أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - كتّاب كانوا سوط الجلاد الثقافي















المزيد.....

كتّاب كانوا سوط الجلاد الثقافي


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 1680 - 2006 / 9 / 21 - 11:08
المحور: الادب والفن
    


رؤية الكاتب والموقف من التجربة تحدد طبيعة النص، أبعاده، وبالتالي أغراضه، وتجيب عن سؤال جوهري طالما أثير في السجالات الفكرية والفلسفية والأدبية والنقدية ألا وهو لماذا يكتب الكاتب وماذا يبغي من نشر نصه؟.
الرؤية والموقف هما ركنا النص الأدبي وهما لا يحتملان أي مساومة أو تزييف مهما كانت المبررات كالخوف من السلطات أو محاولة الحصول على مكاسب مادية أو اجتماعية وما شابه ذلك. فدوافع مثل هذه تجعل من النص مزيفاً لا قيمة إبداعية له. هذه البديهية الشائعة في الأدب منذ وقت مبكر نجد الكاتب السلطوي في ظل الأنظمة الديكتاتورية يتناساها أو يتجاهلها فيوظف نفسه طوعاً بخدمة الجلاد ليصبح جلاداً على طريقته ، فيحاول حشو رؤوس مواطني بلده بالأكاذيب عن طريق النص وهو أكثر خطورة من البيان السياسي والعسكري المباشر، مزيفاً مشاعرهم في التجربة وذلك باحتقار عذاب البشر في تجربة جدية وخطيرة كالحرب. هذا ما فعله العديد من الكتاب داخل العراق زمن الحرب العراقية ـ الإيرانية ، وبنظره سريعة إلى ما طبع في سلسلة ( قادسية صدام ) القصصية والروائية والشعرية يبدو الكلام شديد السطوع. وهنا لا أريد الخوض في تفاصيل ذلك، فقد قام الزميل "سلام عبود" بجهدٍ مميز في كتابه "ثقافة العنف بالعراق" الصادر عن دار الجمل ، لكن أود إلقاء الضوء على الصمت الذي لزمه العديد من الكتاب الذين مارسوا ذلك التزييف الأدبي بمعناه الأخلاقي والإبداعي، وكان من المفترض بهم بعد هروبهم إلى الخارج التكفير عن ذلك الذنب وهو جريمة بحق القارئ العراقي وذلك بالمبادرة إلى الاعتذار العلني في الصحف والمجلات العراقية الصادرة في المنفى ، لكن ما جرى هو العكس تماماً، فبدلاً من الاعتذار نجدهم ركبوا الموجة، وبعد أن كذبوا على محققي الأمم المتحدة وحصلوا على اللجوء، صدقوا أنفسهم ونضالهم الموهوم وراحوا يكتبون في صحافة المهجر العراقية عن معاناتهم بظل الدكتاتور. قد يكون "عبد الستار ناصر" أكثر أولئك الكتاب سذاجةً ونشاطاً. فبعد أن كتب قصصاً وروايات يمجد فيها مدرسة العريف في المؤسسة العسكرية، وعن بطولات الجنود العراقيين الذين راحوا ضحية مشعل الحرب، كان الوحيد الذي ردَّ ـ المسلة العدد الثالث نسيان 2002 ـ على كتاب سلام عبود معترفاً على حياء بأنه كتب ما لا يسر بدوافع نفعية تافهة غير جديرة بإنسان بسيط الوعي لا بكاتب أصدر كماً كبيراً من الكتب، لكنه حاول في الوقت نفسه التقليل من أهمية الكتاب كونه تجميع مقالات لا غير متجاهلاً الغرض الذي أفصح عنه سلام عبود بوضوح كون الكتاب في الأساس بحثاً في أخلاقية