أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسام مطلق - رؤيا ليبرالية في الاخلاق وتطور المجتمعات















المزيد.....

رؤيا ليبرالية في الاخلاق وتطور المجتمعات


حسام مطلق

الحوار المتمدن-العدد: 1709 - 2006 / 10 / 20 - 11:09
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عندما يسأل الناس عن الأخلاق يجيبون إنها أن تكون نزيهاً . وعندما يسألون ما النزاهة يقولون إنها أن تكون أميناً صادقاً. وحين يسألون عن الآمانة والصدق تفرز أجوبتهم تقاطعات وتناقضات. وتستمر الأجوبة لتصيغ أسئلة .فكل إجابة تأتي كمسلمة , ولكنها لا تحدد القيد والضابط ,كما أنها تهمل الفوارق بين الجماعات في ميراثها الثقافي, وبين الأفراد في الفهم وتفاوت القدرة على التطبيق . فما هو صدق لدى فرد قد يكون غباءً لدى أخر , وما هو عيب لدى جماعة قد يكون حتمية لدى أخرى. ومن مثال أن عدم وجود صديق أو عشيق لدى الفتاة هو من الأمور المستهجنة في كثير من المجتمعات, والمجاهرة به مدعاة للاستغراب لدى مجتمعات أخرى. فأيهم الصحيح ؟. أو ما هي الأخلاق فعلاً . الأخلاق هي عامل الأمان الاجتماعي , أو بعابرة اخرى : السلوك الذي تتفق عليه جماعة من الناس ليسهل التعايش بينهم . ولكن صيغة هذا الاتفاق لا تأتي بطريق القرار الناتج عن مناقشة واعية بل التفاهم الضمني غير العلني على الإقرار. فلا تسجل طريقة فرز للأفعال لتصنف كأخلاق أو دناءة ولا تتخذ معيار ثابت بل ازدواجي وربما متعدد المعايير أيضاً بيد أن حاجة التعايش تدفع المجتمع لكي يتوصل إلى حدود أو خطوط حمراء تحقق أمنه .وطبعاً لا ينشأ التعايش بسبب هذا الاتفاق, لأن التعايش أقدم منه زمناً, ولكن الاتفاق يخلق حالة الأمان التي تقود إلى استقرار العلاقات في المجتمع مما يعطي أفراده الفرصة لتحقيق التطور المدني بسلاسة اكبر, على الاقل على حد اعتقادهم. فهم بصورة غير واعية يراقبون أثر امتناعهم عن فعل أو إقدامهم عليه في تسهيل أمور حياتهم فتصاغ الحجج التي ترفع من منزلت هذا الاقدام او ذاك الامتناع ليصلوا بهما عبر الزمن إلى الضرورة المسلم بها وهي المُورث الحقيقي للأخلاق .
