أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - فاطمة ناعوت - الأخبارُ القديمةُ ذاتُها تتكررُ مثل تبغٍ رخيص















المزيد.....


الأخبارُ القديمةُ ذاتُها تتكررُ مثل تبغٍ رخيص


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 1706 - 2006 / 10 / 17 - 10:04
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


خمس سنوات على 11 أيلول
حلّت الذكرى الخامسة لأحداث 11 أيلول التي أدت، وتؤدي، إلى انقلابات عالمية وشرق أوسطية من شأنها تغيير شكل الخارطة ذاتها. كل كوارث العرب والتداعيات السياسية والعسكرية التي توالت جراء تفجيرات نيويورك مازال العرب يستقطرونها يومًا بعد يوم إلى أن يقضي اللهُ أمرًا كان مفعولا.
فيما يلي بعض من القصائد والقصص مما كتب غربيون معتدلون يرون في الحرب ويلاً ويناهضون السياسات الإمبريالية العنصرية التي ينتهجها البيت الأبيض في الشرق الأوسط. سام هاميل، الشاعر الأمريكي الشهير وأكبر مناوئي سياسة أمريكا تجاه العرب، ورئيس رابطة "شعراء ضد الحرب" التي تأسست في أمريكا في ربيع 2003 إثر غزو العراق. كوري ووكر أيضا شاعر أمريكي وعضو رابطة شعراء ضد الحرب. آندي يونج، شاعرة أمريكية ترأس تحرير مجلة "مينا" ثنائية اللغة التي تعنى بمد جسور بين الأدبين العربي والأمريكي. مايا آنجيلو، زنجية أمريكية، شاعرة وكاتبة مسرحية وممثلة مخرجة. فريد شابيل، شاعر وروائي أمريكي. وفي الأخير جون ريفنسكروفت، الروائي الإنجليزي الذي قدّمتُه للعربية حين ترجمت له مجموعة "قتل الأرانب" الصادرة العام الماضي عن دار شرقيات. كلهم كتّابٌ معاصرون وشاهدو عيان لما يجري من استباحات أمريكية وصهيونية لأراض ودماء عربية، ومن ثم فشهادتهم تسمو فوق الحدث على قول: شهد شاهدٌ من أهلها.
في قصيدة سام هاميل سنلمح البعد الآيروني الساخر من أمريكا وحاكمها. وفي قصائد آندي يونج سنرصد خيط الحزن الدفين الذي تتشابك عقده جرّاء ويلات النار والحرب، وعند مايا آنجيلو سنلمح عكس ذلك حين تخبرنا أن لا حلَّ ثمة سوى الحب وحده، الحب العادل بطبيعة الحال، وليس السلام غير المشروط. وعند فريد شابيل سنقرأ عن خنجر الغدر الذي يجعل الطريق أكثر وعورةً والحياة أشد ظلمةً. فيما يسأل كوري ووكر كيف سمحنا بأن يحدث ما حدث من شقّة وخلاف ودمار وكراهية بينما الكلُّ من أصل واحد! أما ريفنسكروفت فسوف يتوسل في قصته التي نقدمها في هذا الملف "أحلام أسامة" تيمة "الحُلم" كي يتتبع رؤى الأطراف الأربعة الضالعة والمتورطة، رغمًا عنها أو بإرادتها، في منظومة الإرهاب. ينطلق من رصد "حلم" كل طرف منها على حدة: أولا، القتلى المدنيون الأبرياء ضحايا الإرهاب وذووهم؛ ثانيا، الدين على إطلاقه، سواء العقيدة ذاتها أو المسوّغ التأويلي الذي يُحيل متديّنًا إلى إرهابيّ؛ ثالثًا، القوة السياسية والعسكرية الأولى في العالم: امريكا، بوصفها ربَّ هذا الكون والقابض على زمام أمره؛ وأخيرًا، رمز الإرهاب والترويع باسم الدين أي أسامة بن لادن وجماعة القاعدة. هي فانتازيا حُلمية لا تخلو من سخرية مريرة حاول مؤلفها انتهاجَ الحياد في الرصد حتى يتسنى للقارئ أن يقول حكمه النهائيّ بعيدًا عن وجهة نظر الكاتب باعتباره غربيًّا مشكوكًا في نزوعه.
في حواري معه، الذي تم عقب انفجارات لندن العام الماضي، وردًّا على سؤالٍ حول نظرة المواطن الإنجليزي للفرد العربيّ، بعيدًا عن الحكومات والسياسة، في ظل ما يحدث في العالم الآن أجاب بأن نظرة الشعب الإنجليزي إلى العرب تعتمد بشكل أساسيّ على: عمن تتكلم. الكثير منهم يدركون أن ما يحدث في العالم من إرهاب مثل تفجيرات لندن الأخيرة هو نتاج لأسباب مركّبة ومعقدة سياسيًّا واجتماعيًّا وتداعيات مباشرة لسياسات عدم المساواة في العالم. البعض الآخر، بكل أسف، يتمنى ببساطة أن يزيح هؤلاء البشر، العرب، الذين باتوا يرون فيهم "العدو" المهدِّد لحق الحياة.
وحين سألته حول ما إذا كان المواطن الإنجليزي يميز بين المسلم المعتدل والمسلم المتطرف قال: معظم الشعب الإنجليزي الأبيض يعلم أقل القليل عن العقيدة الإسلامية رغم أن مسلمين كثيرين الآن يحيون في المملكة المتحدة. القسم المتعلم من الإنجليز يفهم شيئا عن الوضع على صورته الصحيحة، لكن القسم الأعظم من الشعب الإنجليزي يشعر أن "القليل جدا" من المسلمين يمكن الوثوق بهم. "توني بلير" رئيس الوزراء كان يتكلم وقتئذ مع بعض القيادات الإسلامية حول البحث عن طرائق لمد جسور الوعي بالآخر من أجل رأب صدع التباينات الواسعة في رؤية العرب من قِبَل المواطن الإنجليزي بين أقسام المجتمع المختلفة، لكن الشاهد أن الكثير جدا من العمل مازال يجب أن يتم.

