أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - رياض الأسدي - روزا باركس.. لا مكان لها في حدوس نوستر أداموس















المزيد.....

روزا باركس.. لا مكان لها في حدوس نوستر أداموس


رياض الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 1702 - 2006 / 10 / 13 - 06:47
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


الخطوات الواثقة الثابتة التي سارت بها المرأة السوداء في ذلك اليوم الاول من كانون الاول 1955، حيث استقلت الخياطة السوداء (روزا باركس) الباص في طريق عودتها الى منزلها، ككلّ يوم, وصعد خلفها رجل ابيض. لم يكن يوما عاديا قط. جلست في مقعدها بكل أدب واحترام، وبقي الابيض واقفاً، لأن كل المقاعد المخصصة للركاب البيض قد مُلئت تماما. لم تكن روزا لترى بان العالم يسير مع خطواتها تلك، وربما هي لم تقدر النتائج التي ستترتب على خطواتها في ذلك اليوم بالذات. بقيت روزا جالسة دون ان تنبس ببنت شفة.
أسقني بماء الورد الأسود
لأنه البداية
وعلمني ان اكون
دائما
أنا الوردة السوداء البرية
البشارة المنورة
الخياطة
التي تشبه الظلمة الرائية
على غير العادة
الرافضة بروحها، الهائمة بجسدها الفحمي
وحدي
لم تكن ثمة جيوش خلفي
ولا ابواق
ولم أندس بين اوراق النظريات الكبرى
ولم يشر لي العرافون
لكني
بكيت لأن العالم لم يتناس فعلتي
يوما
وما كنت أتوقع إنعطافة كبرى من فعل واحد
الوردة الغبارية انا
الوحيدة التي رفضت القيام من مقعدها في الباص
فما كان من السائق بعد ان التفت إلى الوراء قليلا الا ان أمر روزا باركس بترك مكانها للرجل الابيض، كما يفعل مع مئات السود في كلّ يوم. وحين تجرّأت باركس، وهي لما تزل بكامل أدبها واحترامها وهدؤها الذي عرفت به، ورفضت الانصياع لأمر السائق الذي هو بمثابة القانون الموجّه ضدّ السود في الولايات المتحدة، قامت الدنيا ولم تقعد.
كانت تلك هي (العلامة الاولى) و(البشارة الكبرى) في نهاية سجل التمييز العنصري في الولايات المتحدة. يومئذ أوقفت روزا باركس الشرطة وكادت ان تودعها السجن لولا ان دفع احدهم كفالتها. وفي اليوم نفسه، اجتمعت الحركات المناهضة للتمييز العنصري في المدينة، وأُسست "جمعية تطوير مونتغومري" من اجل الحقوق المدنية للسود. وحين تقرر تعيين رئيسا للجمعية، وقع الاختيار على كاهن شاب وسيم ووادع اسمه (مارتن لوثر كينغ) فكانت تلك هي البداية: البداية الحقيقية لرفض التمييز العنصري، وبداية المطالبة بالحقوق المدنية للسود في الولايات المتحدة في طريق الكفاح الطويل.
كانت الأغاني والخطب وأيقونات الشموع والحشود الكبيرة التي تخللت تلك الحركة دليلا اكيدا على العمق الإنساني لقادتها, حتى انها اصبحت بعد ذلك (انجيلا) للحركات المشابهة التي انطلقت للدفاع عن حقوق الإنسان في مختلف انحاء العالم.
بداية مليئة بالتحدي والرفض والنهوض العارم لواحدة من اهم مطالب الإنسانية في المساواة. وإذا كانت تلك الحال قد بدأت باشخاص قليلين إلا انها لم تلبث ان تحولت إلى حركة كبيرة أستطاعت كسب الراي العام الاميركي في النهاية، ورسمت للاحرار طريقا واضحة من الإنصاف والمحبة والتقبل للآخر.
كانت روزا إمراة واحدة فقط. لكنها تحولت بعد مدة قصيرة إلى ظاهرة إنسانية التف حولها الآف السود. ثمّ اثمرت عن "جمعية تطوير مونتغومري" ان أعتلى صهوتها واحد من اهم المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم، ألا وهو القس مارتن لوثر كينغ الذي قاد الحركة التي بدأتها باركسمن الباص العام حتى النهاية بكل عنفوان وقوة يحدوه الامل بالنصر دائما.
وفي العام نفسه الذي تمردت فيه باركس على القوانين العنصرية، أطلقت مجلة "تايم" على مارتن لوثر كينغ لقب "رجل العام" فكان أول اسود يمنح هذا اللقب، ثم ليحصل في عام 1964 على جائزة نوبل للسلام لدعوته الى اللاعنف، فكان بذلك أصغر رجل في التاريخ يفوز بهذه الجائزة (35 عاماً) والاسود الثاني الذي يحصل عليها.
ربما يكون نلسون مانديلا هو (الوجه الافريقي) الآخر لمارتن لوثر كينغ، إن لم يكن ملهمه السياسي ايضا. قضى مارتن قتلا على يد عنصري وسخ في احتفال عام وسط مئات الآلاف من السود، بعد ان سجل اكبر مأثرة إنسانية عرفها تاريخ الولايات المتحدة المعاصر. وما يزال حتى هذه اللحظة ذلك القس الوادع المستنير بالامل رمزا إنسانيا للصلابة في الموقف للبيض والسود والصفر في كلّ انحاء العالم, وما زالت ذكراه قائمة كلما دقّ جرس الحرية في بلد مستلب او محتل.
كانت هذه الجماعات قد تعلمت الدرس كاملا من الروح المقدسة المهاتما غاندي من قبل. تلك الحركة الكبرى التي حولت الهند نحو الإستقلال عن بريطانيا عام 1947. ترى لو سلكت الهند طريق العنف كم من الدماء سوف تسكب من اجل تحقيق اهدافها؟ وكيف أستطاع غاندي ان يحول الملايين من الهنود إلى طريق الرفض والنهوض؟ لا شكّ بان العامل الكبير لذلك كمن في الصدق المطلق, والأرتباط الروحي العميق بين غاندي وشعوب الهند الضعيفة آنذاك. كان غاندي واحدا من أنبياء عصره في الحرية ولا يمكن ان ينساه العالم على مدى آلاف السنين. في وقت يمر التاريخ مرورا عابرا على اعتى الطغاة الذين قادوا العالم إلى العنف و الاهوال والتدمير.
والسؤال القائم الماثل: هل يمكننا كأمة ان ننتج شخصيات من امثال هذه النخبة؟ وإذا ما ظهرت لدينا: هل يمكنها السباحة في بحر تاريخي من العنف والعنف المضاد الذي جبل عليه تاريخنا الوسيط والحديث؟ وهل يمكن ان يكون (اللاعنف) سياسة في مجتمعات قدّست العنف ولغة السيف والنطع والرماح السود العاليات وعدّته واحدا من معالم النهوض.
لا شك بان المجتمعات التي شهدت حركات اللاعنف كانت مليئة بالعنف والعنف المضاد. فليس ثمة يلدان مولودة هكذا من رحم اللاعنف، فالولايات المتحدة التي عاش فيها مارتن لوثر كينغ وروزا باركس قد اسست على العنف ضد السكان الاصليين من الهنود الحمر. فتشير بعض التقارير التاريخية ان الهنود الحمر قبل مجيء الإنسان الابيض إلى الولايات المتحدة كانوا يقدرون ب(30) مليون إنسان. وهاهم الآن يقدرون بعشرات الآلاف يعيشون في اماكن شبه معزولة. ويكاد التاريخ الاميركي - على قصر عمره- ان يكون من اكثر التواريخ العالمية عنفا إن لم يكن أغزرها إنتاجا في هذا المجال. لكن القوى الإنسانية لم ترضخ ابدا للمحركات القديمة في المجتمع ولم تجعل منها عوائق تحول دون التقدم إلى امام. كانت الحرية اهم من التاريخ دائما. وهذا الوعي القائم الماثل هو الطريق السليمة للنهوض والرفض. وما كان على العاملين في حقل الحريات إلا ان يضربوا بوجوههم صفحا عن التاريخ الذي لم يكن غير تجسيد دائم للعنف الإنساني قبل ان يكون درسا قويا لتلافيه.
يقال ان كتاب نوستراداموس كان وسادة هتلر الليلية: يقرا فيه ثم ينام. يحلم تلك الاحلام الغبية لسيادة العالم. ولم يكن العراف اداموس غير متوجس بارع للتاريخ القادم العنيف. ربما كان هتلر يريد ايجاد روحه الغارقة بالعنف وسط ركام النصوص القابلة للتأويل دائما. لم يكن اداموس وهو في سجنه يرى غير العنف المهيمن على العالم والشخصيات الشريرة التي تقوده. ولذلك ليس ثمة إشارات واضحة عن اولئك الذين يغيرون العالم عن طريق اللاعنف باي نص معين. وهذه الروح الاوربية العنيفة هي التي ضربت صفحا متعمدا عما يمكن ام يحدثه اولئك المغيرين الأفذاذ الذين يوقفون الكلمة بإزاء السيوف البتارة؛ اولئك الذيم اختاروا الحرية قبالة الموت.
ولو أن نصوص نوستر اداموس كانت تحمل مقدارا (ما) من الصدقية او الحدسية الشاملة لأشارة بهذا المقدار او ذاك إلى الحركة التاريخية للكلمة المؤمنة التي تقف بجراة أمام عجلة دعس الاجساد العارية.. ليس ثمة إشارات محددة لغاندي ولا لمارتن لوثر ولا حتى لروزا السوداء حاملة الإيقونة في ليل العتمة الأميركي. ليس ثمة أية اشارة نوستراداموسية للعالم الجديد ومستوى الإبادة التي ستحدث فيه. ابدا. كذب اداموس لأنه كان يرى الوجه العنيف للعالم دائما.



