أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - أبي يفتش عن جواب لحيرته : بحث عن الحقائق في موضوع العنف في العراق – 1















المزيد.....

أبي يفتش عن جواب لحيرته : بحث عن الحقائق في موضوع العنف في العراق – 1


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1682 - 2006 / 9 / 23 - 10:21
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


قال ابي وهو يضع جانباً كتاباً كان يقرأ به: "الآن لم اعد استغرب أي شيء يحدث في العراق." ولأبي كل الحق ليس فقط ان يشمئز ويتقزز او يخاف او يصاب بالذهول اوالغضب من العنف غير البشري الذي يخيم على العراق اليوم, بل ان "يستغرب" ايضاً, وهذا فرق هام. فعلى عكس المشاعر السابقة فأن "الإستغراب" يبقي سؤالاً مفتوحا لأمر لم تجد له مكاناً, لا في المنطق ولا في التأريخ الذي عشته.

"المستغرب", دون الغاضب والخائف والمصاب بالذهول وكذلك المشمئز المتقزز, انسان يفكر ويبحث عن تفسير. الآخرون يبحثون بأي شكل وبسرعة عن حل ومنفذ للكارثة التي تكاد تدفع بهم الى الجنون. العنف البالغ الفضاعة يدفع بنا الى التصرف كالسمكة في الحكمة الصينية, والتي اخرجت من الماء فصارت تقفز يميناً وشمالاً بلا وعي. إنها لا تعرف ان كانت قفزتها التالية ستقربها من الماء ام ستبعدها عنه, لكنها تعرف بشكل اكيد ان وضعها الحالي لايحتمل, وان شيئاً ما يجب عمله للتخلص منه.

ولكن ما دمنا نحتفظ لحد الآن, ببعض العقل فلنجرب ان نتيح مكاناً للتساؤل الهادئ عن العنف الرهيب لعلنا نكتشف ما يرشدنا لعل قفزتنا التالية تكون باتجاه الماء وليس عكسه.


تبدو قصة الحقد الطائفي الذي يتحول الى عنف شديد ويهدد بحرب اهلية, قصة معقولة لتفسير الوضع في العراق لإنسان يسكن في هولندا مثلاً, إلا إذا كان هذا الإنسان قد قضى معظم عمره في العراق ويعرف مقدار تلك المشاعر الطائفية ومقدار التصلب الديني ويستطيع ان يميز بتأكيد كبير ان كانت تلك المشاعر وذلك التصلب قادرين على انتاج انتحاريين أو قتلة على الهوية. انه ليس بحاجة الى قصة "معقولة" ليصدقها, كما هو حال الغرباء, فهو قد رأى وعرف بلاده وناسه وليس بحاجة لمن يشرح له كيف هو شكلهم ويقنعه به.

لنجرب ان نضع الأمر في نقاط: ما هي اشكال العنف في العراق ومن هم المتهمين به؟
1. تفجيرات انتحارية موجهة للجنود الأمريكان
2. تفجيرات انتحارية موجهة للشرطة والجيش العراقي
3. تفجيرات انتحارية موجهة لتجمعالت الناس المدنيين العاديين.
4. هجمات مسلحة بدرجة عالية جداً من الحرفية تهاجم مجاميع كبيرة من الناس والشرطة دون التمكن من النيل من احد من المهاجمين إلا نادراً.
5. قتل على الهوية موجه للمدنيين العراقيين
6. قنابل تفجر من بعيد موجهة ضد دوريات الجيش الأمريكي والشرطة العراقية
7. اعمال اختطاف ثم قتل غير محددة
8. أعمال اختطاف تنتهي بطلب فدية
9. أعمال إختطاف تنتهي بموت مصحوب بعلامات تعذيب وقسوة شديدة مقززة كقطع الأوصال والرؤوس ودق المسامير الخ..بحيث يكون إستعراض التعذيب وانزال اكبر كمية من الرعب والألم في نفوس ذوي الضحايا وباقي الناس هدفاً اساسياً.