الكتابة. أما البقية فقد كتبوا وبحياء أيضاً مبررين تلك الأفعال متحججين بالتقية تارة، وبتحميل معاني ما كتبوا دلالات مزدوجة تصلح مدحاً وذماً. ليس الموضوع محض أخلاقي كما طرحه الزميل "سلام عبود" بل أجد فيه جريمة مرتكبة بحق الإنسان العراقي، فما قاموا به في كتبهم لا يختلف عما كان يقوم به الجلاد وهو يعذب ضحيته في زنزانة التعذيب. أما ما يصرحون به في مجالسهم كونهم كتبوا لحماية أنفسهم، أو تحت هاجس الخوف والاعتقال ما هو إلا محض افتراء. لو كانوا قد كتبوا لهذه الأسباب لسارعوا إلى التنكر لتلك الكتابات حينما وصلوا إلى بلدان اللجوء. ما حدث بالضبط هو أنهم لزموا الصمت وادعوا زوراً بنضالٍ وهمي كما هو حال "جاسم الرصيف" الذي تكلم في مقابلة صحفية عن معاناته عندما سجن دفاعاً عن حرية الكلمة. أما البعض الآخر فقد تسلل إلى صحف المعارضة وغير المعارضة ليكتب كلاماً ممجوجاً لفرط تكراره، يفصح عن ثقافة ضحلة. فمراجعة سريعة لما يكتبه "عبد الستار ناصر" في عموده "المسألة وما فيها" في صحيفة بغداد المعارضة تبين ما ذهبنا إليه. مشكلة هؤلاء الكتاب أنهم يتصورون أن الصمت ولبس دور الضحية وبسرعة بعدما قل الدفع وكادت أن تخلو الجيوب ـ وهذا السبب الحقيقي لخروجهم من العراق والذي لا يصرحون به ـ سوف يجعلهم بين ليلة وضحاها مناضلين أشداء قاوموا الدكتاتور لا مساهمين أشداء في تدعيم سلطته على الجبهة الإعلامية والأدبية. لنأخذ مثلاً بعمود من أعمدة عبد الستار ناصر في صحيفة بغداد. في العدد 494 المؤرخ تشرين الثاني 2002 يكتب تحت عنوان "الرواية والسفاح" عن عملٍ جديد يكتبه منذُ سبعة شهور عن سنوات الخراب التي ساهم هو وأمثاله في تكريسها، متجاهلا شروط مثل هذه الكتابة التي تستدعي الموقف والرؤية وصدق التجربة والإحساس بها، فكيف يكتب من كان وقتها يرتزق بتزييف الواقع نفسه وقتذاك؟!. الكتابة في موقعه الجديد لا تختلف عن كتابته في موقعه القديم، فهو يكتب هنا راكباً الموجة، ومتطرفاً في مزايدة فجة لكتاب عراقيين رفضوا الدكتاتورية قولاً وفعلاً وتحملوا تبعات ذلك سوقاً للجبهات وسجناً وهروباً إلى الحركة المسلحة في كردستان في الثمانينات، ثم دول الجوار ومعسكرات اللجوء بظروفها الصعبة متحملين الجوع والبرد والعوز قبل أن يستقر بهم الأمر ويكتبوا تجاربهم الفريدة في ذلك المخاض العسير، وهذا ما سأعود إليه لاحقاً. كتابة "عبد الستار ناصر عن ممارسات السلطة مع ضحاياها لا تختلف عما ذكره هو في العمود نفسه عن تسجيل "عدي" لعمليات التعذيب والقتل بأفلام فيديو يشاهدها مع عشيقاته بلذة. فالشاهد الذي أورده من روايته التي يكتب بها له خصال فلم فيديو فج، أي مكتوبة دون إحساس بل بتلذذ لنقرأ ذلك المقطع الذي أورده "وقفت أمام الكلاب السود وهي تأكل هذا الإنسان الذي كان حياً لحظة أن رموها عليه، رأيت ثلاثة من الكلاب تنتظر دورها، أنها خارج دائرة الطعام، بينما