أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد السلام أديب - خوصصة المرافق العمومية أداة تنمية أم أداة نهب للمواطنين















المزيد.....



خوصصة المرافق العمومية أداة تنمية أم أداة نهب للمواطنين


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 503 - 2003 / 5 / 30 - 04:59
المحور: الادارة و الاقتصاد
    



باحث جامعي

يربط الأستاذ محمد عابد الجابري في كتابه مقتطفات من قضايا في الفكر المعاصر ما بين الخوصصة والعولمة، حيث يرى أن العلاقة بين الكلمتين على مستوى الوزن الصرفي اللغوي تعززها علاقة أخرى أكثر أهمية تقع على مستوى الدلالة والماهية. فالخوصصة في رأي الأستاذ الجابري خطوة نحو العولمة أو هي شرط من شروطها، ما دامت العولمة تعني في النهاية تنازل الدولة الوطنية أو حملها على التنازل، عن حقوقها لفائدة المتحكمين في العالم.
وتدفعنا  مقولة الأستاذ الجابري للتأمل في مسار الخوصصة ببلادنا وموقعها من حركة العولمة المتسارعة، وذلك عبر التساؤل عن خلفية تطور القطاع العمومي في المغرب وعن مبررات خوصصة المرافق العمومية: الماء، الكهرباء، التعليم، الصحة، الاتصالات، السكك الحديدية، الخطوط الجوية ....الخ. وما إذا كانت الخوصصة تشكل أداة للتنمية أم ستفتح المجال أمام المزيد من الاستغلال الوحشي للمواطن المغربي من طرف الشركات متعددة الاستيطان ونهب حقوقه الاقتصادية.
خلفيات تطور القطاع العمومي بالمغرب
تمثلت السمة البارزة، التي طبعت تطور الوضعية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب غداة الاستقلال، في  المستوى الكبير لتدخل الدولة والذي كان يشمل كافة أوجه التنظيم الاجتماعي: التنظيم القانوني للقطاع العمومي، سياسة التخطيط والتدخل عبر الإنفاق العمومي. فبمجرد أن استعاد المغرب استقلاله السياسي وسيادته سنة 1956، وجد نفسه أمام  مسؤولية الاضطلاع بقطاع اقتصادي موروث عن الاستعمار، وضرورة إنشاء مؤسسات عمومية جديدة لتأمين الحاجيات الأساسية.
واستندت رقابة الدولة على النشاط الاقتصادي من خلال القطاع العام،  على الرغبة في توفير أداة فعالة لتنمية القطاعات المتخلفة. ولم يثر  اللجوء إلى التأميم وخلق مؤسسات عمومية جديدة وتوسيع نطاق القطاع العمومي، خلال العقد الأول من الاستقلال، أي رد فعل لدى الدول الرأسمالية المتقدمة نظرا لكون هذه الأخيرة ، كانت تعتمد، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، على هذه الأدوات في إطار تطبيق النظريات الكينيزية في الاقتصاد. وغير خاف ما لهذه  النظريات من فضل في إنقاذ المنظومة الرأسمالية من الانهيار عقب الأزمة الاقتصادية العالمية لعقد الثلاثينات.
وقد اتسم عقدي الخمسينات والستينات في جميع البلدان، متقدمة كانت أم نامية، بتطور سريع لتدخل الدولة في الاقتصاد، ولم يؤد هذا التوسع في القطاع العام إلى إثارة قلق ما، بل أنه بدا كما لو كان ظاهرة طبيعية و صحية للاقتصاد الحديث. وخلال الستينات، صاحب توسع القطاع العام وضع اقتصادي اتسم باستقرار غير عادي وبمعدلات نمو اقتصادي لم يسبق لها مثيل.
وفي غمرة التفاؤل العام الذي نجم عن ذلك توقع الجميع أن يستمر هذا الوضع، ولم يكن دور القطاع العام أو ما سوف يترتب عليه من آثار اقتصادية ومالية، موضع أي تساؤل.
كما استند الرأي السائد، من ناحية، إلى الاحتمالات المواتية التي كانت تشير، في رأي الجميع، إلى أن التوسع في أنشطة القطاع العام سيؤدي إلى نمو شامل للاقتصاد. وكان ذلك الرأي يستند من ناحية أخرى إلى فكرة مطمئنة مؤداها أن زيادة الدخل الحقيقي سيسمح بتمويل الإنفاق العمومي المتزايد بفضل إيرادات إضافية، دون أن يحدث ذلك اختلالا كبيرا في التوازن بين قطاعي الاقتصاد العمومي والخاص.
وقد ارتكزت اختيارات الاعتماد على القطاع العمومي ببلادنا في بداية الاستقلال، على النظريات المتداولة  حول العالم الثالث وحول التنمية والتخلف التي رافقت حصول عدد كبير من البلدان الإفريقية على الاستقلال. فهذه النظريات  كانت تدعوا للتوجه نحو نظم اقتصادية ارتبط فيها دور القطاع العام ارتباطا مباشرا بمفهوم تحقيق تنمية مخططة تساعد في النهوض باقتصاد وطني قائم على أسس مستقلة.
ولا يمكن تفسير هذا التصرف في إطار  القناعات الإيديولوجية السائدة فحسب، ولكن كانت تفرضه كذلك حقيقة  أن سيطرة الدولة على القطاع العمومي كانت تبدو هي الوسيلة الوحيدة للتحرر الاقتصادي والحفاظ على سيادتها الاقتصادية حديثة العهد في مواجهة خطر الاستعمار الجديد.
وضل القطاع العمومي المغربي يشغل -حتى عهد حديث جدا-  مكانة كبيرة في الاقتصاد الوطني، حيث ضم حوالي 700 مؤسسة أنشأت على مراحل متواصلة منذ عهد الحماية الفرنسية. وكان ما يميز هذه الوحدات هو التنوع الكبير في حجم أنشطتها، وإطارها القانوني، وفروع إنتاجها وطرق تسييرها.
وامتد نشاط هذه المقاولات من إنتاج الكهرباء إلى الإمداد بالماء الصالح للشرب، ومن الاتصالات السلكية واللاسلكية ووسائل النقل إلى الصناعات التحويلية وصناعة استخراج المعادن، والى تسويق المنتجات الزراعية فضلا عن القطاع المالي.

جدول حول
تطور الإنتاج والقيمة المضافة للمقاولات العمومية المغربية
 بحسب قطاع الإنتاج (1969-1982 )
(بالمليون درهم)
القطاع الإنتاجي  1969 1971 1975 1980 1981 1982
الفلاحة والغابات والصيد البحري الإنتاج 26 42 73 645 666 670
 القيمة المضافة 6 8 15 361 327 337
الصناعة الاستخراجية الإنتاج 767 669 1115 4405 5646 5128
 القيمة المضافة 496 478 650 3129 4168 3443
الطاقة والماء الإنتاج 618 654 2201 8055 9836 12190
 القيمة المضافة 271 266 637 1196 1188 1664
الصناعة التحويلية الإنتاج 1825 1807 3750 9006 10707 13408
 القيمة المضافة 557 578 1114 3118 3177 4699
التجارة الإنتاج 553 424 791 2269 2604 3056
 القيمة المضافة 245 172 332 366 712 992
النقل والمواصلات السلكية واللاسلكية الإنتاج 637 721 1011 3458 4031 4525
 القيمة المضافة 425 437 576 1924 2271 2541
المؤسسات المالية الإنتاج - - - 1352 1477 1827
 القيمة المضافة 162 181 321 1063 1153 1482
خدمات أخرى الإنتاج 46 58 104 831 991 1073
 القيمة المضافة 27 30 54 330 339 289
المصدر: بالنسبة لسنوات 69-1975 أنظر:
Les comptes de la nation 1969-1975
بالنسبة لسنوات 80-1982 أنظر: كتابة الدولة في التخطيط والتنمية الجهوية (مديرية الإحصاء) حسابات المؤسسات العمومية 1980 - 1981 - 1982.