مستخدمين بذلك تراكما من المحاكمات العقلية, والمحاكمة العقلية هي معالجة الأوليات بالإمكانات انطلاقاً من الدوافع لتحقيق الهدف. فالمحاكمة تتأسس من تجميع أوليات , وهي الوقائع والاحداث, أما الإمكانات فهي بالإضافة للامتيازات الشخصية أو الاجتماعية فهي أيضاً القيود التي تحد من القدرة وهنا هي حتماً الأخلاق السابقة على تلك المحاكمة. وعلى هذا يمكننا القول أيضاً أن أخلاق هي أحكام سابقة طبقها المجتمع تواترا و يعيد تطبيقها وفقا لنظرية القياس ضمن اطار كل محاكمة عقلية تعالج أفعالا مستجدة سواء أكانت مطابقة لأفعال آخرى سابقة أو تحمل شيء من الاختلاف. و يشكل الميراث ديني بما له من ثقل في الوعي الجمعي أساساً لتوجيه هذا القرار .وهكذا فإن تطور الأخلاق غير منفصل عن تراثها, سواء كاحكام سابقة او كمعتقدات دينية. وهي لا تتطور بشكل انقلابي بل بطريقة بطيئة وبطيئة جداً . لأن تغيرها السريع يضع المجتمع أمام حال من فقد الخصوصية , وهذا غالبا بحدث في الثوراتو حين يصبح المجتمع مهاجماً فكرياً من مجتمع آخر أو من مجموعة داخلية. وهو ما حدث مع العرب في الدعوة الاسلامية حيث كان التغير داخليا وما حدث مع الفكر النازي حين كان التدخل خارجيا, وفي كلا المثالين فقد المجتمع خصوصيته السابقة وصار مغيرا لماضيه بشكل جذري. والسبب الرئيس في ذلك هو طرح الكثير من الأسس التي قام المجتمع عليها للنقاش , وهذا النقاش يفقد المجتمعات حصانتها, فتصبح آيلة للسقوط الحتمي , لأن الجرأة على المناقشة هي بداية السقوط , والقضية عندها قضية زمن وظروف لاأكثر. ولا يعني سقوط المجتمع هنا سقوطا للأفراد فيه ولكنه تبديل للرابطة الجامعة بينهم. فقد كسر الاسلام القبلية وكسرت القومية رابطة الخلافة.
ولكن القبيلة بأفرادها ظلت قائمة وطرأ تطور على نمط العلاقات اليومية فيه, وبسقوط الخلافة ظلت الولايات الإسلامية قائمة وظلت علاقات تجار حلب بمحيطهم الحيوي قائمة ولكن تبدلت النظم الناظمة لتلك العلاقات. وبغض النظر عن قوة السقوط او مقدار التغير في المنظومة القيمية يبقى المجال الحيوي للجماعة والمجتمعات هو الاساس في تحديد علاقات الأفراد, ولكن كما أسلفنا فإن التغير يكون في نمط العلاقة لا في وجود العلاقة من عدمه.
فالجماعة تبقى بمصالحها اليومية وعلاقاتها الفردية المتداخلة ولايقع التغير في النهاية ألا في النظم القيمية التي تربط أفراد الجماعة وتربط الجماعات ببعضها.
والعامل الأساسي في طبيعة السقوط سواء اكان سريعا او دراماتيكا هو في قدرة أفراد المجتمع على مواجهة الواقع, وهذا يجعلنا أمام مواجهةالمخزون الثقافي. فكثير من الناس يحسن الالتفاف على الحقائق ويبتكر سبلاً للالتفاف عليها لأسباب تتعلق بالعجز والخوف, وهي عموما سمة المجتمعات الشرقية التي يبقيها العجز والخوف اسيرة تغيرات بطئية جدا .هذا العجز والخوف يعيدنا إلى فكرة أن الأخلاق نشأت من أجل الحصول على الأمان فطرحها جانباً يعني تبدل الحال الاجتماعي والنتائج المحتملة لهذا التبدل هي التي تدفع إلى العجز والخوف من المجهول .وكلما كانت الأفكار الجديدة أكثر إلحاحاً وشيوعاً كلما كانت أكثر قدرة على إسقاط القديمة .