أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - هادي الخزاعي - (3)-- My year in Iraq -- قراءة في كتاب بول بريمر















المزيد.....


(3)-- My year in Iraq -- قراءة في كتاب بول بريمر


هادي الخزاعي

الحوار المتمدن-العدد: 1693 - 2006 / 10 / 4 - 09:28
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


أن كتاب بريمر " سَنَتي في العراق " حفل بكل شئ يتعلق بتلك السنة التي ادار بها العراق. والملاحظ انه لم يترك شئ من اجندة رؤساءه نهبا للصدفة، او لأرادةٍ غير الأرادة الأمريكية، وبالتحديد في ارادتها بصناعة عراق مُعَلَب باحكام ومذيل بـ " صنع في امريكا " بحيث لا تغشاه عبارة " منتهي الصلاحية ( الأكسباير ) " كما هو شائع في كل معلب في العراق.
أن الأرادوية الأمريكية وفرماناتها التي تريد من العراق أن يكون أنموذج لدول الشرق الأوسط الجديد على طريقتها وبديمقراطيتها القادمة من وراء البحارـ اذا ما افترضنا حسن النية الامريكية في هذا الأمر، بعيدا عن عقلية المؤامرة ــ فأنها قد داست على رمال متحركة وهي تسمح لكل من هب ودب من بقايا نظام القتلة وحلفائهم ليكونوا سادة او أمراء او شيوخا على البطاح العراقية التي أخلاها صدام والغزاة من السياج! يرفسون العراقيين قبل ان يرفسوا جنودهم بالمفخخات والخناجر ذوات النصول الذباحة على الطريقة الأسلامية، دون ان تسمح لعيونها الراصدة لكل دبيب على الأرض من رصدهم، وهم يتحولون الى دراكولات تمتص دماء العراقين وتقطع اوصالهم، وكأنهم قدرازلي .
ان ما يعاب على بريمر، انه اسس لانفلاتات وفراغات كثيرة في العراق كان قد اركبها مركب ثنائيته الملغومة " الطائفية والعرقية " وجعلها تبحر في اليم العراقي المضطرب بلا هوية وطنية. فكيف اسس بريمر لتسييد ذلك الأضطراب، الذي لاشك من انه مرتبط بفلسفة وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد الذي نال شهاداته الأكاديمية العلياعنها ( فلسفة تحقيق الأهداف عن طريق خلق حالة الفوضى ) ؟

عودة الى ملف بريمر .
في يوم 6/5/2003 اصدر الرئيس الأمريكي جورج بوش امرا رئاسياً بتعيين السيد بول بريمرموفدا خاصا له في العراق. وهذا يعني ان بريمر سيرأس فريق العمل الذي سيعمل على تشكيل حكومة مدنية في العراق بدلا عن الجنرال المتقاعد جاي غارنر المعين في 9/4/2003 من قبل واشنطن بمنصب مدير اعادة اعمار العراق، والذي لم يفغل ما يستحق الأشارة اليه سوى انه عمل بكل اخلاص لحماية الجنود الأمريكان وفتل عضلاتهم بالدبابات والهمرات التي ملئت شوارع بغداد دون ان تقوم بحماية مؤسسات الدولة التي غزوها من النهاب والسراق والغضب العفوي لجماهير كثيرة ارادت ان تنتقم من طواحين النظام المنهار فراحت تحطم حتى حجارتة الصماء.
وبعد شهر من الدمار الذي وقف على تلته الجنرال غارنر، جاء بريمر صاحب الواحد والستين عاما الذي قضى ثلثاها في خدمة الأدارة الامريكية، فهو وحسب التعبير السياسي الأمريكي محافظ عنيد يحظى بأحترام كل الذين يمسكون بأطراف ثوب البيت الابيض الأمريكي ومداراته القريبة والبعيدة ايضا، ولهذا فأن بوش لم يتوانى عندما عينه واليا على العراق من أن يقول بأنه الشخص الذي يعرف كيف يدير الأمور!!
