الفلسفة التربوية لمعاني الثورة وأسس التربية التاريخية في نظر الدكتور نوري جعفر

ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)

الحوار المتمدن-العدد: 1683 - 2006 / 9 / 24 - 09:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

يعد الدكتور نوري جعفر من الشخصيات التربوية المعروفة فضلاً عن صلاته الكبيرة بعلم الفلسفة والنفس والاجتماع وربطه هذه العلوم بطريقة علمية بحثية نهضوية . إن الدكتور نوري جعفر هو أحد أعلام النهضة العراقية العالمية وذلك لأنه يعد بحق مفكر عالمي ويتمتع بعقلية موسوعية استطاعت أن تقدم بحوثاً أسهمت بشكل أو بآخر أن تمارس أدواراً ريادية في الحركة الثقافية العربية والعالمية والعراقية. سئل مرة عن النصيحة التربوية التي يود توجيهها إلى الجيل فقال رحمه الله (( ثلثان من الفطنة وثلث من التغافل)) وحقيقة الأمر أن تناول هذا الرجل لهو أمرٌ صعب للغاية ولكن لهذا الرجل رأي وبحوث ودراسات قيمة لأحق أن يقف لديها الكاتب والمثقف العراقي في الوقت الراهن والدكتور نوري جعفر يحلل المعاني التي نقرأها ونسمعها في مجتمعاتنا تحليلاً اجتماعياً فلسفياً نفسياً أي ارتباطات المعنى بالقدرة الذاتية للإنسان فمثلاً عند تطرق الدكتور نوري لتعريف معنى الثورة في كتابه (( الثورة مقدماتها ونتائجها ص14 ، بغداد ، مطبعة الزهراء ، 1985م)) (( للثورة كلمة وظاهرة اجتماعية ، معانٍ عديدة تختلف تلك المعاني باختلاف المجال الذي تقع فيه الثورة من جهة وباختلاف الأسلوب الذي يتخذ لتحقيقها من جهة أخرى ، ويضرب مثلاً في هذا المجال فيقول: فلدينا مثلاً الثورة الصناعية التي حدثت في أوربا في القرن الثامن عشر والثورة الإنكليزية التي حدثت في إنكلترا عام 1640م وإذا نظر الباحث إلى الثورات الآنفة الذكر أمكنه أن يقول أن الثورتين الصناعية والفكرية تقعان في حقل مشترك وتتشابهان في أوجههما العامة ، غير أن الثورة الفكرية في بعض أسسها ناتجة عن الثورة الصناعية)) وهذه بدورها نتاج ثورة فكرية عامة وهنا يود الدكتور نوري جعفر أن يفرق بين ممارسة الثورة بالشكل العاطفي والأهوج غير اللائق والشكل النظري الفكري والعملي المتطور أي بصيغة أخرى إن الثورة إذا اعتمدت على أساليب الفكر وأحدثت تطوراً ملحوظاً عملياً هي ثورة على كل القيم والمفاهيم الفاسدة أي هي بحق وصدق وهو بالنتيجة يرفض الثورات الفاشية التي تقوم على الغدر والمكر والخداع وإراقة الدماء فالثورات إمكانات مهمة ومتعددة تقوم على أساليب النهضة وهنا يقول الدكتور نوري جعفر (( ولو وازنا عدد الأشخاص الذين تزهق الثورة أرواحهم بمقدار من أزهقت الفئة الحاكمة أرواحهم في مناسبات شتى لتضاءل عددهم إلى حد التلاشي على أن الذين تزهق أرواحهم أثناء الثورة إنما هم ضحايا قوى الجور)) وبعد أن يتطرق الدكتور جعفر إلى أساليب الثورة الناجعة وسبلها الكفيلة بإعلاء الشأن النهضوي في البلاد أي معنى الثورة الحقيقي فالثورة هي ثورة ضد الجور وضد الطغيان وضد الأساليب الفاشية التي تحكم المجتمع والثورة التي فهمها الناس هي ثورة الانتصار والزهو والثورة التي صورتها معاني البعثية الفاشية المقبورة وهنا يسند الدكتور نوري جعفر فكر الفيلسوف الألماني هيغل (1770 – 1830 ) وهو شيخ الفلاسفة الألمان إلى القول: (( إن الثورة ظاهرة اجتماعية شاذة وناشزة عن السير العام للمجتمع الإنساني ومثل حدوثها في المجتمع الإنساني كمثل حدوث مولود بثلاثة أرجل أو بستة أصابع في كفه أو إحدى قدميه)) فالفيلسوف الألماني هيغل اعتبر أن الثورة شاذة وناشزة وذلك لما فيها من مفارقات وأكاذيب وضربٌ من الهوى وقتل وسفك دماء بغير حق في حين لو كانت لدى الثورة السمات الأساسية للثورة الصناعية الكبرى لنظرنا إليها بعين القدسية المطلقة لما بها من كيفيات وحيثيات مهمة ولازمة في حين ينظر بعض الفلاسفة وفي مقدمتهم جون لوك (1632 – 1704م) الكاتب الأنكليزي المشهور حيث أعتبر الثورة ظاهرة اجتماعية طبيعية ومنسجمة مع السير العام للمجتمع الإنساني أي إن الثورة حق وعمل مشروع أما كارل ماركس (1818 – 1883م ) فقد ذهب إلى أبعد من ذلك فاعتبر الثورة القانون العام لسير الطبيعة والمجتمع والوسيلة الوحيدة لحل مشكلاته جميعاً وفي مقدمتها الجانب الاقتصادي الذي يستند إليه وينبثق عنه نظام المجتمع في أوجهه الأخرى السياسية والأخلاقية والاجتماعية)) إن الثورة بهذا المفهوم تأتي نتيجة لتطلعات المفكرين إلى نتائجها وحتمياتها المعروفة والمعهودة وهنا ماركس يريد أن يقول إن قيام الثورة لهو صورة لإحداث النتائج الاقتصادية والنهضوية الحتمية المعهودة وبالعودة إلى الدكتور نوري جعفر فهو يحدد بعض أسباب الثورة فمنها يذكر: تمتع الحاكمين بجميع مظاهر الترف والجاه من الناحيتين المادية والمعنوية بالقدر الذي تسمح لهم به إمكانيات العصر من اصحاب المناصب المركزة والاعتماد على التناقض كأن الأمة من الناحية العملية في الانتخابات وغيرها الأمر الذي يؤدي إلى حدوث القلق السياسي وعدم الاستقرار والثورة تحدث في نظر الدكتور نوري جعفر وهي إما أن يكون رجالها قد خططوا لها من الناحية النظرية أو توضيح الأسس النظرية بعد قيامها أي إن بعض الثورات يكتب لها النجاح بضربة حظ ولكن سرعان ما تتألق الثورة وتعلن عن أبرز مفاهيمها وتعقد اجتماعات لصوغ مفاهيم جديدة لم يألفها حتى أصحاب الثورة أي إن الثورة تبدأ بهيجان غير منطقي ثم ينظر لها أصحابها ويؤسس لها قواعد متينة ضاربة أسس عميقة من ادعاءاتهم في الأرض ولابد من الوقوف على بعض الآراء التربوية وربط الدكتور نوري جعفر لهذه الآراء بالمواضيع السياسية وفي ذلك يطرح الدكتور نجاح هادي كبة في كتابه الدكتور نوري جعفر ص109: طبعة بغداد 2004م مسألة مهمة حول المواضيع التربوية لدى الدكتور نوري جعفر بوصف التربية قيادة للجيل الصاعد نحو الأفضل سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً ويمكن تلخيصها بالشكل التالي:-
1- إيمانه العميق بوجوب بناء المجتمع تربوياً من خلال قيادته التي تحكمه وفي ذلك يقول الدكتور نوري جعفر ص101 في كتابه الثورة مقدماتها ونتائجها (( ومن مفارقات التاريخ الكبرى في عهدنا الملكي إن التشريعات التي تُسن لمكافحة البغاء والخمر والمقامرة والرشوة والتحايل على القانون والسرقة ومخالفة الآداب العامة وما شاكلها تحتمي بها الفئة الحاكمة فتطلق لشهواتها العنان في مجال الموبقات ولا تطبق تلك القوانين إلا في الحالات التافهة وعلى الأفراد العزل من أبناء الشعب.