ولا عبرة في السقوط أو النشوء لما يسميه الناس النزاهة أو المعتقد الديني بل فقط الحاجة. فالدعوات الدينية جمعت اول عهدها الفقراء وكذلك الثورات السياسية. وهنا سوف اضرب مثالا يوضح مدى تناقض سلوك المجتمعات عن قضية الدين وكيف ان الأخلاق الإجتماعية في النهاية تعبر عن حالة الاستقرار ولا تعبر ما يعكسه لفظ الأخلاق في الوجدان الفردي غير المتامل. لنحلل قضية إعفاء الفعل الجرمي الذي يتم بدافع شريف من العقوبة أو ما اصطلح على تسميته جرائم الشرف. ولو عدنا إلى وصف الدافع وهو " الشريف " لوجدناه يبنى على مغالطة. فالقتل بدافع شريف يمكن أن يكون للوقوف في وجه فعل منافي للشرف يوشك أن يحدث, أما حين يقع القتل بعد تنفيذ الجريمة فهو قد جاء للانتقام, فالدافع لم يعد " الشرف ". ولو قلنا أنه جاء من أجل منع تكرار الزنى صونا للمجتمع لوجب أن نخضع الزاني والزانية للمحاكمة وأن نصدر قانون ينص على قتل الزاني والزانية لأن معظم القوانين العربية تصنف الزنى كجريمة معلقة على إدعاء المتضرر, وقد حصرت بعض الدول في قوانينها الأمر بالزوج حال كانت المرأة متزوجة. فالقتل هنا لم يقع بدافع المنع لعدم اعتباره جريمة اجتماعية يسوغ لكل المجتمع المطالبة بعقاب الفاعل بل لقد صنفت القوانين الزنى على انه جريمة فردية معلقة على ادعاء المتضرر. كما أن من وقعت عليه آثار القتل بدافع شريف أو محاولة القتل سواء أكان الزاني أو الزانية لم يخضع لمحاكمة تسمح بمعرفة الحقيقة وصولاً لإنصافه و إنصاف المجتمع. بل أوكل المجتمع أمره لشخص عادي غير اعتباري لا يحمل مؤهلات تكفي ليكون قراره بإهدار حياة شخص آخر صحيحاً ولتصب نتائج قراره هذا في صالح المجتمع. بل على العكس هو شخص أفقده الغضب القدرة على المواجهة فهرب منها بما يسمى إصطلاحا " غسل عاره بيده ". وفعله هذا تم إذن لأسباب ذاتية وتحت تأثير الغضب لا العقل, وبه اهدر حياة شخص او اشخاص آخرين في حالة هي ليست دفاعا عن النفس أو منعا لفعل مُجَرمٍ يقع الآن ولحظة اتخاذه لقرار القتل. بل فعل منته ممارسةً, وإن يكن من الناحية النفسية مستمرا أثراً, وهو في حالة الغضب, والغضب يعجز الحكمة والرشاد. مع هذا أوكل المشرع إليه تنفيذ العدالة وكلنا يعلم أن القتل لا يتفق مع الأديان السماوية جميعاً بل قد سمي في الإسلام حد الله وليس حد أحد أما في المسيحية فقد منع تماماً.
إن التفسير الوحيد لوقوف الهيئة التشريعية في وجه نزع صفة الدافع الشريف عن هذه الجريمة هو خوف الجمهور عموماً إن هو نادى بمثل هذا أن يتهم بنقص النخوة ومن النساء بأنهن يردن الزنى. كما أن الغيرة وإعطائها شرعية تحقق شيء من الآمان عبر تقيد حرية المرأة تحقيقا للتوافق الاجتماعي أو بالأصح تحقيقا للركود الإجتماعي. وهذا يعيدنا إلى ما بدأنا به أن الكثير مما نسميه أخلاق هو في الحقيقة منافي للأخلاق ولكننا وصفناه بالأخلاق لأنه يحقق التواصل مع الآخرين ويحفظ أمن المجتمع .
فالأخلاق هي الضوابط أو القيود التي نتمسك بها في أفعالنا اليومية ويمكن تعريفها ايضا بأنها مجموعة المحاكمات العقلية المنجزة التي اكتسبت صفة القطعية بحكم تقادمها الزمني وممارسة نتائجها على الواقع فصارت بذلك مانعا أمام كل تصرف يتعارض معها .وهي على نوعين أخلاق فردية وأخلاق اجتماعية. و الغالب أن الناس يعيشون هذا التناقض ويصح أن نقول أن أصحاب التمايز الاجتماعي أي ( المثاليون ) يكون عندهم شبه تطابق بين نوعي الأخلاق .