أما المتهمين بها فهم:
1. الصداميين الطامحين الى عودة السلطة اليهم او جزء منها
2. عناصر حاقدة طائفياً
3. لصوص وعصابات نفط وغيرها
4. أصوليين اسلاميين من امثال اعضاء القاعدة والزرقاوي يهدفون الى تحرير المسلمين او الإستشهاد..الخ
5. أعضاء المقاومة الذين لا يتحملون بقاء الأمريكان يحتلون العراق, ويشمل هؤلاء ايضاً من يرغب بالإنتقام من الأمريكان لقتلهم اهلهم او تحطيم مدنهم.

بالطبع تجاوزنا هنا جرائم العنف الأمريكية المعروفة ضد السكان, ليس لقلتها ولا لقلة اهميتها وإنما لأنها لاتدخل ضمن التساؤلات عن اسباب العنف. فهي معروفة ومجرميها معروفين لذا لا تثير استغراباً ولا تحتاج تحليلاً. (*)

هل نسينا شيئاً؟ ربما...

المجموعة الثانية هي كل ما يطرح بشكل عام كمنفذ لكل القائمة الأولى من العنف في العراق, فلنفحص ذلك...

1- الصداميين يتكونون مِن مَن سار مع قطيع صدام لسبب او لآخر, وهؤلاء لن يتخذوا قرارات كبيرة مثل المخاطرة بحياتهم, دع عنك التضحية بها. أما الباقي الواعي للأمر فهم أنانيين, بل مريضين في انانيتهم وتخليهم عن اية اخلاق اجتماعية أو مبدأية لذا لن يقتلوا انفسهم لأي سبب في العالم, ولا لأي مبدأ او اي شيء. وهم ايضاً ليسوا بالحاقدين طائفياً فهم لايعرفون الدين دع عنك الطائفة, لذا تقتصر اعمالهم الممكنة على اللصوصية لجمع المال وعلى الإرهاب لتحطيم الدولة أملاً بالعودة الى الحكم وعلى ضرب الأمريكان بطرق غير الإنتحارية, غالباً من بعيد, ولكن ليس مستحيلاً ان يقوم بعضهم بعمليات خطرة حين يؤمر بذلك ضمن تنظيم قوي يخشاه.

2- الأصوليين الإسلاميين: يفترض ان هؤلاء سيقومون بمهاجمة الأمريكان فقط واحياناً بالمخاطرة المباشرة بحياتهم, لكن من المشكوك ان يقوموا بالأعمال الإنتحارية, لأن الجهاد الإنتحاري محرم في الإسلام. وعلى اية حال فأن فعلوا ذلك فيجب بلا ادنى شك ان يكون موجها لقوات الإحتلال وحدها وفي اقصى الحالات قد تشمل رجال الحكومة والشرطة, وهي حالات مشكوك تماماً ان تكون ضمن الواجب او المقبول اسلامياً من اية جهة, لكن لنقل ان البعض النادر قد يكون خارج السياق قليلاً فيفعل ذلك.


3- العناصر الحاقدة طائفياً: رغم اني لم اعرف في حياتي اشخاصاً يمكن تصنيفهم من هذا النوع, لكني سأفترض انهم موجودون فعلاً. وهنا يجب ان نتفحص درجة الحقد الطائفي الممكنة التخيل وهل يمكن ان تصل حد الإجرام؟ والسؤال المهم الآخر هو ان كانت هناك اية مشاعر طائفية, فهل هي نتاج لتأريخ اضطهادي من الفترة السابقة للسقوط ام أنها جاءت بعد السقوط؟
بالطبع ليس لدينا اي مؤشر ذو قيمة في الفترة الصدامية حيث يمنع التعبير عن النفس تماماً, لكن متابعة الأحداث بعد السقوط تعطينا فكرة ممتازة. نحن نذكر تماما ان التظاهرات العراقية الأولى كانت تؤكد وحدة السنة والشيعة وتضامنهم, اي ان اي كلام عن مشاعر طائفية حادة وحاقدة وراغبة في الإنتقام كلام فارغ لايصمد امام الأدلة. أما بعد سقوط النظام فلم يكن هناك حتى فرصة أو امكانية لإضطهاد طائفة لأخرى لتتسبب في الجرائم الطائفية فيما بعد كنتيجة (وليس كسبب) لتلك الأحقاد. فمن أين جاءت تلك الأحقاد الطائفية المفترضة اذن؟

