الرسل أنفسهم!!! ولعل هذه واحدة من أكبر الأكاذيب تداولا في الكنيسة القبطية اليوم والتي أفسدت الذهن القبطي الذي يتيه فخرا بما هو غير حقيقي. الكنيسة القبطية ككل كنائس العالم تأثرت بما حولها وأثرت فيه، فتأثرت حتى بالإسلام. فنمت وتعثرت وتغيرت على مدى العصور وليس أدل على ذلك مما لمسناه بأنفسنا من تغير في كل شيء من عصر الأنبا يوساب، لعصر الأنبا كيرلس، حتى وصلنا إلى الدرك السفلي في عصر الأنبا شنودة. يتمسك الأنبا شنودة بما تعلمه في صغره بغض النظر عن صحته ومصادره الأولى، وله في ذلك أغراض. فبهذا يسهل مهاجمة كل فكر تنويري يحاول أن ينقذ الكنيسة من الأفكار الدخيلة التي سادت على الفكر القبطي في أزمنة الجهل. فبالتجمد ودفاعه عن الفكر السائد الخاطئ يسهل عليه محاربة التنوير والإصلاح معتمدا على التجهيل والجهل والجهلاء، لذلك فهو يحارب كل المثقفين في الكنيسة القبطية.

كل من حاول أن يستخدم عقله أو علمه في الكنيسة يقف في معسكر الأعداء كما يسميهم البابا. فلم ننسى مقاله بهذا العنوان "الأعداء" في مجلة أكتوبر الذي هاجم فيه المرحوم الدكتور سليمان نسيم بسبب مقالاته التنويرية في مجلة مدارس الأحد. لقد بدأ الدكتور سليمان رحمه الله خدماته الكنسية قبل أن يعرف نظير جيد بابها، واشترك مع نظير في عضوية اللجنة العليا لمدارس الأحد وفي تحرير مجلة مدارس الأحد، فهو رفيق درب الخدمة الطويل. وهو الرجل الشديد اللطف فلم يعرف أن يغضب أو يغاضب، في الوقت الذي كان صريحا في الحق، يغار على الكنيسة. فعندما حاول أن ينبه البابا بالأخطار التي تهدد الكنسية بسبب التقصير الرعوي من جانب البابا ومن الذين عينهم رعاة فلم يكونوا أمناء، هاج البابا وماج وأسماه العدو وشهر به على صفحات الجرائد العامة متخطيا لكل الحدود الوظيفية الملزمة لمنصبه الرفيع الذي لم يحترمه، والقانون الكنسي الذي لم يرعاه. كذلك شمل الأستاذ كمال زاخر رتبة "الأعداء". وماذا فعل بالدكتور جورج حبيب بباوي، عندما نطق بالحق وعندما أصدر كتاباته اللاهوتية الأرثوذكسية التنويرية ليقشع ظلمة اللاهوت المدرسي؟!!! ماذا فعل بالمرحوم أبونا إبراهيم عبد السيد شهيد الحق الشجاع الذي واجه الفساد بصدره وحياته عندما أصدر مجموعة كتبه؟!!! ماذا فعل بالمثقفين الأقباط الذين قبعوا في خبائهم تحت وابل من تهديداته وإرهاب رجاله الخطرين؟!!! لكل ذلك فهو يواجه اليوم ماكس مشيل، وإن كنت لا أوافق أعماله، إلا أن تحدياته السبع للأنبا شنودة التي عرضها خصوصا فيما يتعلق باللاهوت المدرسي تلخص انتهاكات الأنبا شنودة للتعليم الأرثوذكسي التي أدخلت الكنيسة لظلمة العصور الوسطى.

ما أبعد الفارق وأوسع البون بين موقف البابا بنديكنوس العظيم الذي وقف بكل الشجاعة معترفا للإنسانية عما قدمه فكر اللاهوت المدرسي الكاثوليكي من مواجع للبشرية، وبين ما يقدمه الأنبا شنودة وجوقة الشر المحيطة من دفاع عن تخلف اللاهوت المدرسي الكاثوليكي الذي عكر صفو الكنيسة القبطية بدون مبرر. ما أبعد الفارق بين الجهد الكبير الذي بذله ومازال يبذله الفكر الكاثوليكي للتخلص من فكر اللاهوت المدرسي الذي أدخل العالم لمظالم العصور الوسطي، وبين الجهد الذي بذله ومازال يبذله الأنبا شنودة لدخوله بالكنيسة إلى نفق اللاهوت المدرسي المظلم غير مأمون العواقب ولا معروف النهاية. وبذلك فإن الأنبا شنودة في مطلع القرن الواحد والعشرون يقف وحده، ضد الكنائس المسيحية في العالم اجمع مدافعا ومؤيدا لفكرا قد عفا عليه الزمان، وبذلك يقول "وأنا ضد العالم المسيحي". لقد وضع الأنبا شنودة نفسه هو وشلته يتقدمهم الأنبا بيشوي ليقفوا ضد إعمال العقل في صف التخلف الفكري والرجعية مع الشيخ الغزالي وإبن حزم و"دانز سكوتس "Duns Scotus وابن تيمية والشيخ القرضاوي.



#سامي_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما بين التحضر والتحجر... (1) البابا بندكتوس... والتطرف الإسل ...
- لجنة تثبيت أم إفساد العقيدة .. والأب متي المسكين
- مقالات مرفوضة بالحوار المتمدن
- المجتمع القبطي ...كيف كنا وماذا أصبحنا وكيف؟
- لبنان ... وا لوعتاه
- جيل غيَّبَه التدين المريض
- من الرجال من لا يموتون ... -أبونا متَّى المسكين-
- الأنبا شنودة وأحداث الإسكندرية الأخيرة-2
- الأنبا شنودة وأحداث الإسكندرية الأخيرة
- نشاط الجماعة المحظورة في مصر علامة حكم يتهاوى
- لا تدينوا لكي لا تدانوا
- (1) -التعصب الديني في مصر
- ماذا حصد الأقباط من موقف البابا شنودة من انتخابات الرئاسة
- الشعب القبطي يتمزق بين شقي حجر الرحى -الدولة والكنيسة- 2
- الديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي
- أكتوبر؛ ختاما لحرب الست سنوات -الفصل الأول
- الإرهاب والقهر والتكفير والفساد في الكنيسة القبطية
- الشعب القبطي يتمزق بين شقي حجر الرحى الدولة و الكنيسة
- البابا شنودة وانتخابات الرئاسة
- انغلاق العقل القبطي في عصر البابا شنودة


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي المصري - ما بين التحضر والتحجر... (2) البابا بندكتوس... والبابا شنودة