أما السواد الأعظم من الناس فيعيش حالة أخلاق فردية أقل قيود من الأخلاق الاجتماعية, وهنا لست اتحدث عن الأمور الشخصية البحة, بدليل أن الناس يمتنعون عن بعض الأفعال أمام الآخرين في حين أنهم لا يمتنعون عنها في حالة الخلوة مع الذات أو غياب الرقابة. ويكون من السهل تمييز المثاليين عن العامة من خلال حالة الصدمة التي نراها تسيطر على حياتهم من سوء نوايا الآخرين وتكرار ممارستهم لهذه النوايا مع عدم قدرتهم على تفسير هذا التقلب المستمر في سلوك محيطهم. فالمثاليون لا يعيشون حالة الخفاء أو النوايا الباطنية التي يمارسها العامة مما يجعل حياتهم عبارة عن صدمات متلاحقة قد تشكل ردة فعل تحولهم إلى متصلبي القلوب نظراً لشدة احترامهم لذاتهم وإخلاصهم في المعاملات. وهذا التصلب لا يكون بسبب عجزهم عن الحب بل لخوفهم من تكرار خيانة الآخرين هذه الخيانة التي أصبحت بالنسبة لهم سمة العالم الخارجي . وفقط من بين هؤلاء المثالين يبرز المصلحون العظماء في التاريخ. حيث يشكل سلوكهم غير المتناقض والمتفاني في المصحلة العامة ركيزة احترام الميحط المباشر ومن هذا المحيط غالبا ما يجدون المناصرين الآوائل. أبو بكر الصديق في الاسلام والحواريين في المسيحية.
إذن ليس هناك واقعيا أخلاق بالمعنى السائد للكلمة ما لم تقع مواجهة بين الفرد وذاته أي بين منطقة السلوك الظاهر ومنطقة الرغبات الكامنة تقوده إلى اعلان واضح عن نفسه . على أن ارد في نص لاحقا على شرح مفصل للرغبات الكامنة ومنطقة السر والسلوك الظاهر وعلاقتهم المتداخلة في تشكيل الطبائع الفردية.
فالأخلاق مصدرها هو المحاكمة العقلية التي تقيم حالة توازن بين الرغبات الكامنة ومتطلبات الأمان الاجتماعي لدى كل فرد على حدا .
فمع إلحاح بعض الرغبات الكامنة تسارع بفرز نفسها إلى منطقة السر هناك حيث يكون المجال متاحا للمناقشة والجدل مع الذات أو بعض المقربين. وبقدر ما تكون تلك الرغبات أكثر عموماً وإنتشارا بين أفراد المجتمع بقدر يسهل إشراك الآخرين بها. مما يسهل انتقالها من منطقة السر إلى السوك الظاهر من الفعل الإنساني. فالمناقشة شريحة أوسع من المقربين بها تؤدي إلى زوال الخوف من الرفض الاجتماعي لها, أو على الأقل من العقاب الاجتماعي. حيث تكون فترة التردد, بين الأنا أو الأنوات, قد عَمِلَتْ على إسقاط الرفض المطلق والحذر من القيم الجديدة القادمة. مما يمهد الطريق أمام بعض المبدعين أو المتحررين لتنفيذها في حين يقوم بعض العجزة برفضها, وفي كثير من الأحيان ليس لأنهم غير راغبين بها أو حريصون على الواقع وإنما لانهم خائفون من المجهول. ولا يشكل هذا التنافر سوى بداية مرحلة الإقرار الاجتماعي لهذه القيم الجديدة لتصبح فيما بعد جزءً من السلوك المباح والمحمي اجتماعيا فتتهيأ لتكون في زمن قريب لاحق ضمن قالب الأخلاق .