4- اللصوص وعصابات النفط يمكن ان تسرق وتغتال, ولكن فقط عندما يكون ذلك ممكناً بشكل لا يشكل خطرا عليها, وليس هناك مجال لتخيل لص انتحاري, ولا حتى مهاجم يخاطر بحياته للهجوم على مجموعات كبيرة.

5- المقاومة لايمكن ان تتوجه بجهدها الأساسي لتحرير العراق إلا الى الأمريكان, وبدرجة اقل كثيراً إلى الرؤوس الكبيرة في الحكومة المتعاونة معهم. وفي فلم عرض في التلفزيون الهولندي عن متهم عراقي هولندي من الفلوجه يشرح فيه احد اعضاء المقاومة كيف انهم وجدوا طريقة سهلة ولا تكلف شيئاً ولا تحتاج الى المخاطرة بالحياة وهي استعمال الهاتف النقال كجهاز تفجير عن بعد لإصطياد الدوريات الأمريكية على الطرق. فمن الواضح إذن ان هذا الطريق يفترض ان يكون الخط الرئيسي لعملياتها. وعلى أية حال من المحتمل ان يتوجه البعض الى إغتيال كبار المتعاونين مع الأمريكان, كما انه ليس من المستحيل وإن كان يجب ان يكون نادراً تماماً ان ينتحر المقاوم بهدف من هذا النوع. أما الراغبون في الإنتقام لسجنهم او قتل اهاليهم فسيتوجهون, كالمقاومة تماماً, الى الأمريكان بشكل رئيسي.


إنتهينا من تعداد انواع العنف واللاعبين المعروفين لتنفيذها, ونلاحظ من هذا التحليل الثغرات التالية في القصة المتداولة لتفسير تلك الأعمال وردها الى اؤلئك اللاعبين:

1- الجرائم الطائفية والقتل على الهوية: لايوجد (بعد) من خلال هذا التحليل تفسير للجرائم الطائفية والقتل على الهوية, لأننا كما بينّا, فأنه لا يوجد ما يكفي من الحقد الطائفي للتسبب في مثل تلك الجرائم. لم يوجد قبل سقوط النظام بدليل الجو الأخوي التضامني الذي شمل العراق بعد الإحتلال مباشرة وبلا اية استثناءات حسب علمي, كما انه لم تكن هناك اية فرصة لخلق مثل ذلك الحقد الطائفي وبتلك الدرجة الكافية لإشعال جرائم طائفية.
وهنا من المناسب ان نقوم ببعض التفصيل للجرائم الطائفية ونقسمها الى جرائم قتل اعتيادية لقاتل يعرف ضحيته شخصياً وقتل على الهوية وجرائم انتحارية في مناطق تجمع طائفي.
فأما الجرائم الشخصية فلا تنسب الى الأحقاد الطائفية, حتى وإن كان القاتل والقتيل ينتميان الى طائفتين مختلفتين, فالسبب الرئيس فيها شخصي, حتى وإن ساعدت الطائفية على القيام بالجريمة.
وأما القتل على الهوية فهو خرافة سخيفة, على الأقل بالنسبة الى العراق. فالفرضية في تفسير الجريمة هي ان هناك (مجموعات كبيرة) شديدة التمييز الطائفي وبالتالي الحماس لطائفتها الى الدرجة التي تدفعها الى قتل ابناء الطائفة الأخرى (السنة والشيعة). ورغم اني اشك تماماً بوجود مثل هذا المجموعات, إستنادا الى معرفتي بالعراق والعراقيين لعشرات السنين, لكني سأفترض خطأي جدلاً وانها موجودة فعلاً وبالعدد الذي يفسر كل تلك الكميات من الجرائم.

