أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جواد البشيتي - هذا الفساد الذي لم ينجُ منه حتى الأطباء!















المزيد.....

هذا الفساد الذي لم ينجُ منه حتى الأطباء!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 1708 - 2006 / 10 / 19 - 06:50
المحور: المجتمع المدني
    


الفساد هو الشيطان الرجيم، الذي يلعنه ويذمه كل الناس؛ ولكنَّه يظل في حياتنا مثل "الثقب الأسود"، الذي من فرط جاذبيته يشد إليه كل الناس، ولا يفلت من قبضته إلا قلَّة من الناس الذين تخلَّقوا بأخلاق الأنبياء، وشرحوا، بالمعاناة والألم والعذاب والدم، معنى "الجهاد الأكبر"، أي الجهاد الدائم واليومي في سبيل قهر وهزم "النفس الأمَّارة بالسوء"، وفي سبيل تأكيد تساميهم عن "متاع الغرور". ومع استثناء هذه الفئة من الناس القابضة على ما يشبه الجمار، يمكن القول إنَّ الفساد قد عمَّ وانتشر واستفحل، فمِن البشر مَنْ يسعون في الأرض فسادا، ففسدوا وأفسدوا، ومنهم مَنْ ينتظر ويتحيَّن "فرصة الفساد"، فيظل قويم المبدأ والسلوك حتى..

كان المال هو الإله الحقيقي لليهودي واليهودية، فلا يعبدون إلا النقد الرنَّان، الذي هو الغاية التي تُبرِّر الوسيلة، ولكنَّ اليهودية المنغلقة على مغلقين سرعان ما عمَّت وانتشرت، فغدت عالمية في هذا المعنى فحسب، أي في معنى تأليه المال، فكل ما يأتي بالمال، وبمزيد من المال، هو، وحده، العمل الصالح ولو كان الجريمة بعينها.

مِنْ قَبْل، كانت السلع، أي الأشياء التي تُباع وتُشرى، قليلة جدا، فالغالبية العظمى من المنتِجين كانوا يستهلكون ما ينتِجون؛ ثم توسَّع "الاقتصاد البضاعي" حتى تحوَّل كل منتَج إلى سلعة. وظل هذا "التسليع" محمودا حتى أتى على أشياء كان يجب أنْ تبقى بمنأى عنه؛ ولكنَّ وحش الرأسمالية لا يرحم، فافترس حتى القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية.

وهكذا قامت سوق جديدة تُباع فيها وتُشرى أشياء من قبيل الذِّمة والضمير والشرف والأخلاق والأطفال وأعضاء الإنسان وصوت الناخب ورأي الكاتب، فكل ما قدَّسه البشر، مِنْ قَبْل، ونزَّهوه عن البيع والشراء، تحوَّل، في الرأسمالية وبالرأسمالية، إلى سلع في أسواق تفوقها إنسانيةً حتى أسواق النخاسة وأسواق العبيد في روما القديمة.

هذا الفساد، الذي نمَّته الرأسمالية تنمية لا مثيل لها مِنْ قَبْل، هو في كلام جامع مانع اتِّخاذ تلك الأشياء، التي ليست بالسلع، سلعاً، تُباع وتُشرى، توصُّلا إلى المال والثراء. إنَّه هذا التأليه للمال، الذي فيه وبه يكفر الإنسان بكل ما يمكن أنْ يردعه ويزجره عن بيع أو شراء تلك الأشياء توصُّلا إلى المال والثراء.

قد نسمِّيه "الكسب (المادي) غير المشروع" إرضاءً للمنافحين عن الرأسمالية والسوق الحرَّة والمذهب الليبرالي، والذين ينظرون إلى "الربح الرأسمالي" على أنَّه "الكسب (المادي) المشروع بعينه"؛ ولكنَّ الفساد، في نموِّه واستفحاله، إنَّما هو "الكسب غير المشروع" الذي تزداد نسبة نموِّه في استمرار ازديادا هو الوجه الآخر للتناقص المستمر في نسبة نموِّ "الكسب المشروع"، فالزيادة هناك نقص مساوٍ هنا.