وفي عمره الوظيفي ترأس بريمر قسم مكافحة الأرهاب في الخارجية الأمريكية وتولى ايضا العديد من المناصب الهامة في الخارجية، منها مثلا عمله كمساعد لستة من وزراء الخارجية الذي تعاقبوا على هذا المنصب قبل ان يتقاعد. كما انه شغل مواقع دبلوماسية في دول عديدة منها النرويج وهولندا ومالاوي وافغانستان وغيرها ، ولكنه لم يعمل مرة في الشرق الأوسط رغم انه عمل سفيرا متجولا لمكافحة الأرهاب عام 1986 عندما عينه الرئيس الأسبق رونالد ريغان بهذا المنصب. عاد الى العمل بعد أشهر من تقاعده عام 1999 ليعين كرئيس مشارك للجنة الوطنية للأرهاب التي اصدرت بعد أقل من سنة واحدة تقريرا يدعوا الى مراجعة شاملة لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية في مكافحة الأرهاب، وبناءا على تقارير صحفية ، فأن منصبه ذاك جعله يحذر في شهادة امام الكونغرس الأمريكي من احتمال وقوع هجمات ارهابية، كأن تكون هجوما اشعاعيا على بعد عشرين كيلومترا من الجانب المائي من مدينة شيكاغوغيرالماهول منذ نصف قرن. وفي هذا السياق دفع بريمر الرئيس بيل كلنتون على وجوب مكافحة الدول الداعمة للأرهاب بشدة ، وبالخصوص تلك الدول التي اطلق عليها تسمية المارقة، كسوريا وايران والسودان.
ان هذه الخلفية والخبرة الكبيرة لدى رجل خبر العمل في مختبرات الخارجية الأمريكية كخبير ومستشار في مكافحة الأرهاب، لم تأت اعتباطا, فبريمر واحد من صناع الأجندة الأمريكية في الشرق الوسط، الأمرالذي اقتضى تحريرغارنر من قفص العراق الذهبي والمجي بمغرد لا يغرد خارج سرب اجندة المصالح الستراتيجية الأمريكية وهي تسير بسياستها قدما في مواجهة ومكافحة الأرهاب.

حكاية مجلس الحكم.
بتاريخ 20/2/2003 خطب بوش خالصا الى راي اخير، مفاده ان الحل الأمثل لتغيير صدام حسين هي الحرب.
لايعقل ان يكون هكذا قرارمتأت من فكرة مرتجلة اثناء الخطاب، بل الأرجح هي فكرة قد جرى طبخها في مطابخ عديدة وعلى نيران هادئة جدا، ومنذ زمن بعيد نسبيا . فمن بين بعض تسريبات المسؤولين الأمريكان ترشحت بعض الخطوط العريضة لأجندة أمريكا في العراق الذي يلي صدام. وبموجب هذه الخطوط سيتم تعيين ادارة امريكية مؤقتة يديرها مدني امريكي يرعى فيها عمليات اعادة اعمار العراق، وأيضا العمل بشكل سريع على تكوين حكومة عراقية ذان طابع تمثيلي.
وبالفعل هيأت الأدارات ذات الأختصاص طاولة الأكل، ووضعت على جانبي الصحون، الشوكات والملاعق والسكاكين، فالوليمة على وشك ان تبدا.
وفي فجرعراقي طري اقتحمت اسوارالعراق جزمات الجند المدججين ليتقدموا ويتقدموا، ولا من مقاومة تبرر وجود اكثر من مليون مجند عراقي خبرتهم الحروب التي لم يَخُفُ أوارها منذ عقدين من الزمن. جيش امتص قلوب ودماء وجيوب ليس فقط العراقيين بشرا ولكنه ابتلع ما في جوف ارضهم ايضا من اجل ان يتخم بالسلاح والعتاد. فهل من مفارقة ام مباركة غير منظورة مهدت لما صاراحتلالا بأقل التكاليف. وبهذه المناسبة لابد من الأشارة الى أن اي عراقي شريف لا يرتبط بعجلة النظام الصدامي البائد، لم يأسف على سقوطه، لأنه اوغل بهم ارهابا وقمعا منظما على مدى عقود ثلاث.
