أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعدون محسن ضمد - تهافت المنهج في العلوم الإنسانية















المزيد.....

تهافت المنهج في العلوم الإنسانية


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 1691 - 2006 / 10 / 2 - 09:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مسافة ما بين قطعة الحديد وبين الإنسان، هي بالضبط المسافة التي تفصل بين المنجز في العلوم الطبيعية والمنجز في غيرها من العلوم. الفرق بين موضوعات العلوم لا يحدد فقط المنجز ولا المعطى، بل ويحدد المنهج أيضاً. الموضوع هو الذي يملي المناهج المناسبة للتعاطي معه، وكذلك يملي الأدوات والمجسات والمسابر، المكافئة لعمق الخفايا فيه.
ما الفرق الحقيقي بين الجسد بوصفه مادة ومن ثمَّ موضوعاً لعلم التشريح، وبينه بوصفه ذات (إنسان)، أو موضوعاً لعلم الانثروبولوجيا (مثلاً)؟ ما الفرق الذي ينقل هذه الكتلة من المادَّة بين حالتين، حالة دخولها في مديات المجهر وتحولها لمكشوف تام أمامه. وحالة تمردها ليس عن مدى المجهر فقط، بل وعن كل مديات أدوات البحث وفي مختلف العلوم؟ ما الذي يخرج بهذه الكتلة من كونها جسد فقط، إلى كونها إنسان؟
ما الفرق الذي يجعل من المجهر أداة دقيقة في ضبط أبعاد الموضوع الذي يقع تحدت مداها، ويحول الاستمارة الاستبيانية لمهزلة وهي تلهث وراء ضبط مفردة أو مفردتين فقط من مفردات موضوعها الهائلة؟
إن هذه الأسئلة وغيرها والتي طرحت وتطرح في سياق التثبت من مدى علمية ولا علمية البحوث في المجالات الإنسانية، ما تزال بلا أجوبة شافية، وربما لهذا السبب أهدرت نفس العلوم الإنسانية الكثير من وقتها وجهدها وراء عملية إثبات علميتها، سعياً وراء الشرعية التي يمكن أن تحصل عليها من قبل العلوم الطبيعية. كانت وماتزال العلوم الإنسانية تسعى لإثبات علميتها، الأمر الذي يوقعها بمطبات كثيرة، من مثل مطب انصرافها عن تحقيق منجزها الحقيقي، إطرها النظرية التي تمكنها من ضبط موضوعاتها في مدى دقيق من الرؤية. ومن مثل مطب (انحباسها) تحت خط الهامش بالنسبة لمتن العلوم الإنسانية. نعم.. ما على هذه العلوم أن تواجهه من ملامح فشلها المرير هو وقوعها هامشاً بالنسبة للمتن العلمي، للمنجز العلمي التكنولوجي في العلوم الطبيعية. إن السبب الحقيقي وراء هذا التركيب هو أن العلوم الإنسانية بدأت تحث الخطى في الوقت التي كانت فيه غيرها من العلوم قد قطعت شوطها الكافي في ضبط مناهجها والتثبت من صحة الكثير من فروضها التي ساعدتها في رسم الملامح الأساسية لمواضيع بحثها. بدأت العلوم الإنسانية تحبو بينما كانت المناهج والأدوات والنظريات والقوانين في أبهى حلتها بالنسبة لعلوم الطبيعيات.
مركب الأخوين الأصغر والأكبر، الأخ الكبير صاحب التجربة الطويلة والنجاحات الباهرة والمغامرات المثيرة، الذي لا يكاد يلتفت لوجود شقيقه الصغير، وهذا الصغير المأخوذ بالنجاحات الباهرة التي حققها مثاله الأعلى. هذا المركب فوت فرصة الاستقلالية على العلوم الإنسانية بعلماءها، الذين غرهم بهرج التكنولوجيا والقوانين الصارمة التي لا تقبل من احتمالات الخطأ إلا المدى الذي لا يدركه الإنسان. لقد ضاعت أهمية الفارق بين موضوعي مجالي البحث في زحمة لهاث الأخ الصغير وراء الشرعية التي يمكن للكبير أن يسبغها عليه.
هناك واقعين على العلوم الإنسانية الإقرار بهما قبل أن يتم لها تحقيق الاستقلال والنجاح:
الواقع الأول هو أن الإنسان كموضوع علم أمر مختلف عن غيره من المواضيع، الأمر الذي ينتج بالضرورة اختلافاً في أدوات البحث وفي المناهج. تكرار الواقعة التي تربط بين سبب ما ونتيجته هو الذي يثبت فرضية التلازم بينهما، ما يجعلنا مؤهلين للقول بأن ثمة تلازم حتمي بين هذا السبب وتلك النتيجة

