أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الخالق كيطان - عصر الحرية في المسرح العراقي















المزيد.....

عصر الحرية في المسرح العراقي


عبد الخالق كيطان

الحوار المتمدن-العدد: 503 - 2003 / 5 / 30 - 04:34
المحور: الادب والفن
    


 

عبد الخالق كيطان
عانى المسرح العراقي ، شأنه شأن حقول الثقافة العراقية الأخرى ، من سيادة نمط من التفكير المفروض قسراً عليه ، وهو نمط أدى بالنتيجة إلى تخلف كبير طال هذا المعمار الحضاري الذي تفاخر به الشعوب المتقدمة .
إن البدايات الأولى الحقيقية لفن المسرح في العراق قد تزامنت وحقبة تاريخية كان التخلف سمتها بالرغم من كل شيء ، وهكذا ننظر اليوم باستثنائية مفرطة لجهود الرعيل الأول من المسرحيين العراقيين ، وخاصة جهود الراحل حقي الشبلي ، لا لشيء سوى قدرتهم الفائقة على إشاعة حركة مسرحية بدائية في ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية عصيبة … وقد كان الرائد الكبير جعفر السعدي قد تحدث مرات عديدة عن تلك الفترة وما رافقها من صعوبات بالغة ، كما هو الحال مع بقية رواد المسرح في العراق .. على أن الثابت في تاريخ المسرح العراقي هو الانفراج الكبير الذي تحقق بولادة فرق مسرحية ، كان الكثير منها يمثل واجهات لأحزاب سياسية ، مثل الفني الحديث ومسرح بغداد والمسرح الشعبي و14 رمضان وغيرها ، هذه الفرق التي عملت بجد ابتداءً من ستينيات القرن الماضي لتتوج بولادة الفرقة القومية للتمثيل في العام 1969 ، والتي كانت تمثل طموحاً حقيقياً لأجيال من المسرح العراقي التي تربت على تقديس حرية الكلمة ، على أن هذه الأحلام سرعان ما وئدت بعد سنوات قليلة على تأسيس الفرقة القومية ، حيث غيبت بالكامل الفرق الأهلية الأخرى ، ولم تستطع أغلب الجهود الحثيثة لأصحاب تلك الفرق من إنقاذها من الغرق ، ومع تقادم السنوات تحولت تلك الفرق إلى جزء من تاريخ الحركة المسرحية العراقية في أحسن الأحوال ، وقد اتجهت بعض تلك الفرق إلى مجاراة ( السوق ) عندما تنازلت عن تاريخها المشرق لصالح نتاجات مسرحية استهلاكية هزيلة نشطت إنطلاقاً من عقد الثمانينيات الماضي .. الفرقة الوحيدة التي تواصل نتاجها بدعم حكومي متقطع ، حسب الظروف ، كانت الفرقة القومية للتمثيل ، ولكن المؤسف إن هذه الفرقة قد وقعت مبكراً في فخ السلطة ، فالإشراف عليها لم يكن بيوم من الأيام إلا ضمن سياسات السلطة الإعلامية ، وكانت نتاجاتها المسرحية محكومة بالمزاج السياسي للعراق .. هكذا بدا منطقياً غياب كفاءات وهجرة آخرين وانكفاء عدد ليس بالقليل ، أما الذين تواصلوا فكانوا على الأرجح يفضلون ممارسة مهنتهم الوحيدة التي يعرفونها ويجيدونها بالرغم من الموانع الكثيرة التي كانت توضع أمامهم ، ويكفي الإشارة هنا على سبيل المثال لا الحصر إلى العدد الكبير من النصوص العالمية التي كانت ممنوعة من التقديم لسنوات طويلة ، نصوص مسرح العبث على سبيل المثال ، فيما كانت الساحة مهيئة بالفعل لدخول نماذج انتهازية وطارئة إلى المشهد المسرحي العراقي ، نماذج كان بعضها قد استطاع السفر إلى خارج العراق بدعم حكومي مباشر على حساب أصحاب المواهب الحقيقية والحصول على شهادات إكاديمية مزورة ( أواخر السبعينيات ومنتصف الثمانينيات ) ، وهؤلاء صاروا ممثلين ومخرجين ، بل أن أغلبهم صاروا أساتذة في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد ، ولم يقتصر الأمر على ذلك ، فنتيجة لهجرة أعداد لا بأس بها من أهل الحرفة المسرحية ، ونتيجة مباشرة لنمو تيار المسرحية الاستهلاكية في العراق فقد بدا نجم عدد من الممثلين الأميين في الظهور بطريقة صاروخية مستفيدين من ذلك الغياب ومن عزلة نجوم المسرح الحقيقيين .
لقد مارس النظام البائد في العراق سياسات محسوبة جداً للإساءة إلى تاريخ الثقافة العراقية ، وبالطبع فقد كان فن المسرح ميداناً خصباً للإساءة .. لقد غاب تماماً أي دور بارز للفرق الأهلية المسرحية التي كانت هي التي تشكل المسرح في العراق أيام سنوات تأسيسه ، وغياب هذه الفرق سمح بالتأكيد لسيادة صوت واحد في المسرح هو صوت الدولة ممثلاً بالفرقة القومية للتمثيل ، وهذه الأخيرة كانت تشتغل مثلما تشتغل أي مؤسسة إعلامية من مؤسسات النظام ، فتطيح بهذا الممثل لأنه لم يكن بعثياً مثلاً مثلما تنتج ما يلائم التوجهات الرسمية للإعلام العراقي … ولقد فرضت المعادلة الجديدة هذه منطقها الخاص أيضاً ، ذلك