أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - كاظم حبيب - هل من علاقة جدلية بين العولمة والسياسات العولمية للدول الرأسمالية وإرهاب الإسلام السياسي المتطرف؟















المزيد.....


هل من علاقة جدلية بين العولمة والسياسات العولمية للدول الرأسمالية وإرهاب الإسلام السياسي المتطرف؟


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 1705 - 2006 / 10 / 16 - 10:27
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


غالباً ما يشن الهجوم على العولمة الرأسمالية وتحشد الجهود وتعبأ الجماهير في سائر أنحاء العالم للنضال ضد العولمة باعتبارها رأسمالية. وغالباً ما يسود عدم الوضوح في أوساط شعبية كثيرة حول هذه المسألة الأساسية التي تمس من حيث المبدأ حياة كل الناس على الكرة الأرضية, وخاصة أوضاع الكادحين والفقراء والمعوزين, وكأن العولمة ذاتها هي السبب وراء هذا الواقع الذي تعاني منه الغالبية العظمى من شعوب الأرض, وليس العيب في مكان آخر.
لا بد لنا من حيث الجوهر أن نشير إلى أن العولمة الجارية حالياً تتميز بكونها:
1. عملية موضوعية مرتبطة عضوياً بتطور القوى المنتجة على الصعيد العالمي, وهي ليست عملية إرادية أو رغبة ذاتية يمكن رفضها أو القبول بها بغض النظر عن النتائج أو العواقب المترتبة عنها.
2. وهي عملية تجسد مستوى التطور الذي بلغته القوى المنتجة في إطار العلاقات الإنتاجية الرأسمالية التي تسود العالم في هذه المرحلة من تطور البشرية.
3. وهي بالتالي, كعملية موضوعية خارج إرادة الإنسان ورغباته, خاضعة لحركة وفعل القوانين الاقتصادية الموضوعية للرأسمالية, الخاصة منها والعامة, التي تنبثق عن سيادة العلاقات الإنتاجية الرأسمالية أو أسلوب الإنتاج الرأسمالي.
4. وأن التحول صوب علاقات إنتاجية أخرى جديدة هي التي يمكن أن تغير من مضمون العولمة, أي من طبيعة ووجهة تطور ومضمون القوانين الاقتصادية الموضوعية الخاصة والعامة. وهذا يعني إن التخلص من علاقات الإنتاج الرأسمالية وبناء علاقات إنتاجية اشتراكية أو أي اسم آخر يمنح لبناء علاقات جديدة تتسم بالعدالة الاجتماعية في استخدام وتوزيع الثروة الوطنية, يزيح عن كاهل الشغيلة والمجتمع البشري الاستغلال الذي تسلطه علاقات الإنتاج الرأسمالية منذ عدة قرون.
5. وهذا يعني بدوره إن الرأسمالية كعلاقات إنتاجية لا يمكن رفضها أو القبول بها لمجرد عدم رغبتنا بها أو لأنها استغلالية وتشطر المجتمع البشري إلى فئة صغيرة مُستغِلة وأخرى كبيرة مُستغَلة, بل يفترض النضال السلمي من أجل حقوق الشغيلة المستغَلة وفي سبيل تغيير علاقات الإنتاج من خلال التعامل مع مستلزمات عملية التغيير على صعيد البلدان وصعيد العالم ومن خلال فهم فعل القوانين الموضوعية الاجتماعية منها والاقتصادية واتجاهات التطور وقدرة الإنسان في التأثير فيها من خلال استيعابها والتعامل الواعي معها ومع حركتها وفعلها من أجل دفع حركة التغيير في المجتمع الواحد أو على الصعيد العالمي نحو الأمام.
