أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ياسين الحاج صالح - نحو حل غير نظامي للمشكلة الإسرائيلية!















المزيد.....

نحو حل غير نظامي للمشكلة الإسرائيلية!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1699 - 2006 / 10 / 10 - 10:05
المحور: القضية الفلسطينية
    


ينبغي لإخفاق عملية أوسلو طوال 13 عاما تقريبا أن يكون باعثا للشك في وجود خلل جوهري في الافتراضات التي قامت عليها "عملية السلام" على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، بالتحديد فكرة الدولة/ الدول كنظام دولي يؤطر الحل، وكفاعل سياسي حصري يعمل من أجل الحل، وكهدف نهائي للحل. والحال إن عسر الانفصال الفلسطيني الإسرائيلي الذي تشهد عليه مقاومة الفلسطينيين خطط "الانطواء" الإسرائيلية التي تترك وطنهم أشلاء، ورفض الإسرائيليين الانسحاب التام من أراضي 1967 التي أقام الفلسطينيون انخراطهم في المفاوضات مع إسرائيل على أساسها، العسر ذاك والرفض هذا يوحيان بأن الخلل يكمن في حل الدولتين الذي قامت عليه العملية برمتها. ولما كانت إبادة الفلسطينيين أو تهجيرهم جميعا، أو بالعكس إبادة الإسرائيليين أو تهجيرهم عن بكرة أبيهم، ليست من الافتراضات التي يصح التفكير فيها أخلاقيا، فإنه لا يبقى ثمة غير أفق واحد للحل، هو دولة واحدة يعيش فيها معا الفلسطينيون واليهود.
ليست فكرة الدولة الواحدة جديدة. لقد كان المرحوم إدوارد سعيد من أبرز دعاتها بين الفلسطينيين، وقد يكون ميشال فارشافسكي من أبرز مناصريها الإسرائيليين. وكانت منظمة التحرير الفلسطينية ذاتها قد دعت في سبعينات القرن العشرين إلى دولة علمانية في فلسطين للعرب واليهود. غير أننا نشعر أن الفكرة طرحت طرحا ضيقا بعض الشيء، يثير ريبة الإسرائيليين من أن هدفها إذابتهم، وخشية فلسطينيين وعرب من أن الدولة الواحدة تعني تسليما نهائيا بإسرائيل. للخروج من هذه الريبة المزدوجة، ومن أجل أن تكون الدولة ثنائية الجنسية حلا للمشكلة الفلسطينية الإسرائيلية، يتعين وضعها في سياق تاريخي وفكري أوسع يتجاوز الاعتبارات الحقوقية والسياسية والجيوسياسية والاقتصادية: سياق العمل من أجل مصالحة تاريخية بين العرب والغرب أو بين عالمي الشرق الإسلامي المسيحي والعالم الغربي المسيحي اليهودي؛ وسياق ما لا نتردد في تسميته تجديدا دينيا أساسيا يعيد ربط حلقات السلسلة الإبراهيمية ويحاول اجتراح وحدة إيجابية لها. إن الأديان الثلاث تسمح لنفسها اليوم بالغرق في التاريخ، بالانخراط في مواجهات عنيفة تغذي العداوة والكراهية، وتجعل منها نسخا متماثلة من دين حربي واحد، بينما يظن أتباع كل منها أنهم يؤكدون تمايز دينهم وأفضليته. يلزم أن ننتشل أنفسنا من ضحالة تاريخ الحاضر لنرى أن لحظة التماثل هذه هي شرط إمكان شغل ديني أساسي، أكاد أقول لاستئناف الوحي، بدل أن تكون لحظة حروب دينية مميتة، ستخرج منها الأديان جميعا مهشمة، كما حصل للقوميات الأوربية في الحرب العالمية الأولى، وكان البداية الأولى لانفضاض الناس عنها.

