أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - صلالة مدينة تشبه الألعاب الإلكترونية















المزيد.....

صلالة مدينة تشبه الألعاب الإلكترونية


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1680 - 2006 / 9 / 21 - 11:09
المحور: الادب والفن
    


رسالة سلطنة عمان:
غادرنا القاهرة بعد ساعات من مغادرة رمسيس الثاني لها، في صباح الجمعة 25 أغسطس، هو إلي موطنه الأصلي بالجيزة و نحن إلي صلالة بسلطنة عمان. كانت هناك مشاكل سبقت مغادرتنا. لا يوجد حجز في مصر للطيران. هذا هو موسم عودة المدرسين المصريين إلي عمان بعد أجازاتهم التي قطعوها في مصر. تم الحجز لنا علي الخطوط العمانية. كان الوفد المصري مكونا من شاعرة الفصحي رنا التونسي، شاعر العامية سالم الشهباني، و كاتب هذه السطور في مجال القصة القصيرة، مع رئيس الوفد د. أحمد مجاهد. نحن ذاهبون لتمثيل مصر في برنامج الملتقي الأدبي للشباب العربي في الشعر و القصة المعقود في صلالة من 26 حتي 31 أغسطس بمناسبة اختيار مسقط عاصمة الثقافة للعام 2006. في مهام كتلك يغدو من الصفاقة أن يكون ارتباكك متعلقا بخط سير الرحلة و ترتيب الحقائب لا بكيفية تمثيل الكتابة المصرية الشابة، برغم هذا، كانت هذه الصفاقة من نصيبنا جميعا. كنا مرعوبين من أي خطأ في الإجراءات، توقفنا أكثر من مرة في المطار بسبب اختلاف الاسم المدون في التذكرة، و هو اسم الشهرة الموجهة عليه الدعوة، عن الاسم المدون في جواز السفر، ضاعف هذا من ارتباكنا.
في مطار مسقط استقبلتنا الدكتورة صافي الغندور من السفارة المصرية في عمان. عرضت علينا استقبالنا في بيتها بدلا من انتظار طائرة صلالة لساعات. خففت قليلا من توترنا باستقبالها الدمث. ثم دق جرس الإنذار في رؤوسنا: هي تريد نسخ من النصوص التي سنقرأها حتي تطمأن بأن لا شيء فيها يخالف العادات و التقاليد العمانية. قال لها أحمد مجاهد أن النصوص قد أرسلت لهم بالفعل. أظهرت عدم علمها بهذا. و بشكل ما أو بآخر، أعادت الغندور بهذه الجملة تذكيرنا بأننا مازلنا في حدود العالم العربي الذي تتآكل جغرافيته بينما لا تتوقف عاداته و تقاليده عن النمو.
من المطار إلي هيلتون صلالة كان القاص الأردني إبراهيم جابر إبراهيم راكبا معنا. هو رئيس الوفد الأردني. سألته عن بقية الوفد فقال أنه لم يصل. لهذا قصة طويلة. الدعوة أرسلت لوزارة الثقافة الأردنية باختيار ممثلين شباب في القصة و الشعر العامي و الفصيح. وجهت الوزارة الدعوة للشباب غير أنها ألزمتهم بتحمل تكاليف السفر. فما كان من اتحاد الكتاب الأردنيين إلا أن طلب من الوزارة أن تتحملها هي. ردت عليه بإرسال تذكرة واحدة. ولأن رئيسا بلا وفد أوقع من موفد واحد بلا رئيس فقد قرروا إرسال إبراهيم جابر كرئيس للوفد بدون شخص معه. شيء مثل هذا، و إن كان مقلوبا، حدث مع الوفد الكويتي، الوفد الذي اعتذر رئيسه عن السفر في آخر لحظة فقرر أعضاءه اختيار رئيسهم من بينهم، واختاروا بالفعل الشاعر الشاب محمد هشام المغربي.
بدا الملتقي يوم السبت بحضور الشيخ محمد بن علي القتبي وزير الدولة و محافظ ظفار والذي أهداه مدير عام وزارة الثقافة بمحافظة ظفار سعيد القطن هدية شرفية عبارة عن مجسم كريستال لشعار الملتقي. ثم ألقي الشاعران العمانيان علي بن سهيل حردان و بخيت الحمر قصائد افترض أنها تتضمن ترحيبا بالضيوف غير أنها صبت في مديح ليس سلطنة عمان وحدها و إنما السلطان قابوس كذلك، و هو ما أثار استغرابا شديدا سينقلب إلي حنق في اليوم الختامي عندما سيعلن عن إرسال رؤساء الوفود برقية شكر إلي صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد لإسهامه في رعاية هذا الملتقي. سيقول لي بعض رؤساء الوفود العربية ساعتها أنهم لا يعرفون عن هذا شيئا و أنهم فوجئوا مثلما فوجئت أنا وسيقول لي البعض الآخر أن هذا مجرد إجراء روتيني ينتهي عقب أي نشاط مماثل.