إن هذا التشخيص يساعدنا على التمييز بين مسألتين أساسيتين غالباً ما يجري الخلط بينهما في غير صالح وجهة النضال السليمة في المجتمعات المختلفة, كما أنها تنتج وهماً كبيراً يلحق أضراراً فادحة بحركة التطور في المجتمع الواحد وعلى الصعيد العالمي, إذ أنه ما أن يريد قفز المراحل وحرقها أو يريد الركض وراء حركة التاريخ ولن يلحق بها. والمقصود بالخلط بين مسألتين هو الخطأ الذي ترتكبه بعض القوى السياسية في عدم التمييز المطلوب والواضح في خطابها السياسي اليساري أو اليميني, رغم الاختلاف في أهدافهما, بين: العولمة كعملية موضوعية من جهة وسياسات العولمة التي تمارسها الدول الرأسمالية الصناعية السبع الكبرى + روسيا الاتحادية من جهة أخرى , ولكن على نحو خاص سياسات الولايات المتحدة الأمريكية القائمة على نهج اللبرالية الجديدة واستناداً إلى فلسفة المحافظين الجدد الذين يشكلون قمة البرجوازية الكبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية والمتمثلة بجمهرة كبيرة من السياسيين الأعضاء في الحزبين الجمهوري والديمقراطي, إضافة لإلى جمهرة من السياسيين والاقتصاديين والعسكريين الآخرين ومراكز البحث العلمي. ولكن يحتل التمييز بين هاتين المسألتين ضروري لثلاثة أسباب جوهرية, وهي:
1. لكي لا نناطح الحقائق الموضوعية, مثل العولمة الموضوعية, وهي صخور صلدة يمكنها أن تحطم رؤوسنا دون أدنى ريب ودون أدنى مبرر, ولأن مثل هذه المناطحة ذات طبيعة رجعية ضد التطور وضد الثورة العلمية والتقنية في القوى المنتجة وفي العلاقات الاقتصادية الدولية.
2. ولكي لا نلحق أضراراً غير مبررة بوجهة النضال التي يفترض أن تنصب ضد سياسات العولمة التي تمارسها الدول الرأسمالية المتقدمة وخوضها لتحقيق مصالح الشعوب الكادحة والفقيرة والمُستغَلة, سواء أكان ذلك في الدول النامية أو العالم الثالث, أم في الدول الرأسمالية المتقدمة.
3. ولكي يتوجه النضال من أجل الاستفادة القصوى من مضامين العولمة التقدمية المرتبطة عضوياً بتطور القوى المنتجة والثورة العلمية التقنية وثورة المعلومات (الأنفوميديا) وتجنب, قدر الإمكان, الجوانب السلبية المرتبطة بطبيعة علاقات الإنتاج الرأسمالية وقوانينها الاقتصادية المسيرة لعملية العولمة من جهة, وبطبيعة سياسات الدول الرأسمالية المتقدمة التي تريد جر مكاسب العولمة لها وتحميل الدول النامية سلبيات سياساتها العولمية من جهة أخرى.
ومن المفيد أن أذّكر القوى اليسارية عموماً والماركسية منها على وجه الخصوص إلى مقولة ماركس حول الموقف الرجعي من تطور العلاقات الاقتصادية الدولية والخشية منها التي برزت في سياسات ومواقف البرجوازية الصغيرة وبعض القوى الأخرى المحلية في منتصف القرن التاسع عشر, والتي لا تختلف في الوجهة من السياسات والمواقف الرجعية والخشية الراهنة من تطور العولمة, أي الخشية التي برزت في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين والتي ما تزال متواصلة وتنعكس في برامج وسياسات الكثير من قوى اليسار والأحزاب الشيوعية إزاء العولمة وليس السياسات العولمية فقط. كتب ماركس يقول:
"إن حاجة البرجوازية الدائمة إلى توسيع أسواقها لترويج منتجاتها تدفع بها إلى كافة أنحاء المعمورة. فعليها أن تتمركز في كل مكان وأن تستقر في كل مكان وأن تنشئ صلات في مكان.
ومن خلال استغلالها السوق العالمي قامت البرجوازية بإضفاء طابع عالمي على الإنتاج والاستهلاك في كل قطر. فإزاء خيبة الرجعيين وقنوطهم قامت البرجوازية بإلغاء الأساس الوطني الذي كانت الصناعة تنهض عليه, وتم تدمير كل الصناعات الوطنية القديمة أو أنه يجري تدميرها يومياً, فقامت مكانها صناعات جديدة يتوقف على إدخالها حياة كل الأمم المتمدنة أو فنائها, فهذه صناعات لم تعد تستخدم المواد الخام المحلية بل المواد الخام المجلوبة من أكثر المناطق نأياً, ومنتجاتها لا تستهلك محلياً فحسب, بل في جميع أنحاء الدنيا. وبدل الاحتياجات القديمة التي كانت توفرها منتجات قطر ما نجد احتياجات جديدة يتطلب توفيرها منتجات بلاد بعيدة ومناخات قصية ومكان العزلة المحلية والوطنية السابقة والاكتفاء الذاتي تنشا حاجة إلى علاقات متشعبة وصلات دولية شاملة. وما ينطبق على علاقات الإنتاج المادية ينطبق على علاقات الإنتاج الفكرية, إذ يصبح الإبداع الثقافي لمختلف الدول ملكاً مشتركاً ويصبح من المستحيل أكثر فأكثر شيوع الرؤية القطرية الضيقة, وعن شتى الآداب القطرية والحلية ينشأ أدب عالمي". (راجع: كارل ماركس وفريدريك إنجلز. البيان الشيوعي. كولون-ألمانيا. منشورات الجمل. طبعة أولى. 2000. ص 42-43).
