أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - جميل حمداوي - الخطاب الأسطوري في رواية طوق السراب ليحيى بزغود















المزيد.....

الخطاب الأسطوري في رواية طوق السراب ليحيى بزغود


جميل حمداوي

الحوار المتمدن-العدد: 1691 - 2006 / 10 / 2 - 06:24
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


يعد يحيى بزغود من أهم كتاب الرواية العربية في الجهة الشرقية من المغرب على الرغم من كونه مقلا في إبداعه الأدبي إذا لم يكتب إلا نصين فقط وهما " الجرذان" و " طوق السراب". ومع ذلك، فقد تميز الكاتب في تحبيك هذين النصين بطريقة فنية جيدة قوامها التلميح والتكثيف والاقتصاد اللغوي والإيجاز كما طعمهما بلمحات تجديدية ومكونات تجريبية ورمزية.
وإذا كان نص " الجرذان" يشتغل على المكون الفانطاستيكي (التخييل العجائبي)، فإن نص " طوق السراب" يعتمد على المكون الميتولوجي (التخييل الأسطوري)؛ وذلك لنقد الواقع المتعفن الذي يعيش فيه الإنسان العربي بصفة عامة، والمغربي بصفة خاصة. ومن يتأمل رواية "طوق السراب" يجدها تتكون من ثلاث متواليات سردية، وهي:
1- بنية السفر.
2- بنية المعايشة.
3- بنية العودة.
ويعني هذا أن السارد عزوز يصاحب صديقه عصام الذي يقوم بزيارة لقرية بني يعرب لرؤية الأسر والأهل والأحباب على عادته مرة أو مرتين كل سنة ممتطيا سيارته السريعة التي يقطع بها فضاء الفيافي والنجود وسط الطبيعة القاحلة لا حياة لها إلا بالماء. لذلك نجد السارد يركز كثيرا على فضاء جبل " ألغم" الذي يطوق قبائل بني يعرب ويربطه بالندرة والجفاف والموت والصراع السيزيفي بين الإنسان وأخيه الإنسان حول الماء والأرض، أوصراعه مع الطبيعة القاسية المتقلبة بين العطاء والمنع والسراب. وسيتعرف عزوز أسرة عصام وواقع بني يعرب المميت ويحضر "جبل ألغم" الذي يحيل على الناقة المباركة من منطلق تخريفي بعظمته وقدسيته وجبروته في تصريف مصائر الناس والتحكم في رقابهم وأبدانهم وأقواتهم والتنبؤ بالذي يأتي ولا يأتي. وقد أوحى هذا الجبل المرتبط بالناقة " المقدسة" بكثير من الأحداث الرهيبة التي امتزجت بالأسطورة والتاريخ والخرافة والدين والخيال، وقد استحضر الكاتب الناقة في المحكي باعتبارها رمزا أسطوريا خرافيا بعد أن اتخذت في القرآن دلالة مجازية على صدق نبوة صالح. لكن الناقة – هنا- ترتبط بالتخريف والأسطرة والترميز حيث تحيل على التدجيل والشعوذة والاستغلال هذا، ويسرد الكاتب في متنه الحكائي واقع بني يعرب الذي يعج بالتناقضات والصراعات الدامية خاصة بين أولاد حمو وأولاد موسى. ومنشأ هذا الصراع المستمر الذي أتى أواره على الأخضر واليابس سذاجة هؤلاء الآدميين وإيمانهم بالخرافات وبراكات المدعين والدجالين الذين يتسترون وراء أقنعة الورع والزهد والتصوف. ويحضر كذلك الاستلاب والوعي الزائف المغلوط ومكر التاريخ عبر سطور المحكي لتحريك الشخصيات المنخورة بالجهل والاستسلام والتواكل والتعطش إلى الثأر والطمع وسفك الدماء والجور. ويتدخل الشر المقنع بالمعرفة الغيبية للتخلص من العدالة وشورى الأمير المغيب رغبة في إرساء ثقافة الاستلاب والاستغلال والتحكم في الناس والجهل والتطرف وإعدام كل ما يمت بصلة إلى الحضارة والعلم والمدنية والعقل. ولكن هذا الواقع الراكد في برك التطاحن والشعوذة والخرافة والاستبداد سرعان ما ينقشع سرابه وغشاؤه عن حقيقة التدليس والمكر والادعاء المقنع وزيف البراكات والتأويلات العرفانية الممزوجة بالزعامات والبحث عن السيادة والتسييس الأعمى المقترن بالأهواء ومصالح الذات.
ولم يعد الزائران من قرية بني يعرب إلا بعد أن تحرك جبل " ألغم" وثار على القوم وفضح ما فضح، وعرى ما عرى من سلوكات القوم. وكانت الناقة شاهدة على أفعالهم الشائنة وأهوائهم الدفينة.
" تساءل عصام، ونحن نغادر القرية عائدين :
- هل تظن أنه زلزال حقيقي، يا عزوز ؟ !
قلت :
- قد يكون مركز الزلزال بعيدا، ليست القرية إلا نقطة التلاشي على تخومه !
قال عصام :
- أما أنا فأميل إلى تصديق الأسطورة ! ألم يرحل " ألغم" ؟ !