إن كان القائمون بجرائم القتل على الهوية فعلاً من المتعصبين شديدي الحماس لطائفتهم, فيمكن بسهولة تامة منع وقوع تلك الجرائم! يكفي ان ترفض الضحية المرشحة للقتل اعلان طائفتها, ولا تحمل هوية, لكي تفشل العملية. فالمفروض ان نفس الحماس الطائفي الذي يدفع بالقاتل الى قتل افراد الطائفة الأخرى, سيمنع هذا القاتل من قتل فرد لا يعرف طائفته خشية ان يكون من نفس طائفة القاتل!
لكننا نعلم جيداً ان هذه الطريقة لن تنجح, وإن رفض الضحية الإفصاح عن هويته الطائفية فأنه سيقتل فوراً وبدم بارد تماماً, مما يبرهن ان القاتل ليس مهتماً على الإطلاق بطائفته (مهما كانت) ولا بالمنتمين اليها, وبالتالي فلا يوجد تفسير لتلك الجرائم على اساس مشاعر طائفية.
يقولون ان دوريات تقف في الشوراع كقطاع طرق, تنزل الناس من السيارات وتسأل عن هوياتهم واسمائهم, فإن تبين انهم من الشيعة (وكان قطاع الطرق من السنة) (او بالعكس) قتلوا الضحية, وإلا تركوها تمر بسلام. وبالطبع يمكن للمجرمون ان يقرروا بشكل عشوائي ان يقتلوا اليوم السنة او الشيعة فقط, وأن يلبسوا ملابس ميليشيات جيش المهدي او الدشداشة القصيرة, ليعطوا الجريمة طابعاً طائفياً مزيفاً. أما الناجون من الموت بفضل نتمائهم للطائفة المحظوضة لذلك اليوم, فسوف يهرولون مرعوبين لنشر الخبر دون تمحيص.

2- لا يوجد لاعبين في القائمة لعمليات الإنتحارية ضد المدنيين: فلا توجد اية جهة إجرامية او مقاومة في تلك القائمة يمكن ان تهدف الى مثل تلك الأعمال, ولذلك فأنها تنسب بشكل غير دقيق الى الحقد الطائفي. أن افتراض وجود (عدد كبير من) المجانين بطائفتهم بما يكفي لإنتحارهم لقتل أبناء الطائفة الأخرى, إفتراض مهين للعقل بحد ذاته, خاصة لأي عقل عرف العراق يوماً. ورغم اني اجد صعوبة حتى في الدخول في مناقشة ذلك, لكني ساضغط على نفسي وشعوري وأفعل ذلك.
فأولاً الحماس الشديد للطائفة, سواء الشيعية او السنية, يفترض الأيمان بالإسلام اولاً. وحتى وإن غطى الشعور الطائفي على الإسلامي, فأن بعض هذا الشعور لابد ان يكون موجوداً. وقتل الناس, وبينهم اطفال مثلاً, لا لسبب إلا لكونهم من طائفة اخرى, حتى ان لم يكن يعتبرها طائفة اسلامية حقيقية, جريمة لا خلاف عليها في الإسلام, ولم يدع اليها صراحة اي إمام او سيد من الطائفتين, فكيف سيتحمل هذا الإنتحاري وزر تلك المخاطرة الشديدة في ان يكون مصيره النار, ولماذا؟
ومن ناحية أخرى فأن الكثير من تلك الجرائم الإنتحارية تنفذ في مناطق محايدة طائفياً يتوقع ان تحتوي بشراً من كل الطوائف, مثل الإنتحار في مسطر تأجير العمال أو كراج النهظة في بغداد التي تعج بالشيعة والسنة على السواء. من يمكن ان يفعل ذلك إذن؟ ان تذكرنا ان الصداميين واللصوص لا يقتلون انفسهم لأي سبب في الأرض او السماء؟

