أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في مديح الخيانة














المزيد.....

في مديح الخيانة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1705 - 2006 / 10 / 16 - 10:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


1
جزعون من المستقبل، حانقون على العالم، مسكونون بخوف من التبدد والانحلال يقارب العقدة. يعتدي علينا بغير حق أعداء قادرون، يشكلون وجه العالم، ونقاوم بحق عدوانهم، لكننا نخفق مرة تلو أخرى. بسبب إقامتنا على تصور عسكري للقوة والمقاومة. لا نستطيع الكف عن المقاومة، ولا يمكننا تحقيق نصر حاسم. نزداد حنقا وتثبتا على مواجهة العدو وشعورا بالحق. نحارب بعنف لا يميز. المهم أن نؤذي أعداءنا. لم نعد نأمل بالنصر. نريد الانتقام وإرواء غليلنا ممن يذلوننا.
لا نستطيع أن نتوقف وإلا فقدنا احترام أنفسنا، لكننا لا نستطيع أن نستمر وإلا دمرنا أنفسنا. الاستمرار يفقدنا إنسانيتنا، والتوقف يهين كرامتنا.
2
لماذا نثابر الآن على هذا المسار التدميري؟ لأعظم مبرر ممكن: الكرامة. ثقافتنا تحدد لنا أهدافا يجرحنا الفشل في تحقيقها. لتسكين الجرح بعضنا ينقلب على الثقافة هذه. هذا يحصل، ولا يمكن فعل شيء ضده. بعضنا يستمر في الحرب. يوالي ثقافتنا (يردها إلى هوية)، ويضحي من أجل قيمها. يجعل منها صنما يعبد. كثيرون منا يفعلون ذلك. إخفاقنا في مواجهة العدو تدفع ثمنه هويتنا/ ثقافتنا. تتحلل أو تتحجر. تضمحل أو تغدو كل شيء. لكن أكثرنا لا يتحلل منها ولا يتعبد لها. يعيش مشوشا، قربها.
أضحت الهوية محور انقسام أساسي بيننا، بدل أن تكون قاعدة توحيد.
بلغ مقدسو الثقافة/الهوية بيننا طورا من التحجر أن انتصارهم، لو حصل، سيكون كارثة علينا أكثر حتى مما على أعدائنا! وبلغ المتحللون طور طلب الهزيمة والاحتفاء بها. وبلغ الاختلاط والتشوش طور أنه لم يعد يتميز نصر عن هزيمة.
3
في الخيار بين الإنسانية والكرامة ميل ثقافتنا الغالب هو اختيار الكرامة. الاستشهادي، وهو ابتكار عربي حديث جدا، تجسيد لهذا التفضيل للكرامة على الإنسانية. علينا أن نبدل الأفضليات. أن نكف عن الحرب. أن ننسحب من ميدان معركة لا نصر فيها من أجل أن لا نقتل الإنسانية فينا. ومن أجل أن نحمي محل الكرامة في ذاتنا، علينا أن لا نموه عار الانسحاب، أن نقر أننا اعتزلنا محاربة أعدائنا، أن نقرر احتمال ما لا يحتمل كما اضطر امبراطور اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية أن يفعل، أو تجرع سم الإخفاق، كما فعل آية الله الخميني حين اتخذ قرار وقف الحرب العراقية الإيرانية. في المجمل علينا أن نغير "نظام الكرامة": من نظام متمركز حول الثأر إلى نظام متمحور حول الإنجاز.
لا بد أن نتوقف. الآن. أن يتوقف بعضنا، ويدعوا الآخرين إلى التوقف.
ماذا إذا توقفنا عن مواجهة أعدائنا، إذا أقررنا بالإخفاق، وتحولنا نحو درب آخر: درب أقل تقديسا للذات (لصورة محنطة للذات) وأكثر دنيوية؟ تزعل منا ثقافتنا؟ معها حق! يجلدنا ضميرنا بسوط التأنيب؟ بلا ريب! يحكم بخيانتنا حراس الهوية من القوميين والإسلاميين؟ بالطبع! إنهم مخلصون، لكنهم مخطئون.
ماذا نعمل بدلا من الحرب؟ نخفض أصواتنا، ونربي أولادنا، وننظف شوارعنا، ونغلق معتقلاتنا، ونكف عن سرقة بعضنا، ونمتنع عن عبادة حكامنا..
4
إن نظرنا إلى أنفسنا بعد مئة عام من "الخيانة"، فقد نتفاجأ أننا لم ننجح في خيانة "هويتنا" كما كنا عقدنا العزم. بلى لقد نجحنا. لكن "الخيانة" غيرتنا، فلم نعد نذكر أو نفهم وطنيتنا الثقافية/ هويتنا التي خنّاها. ولم نعد نفكر أننا أخذنا قرارا بالخيانة لأنه تكونت لنا ذاكرة جديدة ووطنية جديدة و..كرامة مختلفة. صرنا نحتفل بعيد الخيانة دوريا، وصار خونة الأمس آباءا مؤسسين. هل نتذكر، اليوم، أننا في 6 أيار من كل عام نحتفل بذكرى خونة شنقوا قبل تسعين عاما؟
