أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدي النجار - الفضاءات الطوباوية وهدر الدم














المزيد.....

الفضاءات الطوباوية وهدر الدم


مهدي النجار

الحوار المتمدن-العدد: 1683 - 2006 / 9 / 24 - 10:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نحسدهم أولئك الذين تخلصوا نهائياً من ضغوطات الواقع وعذاباته المريرة وارتموا بكل ثقلهم، النفسي والعقلي، في أحضان التوهمات الجميلة. لا ريب نحن أيضاً الذين نزعم بإنشدادنا المتين لارضيات التاريخ المحسوس ونحاول مجابهة الواقع في شروطه المتوحشة ، نحاول تفسير التباساته وغموضاته وترهلاته الحياتية والفكرية بأقصى طاقات اشتغال العقل، ترانا أحياناً مأخوذين بهذه الفضاءات الطوباوية البديعة التي تضفي على آلامنا وفواجعنا المعاني وتسوغ مصاعبنا وتجعلنا نستريح في خيال رطب ، يبعث الحيوية في نفوسنا ويخرجنا ولو للحظة من صداماتنا مع القهر اليومي ومساوئ المعيوش، أترانا نستطيع أن نذهب بعقولنا إلى ابعد الحدود من دون استراحات خيالية عذبة، نهجر بها ساعاتنا المليئة بالانهيارات والرداءات والعفونات؟!… فعلها ذاك الفرنسي لويس التوسر، لم يستمتع ولو لحظات بالخيال الرطب، كان مغموراً من رأسه إلى أخمص قدميه في الكتاب الكبير الذي هو العالم في وجوده ذاته ، كان باحثاً وناقداً في آن ، كان مثقفاً إشكاليا من طراز مذهل، شكل فكره حالة تساؤليه فريدة أودت به إلى مصاف من بعقولهم مس ، حتى ذاك الذي طواه التاريخ، السياسي والمثقف الصعب المران، المؤسس الكبير للطوباويات البروليتارية، نعني به دافيدو فيتش تروتسكي، عاش لحظات حلم زاخرة، صف فيها المعذبين في كل الأرض وأعلنها ثورة كونية، يقول: "لا يمكن أن اكف عن الإيمان بالعقل،والتضامن الانساني، كلما تقدم في العمر اشتد بي الايمان، انا لم اعرف في حياتي المأساة الشخصية، الهزائم وخيبات الألم لا تمنعني من أن المح وراء الهزائم الحالية نهوض المعذبين في كل مكان" ، لم يكن في حسبان نبوءاته إن جيوش الكمبيوتر والتكنولوجيا ستقوض مشاريعه العالمية، كان عديم الشفقة مع نفسه ومع الذين من حوله، نخر المنفى السيبيري عظامه، تجرع مرارات المنافي القاسية وفي نفس الوقت تفنن في طرق الهرب منها بجوازات سفر ملفقة،انتحرت ابنته زينايدا من الوجع والهلع والمطاردات والاستجوابات، بينما تراجع روجيه غارودي بخطوات سريعة ومرتبكة عن "العقل الجدلي" ليرمي بنفسه بعد عناء مرهق فوق ضفاف بلا واقعية، أتعبته الواقعية التي خاضها على مدى اكثر من ربع قرن، شاخ وصار مثل طفل بحاجة إلى هدهدة رومانسية تُخلصه من معارك العقل، كتب: "من أكون في اعتقادكم"، رسم في هذه الرواية عالماً آخر غير العالم الذي أرتاه عبر صرامته المؤسسية، انتقل إلى عالم طوباوي مفعم بالأمل الأسطوري، من محور التمرد بكل مراحله يبدا غارودي ببناء خلاق لعالم زاه ما زال في الضفاف الأخرى،يبحث عن أطوار تكوينه في مأساة البشر وأوجاعهم ورفضهم وتمردهم، منقباً عن إيقاعه الداخلي ومشاركًا في ذلك الإيقاع، نسيج من عالم متخيل زاهر، يصنعه غارودي من خلال الحركة والتذكر والحلم والانتظار والخوف، من ذاك العلم المتفسخ تحدث ولادة جديدة لعالم حي ينبض فيه الفرح: "أترى سيكون من الممكن صنع عالم يخلق فيه البعض البعض الآخر؟! هذه قضية أخرى ،ولكن إن حدث ذلك،فسيكون على الأرجح عالماً يشبه هذه الزهرة: ستكون ثمة شمس لا تنفد، ولن يحاول أحد أن يكبر على حساب الآخرين بل يستمد حاجته من هذه الشمس" !!
حسناً فعلوا أبناء جلدتنا من العرب والمسلمين حين نزعوا العقل عن ثقافتهم وأرخوا العنان للقال والقيل وسر ديات العنعنة(قال فلان عن فلان عن فلان…)، تاهوا بأوابد الكلام وغرائبه، منذ أن دشنوا تاريخ الثقافة بمهزلة: "من تمنطق فقد تزندق" وطردوا الرأي المجتهد،والفكر الناقد الفاحص شر طرده، عفروا تربة النظر من بذورات التساؤل والتفكر، هدروا دم الرافضين للاعوجاجات والاستبدادات،باسم الزندقة تارة وباسم الهرطقة تارة أخرى،هؤلاء الروافض حاولوا الاقتراب من الحق، الاتجاه نحوه، حاموا حول وهجه، حول نار وجهه، كان رفضهم كما يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني: "منازعة الحق بالحق للحق"، ذبحوا شاعر العقل بشار بن برد، صلبوا المتصوف الحسين بن منصور الحلاج على دجلة ثم احرقوا جسده، كان متهوراً جسوراً يروم اقلاب الدولة، صرخ شاعر البصرة وواعظ مسجدها الكبير، صالح بن عبد القدوس مستنكراً بوجه الخليفة: علام تقتلني؟!…لكن السياف اخذ غفلته، فإذا رأسه يتهدهد على النطع .
لم يشتروا بفلس احمر كتب:تهافتات ابن رشد، وامتاعات التوحيدي، ورسالات المعري، وتهذيبات مسكويه، ومقدمات ابن حلدون…الخ، نثروها نتفاُ في مهب أزمنة النسيان، جعلوا الذات في عطالة مستطيلة على مدار القرون، انقسموا إلى فئات اجتماعية ومذاهب متناحرة ومتصلبة الشرايين، راحت هذه الفئات تنطوي على نفسها وعلى لهجتها وعقائدها السحرية والشعوذية، استراحوا بفضاءات أسطورية منهوكة دب في عظمها التكرار والإعياء فتحولت إلى سماجات ونواحات، يقول محمد اركون: "حين تشيخ الأسطورة تتحول إلى خرافة"، ناموا أبناء جلدتنا نومة عميقة لا صحوة بعدها ولا نهضة، كأن تطور العالم وفتوحاته المعرفية لا تعنيهم،ناموا تحت وصاية مضروبة على الجميع من قبل أنظمة استبدادية ضعيفة المشروعية،إن لم تكن معدومة المشروعية، يسميها البياتي: "مسلات ملوك البدو الخصيان"، وها نحن جميعاً نسير في تاريخ مقلوب، فبدل أن يسير بنا إلى الأمام والحداثة، راح يقذف بنا إلى الخلف والقدامة، إلى أزمنة بدائية قاحلة، بموجات بشرية مذلولة،تعبى،عارمة،لا أحد فيها يدري: من يضحك على مَن؟!



