أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الحسن - رسالة إلى سياسي عراقي قبل اغتياله















المزيد.....

رسالة إلى سياسي عراقي قبل اغتياله


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 499 - 2003 / 5 / 26 - 03:57
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


 

( ـ تحدثت مرارا عن دور في الحكومة القادمة كوزير إعلام، هل هذا طموحك أم أن لك طموحات أخرى؟

مشعان:ـ رغم أن الجميع يريدني لهذه الوزارة، فأنا أعتقد أني لا أصلح لها. عيني على وزارة النقل لأقدم خدمة للناس.)!
  * من حوار مع مشعان الجبوري في جريدة الشرق الأوسط في 25/ مايو/ 03).


عزيزي ...

ليس مهما الأسماء لأنك كل الأسماء، وأقذر ما فينا في هذه الأيام هو الأسماء، بتعبير شاعر عربي مات حزنا تحت مطر المنافي.

وليس مهما ذكر الحزب الذي تنتمي إليه، لأنك كل الأحزاب، ولأن اسم الحزب عندك يتغير مع تغير العشيقات والزبائن سواء زبائن الحزب أو زبائن الفكر أو زبائن السياسة، ويتغير مع تغير الأحذية والسيارات وحتى الألبسة الداخلية لك ولمن تحب، ومع تغير الوزارات القادمة.

فأنت لا اسم لك، رغم الاسم الصريح في هوية الأحوال المدنية، فقد يكون أسمك الضباب أو الرمل أو السراب أو الجراد أو الصحراء أو الزحار أو الموت أو الضحك.

أنت، بتعبير أدق، اسم الذين لا أسم لهم، ولا حزب لهم، ولا كرامة، ولا ضمير.
أنت عنوان نصف قرن الأخير.
وأنت ماء الأواني المستطرقة، تأخذ شكل الإناء والمرحلة والنظام والقوة والمؤسسة التي توضع فيها.
 
وأنت سيد هذه الحقبة بامتياز.

 أنت تعمل في كل سلطة وتملك كل مبررات هذا العمل.
تقتل أو تشارك أو تصمت أو تسرق وتملك كل مبررات هذا العمل.
 تخرج أو تهرب، للسياحة، أو على إثر سرقة، أو طرد، وتمتلك كل مبررات هذا العمل.

حين تكون مجرما في سلطة، فأنت تخدم الشعب.
وحين تُطرد أو تسرق أو تُسافر أو تعاقب أو تفتح دكانا حزبيا أو مأوى للمرتزقة( صحيفة أو دكان حزبي مثلا!) تصبح مناضلا وانقلابيا في خدمة هذا الشعب( نحن دائما رعايا في الوطن وفي المنفى!).

وحين تخون، فأنت تخون من أجل هذا الشعب.
وحين تعود، على أي ظهر، تعود من أجل هذا الشعب.

وفي كل مرة تؤسس سلطة الخراب.

اليوم أجد نفسي مرغما على نصحك لوجه الله أو لوجه أطفالك ( مع أنني أعرف أن النصح والنكح يتساويان عندك وأنك عنيد مثل تيس جبلي!)، وقبل أن تصلك رصاصة تفجر رأسك الذي لعب كثيرا، وكثيرا جدا.

أنت تعرف أن السلاح، وخاصة بنادق القنص، صارت أكثر من عدد السيارات والطيور والأطفال وبيوت الله، ولذلك فإن مسألة تفجير رأسك من ضحية من ضحاياك المباشرين أو غير المباشرين مسألة وقت ليس إلا.

وهذه البنادق مزودة بمنظار لا فرق عنده بين رأس الدبوس ورأسك، وهو قادر على  تحويلك، وأنت تسبح أو تلعب التنس أو تركض في قصرك أو قصورك الجديدة التي فتحها الله أو الاحتلال عليك، قادر على تحويلك في ثوان إلى ديك يرقص في بركة دم.

ولكي تتجنب هذا المصير، لأن حياتك، رغم كل شيء، تهمنا، بوصفك مواطنا من واجبه تعليم الجيل الجديد أساليب الضحك والسخرية والنصب على الناس من اجل العبرة والدرس، أرغب توجيه هذه النصيحة المجانية لك وللتاريخ وللأيام القريبة القادمة، رغم أنني أعرف، في النهاية، أنك ستتجندل في بركة وحل أو بول أو في حشد جماهيري أو في حديقتك الجديدة أو القديمة.