أمريكا 2003

سـام هاميل*


لمْ أزرِ القدسَ أبدًا،
لكن شيرلي يتكلمُ عن القذائفْ.
ولا رَبَّ لي،
لكنني رأيتُ الأطفالَ يدعون الله لكي يوقفها .
هم يصلّون لأربابٍ مختلفة.

الأخبارُ هي الأخبارُ القديمةُ ذاتُها
تتكررُ مثل عادةٍ سيئة،
مثل تبغٍ رخيصْ،
مثل أكذوبةِ العشيرةْ.

الصغارُ رأوا الكثير من الموتِ بعيونهم،
حتى أنه الآن
ما عاد يعني لهم شيئًا.
هم يصطفون في طابورٍ من أجل الخبزْ.
هم يصطفون في طابورٍ من أجل الماءْ.
عيونُهم أقمارٌ سُوْدٌ تعكسُ الفراغَ.
ونحن
رأيناهم ألافَ المراتْ.

بعد دقيقةٍ
سيلقى الرئيسُ خطبةً.
سيكونُ لديه ما يقولُه عن القذائفِ،
وعن الحريةِ،
وعن طريقتِنا في الحياةْ.
وسوف أُطفئُ التليفزيون،
مثلما أفعلُ دومًا.
ذاك أنني لا أطيقُ التحديقَ طويلا
في النُصُبِ التذكاريةِ الرابضة
داخلَ عينيه.
أحلام أسامة
جون ريفنسكروفت


(1)