ويمكن للمحلل أن يقارن بين الوجهة العامة للتطور في منتصف القرن التاسع عشر وبين وجهة التطور الراهنة حيث أصبحت العلاقات الاقتصادية الدولية ليست وحدهما المعولمة, بل جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والبيئية ...الخ. إن ما أراد قوله ماركس أن هذا التحول موضوعي ولا يمكن مقاومته, ولكن كيف يمكن تغييره حين يجري العمل على توفير مستلزمات تغييره.
ويبدو لي ضرورياً أن أشير إلى أنه يفترض في قوى اليسار الديمقراطي أن تتجنب الوقوع في فخين خطرين, وهما:
• فخ القوى اليمينية, وخاصة قوى الإسلام السياسي والقوى القومية المتطرفة, التي تناهض العولمة من منطلق فكري وسياسي رجعي رافض للتقدم والتطور والدفع باتجاه التغيير بحجة الإمبريالية والغزو الفكري والثقافي وما إلى ذلك.
• فخ القوى الرأسمالية المتقدمة التي تحاول إيهامنا بأن سياساتها هي التي تجسد العولمة الموضوعية وأن لا خيار هناك غير الطريق الذي تقترحه لمسيرة شعوب البلدان النامية.
وإذا كان الاتجاه الأول معادٍ للتقدم ويرفض الجديد من مواقع ورؤية إسلامية وقومية سياسية ذات نهج أصولي سلفي وشمولي استبدادي, فأن الاتجاه الثاني يعتبر مناهضاً للتطور المعجل لاقتصاديات شعوب البلدان النامية وتقدمها الاجتماعي والثقافي وإحباط سعيها لكسرها حلقة الفقر والتخلف الراهنة.
وعلينا أن ننتبه بأن على البلدان النامية تقع مسؤولية تطوير اقتصادياتها باتجاه التغيير من علاقات لإقطاعية وشبه إقطاعية وأبوية متخلفة إلى علاقات إنتاجية رأسمالية جديدة ومتقدمة بالقياس إلى أوضاعها الراهنة, فإنها ترسي الأساس المادي والفكري لتطورها اللاحق للخلاص من علاقات الاستغلال الراهنة وإقامة المجتمع المدني الديمقراطي الأكثر عدلاً في توزيع واستخدام الدخل القومي وإعادة توزيعه. وليس في مقدورها حرق المراحل والحديث عن الاشتراكية في المرحلة الراهنة, أي في مرحلة التخلف الاقتصادي والاجتماعي, فالاشتراكية لا تبنى على أرضية متخلفة بل على أرضية رأسمالية متقدمة وعلى وعي سياسي واجتماعي وتنويري متقدم.
ولكن ما هي العلاقة بين إرهاب الإسلام السياسي المتطرف والسياسات العولمية للدول الرأسمالية المتقدمة؟ الإجابة عن هذا السؤال ستكون موضوع الحلقة الثانية من هذا المقال.
أوائل تشرين الأول/ أكتوبر 2006 كاظم حبيب


******************************************
رؤية حوارية

كاظم حبيب
هل من علاقة جدلية بين العولمة والسياسات العولمية للدول الرأسمالية
وإرهاب الإسلام السياسي المتطرف؟
2 من 2
ما هي العلاقة الفعلية بين إرهاب الإسلام السياسي المتطرف المتفاقم حالياً وبين السياسات العولمية للدول الرأسمالية المتقدمة؟ هل هناك علاقات مباشرة أم غير مباشرة؟ وهل هناك اعتراف بوجودها من جانب الدول المتقدمة أم إنكار مستمر لها؟ وهل يمكن تجاوزها والتغلب عليها؟ وما هي مستلزمات ذلك؟ هذه بعض الأسئلة التي نسعى للإجابة عنها في هذه المقالة المكثفة.