 لقد لعبت كثيرا.
ونجحت كثيرا.
ليس لأنك تملك مؤهلات وقدرات ومواهب وشهادات علمية، وليس لأنك ذكي، أو عبقري، بل لأننا بلا  مؤهلات عدا مؤهل لا يؤهل أي زعيم  حزب فينا للعمل في ملجأ أيتام أو  مدير سجن أو موظف في دائرة تقاعد عامة.

نحن، صديقي العزيز ضباب، خبراء في التشليح، وفي فكر( على الباغي تدور الدوائر، وعليهم يا خوتنا عليهم!) وصيحات داحس والغبراء، وثوار طاولات النرد والمستكي( عرق عراقي قديم شهد كل ثورات منتصف الليل، وكل بطولات الوهم والذباب!).

ونحن، حضرة الصديق سراب، عباقرة في التلويح بسياسة العصا الغليظة، ولو لم نكن نملك هذه العصا، نلوح بأي شيء بما في ذلك الأحذية والمقالات والرسائل أو حاويات الزبل.

ونحن كنا ولا نزال نؤسس فهما وحشيا في السياسة يقوم على التنازع بين المجموعات وعلى الافتراس وعلى الحيازة، وليس على خلق مساحات  من التنافس الشريف والواضح للمصالح المشروعة.

ومع أنك، رغم شهادات حملتها من مؤسسات ومراكز ومحطات كثيرة، إلا أنني أعرف، وأنت تعرف، أنك لا تملك في المحصلة غير شهادة التطعيم ضد الجدري أو الكوليرا أو شهادة الله وأكبر أو شهادة الأحوال المدنية أو شهادة موقعة من الحاكم العسكري أو المدني الأمريكي تشيد بحسن سلوكك.
  
لقد حصلت على أشياء كثيرة وإمتيازات  مدهشة في السر والعلن، وأعددت جيشا من الانتهازيين للوقوف معك في موسم سيرك عراقي قادم لانتخاب حكومة قد تكون وزيرا فيها أو مستشارا أو بهذا الحجم.

قد لا تعجبك هذه الوزارة أو تلك والوطن مفتوح اليوم في العراق على مصراعيه لهذا البازار المخجل، وخاصة الناس تبحث في المقابر عن موتاها، ولكنك في النهاية ستجد نفسك، ما لم تقنع بهذا الكثير والوفير والمثير وتعتزل، متهدلا مثل كيس فجل على مقود سيارتك التي  تشبه مقبرة جماعية في صحراء.

لا تريد أن تصدق، لأن هذا النجاح المغري، والمدهش، يعمي، أن الناس ليسوا هم الذين ضحكت عليهم قبل سنوات، ولا هم الذين شاركت في موتهم بهذه الصورة أو تلك، ولا تريد أن تفهم أن الناس كغيوم السماء لا تتكرر مرتين بنفس الصورة.

إنه العمى والنجاح.

كنا نحلم كثيرا أن هذه الفاشية القذرة لن تتكرر أبدا. ونردد في كل مكان: إن هذا يجب أن لا يحدث مرة أخرى.

لكن مشهدك وأنت تتبختر في الشرفات أو على محطات التلفزة أو الصحف أو في حشود مدفوعة الأجر، جعلنا على يقين بأن عودة الفاشية واللصوصية والسطو والجريمة ليس وشيكا جدا فحسب، بل هو حقيقة قائمة اليوم.

 كنا نحلم بدولة قانون، لكنك ستعيد علينا حكم المسدس وكاتم الصوت والسرداب الأرضي والمحاكم الحزبية التي تضع " المتهم" أمام قضاة ملثمين، بلا شاهد نفي أو شاهد إثبات أو محامي أو نص قانوني أو قاعة محكمة أو وثيقة أو حتى ضحية مفترضة أو جمهور أو جرس محكمة أو شرطة على الباب أو قسم الشهود أو المتهم.

 القانون الوحيد الذي ستعيده علينا، اليوم أو غدا، هو قانون المسدس. وهذا هو القانون الذي أخاف عليك منه وبه سيتحول، لا سامح الله، بعد أيام دماغك إلى ( شَعر غجري يسافر في كل الدنيا!) برصاصة من قناصك الذي يجلس اليوم، بلا عمل، ولا ضمان، ولا بيت، ينظف سبطانة  بندقية القنص من أجل أن تلاقي وجه ربك أو وجه بول بريمر أو وجه التاريخ بأسرع وقت وبدون الم أو حتى صرخة.