وسارت الأمورعلى ما ذكرناه قبل سطور، الى حين تعيين بريمر حاكما على العراق، والذي شرعنته المنظومة الدولية. ليبدا المارثون الذي وضعت نقاط بدايته ونهايته على طاولات البيت الأبيض الأمريكي. وبتأريخ16/5/2003 المصادف يوم جمعة، اجتمع الحاكم بريمرمع مجموعة السبعة ليعلن التغيير في ستراتيجية السياسة الأمريكية خلال فترة ما بعد الحرب.
ومع بداية هذا المارثون السياسي بايام يَسرْالسيد هوشيار زيباري، المتحدث بأسم السيد مسعود البارزاني، للمبعوث الخاص لرئيس الوزراء البريطاني بان التحالف بحاجة الى شريك سياسي في العراق، محذرا في نفس الوقت من الفشل في ملئ الفراغ السياسي بحكومة عراقية فاعلة، اذ ان ذلك سيؤدي الى ردود فعل عكسية وسط العراقيين، والى تدخل من دول الجوارالتي ستسعى لردم الفراغ الحاصل في العراق. وفي هذا المسار حذر العديد من الذين تحدثوا عن الوضع العراقي من ان التأخيرفي اقامة الحكومة، سيصب في مصلحة بقايا البعثيين وما كان يروجون له من ان القوى الغربية تسعى للأستيلاء على ابار النفط وثروات العراق الطبيعية.
ويتواصل المارثون من الطرف العراقي بأن قام السيد البارزاني بأول زيارة للنجف منذ اكثر من ثلاثة عقود، حيث تشاور مع زعماء الشيعة البارزين، قبل ان يدخل في محادثات جديدة مع مسؤولين امريكيين حول عراق ما بعد صدام حسين، ثم يلتقي ولأكثر من نصف ساعة مع السيد السيستاني. وبعد هذه الزيارة يعلن للصحفيين بأنه استمع الى نصيحة السيد السيستاني ـ ماهية النصيحة لم تعلن ـ ثم يضيف بأن الدستور يجب ان يكون الضامن لحقوق جميع العراقيين. وفي خلال خطوات السيد البارزاني وهو متجه الى بيت السيد السيستاني عبرذلك الشارع الضيق المزدحم ردد الناس هتافات وعبارات تشيرالى انهم يطالبون بربان سفينة ماهر، قادر على ان يوصلهم الى برٍ امين، بغض النظر عن طائفته او عرقه. ثم توالت لقاءاته مع المرحوم السيد محمد باقرالحكيم و والسيد بحرالعلوم، وقد كانت هذه الزيارة قد جرت في يوم 5/5/ 2003 . وفي اليوم التالي، السادس من حزيران اجتمع بريمر مع اقطاب المارثون السياسي العراقي المعين في مؤتمر لندن، بفانيلاتهم الطائفية والعرقية حسب ما كانت تريده الأدارة الأمريكية، وهذه المجموعات هي المؤتمر الوطني العراقي ( احمد الجلبي )، حركة الوفاق الوطني( اياد علاوي )، الأتحاد الوطني الكوردستاني ( جلال الطالباني ) الحزب الديمقراطي الكوردستاني ( مسعود البارزاني )، المجلس الأعلى للثورة الأسلامية ( حضر بدلا من الحكيم عادل عبد المهدي وحامد البياتي ) وحزب الدعوة الأسلامية ( ابراهيم الجعفري ) وومثل عن السُنة ( نصيرالجادرجي ). كان الطرف الأمريكي في هذا الأجتماع ممثلا بالحاكم بول بريمر، يجاهد من أجل قضيتين . الأولى هي الأعلان عن خطط امريكية – بريطانية ، لأقامة ادارة عراقية انتقالية. أما الثانية فهي كسب التأييد من لدن الأمم المتحدة لأصدار قرارجديد لرفع العقوبات، وكذلك تامين دور لهذه المنظمة في قضية اعادة اعمار العراق. وقد كان في طيات القضية الأولى التي اثارها بريمر هي توسيع مجموعة السبعة بالشكل الذي تعرضنا له في الحلقة الثانية من هذه القراءات. ان ما طرحه بريمر من مشروع كان مثيرا للجدل في مجموعة السبعة، فمن كان يريد ان تسلم السلطة اليهم مباشرة من دون التوسيع كما كان يريد الحكيم والجلبي الذي سبق له ان امر محمد محسن الزبيدي في بداية الفراغ وعلى ضوء امريكي اخضر بالتحرك لملء الفراغات الهائلة التي سببها الغزو في كينونة الدولة العراقية وتنشيط العديد من المؤسسات فعين مديرا لمنظمة الهلال الأحمر العراقية كما شكل اكثر من عشرين لجنة لأدارة الوزارات، حتى تحولت لجان الجلبي الى اخطبوط يروم الأستحواذ على كل مخلفات الدولة المنهارة، وثائق ودولارات وأسلحة وبنايات وتحف أثرية، وربما توهم انه يستطيع أن يتسلق برج الدولة وحده ويجلس على قمتها. لكن الأمريكان اوقفوا هذا الزبيدي – الجلبي واعتقلوه، فلا صلاحية لغير الأمريكان في صنع اي شئ في عراق ما بعد صدام. وطبعا هذه كانت رسالة فهمها جيدا كل من له يد في مساعي الهيمنة بلا موافقة امريكية بريطانية . وأما من كان متفهم لوجوب التوسيع حسب الأرادة الأمريكية فقد وافق مع ما يشبه الشروط. فالسيدعادل مراد عضو المكتب السياسي للأتحاد الوطني الكوردستاني يقول للصحف " أذا تم اعتماد هذه الأحزاب فأن مقعدا شاغرا سيبقى ، هو المقعد التركماني " واشارفي نفس الحديث الصحفي " هذه الأحزاب هي تجمع الديمقراطيين المستقلين والحزب الشيوعي العراقي والحزب الأسلامي العراقي والحركة الأشتراكية العربية والحركة الديمقراطية الأشورية معتبرا ان " التباطؤ في اعلان الحكومة الأنتقالية المؤقتة هو احد مشاكلنا مع الأمريكان لأننا نريد حكومة وطنية عراقية فورية والتحضيرمن اجل اقامة المجلس التاسيسي الذي يعني انتخابات لأقرار الدستور العراقي حتى يتم تثبيت السلطة العراقية ".
يشير بريمر الى ان الحكيم الذي كان يعارض دائما توسيع مجموعة السبعة الى مجلس حكم يتمتع بتمثيل أوسع، قد تناقضت مشاعره حيالها هذا اليوم، بعد وليمة الغداء التي دعاه اليها في بيته المطل على نهر دجلة. فقد ابلغه الحكيم بأنه يقر بأن الأنتخابات التي يطالب بها عبر مؤتمر وطني غير ممكنة في هذه المرحلة ولكنه يفضل ذلك لأنتخاب الأدارة المؤقتة، ويضيف بريمر عن السيد وهو يتذوق البوظة المطعمة بالفستق، حينما قال لنترك مجموعة السبعة تختار الحكومة العراقية . فرده بريمر بان ذلك مستحيل يا سيد، فلا يمكن ان يعقد مؤتمرا الآن ولا يمكن ان يتوفر اجماع وطني على كيفية الأنتقاء، مضيفا بكلمات تطرق على كل المسامع ومساحات الأذن، بأنهم لا يمكن ان يسمحوا لهذه المجموعة ان تحول نفسها الى حكومة مؤقتة، ذلك لأننا في الأئتلاف قد دخلنا في المرحلة النهائية من جمع مجلس الحكم. ولم ينسى بريمر ان يتمنى للحكيم وجماعته ان يكونوا جزءا من تلك العملية.