تستجيب فكرة دولة واحدة في فلسطين كذلك لفرضية النظام الشرق أوسطي التي تناولها كاتب هذه السطور في هذه الصفحة وفي غيرها. فإذا قبلنا بفرضية نظام واحد، ينخرط فيه الغرب والعرب والإسرائيليون، نجد أنفسنا مسوقين إلى تصور حل غير قومي، أي غير عروبي وغير صهيوني وغير امبريالي، للمشكلة الإسرائيلية. فالنظام الشرق أوسطي يشكل المنطقة ويخلط بعمق العرب (مسلمين ومسيحيين) والأميركيين (مسيحيين ويهودا) والإسرائيليين، إلى درجة أن الفصل النهائي بين هذه الأطراف لم يعد مستحيلا فقط، وإنما هو خطر وغير مرغوب. بل قد يكون التمازج العنيف الإسلامي المسيحي اليهودي في فلسطين وحولها نقطة انطلاق لتجديد التفكير في العلاقات الدينية والحضارية بالاتجاه الذي أشرنا إليه، أي فصل التمازج عن العنف، وإعادة الاعتبار للتهجين الثقافي والحضاري الذي عرفته منطقتنا في أيام عزها: اليوناني والروماني والعربي.
لا نرى اليوم خروجا سلبيا من الشرق أوسطية. الأنسب أن نضطلع بها ونمضي بها إلى نهايتها بالعمل على تحويلها إلى شراكة بين أطراف متساوية. كان الحل القومي العربي كما مثلته الناصرية للخروج من "الشرق الأوسط" وإقامة "الوطن العربي" على أنقاضه قد أخفق في تحقيق نجاح يذكر، إن لم نقل إن مآلاته أسهمت في تعميق الشرق أوسطية: استبدادا وانقساما وتفوقا إسرائيليا وهيمنة أميركية. فإذا شئنا المحافظة على روحية هذا الحل التحررية، لا على حرفية سياساته المجادل فيها حتى في أيام مجده، فإن المخرج البناء يكون بمزج فكرة الدولة الواحدة مع المصالحة الحضارية والتجديد الديني.
ليس الهدف، ولا ينبغي أن يكون، إذابة الإسرائيليين في العرب، بل بالأحرى ذوبان الإسرائيليين والعرب، مسلمين ومسيحيين، في مجال حضاري مختلط يستعيد عالم الحضارة اليونانية والرومانية والإسلامية، العربية والعثمانية، المتنوع. ويمكن لأفق كهذا أن يتيح لليهود الإسرائيليين مجالا أوسع للتفاعل والنشاط وأقل تلوثا بنوازع السيطرة من الكيان الإسرائيلي الحالي.
يستجيب الأفق هذا كذلك لرفض العرب والصهيونيين قرار تقسيم فلسطين. وهو يقتضي من الطرفين درجة أعلى من الثقة بالنفس. كان انعدام الثقة بالنفس الناجم عن إخفاقات متكررة هو ما دفع العرب إلى قبول حل دولتين. لكن تلك الإخفاقات لم تكن نتيجة للضعف العسكري والمادي وحده، بل كذلك لضعف الخيال المتولد هو ذاته عن رؤية قومية ضيقة للمشكلة الإسرائيلية، رؤية تخوض ضد إسرائيل معركة مقاومة الاستعمار الغربي قبل الحرب العالمية الثانية. هذا تبسيط، يمكن أن يفضي إلى نتائج مأساوية فوق ما أفضى إليه حتى يومنا.
فلسطين أصغر، ويفترض أنها أعز، من أن تقسم. وفكرة "الوطن العربي" التي لم تتحقق في المحاولة الأولى قد تتحقق بطريقة مختلفة وعلى أرضية مختلفة، بأن تندرج ضمن مقاربة تأليفية تستوعب تعدد قوميات وأديان وثقافات. وهل ثمة من ينكر حاجتنا إلى تجديد الفكرة، بل الروح الدينية، في مجتمعاتنا وثقافتنا؟ إن الإصلاح الديني الذي لطالما دعا إليه مثقفون عرب ومسلمون يمكن أن تكون فرصته أكبر في إطار مقاربة تاريخية حضارية جديدة، تتصدى للمشكلات الأشد التهابا في تفاعل العرب مع عملية الحداثة التي يهيمن عليها الغرب. فلسطين هي البؤرة الأكثف للصراع، ويمكن أن تكون موطن المصالحة والانبعاث. وهو ما ينسجم ايضا مع مكانتها الدينية عند الأديان الإبراهيمية الثلاث.
على أية حال هذا أفق يستحق أن يستكشف ثقافيا، أعني أن نبلور فكرته وأن نعمل على تحويلها إلى تيار ثقافي. لا ريب أن أصواتا عربية عديدة سترفض هذا الطرح، وقد تبادر إلى تخوين من يدعو إليه. لكن الطرف الأضعف اليوم في النظام الشرق أوسطي، أي العرب، هو الطرف الذي يمكن أن يكسب اكثر من الشغل في هذا الاتجاه. إن الشرط العربي الراهن، التعيس والعقيم والدموي، يتطلب جهودا كبرى للمخيلة والعقل غير النظامي من أجل الخروج منه. ونحدس أن وعينا الراهن لأوضاعنا ولذاتنا يجعل تحقيق مطالبنا مستحيلا مهما بذلنا من جهود، فيما يمكن لترتيب مختلف للوعي أن يقتصد في الجهود، وقد يتيح تحقيق اختراق طال انتظاره باتجاه آفاق أكثر تحضرا. إننا نمشي في طريق الدمار، علينا أن "ننحرف" لنتجنبه؛ الانحراف المنجب للحرية.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -غرابة مقلقة- للإرهاب في سورية!
- في انتظام الطوائف وتبعثر الأمة
- في أصول -ثقافة الهزيمة-
- صراع حضارات أم طائفية عالمية؟
- من استكمال السيادة إلى عملية بناء الدولة الوطنية
- نصر نصر الله!
- في الحرب وتكوين الشعور العربي المعاصر
- فرصة لتجديد النقاش حول قضية الجولان
- في نقد الخطاب الانتصاري التخويني
- حرب لبنان بين الليبراليين والقوميين الإسلاميين
- -حب الدبب- والدول المضبوعة
- أقوياء، متطرفون، وقصار النظر
- حالة حرب: محاولة لقول كلام هادئ في وقت عصيب
- سورية والأزمة اللبنانية: حصيلة عامة أولية
- انتصار الدولة والمقاومة في لبنان ممكن!
- أهل بيت الموت!
- مصلحة لبنان والعرب منع هزيمة حزب الله
- بالمقلوب: متطرفون عموميون ومعتدلون خواص!
- حرب ضد لبنان: استراتيجية ممتنعة وعدالة غائبة
- أقنعة النظام الشرق أوسطي المتعددة


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ياسين الحاج صالح - نحو حل غير نظامي للمشكلة الإسرائيلية!