أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمار السواد - تبعيث الليبرالية.. قراءة في بوادر خطاب ليبرالي مقلق















المزيد.....

تبعيث الليبرالية.. قراءة في بوادر خطاب ليبرالي مقلق


عمار السواد

الحوار المتمدن-العدد: 1700 - 2006 / 10 / 11 - 09:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يكن بين الكم الكبير من الاحزاب العلمانية العراقية في العصرين الملكي والجمهوري الا عدد قليل من الاحزاب الشعبية. اهمها الحزب الشيوعي بكل ما يستبطنه من استحضارات للفقر والجوع، وشعارات تستهوي الغالبية العراقية المسحوقة انذاك. وحزب البعث، بكل توجهاته القومية، واستثماراته الجيدة للقضايا المركزية في الضمير العربي. هناك حزبان، اذن، لهما تاريخ في التأثير الشعبي، حزب مدخله الى الناس كان في الغالب اجتماعيا واقتصاديا، وحزب آخر استثمر قضايا سياسية كبرى لكسب المجمتع الساعي للتحرر من سطوة الاخرين.
وفي الجهة الاخرى ظهرت في السبيعنات طبقة سياسية معارضة، ذات شعبية متسعة، هي التيارالاسلامي. نمو هذا التيار في المعارضة وتأثيره في شرائح واسعة من الداخل العراقي. لم يتصاحب الا مع انفصال تدريجي للمعارضة العلمانية عن هذا الداخل. فشهدت مرحلة البعث، مثلا، انقطاعا شبه تام بين الحزب الشيوعي، الاكثر شعبية في تاريخ الاحزاب العلمانية، مع جماعيره. وربط حزب البعث، منذ ستينيات القرن الماضي، مصيره بسلطة دكتاتورية كثر اعداؤها كلما زادت سنوات بقائها.
ولم يحتج التيار الاسلامي في العراق الى بذل جهود كبيرة كي يصنع لنفسه نفوذا واسعا داخل الشارع العراقي، فقد استثمر التيار الديني عددا من الاشياء المهمة لتوسيع قاعدته الشعبية. منها انه استفاد من تواجده في مناطق قريبة جغرافيا وديموغرافيا من العراق، كايران وسوريا. واستفاد ايضا من سياسة النظام السابق القمعية تجاه الانتماءات الدينية. كما استثمر نمو التدين في المنطقة. اضافة الى ان التيار الاسلامي، بخلاف التيارات الاخرى، كان بعيدا عن كل التجارب الفاشلة التي عاشها العراق، لهذا مثل بالنسبة الى الكثير من العراقيين خيارا غير ملوث بالفشل والدماء.
والاهم من ذلك ان الليبرالية العراقية التي اعادت لنفسها الروح في الخارج، مكونة ذاتها من بعض الشيوعيين والقوميين والاسلاميين السابقين وبقايا ليبرالية ما قبل البعث، فشلت في بناء وشائج مع طبقات تمثل المساحة الاكبر في العراق المقموع والمحاصر، اي الطبقات الفقيرة. فقد تقوض نفوذها، ما ادى الى نمو الشكل الاخر، شكل السياسة المؤدلجة ببعثها ويسارها واسلامها السياسي. وبما ان القومية والشيوعية في العراق فقدت حدود تأثيرها بفعل عوامل كثيرة، فان التيار الاسلامي، شيعيا كان ام سنيا، اصبح اللاعب الاهم في المجتمع العراقي، ذي الاغلبية الفقيرة.
وكان امام التيار الليبرالي فرصة ذهبية كي يصنع لذاته نفوذا يقلل من سطوة التيارات الدينية وهينتها على المشهد العراقي. لكن الفرصة بعدت، والتيار الليبرالي اصبح رهينا بطموحات شخصية.
