أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبد الباري الشيخ علي - اشتراكيتان لا اشتراكية واحدة















المزيد.....


اشتراكيتان لا اشتراكية واحدة


عبد الباري الشيخ علي

الحوار المتمدن-العدد: 1676 - 2006 / 9 / 17 - 09:03
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


شكل استغلال الإنسان للإنسان ونهب الشعوب الأخرى عبر الغزوات ماهية المراحل التاريخية وبمختلف تكويناتها الاجتماعية, وظهرت بوادر الفكر الاشتراكي (جانب العدالة) تاريخيا في إطار الأديان و الحركات الإصلاحية نتيجة تفاقم مختلف أساليب الاستغلال ومعاناة الفرد المعدم. فحتى في فترة حكم الخلفاء الراشدين – مثلا – وهي الفترة التي تميزت في النصف الأول بقسط من العدالة الاجتماعية شخص الإمام علي بن أبي طالب جوهر المعاناة البشرية لمظاهر الاستغلال التي برزت وتفاقمت في النصف الثاني منها بقوله " ما رأيت نعمة موفورة إلا و إلى جانبها حق مضيع" كما و أشار إلى جوهر الاستغلال من خلال قوله " ماجاع فقير إلا بما متع به غني" وشكلت ما يسمى " الفتنة الكبرى" أول حركة اجتماعية ( انتفاضة) في النظام الإسلامي ضد الاستغلال ومعاناة المعدم في نفس الوقت الذي كان نظام الكنيسة الإقطاعي في أوربا يشكل أبشع أنواع الاستغلال البشري.

وقد توالت بعد ذلك دعوات كثير من المفكرين من اجل تحقيق بعض العدالة الاجتماعية, كما بذلت الجهود لتفسير مظاهر الاستغلال وانعدام العدالة ففتح الأمل لوضع بعض المعالجات و الحلول لهذه المأساة الإنسانية و السعي إلى تغيير جوهر علاقات الملكية- وهي العلة لهذا الاستغلال- و العلاقات الاجتماعية تبعا للفترة التاريخية ومستوى علاقات الإنتاج التي مر بها. وقد ذهب من اجل ذلك الألوف من الشهداء نتيجة إيمانهم بعدالة دعوتهم حيث أشاد بهم شاعر العرب الأكبر محمد مهدي ألجواهري بقوله:

لثورة الفكر تأريخا يحدثنا بأن ألف مسيح دونها صلبا

وقد قاد نشوء الرأسمالية في أوربا إلى بروز أنماط جديدة لتعميق أساليب الاستغلال فتبلورت نتيجة لاشتداد الصراع بين الرأسمال و العمل المأجور وتفاقم بؤس الأكثرية من السكان بسبب هذا الاستغلال مفاهيم عامة للاشتراكية وبزغت حركات وتنظيمات اشتراكية في البلدان الصناعية الأوربية ولكنها توقفت في إطار التحليل و التفسير ولم تطرح الجوهر بضرورة التغيير لإزالة السببية( العلة). تمكن كارل ماركس كواحد من أبرز المفكرين في تلك الفترة , من استيعاب جوهر الصراع الذي برز في بعض بلدان أوربا الصناعية حيث تمكن من خلال تحليله العلمي لطبيعة النظام الرأسمالي الجديد من بلورة دعواه للتغيير في إطار بيانه المشهور الذي طالب فيه بضرورة القيام بالعمل الايجابي وتوحيد صفوف القوى العاملة الأشد استغلالا من اجل التغيير في مواجهة الاستغلال الرأسمالي.