يرفع الرجل المأكول يده اليمنى، لكنها يد بلا أصابع، نافورة دم من خمسة ثقوب تشير إلى السماء، بينما الكلاب راحت تنهش في الجزء الطري من الجسد" بهذا التصوير الفج الذي يبدو فيه وكأنه يجلس جوار ابن السفاح "عدي" ويشاهد هذا المشهد مستمتعاً بعذاب الإنسان المنهوش من قبل الكلاب، يعتقد "عبد الستار ناصر" أنه يكتب نصاً مهماً عن زمن الدكتاتور الذي كان يتمتع فيه بامتيازات الكتاب المرتزقة. أما "جاسم الرصيف" فيبدو أكثر وقاحة من أي كاتب مرتزق أخر. بل يبدو واضحاً أنه الأكثر تمثيلاً لطبيعة أولئك الكتاب المرتزقة الذين صمتوا. فهو يشتم بين الحين والحين مساوياً بين النظام والمعارضة في موقع المنتقد، شاكياً من أعراض المعارضة وصحافتها عنه، إذ لم تعامله مثلا كما عاملت عبد الستار ناصر، ووجد نفسه معزولاً وموجة معارضة النظام عبرته، لم يجد ضيراً من إعادة أصدار رواياته عن قادسية صدام بالمؤسسة العربية للدراسات والنشر. وهنا أنا أختلف مع الزميل "سلام عبود" الذي تساءل في كتابه "ثقافة العنف بالعراق" عن ماذا فعل الرصيف بحريته في الخارج؟ ليجيب أنه أعاد طبع كتبه عن الحرب!، فأقول عن يقين أن مثل هؤلاء الكتاب كانوا يكتبون بحماس يتساوق مع بنيتهم الثقافية المندمجة ببنية الجلاد. فهم جلادون بالسليقة ومنسجمون مع ذواتهم، فلا فرق بين أن يكونوا في الداخل أو الخارج إلا بمقدار ما يحصلون عليه من امتيازات. الشيء الوحيد الذي حذفه "جاسم الرصيف" في صفحة إصدارات المؤلف هو عبارة ( قادسية صدام ) عند إشارته للجوائز التي فازت بها رواياته. فبدت وكأنها فازت بجائزة الرواية العراقية غير المتخصصة بالحرب. في واحدة من هذه الروايات "أبجدية الموت حباً" الصادرة بطبعتها الثانية خارج العراق عام 2000 يقدم نصاً هزيلاً عن معارك الفاو. أقول ( هزيلاً ) بمعنيين فنياً وفكرياً. فالنص مبني أساساً على فكرة الموت السعيد. أي موت الجندي العراقي المسكين سعيداً في تلك الحرب. وهنا تختفي كل عذابات الإنسان زمن الحرب. قسّم الكاتب نصه إلى صوتين يتناوبان السرد ، الأول الـ "أنا" صوت شاب عراقي يدعى للخدمة العسكرية زمن الحرب يحكي لنا تفاصيل سوقه من معسكر التدريب إلى الجبهة حيث سيساهم في معركة "الفاو" ويقتل. والصوت الثاني "هي" صوت أنثى أرادها الكاتب رمزاً للأرض كان فجاً ومباشراً حاول من خلالها أن يعطي لنصه بعداً تاريخيا عن طريق تقسيم آخر داخل هذا الصوت بين الـ "هي" وهي تقاتل مع فصيل يُحاصَر في بيت داخل الفاو، والضمير نفسه يسرد بعض الأحداث التاريخية التي مرت على الفاو وقت الصراع الإنكليزي ـ العثماني للسيطرة على العراق. بنية النص في مساراته السردية مشتتة وهزيلة من كل النواحي، فمسار الجندي المساق إلى الحرب عادي في تفاصيله ومبني بكيفية نزعت من الجندي مشاعره الإنسانية رويداً.. رويداً في عملية غسيلٍ للدماغ مارسها الكاتب، ـ هي ذات الوسيلة التي