في مقال سابق قلت ان مستقبل الليبرالية في هذا البلد مرهون باستعصاء هذا التيار علي ان يوظف بكل توجهاته ورؤاه لطموحات شخصية لهذا السياسي او ذاك، وان لا يدخل بتهورات او عداوات يرتكبها هذا الطرف او ذاك. وللاسف فان اغلب الساسة الليبراليين وقعوا في هذا الخطا. فرغم نجاح عدد منهم بالوصول الى البرلمان، الا انهم فشلوا في تمييز الليبرالية عن بقية الدوائر الفاعلة في البلاد. فهم انجروا خلف طموحات بعض رموزهم السياسية، ووقعوا في خضم فخ البحث عن المناصب، ما ادى بهم الى الوقوف في الزاوية ذاتها التي وقف فيها الاخرون.
اليوم، وبعد تجربة غير موفقة، يبدو في الافق توجه جديد قد يدفع الليبراليين الى ارتكاب حماقة كبيرة، تعمق من الخطأ التكتيكي الذي ارتكبوه في الانتخابات الماضية. ما يدفع نحو هذا التوجه هو افتقار العلمانية العراقية الى احزاب شعبية.
فقد لمست مؤخرا لدى بعض الليبراليين وعدد من المحسوبين على الليبرالية العراقية، توجها يقول: ان حزب البعث بصيغته غير الدموية سيكون خصما شعبيا قويا للاسلام السياسي بمنطقيه الشيعي والسني. قد لا يكون هذا توجها عاما، لكنه قابل للتسويق والتأثير، في ظل توجه ديني سياسي غير متزن، واجتماعي متطرف، وفوضى عارمة تحكم البلاد. خصوصا اذا ما فهمنا التخبط الذي تعاني منه الليبرالية العراقية.
لا ادري ما ان كان لدى اغلب الليبراليين في العراق ثقة بحزب بعث غير دموي، وغير متآمر. لكني ادرك جيدا ان التاريخ يشهد ضد هذا الحزب بانه حزب دموي ادى حكمه في بلدين نحو مزيد من الدماء والقتل والتخلف بالقياس الى دول مجاورة. واثبت انه بمجرد ما يحصل على قاعدة شعبية قوية يحطم كل ما سواه بابشع صورة. بل ان البعثيين قاموا بتصفية بعضهم للانفراد بالقرار. تاريخ البعث، وخطابه الى الان يسعى الى تحطيم خصومه السياسيين عن طريق اتهامات بالعمالة والخيانة، وفي النهاية عن طريق التصفية الجسدية. حزب البعث بكل توجهاته لم يتغير حتى الان، فكل البيانات الصادرة بعد التغيير، تصف العراقيين، بمجرد ولائهم لعراق ما بعد التغيير بالعملاء او الخونة. واذا ما صدر بيان هنا او تصريح هناك باستنكار ما تقوم به التيارات السلفية السنية، فليس هذا الا تعبير عن اختلاف ايدلوجي مع قوى ظلامية من وجهة نظره.
هذا هو خطاب البعث. وليس حال افعاله افضل. فعلى الرغم من قيام تيارات مخالفة له، ايدلوجيا وسياسيا، بالسيطرة على العمليات القتالية، الا ان عناصره تسيطر على المناطق المتوترة بشكل مستمر، من خلال الانضواء تحت راية السلفية السنية، وتقديم كل المعونات اللوجستية والفنية الى الكثير من الجماعات المسلحة. واكثر من ذلك فهم اخترقوا بعض المجاميع الشيعية، وفرض بعض منهم وجوده داخل مكاتب الاحزاب الدينية في المحافظات.
ان الاختلاف الاهم بين حزب البعث كحزب شمولي وبقية الاحزاب المشابهة في هذه الجنبة، هو الماضي المتصل بالحاضر، والمليئ بمجموعة من الثقوب السوداء الرهيبة. صحيح ان بعض الاحزاب الشمولية، ذات افكار خطيرة، واقصائية، بل واخطر من البعث الذي لا يمتلك افكارا ورؤى واضحة تجاه اغلب الاشياء المحيطة بنا، لكنها لم تحول هذه الافكار الى اطار فكرة متجسدة، وبالتالي يبقى تأثيرها اقل بكثير من تأثير التفكير البعثي، كونه تفكير اندمج لنصف قرن بسلوك شاذ. من هنا فان تجرده من التاريخ اصعب من تجرد غيره من الفكرة. كون الفكرة مبنية على مجموعة قناعات يمكن ان تتغير، في حين ان التاريخ لا يغيره شيئ.