الليلة، في مكانٍ ما، بعيدًا عن نيويورك، ثمة امرأة شابة تحلم. اسمها "مارسيا". وحيدةً في فراشِها تحلم بالأوقاتٍ الأجمل، بلحظات المشاركة: نزهاتٍ خلوية، رحلات إلى حديقة الحيوان، عرض سينمائي، دعوة إلى العشاء. تبتسم في نومِها حين تتحرك أصابع زوجها الميت فوق كفِّها، حين تقبِّل شفتاه الميتتان النبضَ الحيَّ أسفل عنقها. هي تحلم بالذي " كان"، تحلم بحفنة السنوات التي لم تكن فيها وحيدة.
في الليالي الطيبة ترسو أحلامها عند تلك اللحظات، تلك الأمكنة. لكن الليالي الطيبة نادرة، وهذه الليلة لم تكن واحدة منها. الليلةَ، أمام عينيها الشاخصتين، يتناثر طعام نزهتها الخلوية فوق الأرض المعشوشبة: يتعكّر، يتعفّن، يفور بالديدان. الليلة تتحوّل حيوانات الحديقة إلى حشود مزمجرة تطارد بالسياط وحوشًا وتهدم أقفاصَها. الليلة يرعبُها الفيلم السينمائي، والوجبة التي هي مجبرة على أكلها كان لها طعم التراب في لسانها، والرماد في حلقها.
الليلة، مرةً أخرى، مارسيا تكافح وتتصبب عرقًا وتئنُ، ورغم أنها قد باعت شقة نيويورك وانتقلت بعيدًا، بعيدًا جدًّا، إلا أنها تعلم أن ليس بوسعها أبدًا أن تنتقل بعيدًا بما يكفي للهروب من أحلامها. أحلامها تتتبعها، تجدها أينما ذهبت، ليلة بعد ليلة. أحلامٌ عن الأبراج، عن الطائرات، عن الحجارة المتكسرة المتساقطة، أحلام عن الموت.
الليلة، المرة تلو المرة تلو المرة، ترى الجثث تتبعثر من النوافذ، تسمع الأبراج تنهدم وتُدكّ على الأرض، تشعر بروحها تهوي إلى حفرة لا قاع لها من الخسران والفقد، كوّة جحيمٍ من التشوّش والحيرة.
والآن، هذه الليلةَ، ثمة أمرٌ جديد. الليلة، حين فتحت عينيها الغارقتين في الحلم، وجدت مدىً صحراويًّا متراميًا أمامها. قفرٌ، جدبٌ قاحلٌ، وذو جمال غريب. الهواء المتحرّك كان معبئًا بالغبار والدعاءات. الله، الله، الله.
في الصحراء وجدتْ متاهةً من الكهوف. وفي العمق الأقصى، في أكثر الكهوف إعتاما، وجدته يرقد مُجهدًا على سرير من الحبال. رجلٌ وسيم، أسود العينين، قاتم اللحية. رجل نائم، رجل أعزل غير محصّن.
ووجدت مارسيا في قلبِها كراهيةً، وفي روحِها رغبةً قاتمة، وفي يدِها وجدتْ سكينًا. سكينٌ صغيرة، نعم هذا حقيقي، لكن في مثل هكذا أوقات تستطيع السكاكين الصغيرة أن تنجزَ الكثير. ومن بوسعه أن يعرف حقيقة السكاكين الصغيرة أكثر من هذا الرجل؟ سكيني حادة، فكرّت مارسيا، نعم، حادّة جدا.
- " أنتَ قتلتَ زوجي،" تهمس. " أنت قتلتَ نومي."

والليلةَ، هذي الليلة، في صمتِ كهفٍ صحراويّ، تركعُ مارسيا بهدوء جوار سرير الحبال، وتحلم بأنها تأخذ الثأر.