 

ومن خلال المؤسسات العمومية الكبرى ذات الوسائل المتعددة، كالمكتب الشريف للفوسفات والشركة المغربية المجهولة الاسم للتكرير والمكتب الوطني للكهرباء وصندوق الإيداع والتدبير...الخ، ومؤسسات أخرى متواضعة ذات إمكانيات محدودة يتم تسييرها بطرق شبه إدارية، كان  القطاع العمومي المغربي يضطلع بجانب كبير من أنشطة الإنتاج. وقد شكلت هذه المؤسسات في بعض الأحيان احتكارات، كما كانت تعمل في أحيان أخرى في إطار بيئة تنافسية على المستويين الوطني والدولي لإنتاج أنواع متعددة من السلع والخدمات التي يقدم القطاع الخاص بعضا منها أيضا.

مبررات خوصصة المرافق العمومية
رغم التركيز منذ الاستقلال على أولوية القطاع العمومي لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلا أن الدولة لم يكن لديها مفهوم واضح حول طبيعة هذه التنمية.   ففي إطار المفهوم السائد حول  التنمية آنذاك أخذت السلطات العمومية تبحث عن كيفية الزيادة  في معدلات الاستثمار العمومي، دون توفير ميكانيزمات ديموقراطية للتحقق من كفاءة وملائمة ومردودية المشاريع المعتمدة؛ وفي المقابل التجأت إلى التمويل الخارجي لهذا الاستثمار بدلا من تعبئة الطاقات المالية الذاتية. في ظل هذه الوضعية كان من الطبيعي أن تتفاقم أزمة المديونية الخارجية مما جعل السلطات العمومية تسارع إلى طلب إعادة جدولة الديون وبالتالي الخضوع  لشروط المؤسسات المالية الدولية. 
وبطبيعة الحال فإن المؤسسات المالية الدولية التي تسيطر عليها القوى الصناعية الكبرى، وتتحين الفرص لبناء علاقات تبعية جديدة تربط الدول المستقلة حديثا  بالمنظومة الرأسمالية العالمية،  تنطلق في تحليلها للأزمة من أن سبب الأزمة هو درجة تدخل الدولة في الاقتصاد وأن الخروج منها رهين بالتخلي عن القطاع لعام. 
من هنا تصبح خوصصة المقاولات العمومية، التي طالما وفرت للمواطنين خدماتها بالمجان أو بمقابل يراعي قدراتهم الشرائية، ووفرت لميزانية الدولة مداخل إضافية ساعدتها على حسن تدبير الشؤون العامة، جاءت بإيعاز من المؤسسات المالية الدولية لتكريس استقالة الدولة عن خدمة المصلحة العامة. وكان على السلطات العمومية المغلوبة على امرها ايجاد المبررات الكافية لإقناع المواطنين بجدوى الخوصصة.
 كان الخطاب المدافع عن الخوصصة،  في البداية،  يوحي بأن الأمر يقتصر  على تصفية بعض المقاولات العمومية التي تعاني من العجز وتكلف ميزانية الدولة مبالغ مالية هائلة. لكن سرعان ما تبت العكس مع انطلاق العمليات الأولى للخوصصة، حيث ظهر أن المقاولات العمومية الناجحة والتي تحقق فوائض مالية مهمة هي التي تباع للخواص الأجانب: أنظر حالة بيع اتصالات المغرب مؤخرا إلى فيفاندي. بينما يتم في المقابل تأميم  المقاولات الخاصة التي تعاني من العجز لمساندتها  بواسطة الضرائب التي يدفعها المواطن: أنظر حالة تأميم القناة الثانية.
ويستند  دعاة الخوصصة في بلادنا  إلى عدد من المبررات الواهية التي يمكن الرد عليها بسهولة:
1 – فيقال بان القطاع الخاص أكفأ من الدولة في إدارته للمقاولات العمومية مما يؤدي إلى الإسهام في توفير موارد مالية وتحسين إدارة هذه المؤسسات والزيادة بالتالي في معدلات النمو الاقتصادي.
لكن الواقع يؤكد بأن حالات الفشل والإفلاس التي تتعرض لها مقاولات القطاع الخاص تفوق بكثير حالات التعثر المحدودة التي تعاني منها المقاولات العمومية  لأسباب لا ذنب لها فيها (غياب الديموقراطية، غياب الرقابة المواطنة على حسن تدبير المال العام ...).
2 –يقال أيضا أن القطاع الخاص بما يقدمه من حوافز أقدر من الدولة على تعبئة الموارد المالية وتوجيه الادخار نحو المشاريع المربحة وتعميم ملكية هذه المقاولات على أكبر قطاع من المواطنين وخلق سوق مالية نشطة تشجع على الادخار وتوفر قناة وطنية للتمويل.
لكن خلق مشاريع مربحة لا يعني بالضرورة أن هذه المشاريع ذات مضمون اجتماعي يراعى مصلحة أفراد المجتمع الأساسية، بينما يمكن للدولة في المقابل  أن تصحح التفاوت الصارخ في المداخيل عن طريق اقتطاع جزء من الأرباح الفاحشة للقطاع الخاص وتحويلها إلى خزينة الدولة، حيث يمكن استعمال هذه الموارد  في تحسين البنية التحتية  الاقتصادية والاجتماعية. من جهة أخري  يصعب تصديق مقولة أن  الخوصصة ستؤدي إلى  توسيع قاعدة الملكية بين صفوف المواطنين الذين تعيش أغلبيتهم على حد الكفاف من بينهم على الخصوص المستخدمين في القطاع العمومي الذين لا يملكون أي فائض يمكنهم من شراء سهم واحد.
3 –يقال كذلك أن تحويل المقاولات العمومية إلى القطاع الخاص يزيل عن كاهل الحكومة عبء خسائر هذه المقاولات مما يسمح للدولة بتركيز جهودها ومواردها لأهداف اقتصادية محددة.
لكن ما هو أهم من تدبير  المقاولات العمومية لكي تنشغل به السلطات العمومية وبخاصة في ضوء الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها بلادنا حاليا والمتمثلة في الكساد والبطالة والغلاء وتردي مستوى المعيشة؟
يلجأ  أنصار الخوصصة والليبرالية الجديدة من جهة أخرى إلى مقولات أن العالم قد تغير من حولنا، وأن عددا لا بأس به من الدول الرأسمالية الصناعية كبريطانيا وألمانيا  والدول التي كانت اشتراكية، تقوم الآن ببيع قطاعها العام، وهي في ذلك لا تميز بين الأجنبي والمواطن المحلي في حق الشراء.
لكن بقليل من التروي سيتأكد لنا عدم صحة هذه المقولة، فأولا لا يجوز التشبه أو القياس بما حدث ويحدث في الدول الرأسمالية الصناعية. فشتان ما بين أحوال بلادنا ومشكلاتها وطبيعة أحوال ومشكلات هذه الدول. فبلادنا ما زالت تصنف في عداد الدول النامية ذات الدخل المنخفض ولم تنجح حتى الآن في تحطيم قيود التخلف وعلاقات التبعية التي تربطنا بالخارج. وما زلنا نتعامل مع هذا الخارج من موقع ضعف وعدم تكافؤ بسبب تزايد ديوننا الخارجية وتزايد اعتمادنا الغذائي والتمويلي والتكنولوجي على العالم الخارجي. وما زالت طاقاتنا الإنتاجية، الصناعية والزراعية والخدمية، تعجز عن سد الاحتياجات الأساسية لغالبية سكان البلاد.