2- ضرورة إعطاء دور فاعل للتعليم بوصفه وسيلة لتوصيل العلم والتربية يقول د. نوري جعفر (( وضعت الحكومة مقاليد الأمور التعليمية العامة بيد أشخاص برهنوا على حذق منقطع النظير لأساليب الدس والفساد.
3- أكد الدكتور نوري جعفر على أهمية تنمية الفكر العراقي للوصول إلى حالات الإبداع والابتكار.
4- إيمانه بضرورة اهتمام السياسة بالروح والجسد وتعاملهم مع الشعب حيث يقول الدكتور نوري جعفر: وما دام الهدف الرئيس للفئة الحاكمة هو محافظتها على كيانها ومعالجتها فإنها تتكون بالشكل الذي تحافظ منه على تلك المصالح وتكون أخلاقها كما يقول ميكافيلي مزيجاً من الإنسانية والحيوانية.
5- اهتم الدكتور نوري جعفر بأن يتعامل الحكام مع الشعب بأسلوب تربوي يقول وكما نقله الدكتور نجاح كبة بمصدره السابق (( فاستعمال الشدة لا يحل من نفسه مشكلات المجتمع ولا يزيل عوامل التذمر والامتعاض وإنما يعقدها ويزيد من التذمر والامتعاض))
6- يقول الدكتور نوري جعفر (( من أبرز صفات الحاكم العامل الفاسد هو انتفاء وجود عقيدة من أي نوع كان لديه اللهم إلا عقيدة اللاعقيدة ذلك لأن اعتناق العقيدة والسير على وفق مستلزماتها لا يتفق دائماً ومصلحة الحاكم)) ويعلق الدكتور نجاح كبة على قول الدكتور نوري جعفر هذا قائلاً (( ومعلوم أن التربية يجب أن تستند إلى فلسفة معينة فإذا كانت الفلسفة مضللة كانت التربية مضللة أيضاً . وهنا يربط الدكتور نوري جعفر ربط مباشر بأساليب العقيدة ومستلزماتها وماهياتها المضللة في بعض الأحايين فكثير من حكام المسلمين وخلفاءهم كانوا يتوسمون العقيدة في حكمهم ولكنهم كانوا مضلين ويتحكمون بأساليب استبدادية وحتمية وآخرهم كان الطاغية المقبور صدام حسين حيث إنه قائد للحملة الإيمانية وهو كذا وكذا وفي نفس المضامين والأطر التي دأب عليها الحكام المستبدين في العصور الماضية من التاريخ المشوه الذي امتلكه العرب والمسلمون وكان في نفس الوقت يضرب بيد من حديد ونار على كل من يخالفه الرأي حتى ان استخدام السلطة الفاسدة وكيفياتها المتهرئة باسم الدين او العقيدة المتمثلة في اغلب احيانها بالدين لهو امر مشين ومن هنا ان الحكم باسم الدين يشوبه الكثير من المس والضرب على قدسية الدين فابعاد الدين عن اطر السياسة المتغيرة لهو اسمى له واضمن كي لا تشوبه الشوائب التي يبرهن عليها الطغاة الحاكمين في كل وقت وحين وكانت لدى الدكتور نوري جعفر نظرات مهمة وواقعية لبعض الشخوص التاريخية المهمة ومنها تناوله لشخصية الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فالدكتور نوري جعفر كغيره من الباحثين في شخصية الإمام علي عليه السلام أمثال جورج جرداق يرى في الإمام مثلاً يقتدى في كل زمان زمان فشخصيته لم تعش لعصرها بل كانت للعصور التالية ففلسفة الحكم لدى علي بن أبي طالب ستبقى دائماً في طراز الحداثة على الرغم من بعدها الزمني وكان يعلل الدكتور نوري جعفر بعض الجوانب المهمة في سبب مصرع الإمام علي قبل إنجاز رسالته المستمدة من القرآن في عدة نقاط يذكرها في كتابه : (فلسفة الحكم عند الإمام مطبعة الزهراء – بغداد – 1957م) وهي: .
1- كان خصوم الرسول مشركين أما خصوم الامام فكانوا في الظاهر مسلمين فلم يكن باستطاعته ان يحمل الكثيرين من اتباعه على مواصلة القتال ضد المتمردين عليه .
2- لقد شهدت الفترة التي اعقبت وفاة النبي وانتهت بمصرع عثمان تساهلاً في تطبيق حدود الله على المستحقين .
