أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - العقلية الشفاهية والواقع المأزوم - 2















المزيد.....

العقلية الشفاهية والواقع المأزوم - 2


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 1705 - 2006 / 10 / 16 - 10:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نزعم عبر هذه السلسلة من المقالات أن العقلية الشفاهية السائدة بمنطقة الشرق الأوسط هي عامل أساسي لحالة التخلف السياسي والاجتماعي والاقتصادي بالمنطقة، والأهم أنها حالياً الحاجز الأكثر مناعة، والذي يحول بيننا وبين استيعاب حضارة العصر، ناهيك عن الإسهام فيها، كما تجعلنا عاجزين عن فهم العالم من حولنا، وعاجزين بذات القدر عن تقديم أنفسنا له، بصورة يفهمها ويقدرها، لتكون النتيجة هي الصدام بالحديد والنار، والذي تتفجر شظاياه الآن عبر اتساع كل الشرق.

المثال الأحدث والأكثر سخونة لعجز العقلية الشرقية عن التواصل مع العقل الغربي ذو الثقافة الكتابية، هو ما نعرفه بأزمة الرسوم الدانمركية المسيئة، وما تلاها مما اعتبر إساءة من بابا روما إلى الإسلام، فهذان الحدثان وما تلاهما من ردود أفعال رسمية وجماهيرية في أنحاء الشرق، تشكل نموذجاً صارخاً للعجز عن التواصل، فعندما يلجأ أحد طرفي خلاف بارد إلى التسخين عبر أعمال عنف غير منضبطة، كما حدث من جماهير الشرق، بتحريض من صفوتها، فإنه يكون ليس فقط قد ضرب نموذجاً لكيف يشوه صاحب الحق نفسه فيما يحاول إثبات حقه، وإنما يكون قد أعلن على الملأ، أنه المسئول الأول عن حالة فشل التواصل، وهو الأمر الذي يدفع بكل الأمور – صغرت أم كبرت – باتجاه الصدام، بدلاً من أن يسلك طريق الحوار، الكفيل بتقريب المواقف وتجسير الهوة، بما يؤدي إلى إنهاء القضية محل الخلاف تماماً، أو على الأقل تحجيمها إلى قدر جدير بالتجاهل أو العبور عليه، فهكذا فقط يمكن أن تستمر الحياة، ويستمر التواصل والتعارف بين مختلف الشعوب والثقافات.

قبل أن نستمر في استعراض ملامح العقلية والخطاب الشفاهي، وهو ما بدأناه في الجزء الأول تحت ذات العنوان، يجدر بنا الالتفات إلى ما أحدثه اختراع الكتابة والطباعة وتطور أدوات التدوين من نقلة نوعية، لا في الثقافة الإنسانية، وإنما بالأساس في تطور العقل الإنساني وآليات عمله، ليقفز به من مجرد القدرة البسيطة على الملاحظة، واختزان قدر محدود من المعلومات والأحداث، إلى آفاق مختلفة جذرياً، تتمثل في إعمال العقل في الدرس والتحليل والتركيب، وهو ما أدى بالإنسان إلى إحكام السيطرة على مقدرات حياته على الأرض، والانطلاق منها لغزو الفضاء.

الخطاب الشفاهي في صورته العامة عبارة عن رسالة يتم استخدام الصوت لحملها مباشرة من ذهن المرسل إلى ذهن المستقبل، دون أن تمر بمراحل وسيطة، ويعني هذا أن مكونات الرسالة تتبدد وتتلاشى فور إنتاجها بواسطة المرسل (المتحدث)، وهي ذات لحظة وصولها للمستقبل (المستمع)، في الرسائل (الخطابات أو القضايا) القصيرة والبسيطة، أي المكونة من عدد محدود جداً من وحدات المعاني أو الأفكار، يمكن للمستقبل استعادة ما قيل من أفكار لتأملها وتدبرها، أي تحليها ونقدها وإعادة تركيبها (هذا إذا افترضنا أن العقل مدرب على هذه الفعاليات)، أما في حالة طول الرسالة وتعقد الموضوع، فإن هذا مستحيل في غياب التدوين (الكتابة)، لذا فالعقل الشفاهي يقتصر دوره على استخلاص معنى مجمل للرسالة، لا يستمده من الفحص الملتزم بنصها، وإنما يكون في الأغلب هو المعنى الأقرب للأفكار النمطية المختزنة في ذاكرته، وهي الذخيرة التي تختلف من شخص إلى آخر، حسب ثقافته وخبراته السابقة، وبالتالي يكون فهم المستمعين المتعددين لرسالة واحدة جد مختلف، علاوة على أنه لا يتطابق مضمون الرسالة الأصلي، بقدر ما يعكس مفاهيم المستقبل المختزنة.