إن  البلاد التي طبقت سياسة بيع بعض وحدات القطاع العام –في سياق الليبرالية الجديدة- لم تستطيع أن تخرج من أزمتها الاقتصادية، بل تفاقمت فيها الأزمة من خلال تردي معدل النمو الاقتصادي وتفاقم العجز الداخلي والخارجي وتحول ظاهرة البطالة فيها إلى مشكلة مزمنة، وكذا انخفاض مستوى معيشة العمال والطبقة المتوسطة ..إلى آخره. ويشكل الاقتصاد البريطاني  خير مثال لهذا التردي في عز تطبيق الليبرالية الجديدة ونقل ملكية القطاع العام إلى الخواص، حيث كانت مارغريت تاتشر ضالعة ورائدة في هذه العملية. ولعل تحول  بريطانيا الى مختبر لليبرالية الجديدة عبر تراجع الدولة وفتح المجال على مصراعيه أمام القطاع الخاص هو ما يجعلها اليوم عرضة لمختلف الأوبئة: البقرة المجنونة، الحمى القلاعية، هشاشة البنيات التحتية أمام الفيضانات، خروج القطارات عن سككها....
أما بالنسبة للدول التي كانت اشتراكية وفي مقدمتها روسيا أو ما كان يعرف سابقا بالاتحاد السوفيتي،  فلا يمكن أبد اتخاذها كمثال  نظرا لخضوعها الآن لقوى الفوضى وعصابات المافيا والمضاربات، فالانهيار أصبح مذهلا في هذه البلدان. فهناك انخفاض مريع في مستوى الدخل، ونمو حاد في معدلات البطالة، وارتفاع صاروخي للأسعار، ونمو صارخ للجريمة ، إضافة إلى  اندلاع الحروب العرقية والقومية. ويكرس هذه الحالة خضوع هذه الدول لوصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. فما تفعله بقطاعها العمومي  أو ما تسميه بخططها للإصلاح الاقتصادي لا يمكن اتخاذه كنموذج قابل للتماثل معه.
ورغم ما تنطوي عليه هذه المبررات من عيوب  إلا أنها تغري المتتبع الساذج  بخطابها المعسول فلا ينتبه إلى ما تختزنه من مصيدة لدول العالم الثالث. ويكفي أن نلاحظ أن الخوصصة الواسعة للقطاع العمومي تصطدم بحقيقتين صارختين تتمثلان في أنها لا تتم في غالبيتها لصالح الرأسمال الوطني، كما أنها لا تتم في بيئة تسود فيها المنافسة التامة وتنتفي عنها مظاهر التبعية الاقتصادية والتخلف الاقتصادي والاجتماعي.
إن ظاهرة الخوصصة تسترعي الكثير من الاهتمام، فهي تؤكد للمواطن، يوما بعد آخر، على أن السلطات العمومية  تستقيل تدريجيا عن خدمة المصلحة العامة وتضع البلاد في المقابل تحت رحمة الشركات الأجنبية المتعددة الاستيطان. كما تؤكد للمتتبعين على أن الدولة نتيجة لمديونيتها الخارجية  أصبحت من الضعف بمكان، تجعل الدائنين يملون شروطهم القاضية بانتزاع أهم المرافق العمومية للدولة عبر ما يسمى بتحويل المديونية الخارجية إلى استثمارات أجنبية.

اشكالية ترشيد المرافق العمومية
رغم الصعوبات التي اعترضت القطاع العمومي  خلال العقود السابقة، عندما كان يتعين تكييف مستوى الأسعار والتعريفات ومستوى الإنفاق مع متطلبات ميزانية، إلا أن مختلف المؤشرات كانت تؤكد على أن هذا  القطاع لم يحقق بعد حجمه الأمثل وأنه بمجهود قليل من التدبير العقلاني والمراقبة المحكمة سيتمكن من تحقيق  مردودية  وتوسع أكبر، إما في مجال دعم نمو العديد من الأنشطة الاقتصادية الوطنية، أو تحسين مستوى الخدمات العمومية ورفع مستوى معيشة المواطنين.
لكن ضعف المراقبة الديموقراطية وسوء التدبير دفع القطاع العمومي المغربي إلى أن يتقمص شكل الإقطاعيات ويبعده حتى عن سلطة الحكومة نفسها. وبدلا من معالجة بنيوية شاملة للقطاع اقتصر النقاش على شكل توسع القطاع العمومي، دون التركيز  على  إعادة النظر في المبررات المنطقية لمثل هذا التوسع. وقد حدث تشعب أخطبوطي لفروع القطاع العمومي الشيء الذي خلق نوعا من الغموض حول حدود تدخل الدولة في الاقتصاد الوطني ومدى خدمة هذا القطاع لأهداف السياسة العامة.
ومن أسباب تشعب فروع المقاولات العمومية، طابع  المرونة التي اتسمت بها هذه الصيغة والتي تتم من دون ترخيص مسبق، وكذلك خروج أنشطة واسعة للمقاولات العمومية من دائرة مراقبة الدولة.
وكان من البديهي أن يؤدي مثل هذا الوضع إلى ظهور التجاوزات وانتشار العديد من الفروع التي أصبح غرضها الاجتماعي لا يرتبط بالمؤسسة الأم إلا بعلاقات واهية، بل لم تكن ترتبط  في بعض الأحيان بأية صلة بمجال المقاولة  الأم. من هنا أصبح الطريق مفتوحا أمام التعارض بين الأهداف وازدواجية المهام، مع ما يترتب عن ذلك من عواقب وخيمة من إهدار الطاقات الاقتصادية وسوء تخصيص الموارد. فعلى سبيل المثال عرف مكتب التسويق والتصدير تشعبا كبيرا في فروعه مما مكنه من السيطرة على قطاع التصدير بكل مكوناته الخلفية والأمامية، فقد اشتملت محفظته على ما يناهز 44 فرعا برأسمال بلغ 47.926.500 درهم. وتتناول أنشطة هذه الفروع مجالات التجارة والصناعات الغذائية والتكييف والتعليب والتخزين والتبريد الصناعي ...الخ.
وقد أدى تشعب فروع المكاتب العمومية إلى شل بعض  الأجهزة والإجراءات التي وضعتها الدولة  لتوجيه القطاع ومتابعته ومراقبته. وكان من نتائج ذلك أن تفككت أوصال القطاع العمومي من حيث قدرته على التدخل الاقتصادي الفعال كما تميعت المسؤوليات في مسالكه الإدارية.
وساهمت الوزارات الوصية على المقاولات العمومية، في تكريس الفوضى عبر  مضاعفة عدد حواجز الأمان وابتداع الإجراءات المتنوعة إلى الحد الذي أدت فيه تلك الرقابة المفرطة إلى إفراز آثار شادة. كان من نتائج  هذه العلاقة بين الوزارة الوصية والمقاولة أن تم  تجريد القائمين على هذه المؤسسات من مسؤولياتهم، حيث أصبحوا مطالبين  بالرجوع إلى السلطة الوصية في جميع جوانب عملهم، حتى بالنسبة للجوانب العادية في التدبير (مثل التوظيف، والمرتبات، والاستثمار، والأسعار...). كما أدى ذلك إلى تحييد الهيئات القيادية التي تكتفي  بتسجيل القرارات التي تتخذها الدولة. كما أصبحت المقاولات العمومية تتحمل تبعات القرارات التي تتخذ على عجل أو التي تفتقر إلى النضج، دون أن يكون في مقدور أحد تحديد مسؤول معين عن هذه الأوضاع.