مارسها النظام في إعلامه طوال مدة حكمه في محاولته لغسيل دماغ العراقي وتسطيحه ـ ليحوله من إنسان ذي مشاعر يحس بالخوف والفرح والألم فهو يخاف الظلام في صفحة النص الأولى، إلى إنسان مجرد من المشاعر لا بل يمارس القتل بسعادة، ولا يقيم وزناً لمشاهد الجرحى بل المهم هو العلم الذي يود غرزه على المنطقة التي يستعيدها من الأعداء، وعندما يغرزه يقتل. وثيمة قتل الجندي تكاد تكون الثيمة المشتركة لقصص وروايات ( قادسية صدام ) ، ففي دراسة لمائة نص قصصي منها ، وجدت أن من يموت هم الجنود، ومن يحيا ويواصل هم الضباط والمراتب العليا. أما المسار السردي الثاني فهو مرتبك البنية تماماً، فليس ثمة علاقة بين الذات الأنثوية التي تقوم بفعل السرد بعده التاريخي الذي أشرت إليه، وحاضرها وهي تقاتل بصحبة فصيلٍ محاصر في بيتٍ من بيوت الفاو. فالسرد التاريخي مجرد حشو لا دلالة له، فالصراع بين الإنكليز والأتراك للسيطرة لا يرتبط حتى نهاية النص بالأحداث الواقعية من ناحية، ويفضي إلى نتيجة تخالف ما رمى إليه الكاتب، إذ في نهاية النص ينزل الجيش الإنكليزي إلى الفاو في حركة تتوافق مع سيطرة الجيش العراقي على الفاو مرة أخرى، أي النص يمجد في بعده التاريخي تحرير الفاو من الأتراك على يد الإنكليز في ذروة النص الأخيرة.
يعج النص بأفكار الكاتب الجاهزة المتوافقة مع ثقافة العنف الممجدة لفعل الحرب، حيث يكون الإنسان أرخص من الأشياء. إذ يقوم الكاتب بتزوير مشاعر شخصياته كي تتوافق مع هدفه الأيدلوجي في الترويج للحرب والموت نازعاً تلك المشاعر الإنسانية الصغيرة، بل الغريزية التي تشعر بها حتى الحيوانات. فوالد الجندي المساق قلقاً في حواره مع أبنه المجاز، ليس عليه، بل مستعجلاً ابنه كي يلتحق بالمعارك الطاحنة، ويخاف من تأخره، في مبنى يزيف طبيعة المشاعر البشرية:
"قال بأسف ـ يقصد أباه ـ وهو ينظر نحوي نظرة لم أفهم معناها:
ـ المعارك الأخيرة طاحنة."
وبعد أن يحدق بابنه خوفاً من حماقة ما يرتكبها، والحماقة من منظور السارد هي التأخر في الالتحاق بالجبهة، يسترسل موضحاً:
ـ الجبهة تحتاج إلى مزيد من الرجال، متى تنتهي إجازتك؟"ص68
في تساوق فكري مع ذلك الأب الذي قتل أبنه الهارب من وحدته، والذي قام صدام حسين بمنحه وساماً في بث تلفزيوني حي ظل يعاد بثه لفترة طويلة في التلفزيون العراقي. أما قتلى الحرب من الجنود العراقيين المساكين صورهم الكاتب وعلى مدار النص وهم على وشك الموت ذلك الموت الخالي من الألم، لا بل يموتون وعلى شفاههم ابتسامة أسف، توحي للقارئ بأنهم يعتذرون لأنهم لم يكملوا المعركة، بدلاً من الألم الإنساني وعذاب الجرح الجسدي الواقعي وعنفه:
"وجدته مصاباً برشقة رصاص في صدره وثمة خيط قاتم من الدم ينحدر من بين شفتيه، همست بأذنه..لا..، لكنه ألقى نحو عيني نظرة ودودة ورأيت في عينيه المتعبتين ظل بسمة خاطفة. كان يعتذر عن ذنبٍ لم يقترفه"ص27.