الفساد، الذي ندَّعي الحرص على مكافحته ومحاربته، ونقيم من أجل ذلك اللجان ونسن القوانين، لا يحميه قانون حتى في الدول التي تُعد مرتعا له؛ ولكن يحميه "أسياد القانون"، الذين نظَّمهم الفساد فأحسن تنظيمهم، ويكفي أنْ ترى المصير الذي انتهى إليه تاجر ارتكب جريمة إذ باع بضاعة فاسدة، تؤذي صحة مستهلكها وقد تميته، حتى تدرك أنَّ للفساد تنظيماً حديديا، وأنَّ لهذا التنظيم قيادة عليا تحمي هذا "العضو الصغير" في التنظيم وهو ذاك التاجر!

لو كان الفساد ظاهرة فردية، وسلوكا مشينا يسلكه فرد أو أفراد، لهان علينا أمره، ولسهُلت علينا محاربته والقضاء عليه؛ ولكنَّ الفساد صار نمط عيش، ومؤسسة، ومثل الغاز يتسرَّب إلى حياتنا بكل أوجهها من كل الثقوب والشقوق، التي هي نتاج حتمي وطبيعي للنظام الرأسمالي، الذي في مرحلة "العولمة"، ارتفع فيه منسوب الفساد ارتفاعا لم يعرفه مِنْ قَبْل.

لولا استشراء الفساد واستعصاء محاربته، التي فيها يُحارِب المُحارِب ذاته، لما رأينا "المنصب" وسيلة للكسب المادي غير المشروع، فلا يتركه صاحبه، الذي كان "فقيرا"، إلا ليستثمر المال الذي جمع في القطاع الخاص، وكأنَّ "المناصب" و"الوظائف" و"القطاع العام" هي رافد لذاك النهر المسمَّى "القطاع الخاص"، الذي يُضخُّ فيه مزيد من أرباب العمل.

إنَّهم في سعي دائم إلى "منصب عام" أو "وظيفة حكومية" ليس حبَّاً بخدمة المجتمع والناس والمواطن؛ وإنَّما حبَّاً بهذه الدجاجة التي تبيض ذهبا. الراتب زهيد؛ ولكن لا بأس عليهم، فالمنصب أو الوظيفة يأتيهم بغنى بعد فقر، ويمهِّد ويقصِّر لهم الطريق إلى "القطاع الخاص".

وهُم لا يكتشفون الفساد وأهمية مكافحته ومحاربته إلا إذا عاد الفساد على منافسيهم فيه بنفع يحسدونهم عليه، فلا تضع الحرب أوزارها إلا عندما ينال كل ذي حق حقه!

الفساد، لولا استشراؤه واستعصاء محاربته لما رأيناه يُوقِع في قبضته حتى الطب والأطباء وبعض المرضى.

أُنظروا إلى هذه المهنة الإنسانية، التي هي أيضا وسيلة للكسب المادي المشروع، وقد تحوَّلت إلى مرتع للفساد!

إنَّ تجربة كل مريض تكفي لإقامة الدليل على استشراء الفساد في الوسط الطبي، فالطبيب ما عاد قادرا على القيام بعمله على خير وجه من دون "التعاون" مع "زملائه"، فالمريض، ولو كان مرضه الأنفلونزا، يجب أنْ يرسله طبيبه إلى "المختبَر" الذي يريد، فمرضه لن يُشخَّص، في دقة، إلا بعد إجراء فحوصات عديدة له، أي بعد أنْ يتقاسم أعضاء هذا "الفريق الطبي" كل ما أنفقه المريض من مال في سبيل الشفاء!

وويل للمريض إذا ما كان طبيبه جرَّاحاً أيضا، فهذا المريض لن يُشخَّص مرضه، على خير وجه، إلا بآلة طبية تسمَّى "المنظار"، ولن يُعالَج، على خير وجه، إلا بعمل جراحي.

والطبيب لا يثق بأي فحوصات أُجريت لمريضه بأمر من غيره من الأطباء ولو كان مثله في الاختصاص، فالمريض يجب أنْ تُجرى له الفحوصات ذاتها؛ ولكن في المختبَر الذي يريده طبيبه الجديد، فكل طبيب يبدأ معالجة مريضة من نقطة الصفر.