ومن التعبير الجاف كما يقول بريمر الذي ارتسم على وجه الحكيم " حسبت اني اناقش مسالة رياضية معقدة، لا مستقبل حزبه او بلده " حتى انه وهو يأمر الخدم برفع الصحون اعلن عن عزمه المغادرة الى لندن لأخذ اجازة أمدها يومين، فاجابه بريمربأنه يتفهم حاجته الى تلك الأجازه ولكنه اختار الزمن غير المناسب. ويبدو ان السيد قد فهم التلميح الصريح بأن لا يرتكب ذات الغلطة التي أرتكبها الشيعة عند بداية تأسيس الدولة العراقية الحديثة. فالغى فكرة الأجازة من اساسها. اما الجلبي فكان من الماهرين في هذا المارثون. فقد وصل بغداد لتوه قادما من واشنطن التي قضى فيها اجازة كتلك التي ارادها الحكيم لتأليب الكونغرس والأدارة الأمريكية على الخطط السياسية للأئتلاف. فقد اشار بريمر ان الأيام العشرة التي قضاها الجلبي في واشنطن حيث لا تزال شخصيته تحظى بنفوذ هناك ، لغرض تأليب الأدارة عليه ، وملمحا بخبث لايقل عن خبث الجلبي، الى ان المعلومات الأستخبارية عن برنامج اسلحة الدمار الشامل الذي كان يباركه صدام قد وصلت الى واشنطن عن طريق المؤتمر الوطني العراقي الذي يرأسه الجلبي. ان الظهير الذي يستند عليه الجلبي في واشنطن شجعه على ان يعلن تعارضه مع الأئتلاف المؤقت عندما سعى الى اقناع السبعة بمقاطعة مجلس الحكم وتعيين نوابهم فقط. لكن هذه المعارضة الجلبية لم تصمد امام قرار بريمر الذي يقضي بأن تتمثل المجموعات والأحزاب برؤسائها. ولبريمر في ذلك اهداف عديدة، ربما اولها ان تتولى الأحزاب نفسها مسؤولية القرارات التي يصدرها مجلس الحكم. ويعترف بريمر بأن الجلبي من القادة القلائل الذين يفهمون الاقتصاد، وانه ايضا قد استغل نفوذه في واشنطن للتشجيع على الأطاحة بصدام، فقد سلم اليه كلنتون مفاتيح القانون الأمريكي القاضي بتحرير العراق، فهو وايضا المجلس الاعلى للثورة الأسلامية في العراق مفضلون على سواهم لدى الأدارة الامريكية على ان يكونوا داخل الخيمة لا خارجها، ولكن بثمن غير مرتفع ! ولم يتاخر بريمر من لجم فم الجلبي حينما قال له ان الرئيس بوش كان واضحا جدا عندما قال سنبقى في العراق الى ان تنتهي مهمتنا، ولن نتأخر يوما اضافي.
لم يكن الطالباني صعبا بالموافقة على انشاء مجلس الحكم، بعد ان ابلغه بريمر بأن الأئتلاف المؤقت مصمم على دعم انشاء عراق فدرالي. ولم يتوانى الطالباني من ان يقول بأن مجلس الحكم سيتحصل على سلطة سياسية حقيقية، مؤكدا انه يوافق على العمل في مجلس الحكم بناءا على مناشدة بريمر الشخصية.
اما البارزاني فكان مشواره في هذا المارثون قصيرا ، فرغم انه اوضح لبريمر انه لا يريد الأضطرار الى العيش او حتى السفر الى بغداد لأنه يكرهها، ولكن بناء على اصرار بريمر يقبل الطالباني العمل في المجلس على مضض.
يستمر بريمر في اختياراته خارج مجموعة السبعة، فيلتقي بمشايخ شمرالذي اخذ منهم عهدا بعدم الخيانة او التراجع عن الأتفاق الشفوي بينهم . وترشح منهم الشيخ غازي عجيل الياور.
وفي زحمة العمل على توسيع المجلس وفي الأسبوع الأول من تموز، وبعد النشاطات الجماهيرية التي قام بها الحزب الشيوعي العراقي احتفالا بيوم الأول من ايار عيد الطبقة العاملة في العالم، وكأنه يريد ان يُحيي يوم من اجمل كرنفالات العراق. وفعلا قاد الشيوعيون مسيرة احتفالية في شوارع بغداد احتفاءا بهذا العيد. ويبدوا ان نجاح الفعالية قد وقع في سمع البريطانيين، فجاء ساورزالى بريمر بفكرة ضم احد اعضاء الحزب الشيوعي العراقي في مجلس الحكم ـ لاحظوا الفرق بالطرح فهم حينما يتحدثوا مع الجلبي او الحكيم يريدون مشاركتهم كاحزاب، أما مع الشيوعيين فهم يريدوا عضوا من الحزب الشيوعي العراقي ـ فهذا الحزب حسب البريطاني ساورز، قد اجتذب الكثير الكثير من المثقفين والفنانيين العراقيين، ولا يزال هذا الحزب لديه من الاتباع الكثير في محيط المثقفين. ولم يترك بريمرالأمر يمر دون ان يزرع شتلاته التي لا تنتج فيئا ولا ثمرا غير التطاحن، فيشير بأن هذا الحزب قد سمح له صدام بالبقاء مترنحا لأنه راى ان ألحاده المعلن قد يكون مفيدا في مواجهة النزعة الأسلامية، وكانه يريد ان يقول بأن هذا الحزب لم يواجه الدكتاتورية الفاشية بقوة السلاح على مدى عقد كامل في جبال كردستان ووديانه حيث قدم المئات من الشهداء وهو يناضل برفيقاته ورفاقه الذين آثروا الموت من اجل الوطن، حيث كانت اذاعته التي تبث من شقلاوه الصوت الصادح ( صوت الشعب العراقي) الذي لم يسمعه لا بريمر ولا من كانوا محتمين بفئ الدولارات الأمريكية وهم في فنادق الدرجة الأولى. ولم يبخل بريمر في دس الكثيرمن السم بالعسل، عندما سأله ساورز، أن كان لديه اعتراض مبدئي على الفكرة، فرد بريمرلا، لكن شرط ان يجد شخصا قد تخلى عن شيوعيته وأفكارها الخاطئة بصدد الكيفية التي يدار بها الأقتصاد. وفي الثامن من تموز جلس بريمر والى جانبه مشاركه الانكليزي ساورز،وأمامهم عزيز محمد الأمين العام السابق للحزب الشيوعي العراقي ـ مطلوب من السيد عزيز محمد أن يرد على ما اورده بريمر عنه وبذلك الأقتضاب الذي لا يوفر اي فكرة صحيحة للقارئ عنه إلا انه رجل قد شابه الخرف ـ ومن بين طيات الحوار يبدوا ان السيد عزيز محمد قد فشل في الأختبارالأمريكي، لأن بريمر استنتج ان هذا العجوز صاحب الثمانين عاما لا يزال يعتقد بأن برجينيف لا يزال حيا ـ تصورعزيزي القارئ اي استغفال للقارئ يريده بريمرـ ويستمر في خلط العسل بالسم حينما يقول ان من حُسْنِ حظهم هو وساورز ان اجرو مقابلة مع بديل عزيز محمد في قيادة الحزب حميد مجيد موسى، الذي يصفه بالربع النشيط، المدرك بوضوح الحاجة الى تشجيع القطاع الخاص في العراق. فقد نجح حميد مجيد موسى بالأختبار. ويضيف عن موسى بأنه قد اثبت وهو الشيعي، انه كان احد اكثر اعضاء المجلس تاثيرا وشعبية. أن هذا الأنطباع الخالي من البراءة ربما اراد به بريمر ان يكمل ما بداه صدام في حربه على الشيوعية في العراق. أن انطباع بريمر هذا يفرز تساؤول أرى أن من المفيد الأجابة علية من قبل السيد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد موسى. والسؤال هو هل تمت دعوتك من قبل بريمر بشكل شخصي على انك شيعي بدرجة اساس، او شيوعي قد تخلى عن الأفكار الشيوعية الخاطئة ـ حسب تعبير بريمر ـ ، ام كونك سكرتير للحزب الشيوعي العراقي. ففي الأيضاح ما يطيب خواطر الكثيرين من الشيوعيين وأصدقائهم، فلا يكفي انه قال عنك انك اكثر اعضاء مجلس الحكم تأثيرا وشعبية، فهذا خصيصة اختص بها الشيوعيين وليست منة من بريمركما اعتقد.
ولا يترجل بريمر عن مارثونه حتى يكتمل عقد مجلس الحكم بالطبيبة رجاء الخزاعي التي احسنت القول وهي تقول عن مهمتها اللاحقة " ساعدت طوال سنوات ثلاثين مضت على توليد آلاف الأمهات العراقيات، وانني أشعر بالفخر اني اساهم اليوم بتوليد امة عراقية جديدة " .
وفي زحمة هذا المارثون السياسي كانت اعمال العنف تضرب اطنابها في الشارع، فجرائم القتل اليومي مستشرية بلا توقف. فاغتنم مجموعة السبعة المناسبة ليجتمعوا في الثامن من تموز في صلاح الدين ليدينوا هذه الممارسات التي اشاروا في تنديدهم بها، الى انها من فعل جهات وفلول النظام السابق لزعزعة الأمن والأستقرار وضرب البنية التحتية ومصالح الشعب العراقي. ويشترك السبعة في الأعلان عن ترحيبهم بتشكيل مجلس حكم يمكن ان يكون خطوة في الأتجاه الصحيح لتشكيل حكومة عراقية انتقالية تتمتع بصلاحيات واسعة . لقد وضعوا كل شئ يتعلق بتصوراتهم في داخل اطار صورة ذلك المجلس، ولم يبق غير ان تعلق على الجدار.
اما المتسابق بريمرالذي حصن نفسه ضد كل العقبات التي يمكن ان تعرقل فوزه بهذا المارثون الأعجازي، فقد حمل معه مفاتيح اسرار خارطة الطريق لذلك المجلس الذي أنجب المحاصصة الطائفية والأثنية التي لا ندري الى أين ستصل تداعياتها. وانسحب الأمر على الوزارة التي شكلها مجلس الحكم حيث كان التعيين ليس على اساس الكفاءة وانما على اساس المحاصصة الطائفية والعرقية.
لقد كانت نتيجة المحاصصة الطائفية والأثنية أن سمي خمسة عشر اسما على انهم شيعة بدرجة اساسية وخمسة من السنة وستة من الكورد وواحد من التركمان وآخر من الكلدو آشور.وسار الأمر حتى في تشكيل الوزارة بل شمل موظفي تلك الوزارات ايضا.
لقد ارسى بريمر بذلك هذه الآفة ـ الطائفية والأثنية ـ التي أسست الى ما هو عليه العراق الآن من اقتتال يقرب الى حد بعيد بالحرب الأهلية. دون ان يعطي اي اهمية للجانب الوطني والديمقراطي الذي كان بأمكانه ان يجنب العراق فوضاه التي يعيش وحمامات الدم التي لم يسلم منها احد.

تلكم كانت حكاية مجلس الحكم في سنة بريمر في العراق وسنقلب صفحاته من جديد معكم في كتابةٍ تاليةٍ.




#هادي_الخزاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب بول بريمر -- My year in Iraq -- (2)
- قراءة في كتاب بول بريمر My ywar in Iraq
- رؤيا اليقين في قراءة المسودة البرنامجية للحزب الشيوعي العراق ...
- مساهمة في قراءة لمسودات وثائق الحزب الشيوعي العراقي المقدمة ...
- مساهمة في قراءة لمسودات وثائق الحزب الشيوعي العراقي المقدمه ...
- ستون عاما منذ أنعقاد أول مؤتمر لأتحاد الطلبة العام في الجمهو ...
- من سيعتذر للكاتب جاسم المطير يا حكومة العراق...؟؟!!
- لقــد إنتخبنـــا العـــــراق
- اتهامات الجلبي والشعلان تشبه ـ حرامي الهوش يعرف حرامي الدواب ...
- رثاء غير متأخر للرفاق عايد وابو يسار وابو فرات
- كيف تنظر قائمة - إتحاد الشعب - الى الرياضة العراقية
- الى رفيقي العزيز شه مال ـ بمناسبة أربعينية الشهيد سعدون ـ رس ...
- الأرض التي تقف عليها قائمة - إتحـــاد الشـعـب -
- أتحاد الشعب.. القائمة الأنتخابية التي ستعمل على تحقيق الحلم ...
- قدرة ومصداقية الحزب الشيوعي العراقي أقوى سلاح في دعايته الأن ...
- قالـت الذاكــــرة.....
- ماركريت حسن.. شهيدةٌ.. وأيُ شهيدة
- كفاح... أيها الشهيد الذي لا يوارى
- التحالف الوطني العراقي الواسع ضرورة تكوين قائمة انتخابية موح ...
- الـمُـعـــــــــــــادِلاتْ - القسم الأخير


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - هادي الخزاعي - (3)-- My year in Iraq -- قراءة في كتاب بول بريمر