فالأخلاق ليست سوى رذائل الأمس التي تم تجاوزها. ولابد لنا ان نميز بين الأخلاق كغريزة والأخلاق كتداول, حتى لا نقع في خطأ الإعتقاد بإنتفاء الأخلاق عن الإنسان كليةً

1- الأخلاق كغريزة هي القدرة على الحب بالمعنى الأعم, الى حدود التجريد النهائي والمطلق. وفقط للتقريب هي المشاركة للذات مع الذوات. أي اقستام المصالح والحقائق وعدم الاستيلاء عليها نهائيا. فبقدر ما يكون المرء قادراً على الحب بقدر ما يكون ذي أخلاق غريزياً. فمن هذه القيمة تنطلق كل القيم التي قد نحملها في طيات نفوسنا فبدون أن يكون المرء قارداً على الحب لن يكون قادراً على العطاء ومن تعتمد حياته أو تكوينه على سلب الآخرين لعلكم تتفقون معي على إضمحلال معيب في تكوينه اساسا.
ولكن من هذا الطرح يبرز سؤال مهم وهو أن أكثر الناس أنانية قد يكون من أكثر الناس حباً أو إخلاصاً لفرد أو قيمة ما. وهنا أقول إن عجز شخص ما عن التعبير عن مكنونات نفسه إلا تجاه فرد أو قضية لا يلغي إنتمائه إلى الأخلاق ولكن هذا يقودنا إلى ضرورة الإنفتاح والوقوف على الأسباب قبل إطلاق الأحكام فلا يجوز عزل الظروف والملابسات والدافع عن الفعل بل لايمكن تجريد الفعل من تاريخه الذاتي. بل لابد لنا من الحكم بميزان الأحكام المخففة ونظرية الضرورة والسبب القاهر والدافع الشريف, بمعنى النية الصادقة, أي رفض قبول النتيجة الجرمية بمعزل عن النية. فلو عممنا هذا الشرح القانوني على الإشكالات النفسية التي نحن جميعاً بصورة أو بأخرى لنا نصيب فيها لتمكنا من التجاوز عن بعض أخطاء الآخرين والقبول منهم بمعدل من الخطأ.
2- الأخلاق كتداول او كقيود على الممارسة وأتعمد هنا ترك نوع الممارسة مفتوح لأن الصواب والخطأ مفهومان نسبيان يخضعان لتجارب وقيم الأفراد والجماعات. ولكن يمكن القول أن الاخلاق هي ما يحد من الاندفاع نحو الاحتياجات أو الرغبات إقراراً بأهمية التعايش السلمي في المجتمع على حساب المصلحة الفردية أو افئوية الخالصة.
وقد تتداخل الأمور هنا بين القرار الواعي لهذا الرفض وبين القرار الموروث المستمر و الناتج في الغالب عن عجز الأعماق عن المواجهة أو بسبب الضعف الثقافي حيث تكون الشخصية متلقية وغير فاعلة.
والأخلاق كقيود على الممارسة هي ما يستمد المجتمع منها خواصه التي تميزه عن غيره من المجتمعات. حيث تتشكل جملة صفات عامة توحد, ولو ظاهرياً, جماعة بشرية في أحكامها التي تتعامل بها مع الوقائع اليومية سواء منها مكررة أو الجديدة. ودائماً يلعب التراث الثقافي و الوجداني مع الرغبات الكامنة الدور الحاسم في سير المحاكمة العقلية لاستصدار قرار لنهائي, سواء بالرفض أو القبول .
فالأخلاق إذن هي نقطة التلاقي مع الآخرين. ولو تناقضت لتناحر أفراد الجماعة وفقدوا صفة الوحدة وهو ما يحصل عند انقسام الجماعات البشرية فما كان لهذا الانقسام أن يحدث لولا التناقض في المسلمات.
وهي بوجودها يتطور المجتمع, مرحليا, ولكن حين تتوقف هي عن التطور تصبح عائقا اما تطور المجتمع وتحقيق مصالح الافراد فيه. فالأخلاق ترتبط ارتباطا ثنائي الإتحاه مع حركة تطور المجمتع, فهي دافع للمدنية في البداية ولكنها عائق امامها في مرحلة لاحقة, مالم تكن بذاتها قابلة للتطور.