3- من جرائم العنف يبقى لنا أ- عمليات الخطف والقتل غير المحددة, و ب – الجرائم عالية الحرفية, و ج- جرائم التعذيب الشديد المتبوع بالقتل, الهادفة الى الأرهاب مباشرة.
فأما الأولى فيمكن ان يكون لها اي سبب, ولذا فهي ليست غريبة ويمكن ان يقوم بها اي مجرم اعتيادي ولا تدل اكثر من ان الوضع الأمني سيء.
وأما الثانية والثالثة فتحتاجان الى تدريب خاص ممتاز وطويل. فليس من السهل تدريب مجموعة من المقاتلين لتهاجم دفعة واحدة عشرات من افراد الشرطة (المسلحين والمدربين على السلاح) لتأسرهم او تقتلهم جميعاً, وان يتكرر ذلك مرات عديدة دون اي نجاح يذكر من قبل الشرطة في ايقاع اية خسائر هامة في الجهة المهاجمة في اية عملية.
إضافة الى التدريب العسكري الممتاز, تحتاج العمليات من النوع الثاني (ضد عدد كبير من افراد مسلحين) إلى عمليات استخباراتية دقيقة لكي تضمن في كل المرات أن لاتقع العملية صدفة اثناء تواجد قوات امريكية او عراقية كبيرة قريبة.
وأما العمليات من النوع الثالث (التعذيب الشديد بهدف الإرهاب) فتحتاج, إضافة الى سنين عديدة من التدريب على القسوة, بل وتحتاج ان يبدأ الممتازون بها تدريبهم على القسوة على الناس والتعذيب وهم صغار.

لذا فأن منفذوا النوعين من العمليات ليسوا من الناس العاديين إطلاقاً. ولذا فأن ردود الفعل على أعمال التعذيب الشديد, والمتمثلة بدعوة "الناس" الى تجنب العنف وترك هذا "الجنون" والعودة الى العقل ونبذ "الطائفية البغيضة", ليست إلا دعوات ساذجة في احسن الأحوال, ومغرضة تساعد الإرهاب في اسوأ تلك الأحوال.

إنها هكذا لأنها تفترض ان القائمين بمثل هذا العنف هم من الناس العاديين تدفعهم دوافع طائفية او ما شابهها, وأن تلك العواطف يمكن ان تنموا بين الناس الإعتياديين لتمكنهم من القيام بتلك الأعمال الوحشية دون سنوات التدريب الموجه بإمتياز والتي تحدثنا عنها. مثل تلك الدعوات لنبذ العنف والتعصب الطائفي تحمل رسالتين: الأولى دعوة للسلام, لاقيمة لها لأنها توجه خطأً الى من لم يقم بالجريمة, وغالباً لم يقم بأية جريمة في حياته, والرسالة الثانية الضمنية هي ان من قام بالجريمة هم اناس عاديون يدفعهم شعورهم الطائفي, وأن هذا الشعور قد بلغ في العراق هذا المبلغ الشديد, وأنه لابد بالتالي من الدفاع عن النفس بالقيام بأعمال مضادة ضد الطائفة الأخرى, وهي بالتالي دعوة مستترة الى الحرب الأهلية الطائفية!

من هذا التحليل نستخلص أن الجريمتين الأخيرتين التين تمت مناقشتهما, لايعودان للناس الإعتياديين بأي شكل, وان الدعوة الى نبذ العنف وامثالها لا تسهم إلا في زيادة العنف لأنها تتهم ضمناً ابرياء وتدعو اخرين الى الحرب الأهلية. ومن الممكن طبعاً ان يكون منفذي مثل تلك العمليات من الصداميين, من بقايا رجال الأمن المدربين بشكل ممتاز على السلاح وعلى التعذيب. لكن من المشكوك فيه ان تتمكن تلك الجهات في ضروف العراق الحالية من تنظيم كل هذا العنف بنفسها ولوحدها باعتبارها ملاحقة من الناس والسلطة.