إن التصديق بارتباط السبب بالنتيجة التي يتكرر ارتباطه بها متأسس على الاستقراء، وهذا التصديق يزداد طردياً مع زيدات عدة مرات التكرار، وكلما تكرر الارتباط مرة زاد احتمال صدق الفرضية درجة وهكذا.
إن هذا الاستقراء الذي تقوم به التجربة وتخضع له قطعة الحديد، هو الذي تحاول العلوم الإنسانية تقليد الطبيبعية فيه، مع أنها تدرك أن الاستقراء لا يمكن استخدامه في ضبط موضوع كالإنسان، التكرار مع الإنسان غير ممكن، لسببين:
السبب الأول: هو أن الإنسان بوصفه موضوعاً للتجربة لا يتكرر، أفراد الإنسان لا يشبهون بعضهم البعض تماماً، ما يقطع الطريق بالضرورة على عملية الاستقراء، الشخصيات مختلفة ومتعددة بتعدد الأفراد وهكذا تتعدد الاستجابات بالنسبة للمثير الواحد، الإنسان لا يضحك بنفس الطريقة والمقدار على نفس الدعاب، هذا إذا استطاعت نفس الدعابة أن تضحكه مرة أخرى. الإنسان لا يحزن بنفس المقدار في حال تعرض لنفس المثير ومهما حاولنا خلق ضروف مختبرية نكرر من خلالها جميع المؤثرات الأخرى التي رافقت المثير الأول واشتركت معه في انتاج الاستجابة.
السبب الثاني: إن الأسباب التي تنتج الضاهرة الإنسانية غير قابلة لا للرصد الدقيق ولا للحصر، ما يقطع الطريق أمام تكوين صورة حقيقية للسبب كمقدمة لربطه بالنتيجة التي يحدثها.
مهما كانت الأسباب التي يمكن لفايروس انفلونزا الطيور أن ينتقل من خلالها متعددة فإنها في نهاية المطاف يمكن حصرها ويصبح بالتالي أمر تشخيص مسببات العدو تحصيل حاصل، لكن كيف يمكن لنا أن نشخص أسباب تفشي فايروس التفخيخ، ليس في العراق فحسب بل وفي كل العالم، وإذا لم نستطع تشخيص الأسباب فهل نستطيع أن نحصيها؟
المرافقة لهذا المثير، وإذا كان الإنسان لا يتكرر لا ذاتاً ولا مخرجات للذات، فما جدوى الاستقراء؟
ما جدوى الاستمارة الاستبيانية عندها في رصده وهل ثمة فارق بعد ذلك بين التصديق بنتائج الاستبيانات والاستطلاعات وبين التصديق بالكهنة والمنجمين؟
لقد كان علم النفس أكثر العلوم الإنسانية نجاحاً في محاولات ضبط موضوعه مختبرياً، وكان سبب النجاح هو أنه تناول الإنسان كفرد، حاول أن يأخذه مفصولاً قدر المستطاع عن محيطه، الأمر الذي يحصر دائرة السبب بإزاء دائرة النتيجة، ويمكنه بالتالي من النجاح بالتنبؤ وإثبات الفروض، لكن ومع كل التقدير والاحترام للفذ (فرويد) إلى أي درجة يمكننا الآن الركون لعقدة أوديب في تقييم الشذوذ في سلوك الكائن البشري. لقد تهافتت مقولات فرويد ولم يحصل نفس الأمر بالنسبة لمقولات نيوتن.
هناك قطيعة حقيقية وصارمة يجب أن تحدث بين العلوم الإسنانية والطبيعية على مستوى المنهج والأدوات، قطيعة يستحقها الإنسان كموضوع وهو يعلو ويتسامى على قطعتي الحديد واللحم. هذه القطيعة قد تستطيع أن تفتح لنا مجالاً واسعاً لتأسيس جديد في فهم الإنسان وضبط المجتمع وتوجيه الحضار، تأسيس يمكننا من تلافي الجريمة، أو حتى مجرد فهمها فهماً دقيقاً وواضحاً.
أليست جريمة القتل أقدم ممارسة مارسها الإنسان على وجه الأرض، لماذا إذن لا نستطيع إلى الآن أن نحصر مسبباتها؟ أليست السلطة واحدة من أهم مفردات الحضارة البشرية، وهذه السلطة لم تبدأ من أعماق الغابة حيث كان يعيش الإنسان البدائي على شكل قطيع أو شكل آخر وتنتهي بالنظام الأمريكي أو البريطاني أو الفرنسي، المعاصر، فلماذا لا نستطيع لحد الآن من وضع نظام واحد واضح الملامح يمكن تعميمه على جميع المجتمعات.
لماذا كلما أغلقنا على هذا الكائن السفاح منفذاً ينفذ من خلاله على ضحاياه فتح هو ألف منفذ، كسرنا سيوفه بدروعنا الحديدية فأخرج لنا بندقيته، ولما تمترسنا هرباً منها ألقى علينا قنابله الذرية. ولما أغلقنا عليه سبل الحرب الساخنة فتح هو علينا حرباً باردة فأغلقناها عليه ففتح له فتحة الأرهاب...الخ.
لماذا وعندما غزا العراق فايروس أنفلونزا الطيور توجهة أنظار العراقيين إلى وزير الصحة مطالبين بحل حازم، وفزع هو من جهته ما أن سقطت أول ضحية في شمال العراق. ومع أن مسلسل القتل والتفخيخ والتفجير يعمل في جسد العراق ودمه منذ أكثر ثلاث سنوات لم تتوجه عين واحدة لوزير التعليم العالي ولا إلى جامعات العراق ولا إلى علماءه وهم من جهتهم جميعاً وزيراً وعلماء وطلبة لم يرف لهم جفن إزاء هذا الذبح، لماذا؟
لماذا توجهة أنظار العراقيين لوزيري الدفاع والداخلي، لماذا ما يزال السيف هو الحاسم في المواضيع الإنسانية ومن ثم ما يزال حضوض العسكري والجلاد هي الأوفر بالنسبة للعالم، وبالتالي ما يزال العالم يدور في حلقته المفرغة.



#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إفلاس الانثروبولوجيا
- الثابت والمتحكم في جدل الإنسان والدين
- المجد لحضارة المقابر... حيث الموتى وحدهم يتكلمون*
- العقل الخالي... تخبط السياسة الأمريكية بين نموذجي خاتمي ونجا ...


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعدون محسن ضمد - تهافت المنهج في العلوم الإنسانية