المنطق الذي يجبر فناناً بحجم الأستاذ سامي عبد الحميد على إخراج مسرحية رديئة للغاية عن رواية لصدام حسين يحشد لها كل الإمكانيات المتاحة من ممثلين وتقنيين وما إلى ذلك ، والأمر لا ينطوي على أي مفارقة طالما حوصر رجل المسرح في مهنته التي لا يعرف سواها . إن الثابت في فن المسرح هو لا فردانيته ، وهذه اللا فردانية هي سبب أساس في التعقيد الذي تعاني منه العملية المسرحية برمتها ، وانطلاقاً من هذه الحقيقة وجد المسرحيون أنفسهم وهم يسهمون في مسرحيات عديدة جداً لا تلبي طموحاتهم الثقافية والفكرية ، بعضهم كان يعمل من أجل المال ، في المسرحيات الاستهلاكية ، وبعضهم من أجل السفر ، لطميات ومناحات الحصار مثلاً ، والبعض الثالث كان يعمل من أجل درأ التهمة عنه ، تهمة الخيانة أو العمالة أو الأفكار الهدامة أو … كما هو الحال في  المسرحيات التعبوية .. إن حالاً على هذا الشكل من الريبة والخوف والقلق والترقب لم يكن لينتج إلا مشاريع غير مكتملة الصورة ، إن لم نقل مشوهة ، فمخرج مسرحي بمستوى صلاح القصب  كان عليه أن يبرر دائماً لماذا تعج مسرحياته باللا منطق ولماذا لا يستطيع ( الرفاق ) فهم مضامينها .. وكم كان يبدو مشهداً سوريالياً ذلك الذي جمع المخرج ناجي عبد الأمير ببعض المتسولين على مائدة واحدة في فندق رخيص يسكن عبد الأمير فيه في الحيدرخانة ، كانت المائدة بدعوة من صاحب الفندق الذي فرش إحدى الصحف اليومية من أجل وضع الطعام عليها وهنا اكتشف أحد الحضور صورة المخرج في الجريدة .. هو لم يصدق بالطبع إنه وصاحب الصورة المنشورة في الجريدة الحكومية يتقاسمان ذات العيشة المهينة !..أما مقداد عبد الرضا ، الممثل المعروف جداً فلم يفلح مشروعه الصغير بافتتاح محل لتأجير أفلام الفيديو في الوزيرية لسبب بسيط للغاية هو أن أفلامه لا تصلح للبيع فهي نتاج عبقريات كبرى لا نتاج أفلام المقاولات ، السكرين في العراق ، تلك التي اضطر عبد الرضا نفسه للمشاركة فيها .. ممثل آخر هو عبد الخالق المختار وضع شهادته المسرحية على الرف من أجل أن يمثل في مسلسلات تلفزيونية تقدم له بعض المال ، وبالطبع لم تكن أغلب تلك المسلسلات إلا مشاهد تلفزيونية رديئة الصنع .. آخرون ، وهم كثر على أية حال ،  قرروا الفرار قبل أن تأكلهم الإرضة ! ، حكيم جاسم مثال صارخ على ذلك ، فهو موهبة كبيرة كانت في طريقها للنمو لو كانت لها أرض خصبة ..نحن لا نتكلم بالطبع عن مواهب مؤسسة أصلاً ثم هاجرت : قائد النعماني ، خليل شوقي ، بدري حسون فريد ، قاسم محمد ، محمود أبو العباس وغيرهم ، ثمة آخرين كان المنفى بالنسبة لهم فرصة حقيقية لاكتشاف مواهبهم : جواد الأسدي يبرز مثالاً صارخاً عندما احتفت به أكبر المسارح العربية وبعض المسارح الأوربية فيما ظل لسنوات طويلة محرماً ذكر مجرد اسمه داخل العراق !!! وما دمنا بصدد الحديث عن الهجرة فإن الملاحظ هنا هو موجة هجرة الفنانين الشباب التي انطلقت بعد التسعينيات بحيث لا يمكنني عدهم !
الصوت الواحد هو الذي أنجب خراب المسرح العراقي ، حتى الاحتيال على هذا الصوت كانت له شروطه القاسية ، ولنأخذ تجربة عزيز خيون على سبيل المثال ، فهو رجل مسرح محترف ظل يناور ويناور حتى استقر به المطاف في الإمارات العربية المتحدة .. كم هم الذين ناوروا ؟ بالطبع كثيرون جداً كما أن الذين سقطوا في الفخ كثيرون !
بعد هذا كله يقبل المسرح العراقي اليوم على تجربة مثيرة حقاً ، تجربة تذكر ببداياته الرائدة حيث التعددية سمته الرئيسة . إن المسرحيين العراقيين وهم يعيشون عصر الحرية الذي تحقق بسقوط نظام صدام حسين ستكون أمامهم خيارات كثيرة حقاً ، على إن أهم هذه الخيارات على الإطلاق ، من وجهة نظرنا المتواضعة ، هو : العمل الجاد على الانفتاح على مختلف التجارب والتيارات المسرحية .. بعبارة أخرى على المسرح العراقي أن ينتفض ضد أحادية الصوت القاتم الذي أجبر على العيش فيه لثلاث عقود وأكثر والانطلاق نحو التعددية التي هي هواء المسرح ومتنفسه .

***
عبد الخالق كيطان
شاعر عراقي مقيم في أديلايد




#عبد_الخالق_كيطان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ارتكبت جريمة هذيان / مقالات ومواضيع اخرى
- عن رحيل الشعراء ومفارقاته
- خطيئة الاجتزاء
- المثقفون العرب وأم الحواسم: الحيرة واليقين في مخيلة مواطن عر ...


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الخالق كيطان - عصر الحرية في المسرح العراقي