برج بابل

صلالة مدينة تشبه الألعاب الإلكترونية. لفتت نظرنا أثناء سيرنا فيها المساحات الشاسعة غير المستثمرة. بين الحين و الآخر نجد بيتا هنا أو هناك. البيوت هناك كلها واطئة، ذات طابقين علي الأكثر مبنيين علي طراز عربي قديم ورائق. أحيانا، في عمق المدينة، كنا نجد قطعانا من الخراف تعبر الطريق فما يكون من السائق إلا أن ينتظر عبورها ليستأنف التحرك. كأننا بالضبط في ساحة لسباق السيارات بلعبة إلكترونية تختزل التفاصيل قدر ما يمكن في الأماكن التي تسهم في تطور اللعب. أثار انتباهي برج واطئ يدعي برج النهضة في داخل المدينة. البرج مصنوع بما يشبه انه الحجارة القديمة و لكن علي طراز حديث، تتعاقب عليه ألوان عدة: بنفسجي و أخضر و أحمر. أرقبه من زجاج الباص. أندمج في فوضي اللغات المتناثرة من حولي بين جميع الوفود العربية. أعاود النظر إلي برج النهضة و أتذكر برج بابل. من لغات برج بابل توجد لغة جديدة. نضبط نفسنا، نحن المصريين، و نحن نتحدث بكلمات من لهجات أخري، سورية و تونسية و خليجية، بلا وعي. حتي في السوق الشعبي، حينما لا يقابلك إلا هنود و باكستانيون هم العمالة الرخيصة لهذه البلد، ستجد نفسك مضطرا للتفاهم بالعربية و الإنجليزية المزودتين بلكنة هندية حريفة.
وصلنا المدينة و خريف صلالة يوشك علي الرحيل، هذا الخريف الذي يبدأ في شهر يوليو و ينتهي في سبتمبر. فيه يكون الجو نديا اغلب الأوقات و تستضيف صلالة معظم ضيوفها في هذا الموسم. منذ وصولنا إلي أرض صلالة ظلت قطرات الماء، مع الطقس غير البارد بالضرورة، تلاحقنا. تجولنا في منطقة المغسيل، وهي مجموعة من الجبال تطل علي ساحل بحر العرب. الأرض مجوفة من تحتنا. كان الماء ينفجر من بين أقدامنا علي هيئة نوافير تصدر رذاذ المحيط الهندي إلينا ونحن منشدهون نتطلع إليها كالأطفال. زرنا عين الجرزير. شلالات تهبط من عل لتتشكل في برك صغيرة. أطفال صغار يصعدون علي صخور عالية و يرمون بأنفسهم في عيون الماء. في الطريق كنا نسير بين الجبال الخضراء من كل جانب. بين الحين و الآخر كانت السيارة تعبر فوق بحيرات. كنت أسأل عنها فيقولون أنه نبع قد فاض. تذكرت مواسير المياه التي تنفجر في شوارع القاهرة، و أيضا تضطر السيارات للخوض فيها، و سكت.

الأخت الشاعرة

في يوم الثلاثاء قرأت الشاعرة رنا التونسي بعض قصائدها. في إحداها قرأت وخدعني الله. بعد انتهاء القصيدة و بينما الشاعرة تتأهب للقيام قام رئيس الوفد العماني و سأل "الأخت الشاعرة إن كانت قد قالت هذا فعلا. فأومأت بأن نعم. فما كان منه إلا أن أبدي استياءه متحدثا عن العادات و التقاليد العمانية. و هو ما دفع رئيس الوفد المصري إلي أن يقوم و يشكر بسخرية الشاعر العماني علي الخطاب الديني الذي يحتكره. بعدها قام سالم الشهباني و تحدث عن الرمزية في الشعر مستشهدا بأبيات أمل دنقل المجد للشيطان معبود الرياح، مما دفع رئيسة الجلسة القاصة العمانية بشري خلفان أن تعلق مندهشة أن الوفد المصري متحمس جدا للرد. هنا أراد أعضاء من الوفود الأخري كسر هذه الصورة و التعليق مساندين رنا، حتي الشعراء من دول مجلس التعاون الخليجي، ذوي الذوق المحافظ في الغالب.
أما أمتع المشاركات فكانت للشاعر السوري محمد مرعي اليساري الذي لم يراع رصانة الشعر و وقاره و إنما ألقي قصائد دفعت كل الحضور للابتسام في البداية ثم القهقهة و التصفيق الصاخب مع كل بيت جديد يلقيه مما دفعه أكثر من مرة لإعادة مقاطعه. كان في الأمر ما هو أكثر من طرافة الشعر، فالشاعر يعيش في منطقة الحسكة، و هي علي حدود سوريا و العراق، و هو ينطق بلهجة قريبة جدا من العراقية. ربما يمكننا أن نجد هنا أثارا لافتقاد الوفود العربية للعراقيين الذين لم يحضروا الملتقي.

