أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - محمود درويش وقصيدة النثر














المزيد.....

محمود درويش وقصيدة النثر


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1699 - 2006 / 10 / 10 - 10:01
المحور: الادب والفن
    


لم يكن تفصيلاً هامشياً أن تشدّد معظم المراجعات التي تناولت كتاب محمود درويش الأخير "في حضرة الغياب"، رياض الريس للكتب والنشر، على شعرية النثر ونثر الشعر، فضلاً عن صيغة "النصّ الشعري المفتوح" التي اقترحها الشاعر اللبناني بول شاول. وليس مردّ هذا أنّ درويش يمزج ـ على نحو بيّن صريح هذه المرّة، عن سابق قصد وتصميم، وأكاد أقول: ضمن تصميم عالي القصدية، شديد الموازنة ـ بين قول شعري تفعيلي وقول شعري نثري، فحسب؛ بل أيضاً، في ظنّي الشخصي، لأنّ هذه الكتابة قد تكون ذروة جديدة في ما ينهمك به درويش منذ سنوات طويلة: جَسْر الهوّة بين وزن الشعر ونثر الشعر، وبالتالي بين تسميتين شاعتا واستقرّتا رغم ما تعانيانه من تعسف إصطلاحي ومفهومي، أي "قصيدة التفعيلة" و"قصيدة النثر".
ومن جانبي أرجّح أنّ ما في جعبة درويش من جديد في سياقات هذا الاشتغال، وربما في صيغة "النصّ الشعري المفتوح" تحديداً، كثير وافر عامر ثرّ وغنيّ، على نحو قد يتيح للمرء أن يغامر باجتراح نبوءة من نوع ما، مفادها أن هذا الانهماك سوف يثمر المزيد من الأعمال ضمن الأسلوبية ذاتها. ولعلّ الذين قرأوا "يوميات" درويش في العدد الأخير من فصلية "الكرمل" سوف تشدّهم النبوءة ذاتها، عن خيارات لا تبدو البتة بعيدة عمّا أسماه إدوارد سعيد "الأسلوبية المتأخرة"، حين يستجمع الفنّان معظم أساليبه السابقة في مزيج فريد جديد غير منقطع، في الآن ذاته، عن خصائص الماضي.
ورغم أنّ خيار درويش هذا ينبغي أن يبهج أهل الشعر بلا اسثناء، تماماً كما يبهجنا أن يشتغل شاعر قصيدة النثر على العمارات الإيقاعية في القصيدة بما يكفل تقريب المسافة بين وزن ونثر في الكتابة الشعرية، أو حين يقرّرالشاعر ذاته كتابة قصيدة التفعيلة أو تجريب النصّ المَزّجي، فإنّ البهجة ليست دون منغصات عديدة، أقلّها أذىً تلك التي تأخذ هيئة سوء الفهم، بدل إساءة الفهم. ثمة ثلاثة، بين أخرى أقلّ أهمية، في طليعتها خرافة تتردد على نطاق واسع، حتى باتت أمراً مسلّماً به: أنّ محمود درويش يرفض أن يطلق على ما يكتبه من نثر شعري تسمية قصيدة نثر، لأنه ببساطة لم يكتب قصيدة نثر أبداً.
والحال أنّ التسمية ليست مهمّة درويش، أو أيّ شاعر يقارب نصّاً لا تبدو حدوده الأجناسية قاطعة جليّة مسلّماً بها، فهذه مهمّة القارىء والدارس من جانب أوّل، كما أنّ من واجب المبدع أن يخفي أغراضه ذات الطابع التجريبي في الشكل والمضمون، تفادياً لتوريط المتلقي في ما يسمّيه النقد "مغالطة القصد"، من جانب ثانٍ. وأمّا الخرافة فإنّ مصدرها الكسل والإهمال وقلّة المتابعة، لكي لا نقول الجهل ببساطة، لأنّ درويش لم يكتب قصيدة نثر واحدة فقط، بل ستّ قصائد! ولست أقصد المزج بين تفعيلة ونثر في المقطع الواحد ذاته، بل أقصد هذا بالضبط: قصيدة نثر متكاملة، مستقلة، خالصة، قائمة على النثر وحده.
ففي مجموعته "أحبك أو لا أحبك"، 1972، تتألف قصيدة "مزامير" الطويلة (أكثر من 350 سطراً) من 12 قصيدة، نصفها قصائد نثر، بل إنّ هذه القصائد أطول من شقيقاتها الموزونة، وثمة الكثير من العناصر الفنية التي تغري الدارس المعنيّ بالرصد والمقارنة بين مادّتَيْ كتابة شعرية، من الشاعر ذاته وفي القصيدة الطويلة ذاتها. وكان من واجب الكسالى أن يثبّتوا حقيقة وجود هذه القصائد (التي، للإيضاح الضروري، لم يتخلّ عنها درويش ونجدها في جميع أعماله الكاملة، بما فيها طبعة رياض الريس 2005)، ولهم بعدها أن يروا فيها ما شاؤوا من رأي، رغم أنّ المنطق يفضي تلقائياً إلى القول إنهم ينبغي أن يسعدوا بها!
النسق الثاني يصدر عادة عن صغار كتبة قصيدة النثر، ممّن يعتبرون أنّ من المحرّم على شاعر مثل درويش أن يكتب ما يوحي بقصيدة النثر من قريب أو بعيد، لأنّ هذه مملكة مغلقة لا ينبغي أن يدخلها إلا الأطهار الذين لم يقترفوا ـ في أيّ يوم، في المطلق ـ إثم كتابة قصيدة التفعيلة! ما يثير الضحك أنّ هؤلاء يرون في أعمال درويش الأخيرة أجندات تخريبية خفية، ضدّ ملكوت قصيدة النثر إجمالاً، وضدّ فراديس كتّابها الشباب بصفة خاصة. وأمّا ذاك الذي يلفت الانتباه في هذا الرهاب الطريف، فهو أنّ العباقرة إياهم يدركون جيداً طبيعة ما تنطوي عليه هذه الأعمال من سطوة جمالية عالية تدفعهم، عن وعي تامّ وليس بالمصادفة، إلى... تقليد درويش!
وبالطبع، النسق الثالث مكمّل للنسق الثاني ولكن في صفّ كتبة قصيدة التفعيلة، أو بعض دارسيها، ممّن يرون في أعمال درويش الأخيرة تنازلاً عن التفعيلة، ثمّ عن أصول الشعر، بل أصالة التراث بأسره استطراداً، وأخيراً: التخلّي عن... القضية الفلسطينية، ليس أقلّ! بعضهم، وهم الأكثر جدية ربما، خاضوا السجال ليس بغضاً بقصيدة النثر بل تقديساً لجوهرانية الوزن، حيث التقسيم عندهم قاطع حاسم منزل: إمّا وزن، وإما نثر.
وغنيّ عن القول إنّ تأثيرات هذه المنغصّات ليست ضئيلة محدودة منعزلة فحسب، بل المفارقة أنها تجعل تجارب درويش (الجديدة، الحداثية، الصعبة بهذا القدر أو ذاك، على قارئه المعياري) أوضح إشكالية في الجانب الفنّي، وبالتالي أرقى استقبالاً. آلَف من حَمام مكّة، كما تقول العرب...