لا نأتي بجديد حين نقول بأن عالمنا الرأسمالي المعاصر يتكون من مركز متقدم يتشكل من مجموعة صغيرة من الدول الرأسمالية المتقدمة التي يقل عددها عن 10 % من مجموع دول العالم, ونسبة لا تزيد عن 20 % من سكان العالم من جهة, ومن مجموعات كبيرة من الدول تشكل محيطات متباينة في مستويات تخلفها في القوى المنتجة وفي طبيعة علاقات الإنتاج السائدة فيها تقع وتتحرك حول المركز في دوائر متباينة في بعدها أو قربها عن المركز, أي بلدان تتباين في مستوى تخلف القوى المنتجة المادية والبشرية وفي طبيعة ومستوى تطور علاقات الإنتاج السائدة فيها, وفي مستوى تقدمها الاقتصادي والعلمي والتقني والتعليمي والثقافي, ومستوى وعيها وتنورها الاجتماعي والديني, وكذلك في مستوى أو معدل حصة الفرد الواحد من الدخل القومي في السنة من جهة أخرى. وهذه المجموعات الكبيرة من الدول التي تشكل أكثر من 90 % من مجموع دول العالم, كما تشكل نسبة تزيد عن 80 % من سكان العالم. هذه الحقيقة القائمة تعترف بها جميع الإصدارات الرسمية للأمم المتحدة ومؤسساتها المتخصصة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. والإشكالية لا تبرز في الاعتراف بهذا الواقع, بل في الأسباب الكامنة وراء ذلك وسبل معالجة هذه الحالة المتفاقمة حيث تتسع الفجوة والهوة بين المجموعتين من الدول. يضاف إلى ذلك عدم اعتراف العديد من الدول الرأسمالية المتقدمة تكمن بالعواقب الوخيمة التي تنجم عن هذا الانقسام الكبير في العالم الراهن وعدم السعي نحو تقليصه بسياسات مطلوبة الصعيدين الإقليمي والعالمي. إذ أن هناك الكثير من المعطيات الرقمية التي تبين بوضوح تفاقم الفجوة, وهي الإشكالية التي تواجه شعوب ودول العالم في القرن الحادي والعشرين التي يفترض فيها أن تجد حلولاً إنسانية وديمقراطية لها
يختلف العالم الرأسمالي في تقويمه لهذا الواقع. فبعض الدول الأوروبية تعتبر أن التخلف والفقر والحرمان والاستغلال تشكل عوامل لا تزيد من الفرقة بين الشعوب والدول فحسب, بل وتتسبب في بروز ظواهر الإرهاب على الصعيد العالمي. في حين ترفض بعض الدول الأخرى في العالم الرأسمالي ذلك وتعتقد أنها تكمن في مواقع أخرى كالدين وما ينجم عن اختلاف في الحضارات أو الثقافات وبالتالي ما تتسبب به من صراع حضاري في ما بينها. وإذ أعتبر أن الاتجاه الأول يطرح المسألة بشكل صائب, في حين يرتكب الثاني خطأ أساسياً في عدم رؤيته الإشكالية بعمقها وشموليتها الحقيقية وعواقبها الفعلية, فأن الاتجاهين يمارسان عملياً سياسة متفق عليها إزاء الدول النامية, وخاصة في المجال الاقتصادي, وبالتالي فهم لا يؤثران على الحصيلة, رغم اختلافيهما في الرؤية الأولى.
فالسياسات التي تمارسها الدول الرأسمالية المتقدمة في إطار النظام الرأسمالي واحدة وتختلف في الدرب الذي تمارسه للوصول إلى ذات النتيجة. فإحداهما تختار القوة والعنف والحرب. في حين تختار الأخرى الأسلوب السلمي, ولكنها لا تتورع عن استخدام العنف عندما تعتقد بأن مصالحها أصبحت مهددة.
ندرك جيداً بأن العائلة الميسورة التي تعيش في بحبوحة لا يمكنها أن تتصور ماذا يعني الفقر والجوع والحرمان, وتحتج عندما تسمع أصوات تنادي بتوفير الخبز, إذ تلتقي عندها بصوت ملكة بريطانيا الشهيرة التي قالت إن لم يتوفر الخبز فأعطوهم الكيك (الگاتو), وهي لم تكن تعرف بأن الكيك أغلى بكثير من الخبز الذي تعجز العوائل الكادحة والفقيرة عن توفير المال لشرائه وإشباع بطون أفرادها.