(2)

كمسمار منتصب على أحد المقاعد الخشبية في كنيسته الخاصة، بينما المسيح على صليبه ينظر إليه من أعلى مثلما يُنظَر إلى نكتةٍ رديئة، يجلسُ الأب "أوو دونيل" سكرانَ قليل الإيمان. يحلم أيضًا. يحلم ويصرخ.
في حُلمه، كان أيضًا راكعا على ركبتيه. يركع في الشوارع المتكسرة. التراب في كل مكان حوله. شعره مبيّض بالغبار، عيناه مكسوّتان بالغبار، رئتاه محترقتان بالغبار. راكعًا، أبيض، مكسوًّا، محترقًا، كان الأب "أوو دونيل" يلعن الله.
- " كيف أمكنك أن تسمح بذلك؟" يصرخ. " كيف أمكنك..؟"

يحتضن رأسَ رجلٍ يحتضر، ينصتُ إلى آخر همسةٍ يقولها : مارسيا، مارسيا، مارسيا، مارسيا، مارسيا. لكن اللهَ لا يقولُ شيئًا. الربُّ صامتٌ.

- " تكلّمْ إلى!" يهتفُ الأب "أوو دونيل". " دعني أفهم."

البرجُ الثاني يسقط. غير واقعيّ. هي تصاريفُ أحلام. شيءٌ من أفلام سبيلبرج . Spielberg

الرجلُ يموت.
الربُّ يتحركُ بطريقةٍ غامضة، ولا يعبأ أن يناقشه.

والليلةَ، يتقاسم الأبُ "أوو دونيل" الصحراءَ الباردة مع مارسيا، يشاركُها الكهفَ، يركعُ جوار سرير الحبال.

- "هذا الرجل قتل إيماني،" يخبرُها بينما عيناه مثبتتان على نصلِ السكينِ اللامع، " هذا الرجلُ قتل ربي."

والليلةَ، الأب "أوو دونيل" سوف يحلُم أيضًا بثأرِه.

(3)

جورج، ابن جورج، يقضي الليلةَ بالخارج، يحلُم أحلامَه. البيتُ الأبيض ينبسط فوقه وحواليه مثل زوجٍ من أجنحةٍ عظيمة واقية، تحفظ وتؤمّن حياةَ أكثر الرجال قوةً فوق الأرض. لكنه في أحلامه ليس سوى جورج الضعيف، جورج المتعَب، جورج غير الآمن. في أحلامه يبحث عن شيء ما- يبحث، لكن لا يجد أبدًا. ومثل الأب "أوو دونيل" يركع على ركبتيه في التراب، يرفع الصخور، ينظر تحتها. لا شيء. فقط المزيد من التراب.
طائرات/لعبة، العشرات منها، تئز حول رأسه، تشتت انتباهه، تزيد حنقه. يمد يده ويمسك واحدة، يحطمها.
- " يا الله!!،"
يهتف الطيارُ المتناهي الصغر وهو يسقط. يسحقه جورج في التراب تحت إبهامه. حين يرفع يده يجد إبهامه مصبوغًا بحمرة الدم. يمسحه في جاكيت الرئاسة قبل أن يرفع صخرةً أخرى.

مختبئين تحت هذه الصخرة، يجد شخصًا نائمًا على سريرِ حبال، وامرأةً وقسًّا يركعان كأنهما يصلّيان.
- " هل يمكن أن أنضمَّ إليكم؟" يسأل جورج، مكرمشًا جسمه، قلبه يدق بسرعة. الصخرة تغدو كهفًا. يركع بهدوء جوار الكاهن، يحدّق في الرجل النائم، ثم يشكر الله أن انتهى بحثه أخيرًا.
- " العين بالعين، والسنُّ بالسن. يقول.
- " الثأر" تهمس مارسيا.
يومئ جورج. " الثأر."يقول.

(4)

في صحراءٍ ما، في كهفٍ ما، فوق سريرٍ من الحبال، كان أسامة يحلم الليلةَ.