ولم يكن اختيار القائمين  على إدارة المقاولات العمومية، يتم عبر معايير موضوعية، خصوصا خلال السنوات الأولى للاستقلال، فقد كانت هذه المناصب تمنح لبعض الأشخاص كمكافأة لهم على خدمات أدوها للدولة، أو لمنح وظائف جديدة لمسؤولين سياسيين سابقين وزراء سابقين مثلا، ثم يتبين –بعد فوات الأوان- أن الشخص الذي تم تعيينه لا يتمتع بالكفاءة أو بالمؤهلات اللازمة للمهمة التي كلف بها.
كما كان استخدام  المؤسسات العمومية يتم في بعض الأحيان لأغراض تختلف تماما عن تلك التي كلفت بها في الأصل. ففي حالات عديدة، اتسمت الأهداف المنشودة بالتناقض في مجال عدد ونوعية المستخدمين والأسعار والإقليمية... أو من حيث تحقيق فائض اقتصادي على الصعيد الوطني كتوفير النقد الأجنبي ومراعاة متطلبات السيادة....
ورغم مختلف المشاكل التي تمت الإشارة  إليها، كان من الممكن إيجاد الحلول الناجعة لها لو توفرت إرادة الإصلاح الحقيقي. فبالإضافة إلى متطلبات إخضاع هذه المؤسسات العمومية للمراقبة الديموقراطية، يجب العمل على  ترشيد وإعادة النظر في كيفية اعتماد التدبير العقلاني لهذا القطاع. فبالنسبة للصعوبات الناجمة عن علاقة الدولة بالمقاولة العمومية،  توجد إمكانيات متعددة  لتحسين هذه العلاقة، مع الاحتفاظ بملكية الدولة ، من بينها اتخاذ التدابير التالية:
1 -  منح المقاولة العمومية قدرا أكبر من الإدارة الذاتية في عملها في مواجهة وصاية  الدولة؛
2 -  توضيح أهداف ومسؤوليات كل من الدولة والمقاولة العمومية على المدى المتوسط. ويمكن أن يتخذ هذا الإجراء عددا من الأشكال تتراوح بين تحديد توجيهات عامة تنضبط لها المقاولة  إلى ابرام عقود بين الدولة بوصفها  مالكة وبين مجلس إدارة المقاولة العمومية (عقود المقاولات – عقود التنمية...)؛
3 -  زيادة  مسؤولية إدارة المقاولة العمومية بالنسبة للنتائج التي تحققها. ويمكن تحقيق ذلك بوضع نظام لتقييم النتائج المحققة.
أما عملية التحول عن القطاع العمومي إلى القطاع الخاص سواء كانت عملية جزئية أو واسعة النطاق، فيجب أن تراعي عدم الانسياق بشكل جارف دون تبصر وتدقيق وافيين وراء حمى الخوصصة الآخذة في الانتشار السريع، أو رضوخا للابتزاز الفكري والاقتصادي الذي يمارس حاليا من قبل الدول الصناعية المتقدمة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، عبر ربط المساعدات المالية بشرط التحول إلى القطاع الخاص، والاعتماد الكلي في صياغة السياسات الاقتصادية على دور وأداء – وتمجيد القطاع الخاص، طبيعة ودورا وأداء كذلك.
أما سبب التحذير من التحول غير المتبصر فهو أنه لم يثبت حتى الآن أن بطء عملية التنمية في بلادنا تقع مسؤوليته على القطاع العمومي بحد ذاته بقدر ما يقع على التوجهات غير الديموقراطية للسلطات العمومية. لذلك، يجب أولا، وقبل الاندفاع نحو الخوصصة العمياء للمرافق العمومية، التعرف أولا على  مواطن الخلل والتشوه في عملية التنمية بحيث لا يتم تفكيك القطاع العام قبل أن يثبت أنه في ذاته يتحمل قسما كبيرا من مسؤولية الخلل والتشوه. ولعل أكثر المواقف رجاحة في النهاية هي أن التنمية بحاجة إلى قطاع عمومي يتكامل مع القطاع الخاص الوطني، تكاملا إراديا مدروسا ومتصلا، لا عفويا عارضا وبشكل متقطع.
لكن ماهي  الخلفيات التي تكمن وراء إيديولوجية  الخوصصة الآخذة في الانتشار؟
إيديولوجية الخوصصة في خدمة الاستعمار الجديد
منذ أواسط عقد  السبعينات، أصبح النقاش حول دور القطاع العمومي يتخذ مسارا مختلفا تماما. ويرجع هذا التحول أساسا  إلى  انفجار أزمة الركود التضخمي  في البلاد الرأسمالية المتقدمة. فبعد إعلان عدم قابلية تحويل الدولار إلى ذهب سنة 1971، وحدوث  الصدمة البترولية الأولى سنة 1973، بدأ أقطاب المنظومة الرأسمالية  في البحث عن تغيير استراتيجيتهم الاقتصادية والعمل على إدارة الأزمة لمصلحتهم من خلال إعادة إخضاع دول العالم الثالث لعلاقات تبعية جديدة تمكن من توليد شروط تراكم رأسمالي جديدة، علما بان استقلالات هذه الدول طيلة عقدي الخمسينات والستينات، وخروجها من دائرة استغلال الدول الرأسمالية المتقدمة، شكل مصدرا آخر لتفاقم أزمة البلاد الرأسمالية.
ففي البلدان المتقدمة، بدأت المدرسة النقدية وهي من ابرز تيارات الليبرالية الجديدة في مجادلة النظريات الكينيزية التي كانت تقول  بأن الدولة تملك القدرة على مواجهة التقلبات العرضية بواسطة تنفيذ سياسة تدخليه  في المجالين المالي والنقدي.
ومن ناحية أخرى، ظهر الانزعاج على الابناك الدولية النشاط فيما يتعلق بإمكانية استرداد ديونها من دول العالم الثالث.  وقد دفع هذا الواقع الى أن تعقدت  إمكانية اللجوء إلى الاقتراضات الدولية. وتم عبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي فرض شروط معقدة حول كيفية إدارة الاقتصاد الكلي بالبلاد المدينة بهدف ضمان  استمرار تدفق عائدات خدمة الديون الخارجية. من هنا ظهرت مقولات ضرورة  التحكم في الآثار السلبية الناجمة عن تأثير الإنفاق العمومي والسياسة الضرائبية والدعم، على تخصيص الموارد وعلى الاستخدام الأمثل لها.
وعملت المؤسسات المالية الدولية على تطوير الفكرة تدريجيا إلى اعتبار أن نمو القطاع العمومي يشكل عقبة أمام ديناميكية القطاع الخاص وأمام نمو متجانس للاقتصاد بدلا من اعتباره عنصرا مكملا له كما كان مسلما به حتى ذلك الوقت. ولم تكن دينامية القطاع الخاص الوطني هي المستهدفة بل كانت الفكرة تستهدف خدمة استراتيجية التراكم الرأسمالي العالمي وتوسع القطاع الخاص الأجنبي المتمثل في الشركات متعددة الاستيطان. و يعبر عن هذا المنحى  ستيفان هايمر من خلال تحديده للمناخ الاستثماري الملائم لعودة نشاط هذه الشركات بقوة الى  البلاد النامية، حيث يشير الى ضرورة  التغلب على مشكلة العملة الأجنبية، وحل مشكلة تحويل الأرباح الى الخارج، وأن  يتوافر لدى البلد النامي برنامج جاد لتوفير شبكة البنية التحتية اللازمة لنشاط هذه الشركات،  ثم أن يعمل على حل  مشكلة الغذاء وأخيرا  الإبقاء على ثلثي السكان تحت السيطرة لتوفير العمالة الرخيصة.