طبعاً لا يمكن الادعاء بأن الفقر والعوز وحده يقود إلى الإرهاب, إذ أن هناك عوامل كثيرة تساهم في هذه العملية المريعة, وأعني بذلك التخلف الفكري والوعي الاجتماعي وغياب التنوير الديني في المجتمع والدور غير العقلاني للكثير من المؤسسات الدينية ورجال الدين, إضافة إلى غياب الحرية والديمقراطية عن النظم السياسية الحاكمة وممارسة القمع وسيادة ثقافة العنف في ممارسات الدولة والمجتمع, وكذلك السياسات الأخرى التي مارستها أو ما تزال تمارسها الدول الكبرى في منطقة الشرق الأوسط على امتداد الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وفترة الحرب الباردة ...الخ.
فالإرهاب الذي تمارسه بعض الجماعات السياسية المنظمة لا يمكن تبريره بأي حال مهما كانت العوامل التي نبحث فيها, إذ أن المستهدف بالمحصلة النهائية هو الإنسان ذاته, وخاصة الإنسان الكادح. ولكن ما نتحدث عنه هو أهمية بذل الجهود لإزالة العوامل الكامنة والأرضية الصالحة وراء نمو الإرهاب وتوسعه وجره جماعات جديدة من البشر غير المتنور والجاهل والمتعصب صوب ممارسة عمليات الانتحار وقتل البشر, كما يحصل اليوم في العراق وأفغانستان وفلسطين وغيرها. وربما ستتسع قائمة الدول التي تقع فيها مثل هذه الأحداث ما لم يسارع المجتمع الدولي إلى معالجة العوالم الكامنة وراء انتشار ظاهر الإرهاب, وخاصة في العالم الإسلامي.
من الممكن حقاً قلع الكثير من الجذور التي تغذى الإرهاب حالياً من خلال جملة من الإجراءات التي يفترض أن تتخذ من جانب كل دولة ومن جانب الأمم المتحدة على مستويات عديدة ومجالات كثيرة منها سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتنوير ديني. وليس من مهمة هذه المقالة التوسع في طرح المعالجات, ولكن لا بد لنا ابتداءً أن نشير إلى بعض أهم ما يفترض التوجه صوبه:
1. وضع سياسة من جانب الأمم المتحدة تلتقط الإشكاليات التي تعاني منها الدول قبل استفحالها وتقديم الحلول العملية لها مبكراً, كما في حالة الصراع على الأرض أو المياه.
2. اتخاذ موقف الإنصاف والحياد في معالجة تلك المشكلات بعيداً عن التحيز ووحدانية الجانب, كما في الصراع حول القضية الفلسطينية أو حقوق الشعوب في تقرير مصيرها, كما في الإشكاليات الخاصة بالدول ذات التعدد القومي, ومنها دول منطقة الشرق الأوسط. وأن تضمن الأمم المتحدة تنفيذ مقرراتها كاملة غير منقوصة من قبل جميع الدول, وليس كما يحصل الآن في الصراع العربي الإسرائيلي, حيث لا تنفذ إسرائيل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي وتستمر في احتلال الأراضي العربية في كل من فلسطين وسوريا ولبنان.
3. رفض التعاون مع الدول التي لا تقر مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات أو التي تدعو إلى الكراهية والحقد الديني في أسس تربيتها ومناهج تعليمها بهدف تطويقها سياسياً بما يعجل من تراجعها ودعم نضال شعوبها من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات ونشر المحبة والتضامن بين الشعوب.
4. التعاون بين جميع دول العالم وعبر الأمم المتحدة من أجل معالجة إشكاليات التخلف الاقتصادي والاجتماعي والبطالة المتفاقمة في بلدان العالم الثالث, بهدف تقليص الفجوة الراهنة. وهي تتطلب موافقة الدول الكبرى على توجيه نسبة مناسبة تتراوح بين 1-2 % من الدخل القومي السنوي لصالح عملية التنمية في الدول النامية, وخاصة الأكثر فقراً. ولا يكفي هنا إلغاء الديون عن كاهل هذه البلدان فحسب, بل ويفترض أن تقدم لها المساعدات لتعجيل عملية التنمية فيها ومراقبة هذه العملية دون تدخل مباشر في شؤونها.
5. مكافحة الفساد المالي الذي تعاني منه الهيئة العامة للأمم المتحدة وبقية المنظمات التابعة لها وكذلك الشركات والدول المختلفة التي تساهم في ضياع الثروة الوطنية وخسارة تتحملها الشعوب قبل غيرها.
6. مكافحة سياسات عسكرة الاقتصاد والمجتمع في جميع دول العالم, ومنها دول الشرق الأوسط التي تصرف المليارات الكثيرة سنوياً على التسلح بدلاً من توجيهها صوب التنمية وتحسين مستوى حياة مواطنيها.