فهل سيصنع اي طرف الخير لنفسه ان تبنى مشروع الدعوة الى عودة البعث؟
كمبدأ يبدو الفرق واضح بين الدعوات الى انهاء عملية اجتثاث البعث، بوصفها عملية عقاب جماعي غير مبررة مطلقا من الناحية الانسانية، والدعوات التي تخفي رغبة بعودة حزب البعث، تكمن في ان الاولى تستند الى معطى انساني ليبرالي، في حين ان الثانية تخفي طموحا سياسيا مقدماته تنطوي على مخاطرة سياسية كبيرة.
لا شك ان الديمقراطية تفرض السماح بالمشاركة السياسية للاطراف كافة، ما دامت، تلك الاطراف، تؤمن بالعمل السلمي وترغب في التداول الديمقراطي للسلطة، اضافة الى بديهيات الديمقراطية بدء بحقوق الانسان، وانتهاء بالمواطنة كأساس لانتماءات الافراد. من هنا فان الدعوة الى عودة حزب البعث ومشاركته بالعمل السياسي العلني، من الناحية المبدئية تنسجم مع الرؤى والتصورات التي تفرضها الديمقراطية.
لكن الى اي حد يمكن لهذه الدعوة ان تكون مقبولة في ظل غياب قانون ومؤسسات قادرة، بعيدا عن الدبابة الامريكية، لحماية الديمقراطية؟
وكتوضيح للتساؤل، هل يمكن ان نثق بحزب دمر العراق، وفتح عليه نيران الخوف والجوع والموت، وملأ الوطن بكل العاهات التي عاصرناها الان، مع سبق الاصرار والترصد، هل يمكن ان نثق به في ظل غياب مؤسسات تحرس الديمقراطية؟
الا يكفي الخوف من تيارات اسلامية، قد تنقلب في اي لحظة على الديمقراطية وتحول العراق الى حكم النمط الواحد؟
لا اسعى هنا الى البحث في مدى قدرة حزب البعث على التلاؤم مع الديمقراطية، بقدر اصراري على الحديث عن مخاوفي من ان يوظف التيار الليبرالي، من دون قصد، الى خادم للبعث، كما وظف، البعث نفسه سابقا، بعض رموز الاسلاميين، من دون قصد منهم ايضا، في حربه ضد الشيوعية.
من هنا فان الضرورة تفرض، على الليبراليين، صناعة مؤسسات لحماية الديمقراطية، كي لا يتسنى للتيارات الدينية اليوم او حزب البعث ان عاد الى العلن في الغد، او اليسار المؤدلج، او اي شخص وجهة ، كي يوظفوا الديمقراطية لفرض اجندتهم والانقلاب عليها لاحقا.
اضافة الى ذلك، فان الليبرالية تمر بمرحلة مهمة من تاريخها. ان تبني الليبرالية لخطاب عودة البعث كجزء من مشروعها الوطني يعني بكل وضوح انها ستبعثن ذاتها شيئا فشيئا. كما استفاد البعث لمرحلة طويلة من الرؤى والتصورات الاشتراكية. ولا يبدو من صالح الليبرالية ان تجعل نفسها في زاية واحدة مع البعث، خصوصا واننا في عهد التصنيفات والتسقيط.



#عمار_السواد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيعة العراق بين ايران وامريكا والعرب.. العودة الى العام 91


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمار السواد - تبعيث الليبرالية.. قراءة في بوادر خطاب ليبرالي مقلق