والفحوصات التي يأمر الطبيب بإجرائها ليست كلها من أجل "تشخيص المرض"، فمعظمها إنَّما يُجرى من أجل "النفي"، فالمصاب بمرض الأنفلونزا يجب أنْ يُجرى له فحص لنفي إصابته بالسرطان، وفحص ثانٍ لنفي إصابته بالدوالي، وفحص ثالث، فرابع، فخامس..

وكم يفرح المريض، الذي أنفق كل ما في جيبه من مال، عندما يزف إليه الطبيب خبر أنَّه مصاب بالأنفلونزا وليس بالسرطان، فيغادر العيادة وقد أنسته الفرحة مأساته المالية؛ وربما سبَّح بحمد هذا الطبيب الذي أكد له أنَّه غير مصاب بالسرطان!

والفحوصات التي يطلبها الطبيب، ويدفع ثمنها المريض، قد يتبلَّغ بنتائجها الطبيب عبر التلفون، وليس لدى المريض من خيار إلا أنْ يُصدِّق، فكم من مريض دفع ثمن فحوصات لم تُجرَ له!

و"التعاون" يشمل حتى سائقي "سيَّارات الأجرة"، فهؤلاء يمدُّون الأطباء بالمرضى من الركَّاب؛ ثم يتقاضون الأجور!

أمَّا المريض الذي تتكفل الدولة بنفقات علاجه فهو صيد الأطباء الثمين، فما مِنْ فحص إلا ويُجرى له، فالدولة، جزاها الله خيرا، تدفع الحساب، والمريض ليس له مصلحة مادية في الممانعة؛ ولكنَّه قد يُدرِك، بعد فوات الأوان، أنَّه عولج في طريقة أصابته بأمراض عديدة!

إننا لا ندعو إلى حرب تقضي على الفساد قضاءً مبرما، فهذا وهم كبير لا نعلل أنفسنا به، فنحن نكتفي بالدعوة إلى درء الفساد عن الغذاء والدواء والعلاج، فويل لأمة فسد فيها حتى الطبيب!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفقر
- الفلسطينيون.. خلاف حاضر وشرعية غائبة!
- عندما تشفق رايس على الفلسطينيين!
- -ديمقراطية- الطبيعة و-ديكتاتورية- التاريخ!
- -الفوضى البناءة- في وجهها النووي!
- آخر خيارات عباس
- سياسة -الإفقار الاقتصادي- للمواطن!
- حلٌّ يتحدى الفلسطينيين على الأخذ به!
- وزن -الكلمة-
- مشاعر الكراهية للآخر..
- كل قيادة سُلْطة ولكن ليس كل سُلْطة قيادة!
- -الهزيمة- التي يحتاج إليها الفلسطينيون!
- قرار العرب إعادة -الملف- إلى مجلس الأمن!
- التبديد الاقتصادي عبر النساء!
- -النسبية- في القرآن كما شرحها الدكتور النجار!
- الحرب -الإلهية-!
- الميزان الفلسطيني المفقود!
- -حزب الله- ينتقل إلى الهجوم!
- مرض -التسليم بما هو في حاجة إلى إثبات-!
- جدل الاعتراف بإسرائيل!


المزيد.....




- رئيس لجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان يندد بالإبادة الجماعي ...
- البرلمان البريطاني يقر قانونا مثيرا للجدل لترحيل طالبي اللجو ...
- -طعنها بآلة حادة-.. داخلية السعودية تعلن إعدام الرويلي بعد إ ...
- انتشال 19 جثة لمهاجرين غرقى بسواحل صفاقس التونسية
- غارتان إسرائيليتان تستهدفان خيام النازحين في حي زعرب برفح
- جندته عميلة أوكرانية.. اعتقال المشتبه به الثالث في محاولة اغ ...
- الحكومة اليمنية تطالب الأمم المتحدة بإعادة النظر في التعامل ...
- الأمم المتحدة تدعو إلى إجراء تحقيق دولي بشأن المقابر الجماعي ...
- مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: نحاول إعادة تشغيل مستشفى الأ ...
- الأمم المتحدة: توزيع مساعدات على نحو 14 ألف نازح حديث في الي ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جواد البشيتي - هذا الفساد الذي لم ينجُ منه حتى الأطباء!