من هنا، بدأت الثقة المبالغ فيها في مزايا قوانين السوق وآليات المنافسة، تحد من نمو القطاع العمومي. فانطلقت مطالب تكييف حجم هذا القطاع مع أبعاد الاقتصاد الليبرالي. وقد شكل انبعاث الليبرالية الجديدة وما حققته من انتصار على مستوى اتخاذ القرارات على الصعيد الدولي في ظل السياسات الاقتصادية لريغان وتاتشر، نقطة انطلاق لسياسة اقتصادية جديدة ترمي إلى نزع ملكية دول العالم الثالث لقطاعها  العمومي تحت ذريعة تخليصها من المهام التي كانت قد أكسبتها على مر الأعوام دورا قياديا في مجال التنمية الوطنية المستقلة.
لقد أدت السياسة  الاقتصادية الجديدة المعارضة لدور القطاع العام في التنمية  والمفروضة من طرف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على البلدان النامية  إلى الدفع بسياسة الخوصصة إلى الأمام باعتبارها  منقذا للبلاد المدينة من أزمة تدهور ماليتها العامة وازدياد عبء مديونيتها الخارجية.
في إطار هذه الثقافة الاقتصادية الجديدة بدأت تشاهد في العديد من بلدان العالم النامي، مع  بداية عقد الثمانينات، حركة قوية تدفع نحو إعادة النظر في مسألة  التدخل الاقتصادي بواسطة القطاع العمومي. في نفس الإطار كانت بلادنا التي خضعت  لبرامج التثبيت والتقويم الهيكلي تسير تدريجيا نحو اعتماد سياسة خوصصة واسعة لمرافقها العمومية.
وقد اتخذ المغرب بالموازاة مع هذا الإجراء قرارات بوقف الخطط الطموحة للتنمية التي أصبح من المستحيل تمويلها نظرا لتناقص موارد الدولة ونضوب مصادر التمويل الخارجي. وبذلك بدأ عهد الانتقال المطلق من استراتيجية التنمية إلى سياسات   تدبير الأزمة بالشروط التي تمليها المؤسسات المالية الدولية. فالمغرب أصبح منذ بداية عقد الثمانينات، كما أشار الى ذلك الدكتور عبد الله العروي في برنامج في الواجهة في يوليوز 2000 ، مطوقا من طرف القوى الخارجية.
في ظل هذه الوضعية الجديدة  أصبح من المفروض على الدولة أن تعيد النظر في التدخل الاقتصادي بواسطة القطاع العام، بل وإعادة النظر في دور الدولة عبر دفعها الى الاستقالة من خدمة المصلحة العامة.
كما بدأ القطاع العمومي يبدو للجميع (في بعض الأحيان عن حق وفي كثير من الأحيان بشكل مفتعل ) مفتقرا للمرونة ويتسم بجمود هيكلي ويشكل في نظر المؤسسات المالية الدولية  تهديدا   لعملية التصحيح وإعادة التوازنات وأن تفويته للقطاع الخاص الأجنبي سيقوي من فاعليته ومردوديته. وهي أمور بات من الملح تحقيقها في معظم البلدان النامية حتى تتحقق العولمة الاقتصادية التي تتحكم فيها القوى العظمى.
كانت هذه الأطروحات تلقى صدى واسعا لدى قطاع متزايد من الرأي العام الذي كان يعاني من مضاعفات التضخم والبطالة والكساد، سواء  في الولايات المتحدة الأمريكية أو في  بقية  البلاد المتقدمة الأخرى. وازداد الاتجاه الرامي إلى تقليص القطاع العام في البلدان النامية مع حدوث أزمة المديونية وخضوعها لإرادة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي استطاعت أن تملي على هذه البلاد ما يكفي من الشروط لجعلها تخضع للثقافة الاقتصادية الجديدة التي تريد بها الدول المتقدمة معالجة أزمتها المتفاحشة.
لكن الهدف من وراء هذه الإيديولوجية  بات واضحا من خلال الحركة غير العادية التي يعرفها العالم منذ سقوط جدار برلين سنة 1989 وانتشار مقولة فوكو ياما حول نهاية التاريخ.  ويتلخص هذا الهدف في  سعي القوى الرأسمالية العظمى  إلى تفكيك مصادر قوة الدول النامية، من جهة عن طريق تقليص النفقات والموارد العمومية التي كانت توظف في خدمة التنمية الوطنية المستقلة، وتحويل ما يتبقى منها لخدمة المديونية الخارجية المتزايدة، ومن جهة أخرى عن طريق خوصصة مختلف الهياكل الاقتصادية العمومية لهذه الدول تمهيدا للسيطرة عليها من طرف بضعة شركات متعددة الاستيطان والتي تتمركز أغلبها في دول الشمال وتعتبر أداة لإعادة تقسيم دولي جديد للعمل في إطار ما يسمى حاليا  بالعولمة الليبرالية.
فالدعوة إلى الخوصصة كإيديولوجية جديدة ترمي من وراء  إلغاء التنظيمات القانونية وتمجيد اقتصاد السوق، تحقيق جزء هام من أهداف الرأسمالية العالمية، والمتمثل في دعم وتركز الشركات متعددة الاستيطان في إطار اقتصادي يتميز بوفرة مدخرات الطبقة الوسطى، ومؤسسات مصرفية كبرى، وأسواق مالية عالمية تمكن أصحاب الشأن من تعبئة مئات الملايين من الدولارات  في أيام قليلة.  وقبل هذا وبعده وجود أطراف تريد الاستيلاء على المقاولات العمومية وتوفر الأموال اللازمة لذلك لانهاء مخطط استعماري جديد أكثر ضراوة من أشكاله السابقة.
الديون الخارجية والخوصصة
تتجلى أمامنا يوما بعد يوم مخاطر  استيلاء الأجانب على المرافق العمومية الكبرى  (مرافق الماء والكهرباء والنقل والتعليم والصحة ...) من خلال مبادلة الديون الخارجية بأصول ملكية  هذه المرافق كما  هو الشأن بالنسبة لريضال وليديك بشأن توزيع الماء والكهرباء بالدار البيضاء والرباط،  علما أن المرافق العمومية أصبحت  تشكل جبنة يسيل لها  لعاب المستثمرين والمضاربين الأجانب نظرا لما  تولده من أرباح هائلة.
فقد نشأت في السنوات الأخيرة آلة جهنمية، أوجدت علاقة خبيثة بين عمليات الخوصصة وبين تسوية الديون الخارجية. وهي علاقة  تسهل أمام الأجانب سيطرتهم على المرافق العمومية  الصناعية والتجارية من خلال  شراء الديون الخارجية واستخدام تلك الديون  في شراء هذه المرافق، وهذا ما تم فعلا في كثير من الدول النامية التي وقعت في فخ المديونية الخارجية ومنها بلادنا بطبيعة الحال.