قلت :
" قد يكون رحل، فأسمعنا، إذا طاب لك، " يا سماء الشرق جودي بالضياء"، بصوت محمد عبد الوهاب.... أو بصوتك !"(1).
ويستعين الكاتب في بناء نصه الروائي بمنظور سردي ذاتي داخلي (الرؤية مع) ليلتقط التجربة الشخصية والمغامرة التي قام بها إلى شعاب بني يعرب مع صديقه عصام، لكن هذه الرؤية التي يعكسها ضمير المتكلم سرعان ما تنقلب إلى رؤية من الخلف تتوارى خلف ضمير الغائب ( عزوز / السارد) تحيل على حياد الراوي والتزام الموضوعية في السرد ونقل الشخوص وتنظيم دفة الحكي والأفضية والأمكنة.
وعلى الرغم من الطابع التصاعدي للزمن ( الارتحال – المعايشة- العودة) والتسلسل الحدثي المنطقي، فإن الرواية يطبعها طابع تجديد يكمن في توظيف ملامح التراث والتناص المفتوح على كل الأشكال والأجناس الأدبية الأخرى (القصة، الغناء، الحكاية، الأسطورة...)، والاشتغال على المكون الأسطوري والعجائبي وتنويع الخطابات والأساليب والسجلات اللغوية والسردية والحكائية.
وهكذا نجد الكاتب يوظف الخطاب الشعري (المتنبي، الشنفرى...)، والخطاب الغنائي (محمد عبد الوهاب، ناظم الغزالي)، والخطاب السياسي (الشورى والاستبداد)، والخطاب الأسطوري ( استنطاق الناقة، وأسطرة جبل ألغم)، والخطاب العجائبي (تحول الفتاة إلى حمامة بيضاء، وتحول شعبان الأخنس إلى ثعبان ضخم...)، والخطاب الصوفي ( براكات الناقة وشعبان الأخنس)، والخطاب الديني ( التناص القرآني ودلالات الناقة)، وخطاب السخرية ( سذاجة بن يعرب ووعيهم المغلوط)، وخطاب الأمثال علاوة على خطابات تضمينية ومستنسخات نصية أخرى في الرواية.
ويتخذ الأسلوب كذلك في الرواية عدة أشكال فنية في صياغة العقدة وتحبيك الأحداث ونسج لحمتها. وهكذا نجد أنفسنا أمام أسلوب التعجيب والتغريب " وتبدى لها وجه شعبان الأخنس، بين الوجوه الغاضبة، بعينين تشعان مكرا... ورأت طفلة صغيرة في لباس العرائس الأبيض... ونزف الدم ونزف فتجمعت بسيوله فالتحق بعضها ببعض وتشكلت ساقية حمراء، ما لبثت أن أصبحت ثعبانا ضخما، مروعا يزحف نحو الفتاة التي تحولت إلى حمامة بيضاء...والتقط مسمعها حفيف الأفعوان ورأته يفتح فكيه... فظهرت أنيابه السامة... وهم بإنشابها في الحمامة فطارت فوق الصخرة ..."(1). ويحضر كذلك أسلوب الأسطرة المتمثل في تصوير جبل "ألغم"، واستنطاق الناقة العالمة العارفة بأخبار الناس الماضية والحاضرة والمستقبلة، علاوة على توظيف التصوير البلاغي البياني من تشبيه واستعارة ومجاز وإحالات كنائية في بناء الأحداث ومغامرة المعايشة للواقع اليعربي الدامي. ويوجد في الرواية كذلك أسلوب التضمين والسخرية والتخريف والترميز وتهجين اللغة (العامية، لغة التراث والكتب الصفراء، اللغة الفصحى الحاضرة...)، والأمثال وذلك لفضح الواقع وتعريته وإدانة الوعي الساذج وتصوير القيم المنحطة في مجتمع منحط بدوره، ويرمي الكاتب من وراء ذلك إلى تصوير حالة العرب والمسلمين الذين يتناطحون فيما بينهم حول زعامات واهية وأطماع السيادة والسلطة والتسلط واستغلال الشعوب الفقيرة والضعيفة التي تعم بينهم الخرافات والأهواء والبدع. ذلك الواقع الدامي والمأساوي الذي ترك فيه العلم مكانه للجهل والاستلاب والعرفان المقنع والورع المزيف والتطرف والفرقة المشتتة. ولن يكون التغيير – حسب الكاتب- لهذا الواقع إلا بزلزال عنيف مثل "زلزال" طاهر وطار يأتي على رؤوس الجهل وقادة الاستغلال والمكر والخداع بإرساء نظام الشورى والديمقراطية الحقيقية وحقوق الإنسان وتطبيق مبادئ العدالة والإيمان بالعلم والحداثة والحوار بدل التخريف والتجهيل والتدليس وتذليل البشر وتطويقهم بالجوع والسراب.
وعليه، فرواية " طوق السراب" رواية أسطورية على غرار رواية "بدر زمانه" لمبارك ربيع تشتغل على مكون التخريف والأسطرة لإدانة واقع العرب وانتقاد قيمه المهترئة وسذاجته المستلبة وتسجيل وعيه المغلوط الذي يستلزم التغيير الجذري بتعويضه بواقع الوعي الجدلي الديناميكي المبني على العقل واحترام العلم وتبني قيم الحداثة والنقد والبناء الديمقراطي والوحدة الحقيقية.