التنظيم الدقيق المدعوم بمعلومات استخبارية ممتازة بالنسبة للعمليات الكبيرة, أمر يثير الشكوك بالقائمين بها, ونوعية العنف الشديد الذي اخذ اشكالاً لم يعرفها العراق وإن عرفها فبشكل نادر جداً مثل قصص وحشية ناظم كزار, تثير ايضاً الشكوك, فلم يكن في العراق الكثير من ناظم كزار عند السقوط, وإن كان فليس بهذا العدد. ومن ناحية اخرى فمن غير الواضح كيف يمكن لمثل هذه الأعمال ان تخدم أهداف الصداميين, فهي وإن كانت تثير الشكوك بالحكومة المنتخبة وقدراتها, لكنها في الوقت نفسه تثير في الناس الخوف وتدعوهم الى تأجيل رحيل القوات الأمريكية, وهو ما يجب ان يكون الهدف الرئيسي للصداميين, كما للمقاومة بكل اشكالها.

النقطة الأخيرة الأكثر خطورة هي ان أننا لم نجد مرشحين مناسبين للجريمة من النوع الثالث: الإنتحاريين في تجمعات الناس المدنية. فلا المقاومة يمكن ان تفعلها, ولا الصداميين واللصوص مستعدين للموت في سبيل اي شيء ولا المندفعين لأسباب إسلامية يمكن ان يفعلوها, ولا الطائفية الشديدة تفسرها, خاصة ان ضحاياها بعضها مختلط.

هذه الدقة في الإنجاز في العمليات الكبيرة في ظروف غير مريحة للصداميين وهذا العنف غير المسبوق في تأريخ العراق في احلك ايامه, نقاط تشكك في تفسيرات هذه الأنواع من العنف, ولكن هذا الإنتحار في الناس المختلطين غير قابل للتفسير إطلاقاً. هذه هي النقاط المحيرة التي اثارت "استغراب" ابي من العنف الحالي في العراق كما اثارت استغراب الكثيرين غيره.

لكن ما الذي قرأه أبي في ذلك الكتاب فأزال استغرابه؟
لقد اطلت عليكم في هذه المقالة فلا مناص من ترك جواب هذا السؤال الى الجزء الثاني من هذه المقالة, خلال هذا الإسبوع, فإلى ذلك الحين, متمنياً للجميع وخاصة لمن في العراق السلامة من كل هذا العنف والألم والدمار.



(*) كأمثلة لجرائم العنف الأمريكية "المعروفة", اشيركم الى مقالتين لدي:"الجيش الصغير والحلم القديم بالسلام"
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=20255
و " دروس في الأخلاق, ولكن لمن؟ مجزرة حديثة ومجازر اخرى" :
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=66536



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق المترنح بين فدراليتي الإبتزاز والجبن
- ملاحظات حول وثيقة المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي
- العلم العراقي: المشكلة والحل
- قرار الرئيس
- النفط والفدرالية
- الحكام العرب أسلحة دمار شامل اسرائيلية
- النفط العراقي وتساؤلات حول الخصخصة والإستثمار وعقود الشركات ...
- هل تحمي الديمقراطية نفط العراقيين؟
- متى بدأ التأريخ؟
- نحو موقف يساري ناضج من الإسلام السياسي
- ثلاثة ارباع الشعب الهولندي شوفينيين عرب: ابتسامات للمثقف الس ...
- ديمقراطية العجائب:وزير الدفاع يتعهد بالقضاء على احد احزاب حك ...
- في انتظار افلام الكارتون
- كيف تنتصر الحكومة في الرمادي
- الصدمة: انتبه فأنت تساهم في الإرهاب!
- الزرازير والحساب
- دروس في الأخلاق, ولكن لمن؟ مجزرة حديثة ومجازر اخرى
- القراءة كترفيه عنيف, والمقالة كحلبة ملاكمة
- أيان حرسي ماكان:قصة فضيحة ديمقراطية عريقة
- القاء اللوم على البيادق: الى اين نوجه انظارنا في العراق؟


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - أبي يفتش عن جواب لحيرته : بحث عن الحقائق في موضوع العنف في العراق – 1