في المقابل فإن مرسل الرسالة يحدث معه نفس الشيء عند إنشاء الخطاب (الذي يعبر عن قراءته للوقائع أو الأحداث محل النظر)، فإذا كان يتحدث عن وقائع عملية مستجدة ومعقدة، فإنه بالنهج الشفاهي لا يتيسر له حصر عناصر الموضوع وتحليلها، إنما يلجأ إلى المتاح، وهو البحث عن أقرب تطابق لقوالب المفاهيم النمطية المختزنة في ذاكرته، مع الوقائع الجديدة محل النظر، وتكون النتيجة أن المفكر الشفاهي (إن صحت التسمية) يفشل كلياً أو جزئياً في فهم واستيعاب الأحداث والوقائع من حوله، ويزداد حجم هذا الفشل كلما بعدت المسافة بين طبيعة تلك الوقائع، وبين طبيعة الصور النمطية للعالم وأحواله المختزنة في ذاكرته.

لقد قامت الكتابة بالإمساك بالنصوص التي كانت تتبدد فور النطق بها، وقد أتاح هذا ما يلي:

· إمكانية الإحاطة الكاملة والدقيقة بالنص مهما بلغ حجمه.

· إمكانية مطالعة النص في اتجاهين، أي التقدم والتراجع، بما يتيح المراجعة والنقد، بالمقارنة بين مختلف أجزاء النص بعضها البعض، وبينها وبين الوقائع والأحداث محل النظر.

· عند إنتاج النص (أي عند قراءة المنتج للوقائع محل الاعتبار، بغية تكوين وجهة نظر) تمكن الكتابة المنتج من الفحص الدقيق للموضوع، وعمل حصر لجميع جوانبه، مهما كانت عديدة ومعقدة، مما يؤدي إلى تمكنه من تمثلها تمثلاً أقرب إلى الواقع الحقيقي، بدلاً من الأسلوب السابق المعتمد على الفهم على أساس أقرب مفهوم نمطي مختزن في الذاكرة.

· تتيح الكتابة للمنتج أن يعد نصه كاملاً قبل النشر أو الإذاعة على الجماهير، مما يمكنه من مراجعته وتنقيحه ليكون أكثر تطابقاً مع الواقع، أو أكثر تعبيراً عما يدور في ذهن المنتج، ويؤدي هذا لظهور أفكار جديدة لدى منتج النصوص ذو العقلية الكتابية، بعكس المنتج الشفاهي الذي يكون أسير أفكاره المسبقة النمطية والبسيطة، لا يستطيع تجاوزها إلا لماماً.

نلاحظ أننا استخدمنا في الفقرات السابقة كلمات مثل: تتيح وإمكانية، ذلك أن مجرد استخدام الكتابة لا يؤدي إلى هذه المميزات بصورة آلية، ما لم يتدرب العقل عبر نظام تعليمي سليم، على ممارسة تلك الإمكانيات التي تتيحها، وهو ما لا يفعله نظام التعليم المعتمد على التلقين والاستظهار، الذي لا يكسب العقل ملكات جديدة، وينحصر دور الكتابة في حفظ النصوص الشفاهية وإعادة اجترارها، ونستطيع ببعض التسامح القول أن استخدام الكتابة على ضوء مثل هذه النظم التعليمية، يؤدي إلى تحول الثقافة الشفاهية إلى كتابية، ولكن بنسبة ضئيلة، تختلف بالطبع من نظام إلى آخر، ومن فرد إلى آخر، حسب الميول والمحاولات الشخصية للدرس وتطوير الذات.

هنا أيضاً يجدر الانتباه إلى أن العقليات الشفاهية، والتي تعتمد على النقل عن الماضي، وترفض إعمال العقل متذرعة بتقديس الماضي ونصوصه، هي في الحقيقة تفعل ذلك ليس بقرار حر منها، وإنما الأمر أن عقليتها الشفاهية غير قادرة بالأساس على الدرس والتحليل والتركيب، وهي كلها وظائف تختص بها العقلية الكتابية.