#جميل_حمداوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشطار لمحد شكري: بين السيرة الذاتية والأدب البيكارسكي
- حقوق الطفل بين المواثيق الغربية والإسلام
- الشراكة البيداغوجية
- لعبة النسيان لمحمد برادة بين الزمن الضائع والتجريب البوليفون ...
- تجليات التجديد في رواية - أبجدية الموت حبّا ً - لجاسم الرصيف


المزيد.....




- لعلها -المرة الأولى بالتاريخ-.. فيديو رفع أذان المغرب بمنزل ...
- مصدر سوري: غارات إسرائيلية على حلب تسفر عن سقوط ضحايا عسكريي ...
- المرصد: ارتفاع حصيلة -الضربات الإسرائيلية- على سوريا إلى 42 ...
- سقوط قتلى وجرحى جرّاء الغارات الجوية الإسرائيلية بالقرب من م ...
- خبراء ألمان: نشر أحادي لقوات في أوكرانيا لن يجعل الناتو طرفا ...
- خبراء روس ينشرون مشاهد لمكونات صاروخ -ستورم شادو- بريطاني فر ...
- كم تستغرق وتكلف إعادة بناء الجسر المنهار في بالتيمور؟
- -بكرة هموت-.. 30 ثانية تشعل السوشيال ميديا وتنتهي بجثة -رحاب ...
- الهنود الحمر ووحش بحيرة شامبلين الغامض!
- مسلمو روسيا يقيمون الصلاة أمام مجمع -كروكوس- على أرواح ضحايا ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - جميل حمداوي - الخطاب الأسطوري في رواية طوق السراب ليحيى بزغود