مرةً أخرى يرى نصف مليون أمريكيّ ملحد ينهمرون في أراضي العربية السعودية ، مدعوين، مدعوين إلى تربة بلاده، بينما جنود جيشه الخاص من "المجاهدين" الأمجاد ممنوعون من قِبَل الحكومة الكافرة. لمرة أخرى يتذوق المهانة، ينزف ألمًا من جراء تدنيس الأرض المقدسة، الخيانة التاريخية التي ضربت مقدساته.
يحلم بمكة، بالمدينة وبأورشليم، يحلم بالتحرير.

يرى أطفالَ أشقائه ينسحقون تحت عجلات الدبابات الإسرائيلية. يرى "الأمة" ، يحلم بالأمة، يحلم بعقيدة غالية جدًّا، يحلم بأماكن مقدسة هي فوق الدماء، وفوق الأرواح!!

- " التزموا بعهدكم،" يهمس لأشقائه. " سيروا على تعاليم الله وصراطه وامشوا على درب الجهاد. دماؤكم دماؤنا، شرفكم شرفنا، وأطفالكم هم أطفالنا."

كانت هناك خشخشة بجواره.

الليلةَ، مثل كلِّ ليلةٍ، كان أسامة يحلم بالثأر.


أغنيةُ النار

آنـدي يونج


في البدءِ كانتِ النارُ،
وفي قلبِها
كان الحريقْ.

بصلصالِها
طوّقتِ الخليقةَ،
نثرتِ الظلالَ
ثم حصدتْها مثل حزمة الحصيد.

دفقَتْ أمطارُ لهيبٍ
مسحتِ الأرضُ حجابَ شعلتها
فتمخّضتْ آهةٌ
في المنتصف المخبوء،
ثم تحوّلَ كلُّ شيء إلى جمرٍ ورماد.
دوّى الرعدُ من جوفِ الأرض
فتحوّلَ البحرُ جمراتٍ مطفأةً حمراءَ.

إنه العالمُ
يتشكّلُ من جديد.

كلُّ شيء يحترق
وإن ليس يحترقُ
فسوف يفعلُ في القريب.

كلُّ النيرانِ نارٌ
النارُ سوف تطهّرُنا من خطايانا،
النارُ أكبرُ منّا عمرًا،
تثبُ تحت جلودنا
وحينما نضمُّ لحمنا،
تخفقُ مشتعلةً نحو الخارج
ودونما نطلب
تلعقُنا بألسنتها
وتلسعُ حوافَنا.
جرّبْ أن تبلّلَها بالماء
وسوف تحرقُكَ أكثر
فالنارُ جائعةٌ
وعمياءْ.

نحن أطفالُ الجيلِ السابع،
وها هي بداياتُ العالم،
نشعلُ اللهبَ ونرقبُه،
شرقٌ جنوبٌ، غربٌ شمالٌ شرق،
كلُّ شيء يحترق
وإذا لم يحترق الآن
فعما قريب
سوف يفعلُ.

عاليًا حيث التلال،
يبدأُ الومضُ،
ومحارُ الصَّدفِ ينجرفُ،
المائدة تُنصب
إذ ثمة مأدبةٌ في الليل
ونحن
مدعوون،
العالمُ يتشكّل ثانيةً
والصخورُ
معابدُ وهياكلُ لهم.

البشرُ يستعيدونَ الأرضَ
الأرضُ تستعيدُ البشرَ:
يرقصون ويقرعون الطبولَ
يطيرون ويهتفون النارُ النارْ
النارُ النارُ النارُ النارُ النارْ
العالمُ يتشكّل من جديد
من لهبٍ وماء
في هواءٍ ودمْ.

في البدءِ كانت النارُ،
وفي المنتهي تكون النارُ
العالمُ مجبولٌ من النارْ
العالم يتشكل من جديد.

كلُّ شيء يحترق
وما لا يحترق
سوف يحترق في التوّ.