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الرقابة الذاتية وحرّية التعبير: هل أخرس الاسلامُ الغرب؟
- النبوءات حول بلقنة الشرق الأوسط: ماذا يتفكك؟ مَن يفكك؟
- في ذكرى إدوارد سعيد
- قمّة هافانا: ضحية تنحاز أم عولمة للانحياز؟
- شمشون انتحاري
- اليمن والانتخابات الرئاسية: في انتظار المسرحية الخامسة
- القادم أشدّ هولاً
- أيلول بعد خمس سنوات: ما الذي تغيّر حقاً في واشنطن؟
- تحنيط محفوظ أم استكشافه؟
- إحياء القناة السورية: ليس لدى الجمعية الخيرية مَن يكاتبها
- الراقد عند نبع الدموع
- الأسد وغياب المقاومة في الجولان: العتبى على الشعب
- جوهرانية ال ميركافا
- بوش و-الإسلامي الفاشي-: غلواء ثقافية ضاربة الجذور
- كنعان الثانية
- فائض القيمة في أرباح النظام السوري من تدمير لبنان
- تأثيم الضحية
- المجتمع الدولي: مسمّى زائف واصطفاف أعمى خلف أمريكا
- دماء لمآقي القتلة
- الشرق الأوسط الجديد: كيف يطرأ جديد على المفهوم القديم؟


المزيد.....




- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - محمود درويش وقصيدة النثر