والأخلاق لا تعبر عن إرادة الفرد ولكنها وسيلته للتواصل مع الجماعة تحقيقا للمصحلة الخاصة والعامة.
فهي القيود الاجتماعية التي يمتنع بموجبها فرد عن أفعال رغم حاجته لها حفاظاً على مبدأ التواصل مع الآخرين أو لعدم إثارة نقمتهم. وفي مجتمعاتنا يمكننا أن نفهم أن امتناع حبيبين عن تبادل علني للقبل لا يكون بسبب رفض أخلاقي للفكرة, بدليل التبادل الخفي لها, بل خضوع لسطوة المجتمع على حساب رغبتهما الفردية. وهنا يقع فارق مهم يخلط فيه الكثيرين بين القيود الاجتماعية والأخلاق كمفهوم متداول. فكثيراً ما نسوق كشرقيين فكرة العفة للتدليل على أخلاقية مجتمعاتنا على حساب تدني هذه القيم لدى المجتمعات الغربية. والحقيقة أن الأخلاق تجسدها الأفعال التي نقوم بها سواء بالممارسة أو الامتناع تجاه من انتهت مصالحنا معهم أو فقدوا سلطتهم علينا. وما دمنا قد استشهدنا بالعفة والعلاقة بين حبيبين فلنراقب الطريقة التي عادة ما تنهى بها العلاقات العاطفية في المجتمعات الغربية, فقد تستمر الصداقة, بل وحتى التعاون بين الطرفين. ولنراقب في المقابل كم أسرة تفسخت العلاقات بين أفرادها بسبب فسخ خطوبة. وهذا المثال يعطينا دليلا على ممارستنا المتعارضة مع غريزة الحب المجرد وتحقيقنا للقيود الاجتماعية تحت بند نسميه الأخلاق.
فإن جنوح السلوك نحو الإساءة أو الانتقاص خاصة حين يكون تاريخ العلاقة لا يبرر مثل هذا التصرف ليس أكثر من استجابة لحالة القوة التي توفرت لنا بشكل حديث أو لحالة الضعف التي ألمت بالطرف المقابل, أو ربما بسبب القناعة بعدم حاجتنا لهذا الطرف مستقبلاً. وفي كل الأحوال فإن هذا التغير لا يمثل أخلاقاً غريزية يمثلها الحب المجرد. فعدم التوافق لا يعني وجوب الإنتقاص ومع ذلك هو رد الفعل الأكثر شيوعاُ في مجتمعاتنا, وغالباً ما يضع المتخاصمون عللا, هي في حقيقتها استجابة للمصالح المباشرة وبصورة مباشرة, لا علاقة لها على الاطلاق بالحب المجرد. وهذا الحنق المختزن الذي يتفجر في لحظة واحدة والمختزن بقوة في أعماقنا كشرقيين يصل بنا الى مصدر الديكتاتورية في مجتمعاتنا وسبب غرقنا بها مئات السنين. فما لم تناقش السلوكيات اليومية للفرد وصولا الى اصلاح شامل لها لن يكون بإمكان مجتمعاتنا ان تفرز تراكما هرميا من الصلاح يلغي الديكتاتورية. وهذا ايضا قد يفسر ظهور الانبياء حصرا في الشرق دون الغرب. الإصلاح الغربي كان دئما يستند الى النقاش العقلاني فيما ظل الاصلاح الشرقي اسير السطوة الإلهية وخيار الجنة أو النار.



#حسام_مطلق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البابا إعتذر لكم فمن يعتذر لنا
- الصيرورة الليبرالية - قراءة للوقائع في ذكرى رحيل هيجل
- الاكراد والقيم الاثنية وطريق الشمولية


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسام مطلق - رؤيا ليبرالية في الاخلاق وتطور المجتمعات