لنأخذ من واقع المنطقة الحي مثالاً على كيفية قراءة العقل الشفاهي للواقع بواسطة قوالب الأفكار النمطية المختزنة من الخبرات السابقة، في مقابل قراءة للعقلية الكتابية لنفس الوقائع:

الموضوع:

دخول قوات أمريكية للعراق وقيامها بأعمال عسكرية تسبب الكثير من الخسائر المادية والبشرية، واستمرارها في العراق لثلاث سنوات حتى الآن.

القراءة الشفاهية للموضوع:

قامت أمريكا باحتلال قطعة من الوطن العربي، وينبغي مقاومتها بكل السبل حتى تحرير البلاد، ومن يتعاون مع المحتل، أو يروج لتواجده هو خائن يستحق حكم الإعدام.

بلا شك هذا الحكم أو تلك القراءة صحيحة، بل تبدو بديهية، على ضوء الصورة النمطية الشائعة عن مثل تلك الفعاليات، ومن يقول بغير هذا إما مجنون أو خائن وعميل.

القراءة الكتابية للموضوع:

سيقوم العقل الكتابي بعدة مهام، أولها الحصر والتوصيف الدقيق لجميع عناصر الموضوع مثل:

طبيعة العمليات العسكرية التي قامت بها تلك القوات.

الأطراف التي وجهت تلك القوات عملياتها العسكرية ضدها.

ما ترتب على دخول تلك القوات من فعاليات ونتائج أخرى غير الأعمال العسكرية.

ما هي الأهداف المعلنة لتلك القوات، وما مدى تطابق ممارساتها مع تلك الأهداف؟

ما هي الأهداف الخفية التي قد تكون لتلك القوات، وما هي الممارسات التي تقوم بها لتحقيق تلك الأهداف؟

ما هي الأطراف الأكثر خسارة في هذه العملية؟

ما هي الأطراف الأكثر كسباً منها؟

ما هي أفضل الوسائل لتغيير تلك الحالة، بإجلاء تلك القوات من على أرض الوطن؟

هذه مجرد أمثلة من الأسئلة التي ستدور في العقلية الكتابية إزاء عملية مثل دخول القوات الأمريكية إلى العراق، فالموضوع أعقد من أن يقاس على مفاهيم قديمة، لم تعد مقوماتها موجودة في عالم اليوم، ونحن نتحدث بالطبع عن فكر الجماهير حسنة القصد، والتي قد تسيء قراءة ذلك الموضوع، ولا دخل لنا هنا بالمتثاقفين والمحرضين، والذين يقومون بأدوار يعرفون ماهيتها.

لحديث الشفاهية بقية.




#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقلية الشفاهية والواقع المأزوم - 1
- مصريون ضد الكراهية
- شجيع السيما وجماهيره
- فوضى الهزيمة والانتصار
- عندما تتحدث الرهينة
- رجالات لبنان بين الحكمة والتخاذل
- العرب وأبطالهم الصناديد
- الأقباط والسقوط المدوي
- يحيا العدل والبقية تأتي
- العلمانية وسقوط الأيديولوجيا
- العلمانية المستحيلة
- عزاء واجب لقناة الخنزيرة
- البهائيون في أرض النفاق
- المأساة المصرية وترمومتر لينا الفيشاوي
- طبيعة النظم وإشكالية التغيير
- الأقباط والليبرالية
- الصعود إلى الهاوية برعاية أمريكية
- مصر الخالدة تلفظ أنفاسها
- تحرير العراق وأحجار الدومينو المرتعبة
- ائتلاف حماس كاديما وبئس المصير


المزيد.....




- -الأغنية شقّت قميصي-.. تفاعل حول حادث في ملابس كاتي بيري أثن ...
- شاهد كيف بدت بحيرة سياحية في المكسيك بعد موجة جفاف شديدة
- آخر تطورات العمليات في غزة.. الجيش الإسرائيلي وصحفي CNN يكشف ...
- مصرع 5 مهاجرين أثناء محاولتهم عبور القناة من فرنسا إلى بريطا ...
- هذا نفاق.. الصين ترد على الانتقادات الأمريكية بشأن العلاقات ...
- باستخدام المسيرات.. إصابة 9 أوكرانيين بهجوم روسي على مدينة أ ...
- توقيف مساعد لنائب من -حزب البديل- بشبهة التجسس للصين
- ميدفيدتشوك: أوكرانيا تخضع لحكم فئة من المهووسين الجشعين وذوي ...
- زاخاروفا: لم يحصلوا حتى على الخرز..عصابة كييف لا تمثل أوكران ...
- توقيف مساعد نائب ألماني في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس ل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - العقلية الشفاهية والواقع المأزوم - 2