فبينما تبدو  الرأسمالية المحلية عاجزة، أو غير راغبة أو ممنوعة من  تملك هذه المرافق، وبالذات المرافق العمومية  الكبرى الصناعية والتجارية (قطاع الاتصالات، السكك الحديدية، المحطات الكهربائية، الخطوط الجوية ...) خصوصا  في ظل  المشاكل الكثيرة التي تعاني منها هذه المرافق نتيجة السياسات الخاطئة المتبعة  في التدبير، يتعرض المغرب  لضغوط شديدة من طرف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والدائنين عموما  للقبول بسياسة مبادلة الديون الخارجية بتملك أصول المرافق العمومية التجارية والصناعية.
فقد ظهرت فكرة تحويل الديون الخارجية إلى استثمارات أجنبية خاصة كمخرج لأزمة المديونية الخارجية للدول النامية في أعقاب اندلاع هذه الأزمة  سنة 1982 حينما توقفت فجأة العديد من الدول عن سداد ديونها الخارجية مثل  المكسيك والبرازيل وشيلي والمغرب...
وقد أدى هذا التوقف المفاجئ إلى إثارة حالة من الذعر المالي لدى  الدائنين. من هنا سارع كل من  صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التسويات الدولية وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية بالعمل على احتواء الأزمة من خلال إعادة جدولة ديون هذه الدول ومنحها بعض القروض الميسرة لكي تتمكن، على الأقل ، من دفع فوائد ديونها، والدخول في مفاوضات للاتفاق على برامج للتثبيت والتقويم الهيكلي.
وبعد تراجع الأزمة، بدأت البنوك التجارية الدائنة دولية النشاط في مراجعة نفسها لمنع تكرارها  وتقليل درجة المخاطر التي تتعرض لها، بعد أن تأكد لها  أن حجم القروض التي تمنحها  الى الدول النامية  تتجاوز، في كثير من الحالات، رؤوس أموالها. وقد اتخذت هذه البنوك عددا من الإجراءات الاحترازية، من بينها الزيادة في رأس المال، والزيادة في حجم الاحتياطيات لمواجهة الديون المشكوك في تحصيلها، ووضع معايير متشددة للحصول على قروض جديدة، واتباع سياسات ائتمانية انكماشية... الخ.
على أن أهم ما توصلت إليه  البنوك التجارية في مجال استرداد ديونها وبالتالي تخطيط سياسات جديدة تمكنها من تحجيم مخاطر القروض المفرطة المقدمة للبلاد النامية، تمثل في  لجوء تلك البنوك إلى طرح بيع صكوك المديونية الخاصة ببعض الدول المدينة في سوق ثانوي للديون بأسعار خصم مغرية من القيمة الاسمية للصكوك. ومنذ ذلك الوقت نشأت علاقة خبيثة بين بيع هذه الديون من ناحية، وعمليات الخوصصة من ناحية أخرى، حيث أصبحت القروض تقايض بتملك  أصول المرافق العمومية.
فعملية مقايضة الدين الخارجي  بملكية  أسهم أو أصول إنتاجية لبعض المرافق العمومية الصناعية والتجارية تبدأ حينما يرغب  بنك أجنبي يواجه صعوبات في استرداد دينه المستحق على بلد ما، ببيع ذلك الدين بسعر خصم مغر إلى مستثمر ما. ويقوم البنك بعرض هذا الدين للبيع في السوق الثانوي للديون (سوق لندن مثلا) وينتظر أن يأتي المشتري. وهنا يدخل أحد المستثمرين، فردا كان أم مؤسسة مالية أو شركة، لكي يشتري هذا الدين، إذا ما توافر قبول البلد المدين الأصلي لمبدأ مبادلة ديونه بملكية بعض أصول القطاع العمومي. وحينما يحصل البنك (الدائن الأصلي) على السعر يخرج عندئذ من الدائرة (أو العلاقة) ليصبح هذا المستثمر هو الدائن الجديد للبلد. ثم يتقدم هذا المستثمر للبلد المدين ويطلب تحويل الدين، الذي اشتراه من البنك، إلى عملة محلية بسعر خصم تحدده الحكومة، ثم يستخدم حصيلة ما توافر له بالعملة المحلية في شراء بعض أصول المرافق العمومية المعروضة للبيع في البورصة داخل البلد المدين.
وقد  حدث تسارع في حجم هذه العمليات في السنين الأخيرة، خصوصا في ظل  تردي أسعار الديون المباعة لمجموعة  كبيرة من الدول المدينة، ونتيجة لما يحققه المستثمرون الأجانب من خلال آلية شراء الديون الخارجية، و تحويلها بالتالي  الى عملة محلية للبلد المدين وشراء أصول القطاع العمومي المعروضة للبيع.
كما  تزايدت حركة تحويل المديونية الخارجية إلى استثمارات  بشكل واضح بالنسبة للدول المدينة التي التزمت بتطبيق برامج التقويم الهيكلي. فقد أتاحت هذه البرامج، في ضوء ما وفرته من امتيازات وضمانات لرأس المال الأجنبي، وما أدت إليه من إضعاف لقوة الدولة، وما فرضته من ليبرالية فوضوية.. للعديد من المستثمرين شراء صكوك الديون بأسعار بخسة ثم تحويلها بالتالي إلى مساهمات عينية في ملكية أصول القطاع العمومي.
وتبدي  معظم حكومات  البلاد النامية،  في ظل تبعية  النخب الحاكمة وأنظمتها وتحت ضغط وندرة النقد الأجنبي بها، وتفاقم أعباء خدمة الديون الخارجية، رغبتها في بيع المرافق العمومية الكبرى الصناعية والتجارية  بالنقد الأجنبي والتي لا تقدر -وربما لا ترغب- الرأسمالية المحلية الضعيفة على شرائها.  بل يتم في الكثير من الأحيان تفضيل المستثمر الأجنبي على  المستثمر المحلي، تحت حجة أن هذا الأجنبي سوف يأتي ومعه إدارة عصرية وتكنولوجيا حديثة. وقامت كثير من حكومات البلاد النامية، وبطرق غير ديموقراطية وحتى بمخالفات دستورية، بإلغاء أو تخفيف القيود والإجراءات التي كانت تحول دون سيطرة الأجانب على اقتصاديات البلاد.
ومن أهم الأدوات التي تستخدم الآن في استيلاء الأجانب على المرافق العمومية هناك صناديق الاستثمار، أو ما يسمى بالاستثمار عن طريق المحفظة المالية. وينتظم المستثمرون في المحفظة المالية في عدة أشكال مؤسسية كالمؤسسات البنكية التجارية والمؤسسات المالية غير البنكية مثل  شركات التأمين وصناديق التأمينات الاجتماعية وصناديق المعاشات. وتعمل هذه المؤسسات في  أنشطة  الخدمات المالية المتنوعة كتعبئة المدخرات المالية  واعادة إقراضها وادارة الأصول المالية كما تعمل على  تجميع الموارد المالية في شكل أسهم واستخدامها في شراء الأوراق المالية للمرافق العمومية المباعة في البلاد النامية بهدف استغلالها أو  المضاربة عليها.
أمام هذه الحركة المتصاعدة في تحويل الديون الخارجية الى استثمارات أجنبية خاصة في قطاع المرافق العمومية الكبرى يثور التساؤل حول المخاطر المحتملة الناجمة عن ذلك؟
المخاطر المحتملة لتحويل المديونية الخارجية
الى استثمارات أجنبية  خاصة
يمكن  استنتاج هذه  المخاطر  المحتملة من خلال ما يحدث بالفعل في بلادنا في هذا المجال وكذا من خلال  تجارب بعض الدول الأخرى مثل المكسيك والأرجنتين وتركيا وغانا وفنزويلا وسيريلانكا ... فعواقب هذا التحويل كانت وخيمة على شعوب هذه الدول.