ورغم اعتماد النظرية الماركسيةعلى بعض تنبؤات واستقراءات تفصيلية لآفاق الصراع بين العمل ورأس المال ضمن عصر رأسمالية القرن التاسع عشر , وتأكيدها على حتمية انفجار هذا الصراع لصالح الطبقة العاملة ولمنفعة الكادحين فإنها – أي النظرية الماركسية- رفضت الجمود الفكري و أو التوقف عند هذه المرحلة من الصراع ودعت إلى ضرورة المرونة , انطلاقا من و استنادا إلى مبدأ النشوء و التطور إضافة إلى توكيد منظريها الأولين على إن نظريتهم لا تحمل – ولا ينطوي جوهرها على – هدف تام ونهائي . وبذلك أصبحت الاشتراكية _ من الناحية الأيدلوجية- مسيرة مستمرة لانهاية لها. وقد أدى وضع هدف نهائي للفكر تمثل في بناء الدولة الاشتراكية و الدفاع عن سياستها إلى تجميد طاقة التجديد الدائم و الاستمرارية للفكر الاشتراكي و في إيجاد طرق أخرى للتوجهات الاشتراكية تبعا للتطورات و التغيرات الحاصلة في النظام الرأسمالي. الأمر الذي أدى إلى رفض قانون التطور المستمر للفكر و الممارسة الذي تفرضه مسيرة الحياة, بفرزهما مستجدات لا تتلاءم و الفكر القديم وكذلك مع السمات الجديدة للتغيرات الكمية و النوعية الدولية وكمتطلبات هذا البلد أو تلك المنطقة. لاسيما بعد أن أخذ العالم – وحسب التفسير الاشتراكي العلمي- يتطور بوتائر سريعة ومتباينة في أرجائه المتباعدة , الأمر الذي يطرح معه تباينا فى مظاهر التناقضات وفى عناصر المجابهة مما يتطلب رفض صياغة فكرة الاشتراكية العالمية الواحدة أو فرض الفكر الواحد كدليل للعمل من دون الأخذ بالخصوصيات الموضوعية و الذاتية المستجدة. لذلك تعرضت ديناميكية الفكر الاشتراكي العلمي للجمود عندما تحول الدفاع عن النظام السوفيتي وممارساته إلى هدف نهائي بحد ذاته, وعندما أصبح الدفاع عن هذا النظام يشكل منطلقا يؤطر جوهر و أسس الفكر الاشتراكي و يوجه حركته الأيدلوجية مما أدى إلى اختزال مجمل الفكر كحركة متواصلة ومتفاعلة وتحويله إلى هدف يتحكم به ويقرره قادة الاتحاد السوفيتي الذين أتسمت سياساتهم – في الكثير من الأحيان-

بالشعارات المثالية و اعتمدت على المنطلقات الذاتية المعزولة عن جوهر المتغيرات العالمية و البعيدة -أحيانا – عن التحولات الواسعة و العنيفة في تطورات أساليب وأنماط النظام الرأسمالي الدولي.ومن هنا يمكن القول إن فشل عملية الإصلاح ( البيروسترويكا) للنظام السياسي و الاقتصادي في الاتحاد السوفيتي كان تجسيدا لتلك المنطلقات الذاتية. وهي التي تتحمل المسئولية التاريخية, ليس فقط بسبب تحويلها الاشتراكية –سابقا- إلى نظام شمولي معاد للديمقراطية الاشتراكية ( ليس المقصود الاشتراكية الديمقراطية و إنما لمخالفة أرائها لكل ما أكدعليه ابرز قادة الاشتراكية في مطلع القرن الماضي في الربط النظري بين الاشتراكية و الديمقراطية. لقد أكدت روزا لوكسمبورغ ( أحد ابرز قادة الحركة الاشتراكية العلمية " الماركسية" في أوربا) بأنه " لا اشتراكية بدون ديمقراطية, ولا ديمقراطية بدون اشتراكية".