#مهدي_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بغداد بين الشريعة والحكمة
- الاسلام المتنور وثقافة العنف
- الذكرى السنوية السابعة لرحيل البياتي
- كيف يمكن ان نعيش سويا ومختلفين
- البياتي شاعر الحب واللِّماذات
- الحركات المطرودة من التاريخ
- اسئلة المثقف الاشكالي
- مسكويه فيلسوف الادباء
- الاكراه والاختيار في الخطاب الاسلامي
- الذكرى المئوية السادسة لرحيل العلامة ابن خلدون
- للعقل وقت وللخوف وقت
- الاسلام والفكر المعاصرحوار مع المفكر محمد أركون
- التسامح وقبول الاخر
- الاسلام والمعابر الى الديمقراطية
- الثقافة الاسلامية وتصحيح الاسئلة
- الإطار المفهومي للعلمنة
- كيف نفهم الإسلام اليوم ؟ - مقابلة مع محمد اركون
- جدلية الحداثة المادية والحداثة الثقافية


المزيد.....




- إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟ ...
- الرئيس السابق للاستخبارات القومية الأمريكية يرد على الهجوم ا ...
- وزير خارجية الأردن لنظيره الإيراني: لن نسمح لإيران أو إسرائي ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع أنبا ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع وأنباء عن ضربة إسرائيلية على أ ...
- انفجارات بأصفهان بإيران ووسائل إعلام تتحدث عن ضربة إسرائيلية ...
- في حال نشوب حرب.. ما هي قدرات كل من إسرائيل وإيران العسكرية؟ ...
- دوي انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود على إيران- وسط نفي إيراني- لحظ ...
- -واينت-: صمت في إسرائيل والجيش في حالة تأهب قصوى


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدي النجار - الفضاءات الطوباوية وهدر الدم