إن على الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة أن تعترف بدورها في ما تعاني منه شعوب البلدان النامية بسبب سياساتها الاستغلالية والاستعمارية وبسبب الحرب الباردة, وأن تتحمل مسؤوليتها في معالجة آثار ذلك لا بصورة مباشرة وفردية, بل عبر الأمم المتحدة وعبر سياسات تمارس آليات سلمية وديمقراطية وتنموية. كما أن عليها أن تكف عن استخدام العولمة, كعملية موضوعية, لصالحها فقط وحرمان الدول النامية من نتائجها الإيجابية على اقتصاديات الشعوب, بل أن تجد المساومة المقبولة لكي تستفيد منها كل الدول. إن ما نقوله هنا يمكن أن نجد تجلياته الملموسة في ممارسات المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية الحرة, أو في سيادة الفساد المالي والإداري في بنية ونشاط المنظمة الدولية والشركات والدول لمحيطة بها والعاملة معها. ويبدو لنا بأن الولايات المتحدة هي أكثر الدول إصراراً على ممارسة نهج المحافظين الجدد وبرنامجهم الدولي القائم على اللبرالية الجديدة. ومن هنا نشأ هذا الرفض الواسع لسياساتها اليوم من جانب شعوب الكثير من دول العالم, في حين كان المفروض أن تمارس سياسات أخرى أكثر عقلانية وواقعية وإنصافاً لتصل إلى جني تأييد ومساندة شعوب ودول العالم, وخاصة في مجالات التنمية وحقوق الإنسان ومساندة الشعوب في ممارسة حق تقرير المصير, على عكس ما تمارسه اليوم.
إن الضمانة الفعلية لنجاح أي سياسة أو إجراء لمكافحة الإرهاب على صعيد كل دولة وعلى الصعيد العالمي يكمن في القدرة على إقناع الشعوب بأهمية ذلك, باعتبارها الضحية الأولى للعمليات الإرهابية التي تستهدفها. وفي العراق ومنطقة الشرق الأوسط تحتل عملية التنوير الاجتماعي والديني أهمية أساسية وكبيرة في مواجهة الإرهاب, إذ أن الجهل والتعمية الدينية التي تمارسها بعض المؤسسات الدينية المتطرفة ورجال الدين المتطرفين بهدف تعميق الصراع الديني والطائفي, إضافة إلى التعمية القومية المتطرفة بهدف تشديد الصراع القومي وتعميق الاستقطاب, يشكلان معاً السبب وراء الكثير من الكوارث والعواقب المريعة التي يتعرض لها المجتمع العراقي بمكوناته العديدة حالياً.
أوائل تشرين الأول/ أكتوبر 2006 كاظم حبيب




#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة مفتوحة إلى سماحة السيد مقتدى الصدر!
- جيش المهدي والكارثة المحدقة!
- ليتواصل الحوار حول القضايا العراقية الساخنة مع الزميل الدكتو ...
- ممارسة حق تقرير المصير للشعب الكردي وتهديد البعض المستمر بال ...
- ولاية الفقيه إلى أين؟
- الدكتور جلبير الأشقر والوضع الراهن في العراق!
- القشطيني والمؤمنون الحلويون!
- هل القسوة والعنف والإرهاب نتاج طبيعي للأصولية السلفية المتطر ...
- هل من حلول عملية لأزمة السودان الشاملة؟
- هل من علاقة بين قوى مقتدى الصدر وجيش المهدي والحوزة الدينية؟
- البابا والغضب والعنف الذي تفجر من جديد!
- الدكتاتور صدام حسين ومجازر الأنفال والقاضي العامري!
- حوار مع الأستاذ الدكتور منذر الفضل حول فيدرالية لوسط والجنوب
- الفيدرالية والفتاوى الدينية!
- هل من جدوى لغلق مكاتب العربية في بغداد؟
- ما مدى الصدق والعقلانية في موقف الرئيس البارزاني في إنزال ال ...
- بعد خراب لبنان ... قدم السيد اعتذار!
- ندوة عمان وعراقيون أولاً!
- هل من صعوبات جدية في طريق المصالحة لوطنية العراقية؟
- من أجل تنشيط العلاقة النضالية بين قوى الشعب الكردي وبقية الق ...


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - كاظم حبيب - هل من علاقة جدلية بين العولمة والسياسات العولمية للدول الرأسمالية وإرهاب الإسلام السياسي المتطرف؟