إن التحولات الجذرية في بلدان المنظومة الاشتراكية سابقا – و بمائة وثمانين درجة ــ قادت إلى انتقال هذه المنظومة ؛ كما يؤكده واقع التحولات ؛ إلى مرتبة دول من الدرجة الثانية في عالم الشمال كتابع يدور في فلك النظام الرأسمالي العالمي وتكتلاته الدولية. ومن خلال واقع هذه التغيرات يمكن لمراقب التطورات و الأحداث لدولية أن يلاحظ عملية تسارع اصطفاف هذه البلدان و الأحزاب( الاشتراكية) الحاكمة فيها سابقا إلى جانب المنظومة الرأسمالية العالمية المعادية لحركة التحرر الوطني في الجنوب في توجهاتها الفكرية و اصطفت الغالبية منها إلى يمين الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في غرب أوربا – التي سعت وعملت تاريخيا على تعزيز النظام الرأسمالي – وأصبحت كجزء من النظام القائم نفسه. إضافة إلى تفانيها كمنافس للأحزاب اليمينية المحافظة في خدمة مسيرة العولمة و الفكر اللبرالي الجديد, العدو الحقيقي و النقيض الفعلي للفكر الاشتراكي بشكل عام وفي استغلال شعوب بلدان الجنوب وزيادة إفقارها بشكل خاص, كما وأصبحت هذه الأحزاب الاشتراكية في غرب وشرق أوربا أكثر تحالفا ورضوخا للسياسة الأمريكية ضد بعض الأطروحات الإصلاحية أو السعي لإجراء بعض التعديلات في هيكل الاقتصاد العالمي الذي يستهدف تحقيق بعض المنافع لبلدان الجنوب , ولاسيما بعد أن أصبح التراجع عن تقديم المساعدات الدولية وانعدام معاملة الأفضلية وفرض شروط المؤسسات الدولية الجائرة كمعيار للاستفادة من القروض و المنح المالية الشحيحة لدول الجنوب وفي انعدام فرص الاختيار الطوعي للتنمية الوطنية و الاستفادة من المنجزات العلمية للعولمة وغيرها من الإفرازات اللا إنسانية التي يفرضها النظام الاقتصادي الدولي على بلدان الجنوب.قادت الى تفاقم العوامل الأساسية في تجذير حالة الفقر و التخلف و الزيادة المطردة في نسبة ما يقرب من نصف البشرية التي تعيش في دول الجنوب دون خط الفقر وبدخل يقارب الدولارين يوميا. كما وإن 1,2 مليار من هؤلاء البشر يعيشون في حالة الفقر المدقع وبدخل مقداره دولار واحد فقط يوميا وتزداد نسبتهم عبر السنين حسب جميع الاحصاءات و التقديرات الدولية بحيث أخذت أبعادا لا إنسانية جديدة يستحيل معها وضع حلول أو علاجات ضمن إطار نظام الاقتصاد الرأسمالي العالمي الحالي الذي تؤيده وتساعده الغالبية العظمى من الأحزاب الاشتراكية في عالم الشمال وتعمل على تعميق وتجذير مسار العولمة بشكل عام يؤدي الى زيادة استغلال بلدان الجنوب و كذلك الى الزيادة المطردة في الفجوة بين غنى الشمال وفقر الجنوب . إن التحولات الجذرية في بلدان المنظومة الاشتراكية سابقا من النظام السياسي الاشتراكي إلى الرأسمالي قد قاد بدون نكران الواقع إلى فقدان غالبية بلدان الجنوب حليفا سياسيا دوليا كان من المؤمل أن يساعد على تخليص هذه البلدان من هيمنة المنظومة الرأسمالية الدولية جزئيا أو يساعد على عرقلة اندماجها التام ضمن هذا النظام الدولي الذي تقوده أمريكيا بكل شراس ضد مطامح بلدان الجنوب . ولهذا فان نقطة الانطلاق في معالجة قضية الاشتراكية في الجنوب تتم في إطار حقيقة مفادها: أن انهيار المعسكر الاشتراكي ليس "نهاية التاريخ" أو اندثار الفكر الاشتراكي , لان ما حصل هو فقط انهيار أنظمة حكم شمولية وتحقيق عملية إعادة الاصطفاف لبلدان الشمال بعد أن أخفقت تلك البلدان الاشتراكية في بناء النظام الاشتراكي المطلوب . فإذا كان نموذج الاشتراكية كنظام قد فشل في تجربة الاتحاد السوفيتي, فإن الاشتراكية بالنسبة إلى بلدان الجنوب لا تعتبر" مفارقة تاريخية" لأنها لم تقم ببلورة فكرها الاشتراكي الخاص بها بعد لكي تطرحه للتجربة و التطبيق.