 ستعيد علينا، صديقي المرحوم، كل قانون الذين لا قانون يحكمهم، لأنك أنت نفسك لا تزدهر إلا في الفوضى والاضطراب وغياب القانون.

وعادة يبدأ كل شيء صغيرا: الجرائم الكبرى تبدأ حالات سطو هنا أو هناك، وغياب العدالة يبدو رشوة هنا أو خطأ هناك، و الاستبداد يبدو  شعورا بالحيازة والتملك السياسي هنا أو هناك( هذه الأيام تتحدث أنت ويتحدث أشباهك ممن جاؤوا من الخارج ويحملون نفس علامة المصنع، عن السلطة على أنها حق شخصي أو عائلي أو عشائري أو حزبي أو وعقاري، فتحذف من تشاء وترشح من تشاء في حضور مذيع منبهر من سهولة  كلام السياسي العراقي وهو يفصل وطنا على صورته المشوهة وبلغة جازمة قاطعة نهائية لا تقبل النقاش أو الشك أو الاعتراض).

وكل الحروب الأهلية بدأت بنوافذ القنص، وانتهت بحمامات دم( عشاق الاحتلال يتحدثون هذه الأيام بلغة تشبه لغة الرسل القدامى مع الفارق الجوهري في الخطاب النبوي الأول وخطاب هؤلاء الملفق، حيث يتحدثون عن الجماهير بشاعرية وينفون أية فرصة لوقوع حرب أهلية أو فساد سلطوي أو جرائم سياسية، ولا يتكلمون إلا عن ذكاء الجماهير، ووعيها التاريخي،وحضارتها، وادراكها للمخاطر ..الخ خطاب الزور وتناسي أن كل الشعوب التي خاضت حروبا أهلية تمتلك نفس المؤهلات وأرقى، لكن بنية الحروب الأهلية تتأسس على الاحتقان والفساد والبطالة والتهميش والأقصاء والاحتلال وفي ثقافة العنف وفي فهم السياسة على أنها حيازة وحق وعقار وفي منطق الغنيمة، وعلى توفر السلاح أداة هذا التفجر والعنف والطرق المغلقة).


إن الحديث عن السلطة "كحق"، تحت أي اسم، هو بداية خراب وشيك، لأن السياسة هي مجال عمومي للتنافس الاجتماعي، وأنت تريد بناء زريبة  تحمل صورتك.

رغم كل نفوري منك، لكني لا أتمنى لك الشر.
أتمنى أن أجلس معك في كازينو،
أو في مقهى،
أو على ضفة نهر،
لكن بشرط أن تنزع مسدسك،
وأن تنزع  فكرتك الرثة عن هذا الشعب بكونه يمكن أن يخدع مرة أخرى ومن الجحر نفسه،
وأن تنزع فكرة إرهابية تقول أن السياسة هي حق المنتصر، مع أننا، في النهاية، مهزومون تاريخيا،وأخلاقيا،وسياسيا، وعقليا، ودينيا، وجنسيا، و المنتصر الوحيد هو: الزمن والاحتلال.

احترم هذا الزمن،
قبل أن يأتي القناص!
    



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الروائي اليوناني كازنتزاكي/ المنشق2
- نقد العقل الجنسي مرة أخرى
- أوقفوا عصابات الطارزاني/ نداء
- لا تنسوا المعلم هادي العلوي
- جمهوريات رعب استان
- عساك بالفراغ الدستوري
- الروائي اليوناني كازنتزاكي ـ المنشق 1
- خطاب التجييش ، خطاب سلطة
- أفراح الزمن المعقوف
- العصيان الثقافي
- أزهار تحت أظلاف الخنازير
- الاغتيال المبكر
- وطن العبيد
- رصاصة ناجي العلي في رأسي
- حماقة التاريخ الكبرى
- دكتاتور نجوم الظهيرة
- أشباح الماضي
- حفلة التيس
- إبراهيم أحمد وعيون الضبع
- غارنر والختان


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الحسن - رسالة إلى سياسي عراقي قبل اغتياله