تذكار

آنـدي يونج


ذات ليلةٍ
جمعنا قصائدَنا،
أنتَ وأنا،
مشينا صوب النهر،
ثم أضرمنا النارَ فيها
جوارَ أوساخِه وفتحات شفاطاته.
شيءٌ من رمادِها انجرفَ نحو حَلْقِ النهر،
وراح يرشّح الطميَ فيما يجري نحو البحر.
النارُ تنحتُ وجهَك في الليل
وتبتسمُ أنتَ بينما اللهب يكبر.

أنتَ
مِتَ بعد ذلك بقليل،
وحرقنا جثمانك،
والآن ها نحن نواجه الجهات الأربع لكي ننثرك في البحر.
أفكّرُ في تلك الليلة،
حينما كنتَ مازالت مكتملاً
أفكّر وأنا أحملُ أشلاءك في كفيّ،
ها هو جسدُك،
جسدُك الراقصُ،
وقد اِختُصِرَ الآن في حفنة رماد
بحجم قبضة يدْ.

يا للشعور الحميم!
أتحسّسُ كل جزءٍ فيك
لم أذقْ شفتيك أبدًا،
الرياحُ تهسهسُ وتجفّف المِلحَ قي وجهي.
البحرُ البارد يصفعُني
ريثما أمرّرُ إصبعي على بقايا عظام
استعصتْ على المحرقة،
جافةً كانت
وحادّة.
ربما
كانت فيما مضى هي التي تحمل يدَك نحوي
أو كانت مِفصلةً في فكّكَ
تفتحه وتغلقه فيما تتكلم.

قبل أن أدعَك تمضي
سأجعلُ إحداها تنزلقُ في جيبي
كتذكار.
ثم أفتح يدي الفارغة
وأهبُكَ للبحر.

فاكهة على حواف الحرب

آنـدي يونج

اجلبْ لي تينًا وبلحًا
من مراكشَ،
قطعةً من الكهرمان
لأفركَ بها جسدي،
ومن السودان،
لوحًا من خشب الصندل
الذي رائحتُه
مرادفٌ لفعل الحُبْ.
سأغسلُ شعري بدخانها
فيما يتسامى نحو السماء.

مِصرُ امرأةٌ،
هي المرأةُ التي أحببتَ،
رغم أنها
دائما ما تترككَ وترحل بعيدًا،
تخفي وجهَها بوشاحِها،
رغم أنها وهبتك الحافةَ التي
تخافُ أن تسقطَ عنها،
بينما شقيقُكَ مازال يحترقُ
في دماغِكَ.

في إصّيصٍ فضيّ
انقعْ أعشابَ لويزا
وبعضَ النعناع الذي ستأسفُ لأنه ليس طازجًا،
اسكبْه في فناجينَ ملونةٍ
ثم احكِ لي عن أطفالِ الصحراء،
الذين بشرتُهم على نفس لون بشرتي،
احكِ عن أولئك الذين يُسمون أنفسهم
شعبَ الرياحْ.
نحكي عن بلادنا
عن حقولِ الحصاد
التي تأخذها بلادي من بلادكم،
عن الحشودِ التي تزداد كثافةً
مثل أسرابٍ من الجراد،
وأنت تصبُّ المزيدَ من الشاي،
وتحرّك الفحمَ في النرجيلة،
فيما تغني بلغةٍ
لا أعرفها.

ضبابٌ أزرق

كوري ووكر

لم أتخيّل أبدًا
أن أراكَ على هذا النحو
يسيلُ الجوعُ فوق شفتيك المتشققتين
ويأتي صوتُك الخفيضُ مرتبكًا
غير واضح النبرات.

كلُّ قطعةٍ كسيحةٍ فيّ
تريدُ أن تنشلَك
وتغسلَك
وتعيدَك إلى الماضي المشرق.

لكن حياتي،
مثلما حياتك،
قد انفجرتْ
وتبعثرتْ إلى شظايا دقيقة.

كثيرٌ عليّ يا صديقي
كثيرٌ عليّ
ألا أستطيعَ، ولن أستطيعَ،
أن أمدَّ لك يدي.