3- ان علياً ارتقى منبر النبي في ظروف مضطربة قلقة انتهت بدايتها بمصرع عثمان .
4- كثرة القادة المسلمين بعد وفاة الرسول اذ رآى كثير من أصحاب الرسول انهم جديرون بالخلافة فشقوا عصا الطاعة على الامام  كطلحة والزبير .
وختاماً يقول الدكتور نوري جعفر في كتابه الانف الذكر.. ان الاجيال القادمة ستشهد انصرافاً للكثير من الباحثين من غير العرب والمسلمين إلى البحث العلمي النزيه في هذه الشخصية التاريخية الفذة .
ان دراسة الدكتور نوري جعفر للتاريخ دراسة تربوية هي من قبيل المحاولة للتاكيد على أهمية الجانب الاخلاقي التربوي في تفسير التاريخ والاهتمام بالجانب العملي والعلمي في دراسته فالتاريخ لدى الدكتور نوري جعفر هو ليس تاريخاً روائياً سردياً بل هو مختبر تجريبي للاجيال القابلة ان تستخلص منه العبر والمساواة والحق والعدل وبتناوله لشخصية الامام علي بن ابي طالب  انما يود ان يؤكد على الجواني التربوية والاخلاقية بشخصيته بنظرة تكاملية للمعرفة لاسيما التربوية منها وهنا يود الدكتور نوري جعفر ان يفرز التاريخ فرزاً اخلاقياً تربوياً وهذا ماندر من تناول المفكرين وبهذا الشكل الموضوعي المهم لشخوص التاريخ حيث ان التاريخ لديه ليس رواية وماشابه بل هو نهج معطاء ممثل ببعض الشخوص المهمة والتي كان من ابرزها شخصية الامام علي بن ابي طالب  وهو يؤكد ممارسته هذه ببحثة في الشخص التربوي والاخلاقي لدى الامام علي بغض النظر عن الامور الاخرى فهو يقول مانصه (( لقد ساقني البحث في الفصول الثلاثة الاولى – من كتابه فلسفة الحكم عند الامام – من هذه الدراسة إلى الاعتقاد بان فلسفة الحكم عند الامام فلسفة اخلاقية في جوهرها تستند إلى الفضيلة في مجال الفكر واليد واللسان وهي بهذا المعنى تمقت الوصولية والانتهازية بشتى صورها ومختلف مجالاتها والدكتور نوري جعفر يعتقد ان مقياس نجاح الحاكم بنظر الامام ليس هو البقاء في دست الحكم والتخلص من المناوئين والمعارضين والخصوم واستمالة الناس بالوسائل الفاسدة مثل الضغط والتخويف او الرشوة والملاينة )) .
وبذلك يحاول الدكتور نوري جعفر ان ينظر للتاريخ نظرة رمزية أي تفحصية ينتشل من خلال هذه النظرة الصور الايجابية التربوية التي تمثلت ببعض شخوصه الحاكمة المهمة وعلى راسها شخصية الامام علي بن ابي طالب  ان تناول الدكتور نوري جعفر للمفاهيم التربوية كان تناولاً نهضوياً بارزاً قادراً مستطيعاً ان يدرس من خلاله اسس النهضة الشاملة التي تعم المجتمعات ان طبقت مفاهيمها بشكل صحيح تعم المجتمع بانواع العطاءات الثرة والمهمة فكان لدى الدكتور نوري جعفر ربطاً مهماً لاساليب التربية والتاريخ والثورة وفلسقة الحكم بشكل مضطرد وتاثيرة القوي ونزيه وموضوعي ان شخصية الدكتور نوري جعفر من الشخصيات العراقية النهضوية البارزة ولكن تسلط عليها الاضواء وذلك لمخالفته باراءه الحداثوية اراء السلطات المستبدة الحاكمة السياسية او السلطات الدينية الحاكمة باسم الدين ان نظرة الدكتور نوري جعفر لمفاهيم الثورة كانت نظرة مهمة ومعمقة من ناحية النظرية والتطبيق ولاسيما في المجالات التربوية والنفسية والاجتماعية .

#ياسر_جاسم_قاسم (هاشتاغ)       Yaser_Jasem_Qasem#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات