أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جهاد عقيل - خبر حياتها / فصة قصيرة














المزيد.....

خبر حياتها / فصة قصيرة


جهاد عقيل

الحوار المتمدن-العدد: 1694 - 2006 / 10 / 5 - 05:36
المحور: الادب والفن
    


تدخل رياح أيلول في خصال شعرها وتأتي راعشة من برد الخطوات الأولى لشتاء يدرج باتجاهها ، بعد أن نطلق العنان لخبر حياتها في التفاصيل التي كانت دائما" تأخذ لون وجهها إلى الليمون ,ويوما" بعد يوم كانت تتهالك على أجنحة الأرصفة التي ترتادها مع أخبار الصحف الدائرية كما كانت تصنفها دائما" فوق الأكداس المعدة للبيع بالكيلو للتجار الذين كانت ترغب بتسميتهم بتجار الحكي بالرغم من أنهم لم يكونوا أكثر من تجار ورق ربما لأنها كانت تعتبر كل الصحف لا تقدم للناس أكثر من الحكي ، ومع الأكداس التي كانت تعلو يوما" بعد يوم كانت تفقد رغبتها بالكلام إلى أن أتى اليوم الذي اعتقد أهل ( سريان) فيه بأنها خرساء .
(خرسى) ، هكذا ذهب الاسم إليها ، لم يكن اسمها على الرغم من أننا اعتدنا أن نناديها هكذا كي لا نخدش رخام عقولنا بتساؤلات باردة ، فتركناها عالقة كأحجية في ضجيج الورق الذي لف قمر عمرها وجفف تفاح صوتها ثم أننا كبرنا وأسرجنا ظهور فضولنا مطهمة بالحنين ، نفتش رحم صمتها علنا نلمس سر الشجر اليابس في عينيها ....... ففي كل المرات التي كانت تمر أمام لحظات حياتنا مغلفة بالضجيج ومترعة بأحزان ورود تعبر ثلوج الشتاء القاسي وتلوح بحمرة خديها للبياض الممتد كصفحات عقولنا كانت تومئ بعينها ضاحكة خلف قطعتي البلور الأخضر بينما يضخ فمها ابتهالات نابضة كالقلب وقبل أن يتضمخ الهواء بأنفاس الثلوج القادمة من الشمال كانت تكنس شوارع قلوبنا وتتركنا معلقين بسراب حبها الأبكم ، لم نكن نعرف لما نحبها كل ذلك الحب لكننا الآن نذكرها عندما كانت تقطف الصباحات الملونة بشرائط مدرستنا تمسك برزم الورق الأصفر .. بينما تلملم رياح أيلول أوراق أشجار الكينا تظلل شارع المدرسة وتلقيها في وجهنا في الوقت الذي تنظرنا به و توزع ابتساماتها لنا مع بعض من حبات السكر في أحيان كثيرة ، وتدعونا بإشارة عاجلة من يدها أن نذهب إليها، وكما هو الحال دائما وفي كل المرات كنا نراها و جسدها الناعم يطير مع مداعبات أيلول ونرى جرائدها تحلق حولها فاردة أشرعة كلماتها السوداء ، ناثرة غبار الكلام فوق رؤوسنا .. لم نكن نعرف آنذاك إن كنا هاربين من جلد الحكاية أم أنها كانت تقودنا من عمق أحلامنا إلى أرضها
- حكي جرايد
أمنا قالت بعد أن غلفها غيم حكايتنا
أما نحن فكنا بعد أن نتنفس رائحة الأرض الموشاة برائحة المطر نأخذ الطريق الجانبي للمدرسة ملتفين حول سورها عابرين الممر الموحل الذي يهبط بنا تحت جسر الثورة إلى أن نصل مشفى العناية فنجتازه وننعطف إلى اليمين ثم تبدأ كتل الوحل بالتساقط عن أحذيتنا مانحين درج البازلت الذي يصعد إليها لونا آخر .. كان الباب موروبا عندما ولجنا العتمة التي تغرق قيها وبدا خيط الضوء وهو يحز فراغ غرفتها ورأيناها ساعة ذاك وهي تغرق في سريرها المصنوع من أكداس الجرائد والكرتون الرخيص لصحون البيض كأميرة ساحلية يغلفها الضياء .. ويأخذها النوم إلى مدن بلا كلمات ... لم نشأ أن ندهم وعيها بوجوهنا الذاهبة إلى فضول الحكاية إلا الظلمة التي تلفها انشقت عن خضرة عينيها قليلا قليلا حتى تصاعدت غيوم الوسن وبدا كأن شمس صباح جديدة تلقي بوهج دفئها في الأرجاء ...
كانت رائحة النظافة تغمر المكان لكننا كنا نتعثر بين الحين والآخر ببضع كلمات هاربة من جرائدها ونحن نحاول مساعدتها في إعداد شايها الذي تعطره بياسمين ابتسامتها ونظرتها الملونة وهي تغرق بالذهول...
ثم أنها بعد أن تمضي بنا إلى العشيات .. تلصق نظرتها بخطواتنا الراحلة وتبقى كذلك إلى أن نصعد الجسر فنمنحها عيوننا وتلويح أيدينا ونمضي متلفعين بضوع حضورها الدافئ رغم النسمات الشاردة تلفحنا بالحنين إلى المطر .
ذلك الشتاء .. نفس الشتاء الذي كنا نرقب حضور بهائه من زجاج نوافذنا وهو يواكب الضربات الكونية لطبول الرعد ويسري فينا وميضه كالسكون بينما نرقب المياه الباردة وهي تغمر شوارعنا . في تلك الساعات بدأت روايات أمنا عن شتاء قاس قادم وعن البيوت التي غمرها المطر حول جسر الثورة وسط عويلها الحائر و دعواتها المترافقة باللطم والولوله ، عند ذاك لم يكن إلا أن حزمنا خوفنا بمعاطف الجلد التي ارتديناها على عجل آخذين الطريق الجانبي للمدرسة ، وعندما وصلنا جسر الثورة تهالكت خطواتنا هناك لأننا لم نستطع العبور تحته .. كان الماء يغمر كل شي كالعماء، ووسط الأصوات المتهالكة للرؤوس التي تضج بالنخوات رأيناها هناك في الجهة المقابلة .. تكفكف دموع جرائدها وترفعها فوق الأكوام التالفة ثم تصعد فوقها مانحه نفسها وهم النجاة بينما يواصل الماء صعوده إليها ثم بدا لنا كأننا نراها لأول مرة وقد بدا الحبر الذي سال من طيات جرائدها يجللها بالسواد وينسل من ثنايا روحها كالحياة ولوهلة خيل إلينا ان عيوننا التقت بربيع عينيها ورأيناها وهي تطيّر ابتسامتها لنا كاليمام بينما يواصل جسدها الناعم انحلاله في الماء ممتزجا بحبر جرائدها لتنسل في الماء كخيط اسود عريض من دموع وذكريات .



#جهاد_عقيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جهاد عقيل - خبر حياتها / فصة قصيرة