وتساوقاً مع هذا المبنى تتحول جثث قتلى الفصيل المحاصر في "الفاو" إلى أجساد حية تفيض بالنور لها شكل البلور وتنبعث منها بدلاً من رائحة العفن رائحة وردٍ، وبذلك يزيف الكاتب ليس المفاهيم الفكرية والإنسانية فحسب، بل حتى قوانين الطبيعة وعلم البيولوجيا ص43. لذلك فعندما تصاب في المعركة تتجلى متحولة إلى شخصية غير بشرية تشبه سوبرمان بطل الحكاية الأمريكية الشهيرة، فهي عكس البشر لا تحس بالألم عقب الضربة بل العكس أنها تحس بسعادة الطير وهو يحلق عالياً في السماء: "نلت ضربة قاسية. ثم نلت أخرى. حلق جسدي بعيداً عبر حقول الورد".ص101.
في مقاطع عديدة من النص يصور مشاهد عن تعذيب الأسرى العراقيين في الفاو، فقء عيني أحد الجنود ص144. كما يصور في مشهد أخر عملية دفن الأسرى العراقيين أحياء قرب معسكر في الفاو ص128. هذه المشاهد يستقيها الكاتب مما يفعله رجال الاستخبارات العراقيين في الجبهات، أما دفن الأحياء فهو ما أنفرد وأشتهر به حزب البعث في العراق منذُ وقت مبكر في تاريخ العراق المعاصر. إذ قام في أعقاب انقلاب 8 شباط الدموي 1963 بدفن الكثير من معارضي الانقلاب خلف السدة ببغداد وفي العديد من المحافظات، وظل يمارس هذه العملية البشعة طوال تاريخه، راجع كتاب كنعان مكية "القسوة والصمت" وفيها شهادة من طفلٍ كردي نجا من عملية دفن جماعية في صحراء الجنوب العراقي قرب السماوة عقب حملة الأنفال سيئة الصيت 1988.
النص لا قيمة فنية له فهو نص ضعيف يحتشد بالمبالغات فبدا السرد هشاً غير معقول. يكشف عن جهل الكاتب بأدواته وفقر معرفته بأساليب الكتابة الفنية. إذ كان يعتقد انه بهذه المبالغات يكتب نصاً يمزج الفنتازيا بالواقع، لكنه في الواقع يكرر نفس المفردات والمشاهد في جزر تطفو فوق السرد التقريري المباشر مثلا ص187. ص181. ص176.
بصدور هذا الكتاب عام 2000 عن الدار العربية للدراسة والنشرـ بيروت. وصمت كل من كتب ممجداً قيم الحرب والموت نصوصاً مارست دورها في تسميم العقول، بل تبوء العديد من أولئك الكتاب المخبرين مواقع في صحافة المعارضة العراقية وفي الصحافة العربية كدعاة للحرية وكونهم معارضين وذوي تاريخ نضالي لم يمارسوه حتى مع أنفسهم، يؤكد ما ذهبت إليه في مدخل المقال حول اختلافي مع الزميل "سلام عبود" كون هؤلاء الكتبة ذوي بنية ثقافية ونفسية متسقة مع سلطة القمع وهذا الذي حدا بهم إلى كتابة تلك النصوص والاحتفال بتلك الحروب الخاسرة وغير الشريفة. يدعم هذا الاستنتاج العديد من الشواهد والنصوص المختلفة. فمجرد تأمل النص النثري العراقي المكتوب في العشرين سنة الأخيرة. نستطيع أن نميز جيلاً يختلف عن الكتاب ذوي الموقف السياسي المبكر ممن كانت له علاقة بأحزاب اليسار العراقي الذين هاجر باكراً قبل الحرب العراقية الإيرانية ومنهم: كريم عبد، زهير الجزائري، علي عبد العال، محي الأشيقر، عبد جعفر، سليم مطر، إبراهيم أحمد، صلاح عبد اللطيف، أحمد ناهد، محمود البياتي، لؤي عبد الإله، هيفاء زنكنة، سلام