فحياتي قد تهلك
إذا قدمتُ لك
صنيعًا
طيّبًا.
(أشعر بالدوار الآن)

كيف رضينا بهذا ؟
كيف قبِلنا
الوحشيةَ التي انتشرتْ على يد الهمج،
ألم نتعود أن نرددَ دومًا
أن الأمر كان يجب أن يسيرَ في الطريق الآخر؟
لكنه كان هكذا بالفعل
قبل أن يعترض طريقَنا
ذلك الضبابُ الأزرقْ.

دهورٌ من الحروب الأنيقة
أتتْ بالغذاء المثلّج إلى أيادينا
وآلافٍ من الأقدام المربعة من الأرض
الأرضُ التي عليها يسير شبابُنا
ويتعلّمون
تحت مظلّة رعايتنا،
الآن
الدهورُ سقطت.

لم أفكر أبدًا أن أرى تلك التحديقة في عينيك
تحديقةٌ تطلُّ منها الأخوّة العتيقة
الأخوّةُ المتهدمة
وتسألُ:
كيف لم نضع حدًّا
لكل هذا؟
تَعلُّمُ الطريقِ الوعرة

فريـد تشابيل


ينتصفُ الليلُ
فتبدأ الجراحُ في الكلام بطلاقة:
الفوّهةُ التي فتحَها سهمُ الرمحِ بين الضلوع،
التقطيبةُ بين عظمتيْ الكتف
حيث غمدَ صديقُكَ سكينَه المسمَّم،
الثقبُ الغائر في الفخذ المثخن
حيث غاص خنجرُ حبيبتِكَ البارد
خنجرُ الخيانة.
وكلُّ الجراحِ الأخرى،
خساراتٌ وجراحٌ مزدوجةُ النتيجة
تحكي قصصَ حياتها
معقّدةً،
كريمةً،
وخسيسة.

والآن،
ها أنتَ أخيرًا تنصتُ باهتمام،
الآن تتعلّمُ كيف تحكي بمفرداتِ الوجع،
لغةً لم تجربّها من قبل،
لغةً تقول الكلماتِ التي كانت تُقال
قبل أن تصبحَ للنجوم أسماءُ،
وقبل أن ندركَ أننا كنا القبيلةَ التي صرناها الآن،
قبل أن ننطقَ بكلِّ الأكاذيب التي
ترسمُنا بصدق.
حشـد

فريـد تشابيل


همهماتُ النومِ المِلحاحةُ المستمرة
عندما يضربُ النومُ
شواطئَ العقلِ المنثورة بحطام السفن
تبدو للوهلةِ الأولى كأنما لغةٌ تطوّرتْ من أجلكَ وحدَك،
كأنما لسانٌ غامضٌ كتوم
لا يتكلم عن أيِّ شيء
سواك.

غير أنك حين تكفُّ
وحين يحملُ مدُّها وجزرُها المضطربُ كلَّ حواسِّكَ بعيدًا
بعيدًا جدًّا،
يبدأُ صوتُها في نفض ارتباكاته
ليغدو موسيقى ذات ألوان كثيرة،
أو أنشودةَ أصواتٍ لم تعد تحمل أيةَ كلمات،
أو كورالا عظيمًا للغائب،
يردد ترانيمَ شاسعةً مثل السماء.