فلسطين و محفوظ في النهاية

في أثناء هذا سيطرت علي الملتقي القضية الفلسطينية، ممثلة في آيات نزال، رئيسة الوفد الفلسطيني والفلسطينية الوحيدة الحاضرة، بعد منع بقية الوفد من مغادرة الأرض المحتلة. ألقت آيات كلمة في الافتتاح، ثم ترأست جلسة في اليوم السابق علي اليوم الختامي، مما دفع الدكتور أحمد مجاهد إلي أن يعترض علي هذا ويقول أنه كان من المفترض أن يجعلوا رئاسة الجلسة في يد أحد الشباب المبدعين لا رؤساء الوفود، و أردف أنه، حتي لا يفهم خطأ، لا يرشح أحدا من الوفد المصري. غير أنه، فيما يبدو أنه للرد عليه، ألقت آيات نزال أيضا الكلمة الختامية للملتقي، بعد أن تم توزيع شهادات التقدير والجوائز علي رؤساء و أعضاء الوفود. قال لي إيهاب حامد رئيس الوفد السوري بأنهم منعا للخلافات بين رؤساء الوفود حول الأحق بإلقاء كلمة الوفود العربية قرروا منحها لرئيسة الوفد الفلسطينية لرمزية القضية الفلسطينية بين جميع الوفود، وقد كان. شكرت آيات نزال في كلمتها الختامية الوفود العربية الذين أصروا أن تكون كلمة فلسطين هي الأخيرة وتمنت أن يلتقوا مرة في القدس كعاصمة الثقافة العربية. في هذه الأثناء، وبينما آيات تلقي كلمتها، اقترب مني القاص العماني سليمان المعمري وهمس لي بالمصرية: فيه خبر وحش. التفت له و قلت له: نجيب؟ فأومأ برأسه. بعد قليل صعد الشاعر العماني بدر الشيباني ليعلن امتزاج الحزن بالفرح في هذا اليوم الختامي للملتقي و نقل إلي الحاضرين الخبر المشئوم مقترحا الوقوف دقيقة حدادا علي روح الكاتب العظيم. عندما خرجنا من القاعة كان الوجوم يسيطر علي الجميع. الشباب من جميع الوفود يأتون إلينا لتعزيتنا. نسمع كلمات من عينة أن البركة فينا وأننا من سنكمل المشوار من بعده. فجأة وجدنا أنفسنا الممثلين الوحيدين لمحفوظ في غابة الآداب العربية التي كنا فيها. و سنظل ممثلين له حتي عودتنا إلي القاهرة. حينها سيبدو أن وفاته جاءت كلعبة قدرية تعبث بآمال المنظمين في أن تختتم برقية الشكر إلي الحكام الملتقي فما يكون من روح المبدع الكبير هي التي تفضه و تعلن عن انصراف كل إلي بيته.



#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجمالية ترد الحكي على نجيب محفوظ
- تشومسكي: أمريكا تعجل بنهاية العالم
- منع الرؤية و مباركة الجنود.. العمى المرغوب فيه لإسرائيل
- في بيان من تشومسكي وساراماجو: إسرائيل هي الحلقة الأولى في سل ...
- سينمائيون إسرائيليون للبنانيين: نحن معكم
- صورة حسن نصر الله عند المثقفين المصريين. دفء و ملاحة و مقاوم ...
- ماذا يفعل أدباء إسرائيل وقت الحرب !؟
- من قلوبنا سلام لفيروز
- عبد الناصر هو البطل الملحمي، المدخن المحترف و بائع التذاكر.. ...
- دافنشي, يعقوبيان، و جرائم النشر، حرية التعبير في مجلس الشعب
- دم بارد.. بعثرة الندوب في جسد الواقع
- كرنفال الكرة و الادب على ناصية العالم
- بلدوزر.. تجار حشيش و مقابر.. تاريخ ملاحقة الكتاب الرخيص
- أدب المتدينين في إسرائيل و شيطنة الآخر
- يرسم نفسه، يكتبها، و يهدي فنه للعالم، مرايا الفنان بيكار
- فيروز و الرحابنة.. صوت عصي على الوصف و مسرح يعري النزاعات و ...
- كأس العالم.. إن شاء الله.. القضية الفلسطينية على الجدار العا ...
- عن تشابه الأحذية برغم كل شيء، حذاء الجيش و حذاء الباليه
- شاعر إسرائيلي: تصوروا أننا نقتل و خلاص! تصوروا أننا أشرار جد ...
- كومبارس الكتابة و الثورة المؤجلة


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - صلالة مدينة تشبه الألعاب الإلكترونية