مع ذلك ها نحن نحن. عام 2106 ما كنا عام 2006.
لقد كان تغيرنا شرط بقائنا نحن. ولم يكن الإصرار على بقائنا كما كنا يفضي إلا إلى انقسامنا وتبددنا وتحللنا.
5
وإسرائيل؟ ماذا جرى لها؟ لا شيء. تحررنا منها حين تحررنا من احتلالها لأرواحنا وحضانة الحقد عليها. اليوم نشعر أكثر بالازدراء حيالها. ُسَّر الإسرائيليين في البداية أننا تخلينا عن حربهم. لكن حين تأكد لهم أننا لم نعد منشغلين بهم، غضبوا من "غدرنا" هذا بهم اكثر مما كانوا يغضبون لمحاربتنا لهم. يقال إنهم تفانوا من أجل العودة إلى الحرب، واعتدوا علينا مرات اعتداءات مكلفة كانت تثير لدى بعضنا الرغبة في الانتقام. لكن في النهاية استسلم الإسرائيليون لاعتزالنا الحرب. وكثير منهم صاروا يعيشون في البلاد العربية، في بيوتهم القديمة ذاتها أحيانا. لا يزالون أكثرهم أسرى عبادة الهوية، لكنهم يزدادون تشاؤما وسخطا. إسرائيل تتفكك لأنها لا تجد أعداء. والفلسطينيون يعيشون اليوم في كل مكان من العالم. بعضهم في وطنهم القديم. ومنذ عقود يشعر العرب بالفخر لتفوقهم على إسرائيل رغم كفالة غربية لتفوقها العسكري والمادي عليهم.
ليس العرب اليوم الأقوى ولا الأغنى ولا الأكثر علما. لكنهم قوم يعملون. وهم يبدعون بعض أفضل ما يعرفه العالم من آداب وفنون وفلسفة وفكر. وتجاربهم في مجال الطاقات البديلة وتحلية المياه رائدة عالميا.
مؤخرا صدر كتاب لمؤلف عربي يستعيد كاتبا إسلاميا مصريا من القرن العشرين كان يقول إن العرب والمسلمين يعيشون جاهلية جديدة. الطريف أن الكتاب الجديد يؤيد هذه الفكرة، رغم أن المؤلف يبدو غير مؤمن. يقول إن العرب عاشوا القرن العشرين وبعضا من الحادي والعشرين وهم يعبدون الأوثان كحال العرب قبل الإسلام. ويلح على أن أصعب ما في الأمر وقتها هو أن التدين الإسلامي ذاته كان أحد تلك الأوثان، ومن أكبرها. ويرى أن ما يعادل ثورة روحية وفكرية وأخلاقية أخذت تتحقق في وقت ما حول أواسط القرن الحادي والعشرين.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو حل غير نظامي للمشكلة الإسرائيلية!
- -غرابة مقلقة- للإرهاب في سورية!
- في انتظام الطوائف وتبعثر الأمة
- في أصول -ثقافة الهزيمة-
- صراع حضارات أم طائفية عالمية؟
- من استكمال السيادة إلى عملية بناء الدولة الوطنية
- نصر نصر الله!
- في الحرب وتكوين الشعور العربي المعاصر
- فرصة لتجديد النقاش حول قضية الجولان
- في نقد الخطاب الانتصاري التخويني
- حرب لبنان بين الليبراليين والقوميين الإسلاميين
- -حب الدبب- والدول المضبوعة
- أقوياء، متطرفون، وقصار النظر
- حالة حرب: محاولة لقول كلام هادئ في وقت عصيب
- سورية والأزمة اللبنانية: حصيلة عامة أولية
- انتصار الدولة والمقاومة في لبنان ممكن!
- أهل بيت الموت!
- مصلحة لبنان والعرب منع هزيمة حزب الله
- بالمقلوب: متطرفون عموميون ومعتدلون خواص!
- حرب ضد لبنان: استراتيجية ممتنعة وعدالة غائبة


المزيد.....




- أحد قاطنيه خرج زحفًا بين الحطام.. شاهد ما حدث لمنزل انفجر بع ...
- فيديو يظهر لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريب ...
- بسبب محتوى منصة -إكس-.. رئيس وزراء أستراليا لإيلون ماسك: ملي ...
- شاهد: مواطنون ينجحون بمساعدة رجل حاصرته النيران داخل سيارته ...
- علماء: الحرارة تتفاقم في أوروبا لدرجة أن جسم الإنسان لا يستط ...
- -تيك توك- تلوح باللجوء إلى القانون ضد الحكومة الأمريكية
- -ملياردير متعجرف-.. حرب كلامية بين رئيس وزراء أستراليا وماسك ...
- روسيا تخطط لإطلاق مجموعة أقمار جديدة للأرصاد الجوية
- -نتائج مثيرة للقلق-.. دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت
- الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف أهداف لحزب الله في جنوب لبنان ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في مديح الخيانة