وقتها لن تكون هناك يقظة،
رغم أنك تنهضُ من فراشك نحو مهام الصباح
وتباشرُ طقوسَ النهارِ الضاغطة
من واجباتٍ ورغائبَ.
لن تَصمتَ الموسيقى حتى وإن غدتْ غيرَ مسموعة؛
ستكمل رحلةُ البحرِ مسيرتَها
شئتَ ذلكَ أم أبيت؛
وما كان نائمًا لم يعد نائمًا،
لكنه ليس إلا طريقةً لمراقبة الحيوات الأخرى
تلك التي تلكزُ حياتَك ثم تمرُّ
مثلما تلكزُ الأمواجُ بكتفِها زورقَك المسطَّحَ فوق البحر
ثم هي تمضي نحو المتسع الرحب
لتهدأ بعد ذلك
وتندمجُ في الكل.
ممسوسون بملاك

مايا آنجيلو

نحن،
غير المعتادين على الجسارة،
المنفيين من البهجة،
نحيا متشرنقين في قواقع وحدتِنا،
حتى يبرحَ الحبُّ هيكلَه العلويَّ المقدسَ،
ويدلُفَ إلى حيّز مشهدنا،
فيطلقَ سراحَنا
نحو الحياة.

الحبُّ قد جاءَ،
وفي قطارِه جاءتِ النشوةُ،
ذكرياتٌ قديمةٌ عن البهجة،
وحكايا عتيقةٌ
عن الوجعْ.

سوى أننا
لو كنا جسورين،
لضربَ الحُبُّ سلاسلَ الخوفِ تلك
وألقاها بعيدًا
عن أرواحنا.

نحن المفطومين على رهبتِنا،
في دفقة ضوءِ الحب
نتجاسر كي نكون بواسلَ،
سوى أننا نكتشف فجأة
أن الحبَّ يكلِّفُ كلَّ شيء،
وسيكون هكذا دومًا،
لكنه الحبُّ رغم ذلك
الحبُّ وحده،
من سيطلق سراحنا.
ترجمة وتقديم: فاطمة ناعوت




#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفتنة في مصر- أين تنامُ؟ ومن الذي يوقظُها؟
- الحجاب، وصعوبة أن تُختصَرَ في حذاء
- عادل السيوي يقدم مرثية للعمر الجميل
- صراع التاريخ مع المصير في رواية -ينزلون من الرحبة-
- الرهان على الشباب في صنعاء- فكرةٌ نبيلة يعوزُها شيءٌ من القس ...
- راشيل كوري في يوم المرأة العالمي بمسرح الهناجر في مصر
- اسمُك راشيل كوري
- القناعُ الرمزيّ في أعمال نوال السعدواي
- عيد ميلاد سيدة النبع
- كراسة رسم
- هولاهوب
- محمود سالم رائدٌ عربيّ للرواية البوليسية لماذا لم يُترجم للم ...
- مازن
- ضرورةُ أن تكونَ النهاياتُ حاسمة
- ما لم تحكه شهرزاد
- بيجاما
- خاتمٌ من أجل نائلة
- شهادة
- جريدة-الرأي العام- السودانية تلتقي فاطمة ناعوت
- فانتازيا التاريخ ... شعرًا - -الغرام المسلّح- لحلمي سالم


المزيد.....




- تحقيق لـCNN.. قوات الدعم السريع تطلق العنان لحملة إرهاب وترو ...
- ستتم إعادتهم لغزة.. مراسل CNN ينقل معاناة أمهات وأطفالهن الر ...
- أردوغان يريد أن يكمل -ما تبقى من أعمال في سوريا-
- استسلام مجموعة جديدة من جنود كييف للجيش الروسي (فيديو)
- عودوا إلى الواقع! لن نستطيع التخلص من النفط والغاز
- اللقاء بين ترامب وماسك - مجرد وجبة إفطار!
- -غباء مستفحل أو صفاقة-.. مدفيديف يفسر دوافع تصريحات باريس وب ...
- باشينيان ينضم إلى مهنئي بوتين
- صحة غزة: ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 31819 قتيلا ...
- هل مات الملك تشارلز الثالث؟ إشاعة كاذبة مصدرها وسائل إعلام ر ...


المزيد.....

- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم
- افغانستان الحقيقة و المستقبل / عبدالستار طويلة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - فاطمة ناعوت - الأخبارُ القديمةُ ذاتُها تتكررُ مثل تبغٍ رخيص