يستند أنصار تحويل المديونية الخارجية إلى استثمارات أجنبية خاصة إلى مبرر  أن السلطات العمومية لا يمكنها أن تتحمل الخسائر التي تحققها مكونات القطاع العمومي، لأن ذلك سيؤدي إلى نتيجتين غير مرغوب فيهما وهما: إما زيادة الضرائب لتمويل هذه الخسائر، وإما الاقتراض من العالم الخارجي وبالتالي تزايد حجم المديونية  الخارجية.
وعلى اعتبار أن  هذه الحجة صحيحة، فإن النتيجة المنطقية والحتمية تتمثل في أن تقوم السلطات العمومية ببيع الشركات الخاسرة فقط، والاحتفاظ بالشركات الناجحة التي تحقق موارد مستمرة لميزانية الدولة. لكن هذه الحجة غير صحيحة نظرا لأن  الخوصصة تركز أكثر على المقاولات العمومية الناجحة وأن المستثمر الأجنبي لن يقبل سوى بالمقاولات التي يعرف أنها ستدر عليه أرباح هائلة.
كما  أن تبرير بيع المرافق العمومية لتجنب الخسائر يفترض ضمنا أن القطاع العمومي في مجموعه يعاني من الخسارة، وبالتالي يمثل نزيفا مستمرا للميزانية العامة للدولة. وهذا أمر غير صحيح بالمرة. فالقطاع العمومي في مجموعه في القطاعات الصناعية والزراعية والخدماتية والمالية والسياحية ...  حقق لفترة طويلة فائضا بالمليارات لميزانية الدولة وهناك إحصائيات رسمية تشهد على ذلك. ربما كانت هناك بعض المشاكل التي  كان يعاني منها القطاع العمومي والتي كانت مسؤولة عن تدني عوائده أو تدفع إلى الخسارة مثل وجود  يد عاملة  زائدة أو فرض أسعار جبرية منخفضة على المنتجات  أو تحويل الفائض الاقتصادي المحقق بكامله إلى الميزانية العامة للدولة وحرمان المقاولة العمومية  من إعادة تجديد أصولها أو توسعة طاقاتها الإنتاجية أو ضعف كفاءة الإدارة المعنية ... إلى آخره. لكن الجزء  الأكبر من هذه المشاكل أصبح من الممكن تجاوزه  الآن. كما أن  الكثير من المقاولات العمومية التي كانت تحقق خسارة أصبحت  تحقق أرباحا خيالية كاتصالات المغرب والسكك الحديدية والخطوط الجوية مثلا.
هناك بطبيعة الحال بعض الشركات التي لا زالت تعاني من تدني  عوائدها أو تحقق بعض الخسائر. غير أن  أغلب  هذه الخسائر لا يعود إلى طبيعة الملكية، وانما إلى السياسات الاقتصادية التي مارستها السلطات العمومية ووضعت هذه الشركات في أوضاع مالية سيئة (كزيادة أسعار الفائدة وارتفاع أسعار الطاقة والوقود بمعدلات هائلة وسريعة وفجائية وزيادة أسعار المواد الخام والواردات الوسيطة وقطع الغيار بسبب تراجع قيمة الدرهم والمنافسة غير المتكافئة مع القطاع الخاص ومع السلع المستوردة المماثلة .... إلى آخره). والحقيقة أن هذه  المشاكل هي نفسها التي  يعاني منها القطاع الخاص وتسبب الخسائر الجسيمة للكثير من مشاريعه، بل وتؤدي إلى إفلاسها في كثير من الأحيان، لهذا نشاهد  القطاع الخاص يطالب منذ مدة  بإعادة النظر في هذه السياسات.
إن  أصول القطاع العمومي التي تباع  إلى صناديق الاستثمار الأجنبية، من شأنها أن تصبح موضوعا لعمليات بيع وشراء ومضاربة مالية  مستمرة من قبل الأجانب. كما يؤدي  الاحتكار الأجنبي للمرافق الإنتاجية الوطنية إلى التحكم  في المستهلكين خصوصا في ظل غياب أي حماية قانونية من أضرار الاحتكارات الأجنبية. وفي المقابل ستضل  حقوق العمال والموظفين بالقطاع العمومي معرضة للأخطار من قبيل تخفيض الأجور وزيادة ساعات العمل والحرمان من الحق في الأرباح والإجازات والإدارة والفصل التعسفي .. إلى آخره. وكلها نتائج  بدأت تتحقق بالفعل في المرافق التي تمت خوصصتها حتى الآن الشيء الذي من شأنه تهديد السلم الاجتماعي.
يعتقد أنصار الخوصصة بأن البيع سيجنب الحكومة زيادة الضرائب أو زيادة الديون الخارجية، لكن مختلف المؤشرات تدل  على  أن الخوصصة سوف تؤدي إلى مزيد من الضرائب وإلى مزيد من الاستدانة من العالم الخارجي، خصوصا في ضوء المزايا والاغراءات السخية التي تقدمها السلطات العمومية لتسريع عمليات البيع.
فالتنازل عن المرافق العمومية للأجانب سيؤدي إلى حرمان الميزانية العامة للدولة  من موارد ضخمة ثم  إلى مزيد من عجز الميزانية العامة. لكن الحفاظ على بعض الوظائف التقليدية للدولة بالإضافة إلى نفقات التعليم والصحة والإسكان والمرافق العمومية، سيجعل من الصعب تجنب الزيادة في الضرائب لتعويض الموارد التي خسرتها من جراء التنازل المذكور، وهو ما سيضعف تماما دور الدولة التنموي و كذا دورها الاجتماعي. وهذا ما حصدته  دول كثيرة سبقتنا إلى هذه التجربة.
من جهة أخرى يرجح أن تزداد الديون الخارجية  في المستقبل القريب خصوصا إذا ما  اشترى الأجانب الشطر الأكبر من المرافق العمومية  المعروضة للبيع أو عبر تحويل المديونية الخارجية إلى استثمارات. ذلك أن الأجانب الذين تملكوا أصول القطاع العمومي سيلجأون الى تحويل دخولهم وأرباحهم إلى الخارج، ومن شأن ذلك أن يؤثر سلبا على ميزان المدفوعات خصوصا  إذا كانت المشروعات المباعة تنتج للسوق الداخلي  وتستورد موادا وسيطة ولا تساهم في التصدير. وفي مثل هذه الحالة من المتوقع تماما أن يتعرض سعر صرف الدرهم  لضغوط نتيجة لنزوح الأرباح إلى الخارج. وقد يتم اللجوء لمواجهة  هذا الأثر بالسحب من الاحتياطات الدولية. وحينئذ ستستنزف هذه الاحتياطيات بسرعة، وسرعان ما يتزايد العجز في ميزان المدفوعات وتزيد، من ثم، الحاجة للاستدانة من الخارج، ونعود للوقوع، مرة أخرى، في فخ المديونية الخارجية وما يؤدي إليه  ذلك من مصائب.
كما أن تمليك الأجانب للمرافق التي تعتمد على منتجات وسيطة مستوردة ولا تنتج من أجل التصدير، بل للسوق المحلي فقط (كوكالات الماء والكهرباء ومرافق النقل ...). فإن التأثير سيكون مزدوجا من خلال استنزاف موارد النقد الأجنبي المخصص للاستيراد من ناحية، ومن خلال ما سيتم تحويله للخارج من أرباح ودخول، من ناحية أخرى.