صادق، سلام عبود، وغيرهم. وهؤلاء الكتاب أصدروا العديد من المجاميع القصصية والروايات المختلفة في الرؤية والموقف تشكل رافداً من روافد الأدب العراقي . هنالك جيل من الكتاب ممن كان غير مرتبط عضوياً بحركة سياسية. بل كان أميل إلى العيش بسلام في المكان الذي ولد ونشأ فيه، لكن السلطة التي أشعلت الحرب لم تدعه وشأنه بل قامت بسوقه إلى جبهات الحرب وخاض أيامها الصعبة الأولى وبدلاً من الانخراط في كتابة نصوص تمجد الحرب كما فعل كتاب القادسية الذين لا داعي لتكرار أسمائهم فما على القارئ سوى العودة إلى كتاب الزميل "سلام عبود" الموسوم "ثقافة العنف في العراق ". هربوا من الجبهات ملتحقين بالحركة المسلحة في كردستان، منهم من بقي معها حتى الأنفال كما فعل كاتب هذه السطور الذي أصيب في قصف بالأسلحة الكمياوية ويعيش بثلث رئة الآن في الدنمارك. ومنهم من عبر الحدود إلى دول الجوار أذكر منهم شاكر الأنباري، حميد العقابي، جنان جاسم حلاوي. وهؤلاء تميزت نصوصهم برؤية للتجربة والحرب مختلفة. رؤية إنسانية.. حية، متخلصة من أوثان الأيديولوجيا اليسارية والقومية ومن هذه النقطة كانت لنصوصهم المنشورة في أواخر الثمانينات والتسعينات أصداء طيبة في الوسط الثقافي العربي من خلال ذلك الاحتفاء بها في الصحافة الأدبية العربية. وتشكل نصوص " ليل البلاد" لجنان جاسم، و "ليالي الكاكا" لشاكر الأنباري، و "أصغي إلى رمادي" لحميد العقابي، و "رؤيا الغائب" لكاتب هذه السطور، إضافة إلى العديد من المجاميع القصصية لهؤلاء الكتاب، رافداً أخر من روافد الأدب العراقي تشهد على حقبة أصبحت منقضية هذه الأيام. وتجدر الإشارة هنا إلى أن العديد من المواهب ومشاريع الكتاب قتلت في خضم هذه الرحلة العصيبة بين الجبال ومعسكرات اللجوء أما جسدياً في المعارك وأما يأساً من جدوى الكتابة. بالمقابل تمكن العديد من الكتاب العراقيين في داخل الوطن من الخلاص من ورطة الكتابة تمجيداً لثقافة العنف وقراءة لمجموعة جنداري "مصاطب الآلهة" الصادرة عقب وفاته عام 1995 بعد أن سقي الثاليوم في المعتقل تخزي كتبة القادسية لما عجت به من هجاء مبطن للطاغية أتخذ من تاريخ العراق والمنطقة رداء. وكذلك نصوص المبدع "محمد خضير" والعديد من الكتاب الشباب الذين ظهروا في مطلع التسعينات أذكر منهم "لؤي حمزة عباس" و "نعيم شريف" الذين كتبوا نصوصاً متقدمة تهجو، بشكلٍ مبطن أحيانا،ً وصريح أحياناً أخرى ثقافة العنف. وستشهد الأيام القادمة ظهور المزيد من الكتاب العراقيين الجدد ممن سيجعل من أولئك الكتبة الذين مجدوا حروب الطاغية وسلطته، وكانوا يده الثقافية الضاربة عاراً في التاريخ الأدبي العراقي المعاصر.




#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بمناسبة المؤتمر الرابع للطائفة المندائية..يا عراق متى تنصف أ ...
- قالت لي: أنا عندي حنين


المزيد.....




- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - كتّاب كانوا سوط الجلاد الثقافي