#رياض_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا وراء إحياء اللغة اللاتينيةعالميا؟
- عمى أيديولوجي جديد
- علمني كيف اخدم بلادي..في السيرة العلمية والوطنية للعالم العر ...
- مهنة يصعب التقاعد عنها
- القوي والجبار.. كتاب مادلين اولبرايت الجديد
- قراءة في البيان الأول لثورة 14 تموز 1958 العراقية
- تحت خوذة منخوبة
- يوسف الصائغ من الشيوعية إلى الفاشية ..لماذا غير خطّ سيره؟
- إحمد ربك كاكا كمال كريم لست شروقيا
- تعال إلى انسية زارالولو
- جدل العلماني/الديني: علي الوردي ومحمد باقر الصدر
- إلى العراقيين الذين ينامون وارجلهم بالشمس: من ينهب العراق ال ...
- الرأي العام في العراق الآن
- الإعلان الرسمي للحرب الاهلية في العراق
- الكتاب المستقلون العراقيون.. لماذا؟ وإلى أين؟
- ميكروسكوب عراقي- عراق الداخل
- بيان إلى (بلابل جنجون
- الاواني المستطرقة
- أدب الحرب العراقي:كتابات إنسانية ام اكذوبة حكومية؟
- دراسات في الفكر الوطني


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - رياض الأسدي - روزا باركس.. لا مكان لها في حدوس نوستر أداموس