من الناحية السياسية يؤدي تمليك الأجانب للمرافق العمومية  التي تغطي أنشطته الكثير من مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، إلى تزايد سيطرة رأس المال الأجنبي على الحكم وعلى مقدرات البلاد، حيث ستنشأ  للمستثمرين الأجانب مصالح حيوية داخل البلاد، وكما هو معلوم هناك  علاقة وثيقة بين القدرة الاقتصادية والقوة السياسية، حيث تتفاقم ظاهرة إفساد الانتخابات وارشاء المسؤولين ....
إن عملية استبدال الدين الخارجي بأصول القطاع العمومي لا تؤدي إلى استثمار جديد، أي إلى  خلق طاقات  إنتاجية جديدة. بل تؤدي فقط  إلى تغيير صاحب الحق  في ملكية أصول إنتاجية قائمة بالفعل، من ملكية وطنية عمومية، إلى ملكية أجنبية خاصة. كما تؤدي الى زيادة رصيد ما يملكه الأجانب من مقاولات داخل البلاد، وزيادة نصيبهم في الدخل الوطني. ومن شأن كل ذلك احتمال  قيام المالك الأجنبي الجديد، ببيع المقاولة المخوصصة  إلى طرف ثالث معادي للقضايا الوطنية الأمنية والاستراتيجية.
بدلا من الخاتمة
يعيش المغرب حاليا  في  زمن حدث  فيه انقلاب حقيقي في معاني مختلف المصطلحات الموروثة  عن أقطاب الحركة الوطنية في مقاومتهم ضد الاستعمار الفرنسي. فقد تحول مدلول كلمة التحرر الاقتصادي من مفهوم  يعني التحرر من كافة أنواع السيطرة الاقتصادية الأجنبية  إلى مفهوم ينفتح كليا على  هذه السيطرة. نفس الشيء نجده ينطبق على  مدلول كلمات عديدة أخرى مثل الاستقلال والتنمية والمرفق العمومي والمصلحة العامة.... فأي مضمون سيبقى لمرفق التعليم مثلا بعد أن أكتسح القطاع الخاص مختلف أطواره. نفس الملاحظة تنطبق على قطاعات الصحة والسكن والثقافة والنقل ...الخ.
فإيديولوجية الخوصصة بدأت تفرغ مفهوم المصلحة العامة والتضامن الاجتماعي من مضمونهما أمام استقالة الدولة وتراجعها عن دورها التقليدي في خدمة المواطنين. فهذه الإيديولوجية تجهز من جهة  على حقوق المواطنين تدريجيا  في  مجالات التعليم والصحة والشغل وبقية خدمات المرافق العمومية، كما تجهز من جهة أخرى على ما تبقى من سيادة الدولة واستقلاليتها نظرا لما تشكله سيطرة الأجانب على المقدرات الاقتصادية للبلاد من مظاهر للاستعمار الجديد.
ويؤكد عالم المستقبليات المغربي الدكتور المهدي المنجرة في كتابه انتفاضات في زمن الذلقراطية أن المغرب يحيا اليوم نموذجا من  الاعتماد على الآخر حيث التقليد الأعمى، وحيث المواطن خارج المعادلة التي يسيطر عليها البنك الدولي والولايات المتحدة والسوق الأوربية المشتركة، وأن وفودا مغربية تلتقي بوفود أجنبية سواء داخليا أو خارجيا وتعقد الاتفاقات دون مشاورة ودون مراجعة وهذه ليست ديموقراطية على الإطلاق. فإذا كنا نعيش وضعا اقتصاديا مزريا فبسبب هذا النموذج الاقتصادي، حيث ستة ملايين من المغاربة يعانون الفقر الأقصى.
إن ما يستفاد من مقولة الدكتور المنجرة هو ما تعانيه البلاد من غياب للديموقراطية ومن تهميش لدور المواطنين عند  صياغة القرارات المصيرية الحاسمة التي تهم حاضرهم ومستقبلهم. فالتنظيمات الحزبية  عند اقتراب الاستحقاقات الانتخابية تقدم  للمواطنين ترسانة من الوعود المعسولة لكنها حالما تصل إلى  سدة الحكم فإنها تفعل ما فعله سابقوها وتنسى حتى البرنامج الذي انتخبها المواطنون من أجله مع افتراض أن الانتخابات لم تكن مزورة. فهذا الواقع يفضح ضعف سلطة المواطن اتجاه سلطات الدولة.
العلاقة هنا تتمثل في أن سياسة الخوصصة شأنها شأن جميع القضايا الحساسة بالنسبة للمواطنين لم تكن محلا لاستشارات شعبية فهذه السياسات لا تحض بسند المواطنين. فإذا ما تم  تنظيم  استفتاء شعبي نزيه  حول من مع خوصصة المرافق العمومية ومن ضدها؟  فإن النتيجة ستكون بطبيعة الحال لصالح رفض الخوصصة. وهي نتيجة موضوعية ما دام  ثلثي السكان يعانون من الأمية  حيث لن تزيدهم خوصصة المرافق العمومية سوى إمعانا في حالتهم الشادة،  لذلك فإن رفضهم سيكون شيئا طبيعيا، ثم ان الثلثين من المتعلمين سيرفضون كذلك الخوصصة لأنها تقف وراء عطالة أغلبهم  عن العمل وتدهور القوة الشرائية للعاملين منهم. فمن يبقى في النهاية من أنصار  هذه الإيديولوجية؟ سيدافع عنها بطبيعة الحال كبار الأثرياء المستفدين منها ومن خلفهم الأحزاب والجمعيات الموالية لهم بالإضافة إلى  المستعمرين الجدد الأجانب وثلة من المثقفين المرتزقة وكل هؤلاء لن يتجاوز عددهم 10 % من سكان البلاد.




#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التجارة الخارجية في زمن العولمة الليبرالية
- البعد المالي في إتفاقية الشراكة المبرمة بين المغرب والاتحاد ...
- مــــأزق البطالــــــة
- التحولات الاقتصادية والسياسية للطبقات الاجتماعية في المغرب - ...
- الاستعمار الأمريكي واستراتيجية المقاومة
- خلفيات الحرب الإمبريالية الأمريكية على العراق
- الاستثمارات الأجنبية الخاصة عامل تنمية أم استعمار جديد؟
- الشراكة الأورومتوسطية بين واقع الهيمنة وأحلام التنمية
- المديونية الخارجية والعولمة
- مقاومة العولمة الليبرالية
- فخ المؤسسات المالية الدولية
- أبعاد التنمية المستدامة


المزيد.....




- تحد مصري لإسرائيل بغزة.. وحراك اقتصادي ببريكس
- بقيمة ضخمة.. مساعدات أميركية كبيرة لهذه الدول
- بركان ينفت الذهب في أقصى جنوب الأرض.. ما القصة؟
- أبوظبي تجمع 5 مليارات دولار من طرح أول سندات دولية منذ 2021 ...
- -القابضة- ADQ تستثمر 500 مليون دولار بقطاعات الاقتصاد الكيني ...
- الإمارات بالمركز 15 عالميا بالاستثمار الأجنبي المباشر الخارج ...
- -ستوكس 600- يهبط ويتراجع عن أعلى مستوى في أسبوع
- النفط ينخفض مع تراجع المخاوف المتعلقة بالصراع بالشرق الأوسط ...
- كيف ينعكس تراجع انكماش قطاع التصنع على اقتصاد اليابان؟
- هل تنتهي معجزة كوريا الاقتصادية؟


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد السلام أديب - خوصصة المرافق العمومية أداة تنمية أم أداة نهب للمواطنين