إن شعوب بلدان الجنوب ( ومنها البلدان العربية ) التي تعاني من التأثيرات السلبية للنظام الرأسمالي الدولي وكذلك فشل الأنظمة الوطنية المتعاقبة من تقديم الإجراءات اللازمة لإزالة التخلف و التبعية, لازالت من موقعها المأساوي في الحياة اليومية تتطلع إلى البديل الاشتراكي من جانب العدالة الاجتماعية كحل لأزمتها, ولكن ليس بذلك الإشعاع ولا الآمال التي كانت مرسومة أمامها في الماضي نتيجة خيبة الآمال بالحكومات الوطنية و الأحزاب التي رفعت شعار الاشتراكية و لم تعمل من اجله , وكذلك في هيمنة الدعاية و الإعلام للنخبة الدولية و وكلائها في أنظمة بلدان الجنوب. إن هيمنة النظام الدولي الاستغلالي اللا إنساني وفرض شروط اللبرالية الجديدة سياسيا واقتصاديا و اجتماعيا وتعميقها بتزايد مستمر سوف يحتم بروز أو تفاقم تناقضات جديدة في المستقبل بعد أن أخذت بوادرها الآن تستدعي تطوير الفكر الاشتراكي في الجنوب بحسب المتغيرات الدولية المفروضة . ومن هنا فان تكتل واصطفاف شرائح المجتمع المختلفة المتضررة ودفع توجهها الاجتماعي نحو تصفية مقدمات التخلف و الفقر يتطلب عدم حصر الأديولوجيا الاشتراكية في إطار تغيير علاقات الملكية و الهيمنةعلى وسائل الإنتاج الرئيسة .... وغيرها., كأسلوب في المعالجة في دول تنعدم فيها مقومات بناء النظام الاشتراكي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا نتيجة فشل الأنظمة الوطنية الحديثة المتعاقبة منذ عقود وعجز الأحزاب القومية و الشيوعية عن إنجاز مهام ثورة التحرر الوطني, تلك الثورة التي كانت تستهدف إنشاء هيكل اقتصادي-اجتماعي يلبي الحاجات الأساسية للجماهير وتكوين اصطفاف مجتمعي يتوافق مع التنمية و التحرر و إزالة التخلف و التبعية بأبعادها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية وفي استغلال الموارد الطبيعية و البشرية بالشكل الأمثل, وبما ينسجم مع الظروف الوطنية لخلق التراكم اللازم للاستثمار و إتاحة فرص العمل وتكامل الاقتصاد الوطني وتشييد القيم الحضارية الوطنية التي تعتمد على هذه الأسس في تطوير مقومات الأمة وتفسح الطريق أمام سيادة الديمقراطية السياسية و الاجتماعية مع ضمان تفعيل المهام الوطنية الأخرى.

لعب موضوع طمس مهام وقيم ثورة التحرر الوطني دورا كبيرا في الجمود الفكري للحركة الاشتراكية في الجنوب - و بضمتها العالم العربي- عندما تحولت إلى تابع للصراع بين المعسكرين الاشتراكي و الرأسمالي خلال فترة الحرب الباردة, وبالأخص عندما سادت مثاليات قادة الفكر الاشتراكي القائلة بأن التوجه المباشر أو التحول إلى الاشتراكية يحقق تلقائيا انجاز مهام ثورة التحرر الوطني,. دفع مثل هذا التوجه الطوبائى ؛ في حرق مراحل تأريخية موضوعية ؛ الى تراجع وتلاشي خصائص المرحلة وقيم العلاقات الاجتماعية المركبة و المتباينة في صراعها ضد الامبريالية و الأنظمة الوطنية الحديثة من جهة, وأن تلعب دورا كان يمكن أن يغني الفكر الاشتراكي من خلال الطروحات و المعالجات الاقتصادية و الاجتماعية الخاصة لانجاز مهام ثورة التحرر الوطني و أن تأخذ موقعا في ميزان الصراع الأيدلوجي بين الرأسمالية و الاشتراكية خلال الحرب الباردة من جهة أخرى. لذلك سوف يبقىإنجاز مهام ثورة التحرر الوطني جزءا من التوجه الاشتراكي , وهذا يفرض منظورا جديدا اللفكر الاشتراكي في الجنوب للتعامل مع التغيرات الجديدة التي يفرضها النظام العالمي الآن على مجمل أشكال الاستغلال وعناصر المجابهة.

إن تقييم أسباب عدم انجاز مهام ثورة التحرر الوطني تقييما موضوعيا بالارتباط بالمهام الأساسية التي تجابه المجتمع الآن تدفع إلى تطوير الوعي الفكري نحو منظور نوعي جديد من اجل بلورة المطالب الاجتماعية كظروف موضوعية تتطلب حسبها تغيير الهياكل الاقتصادية و السياسية المتخلفة التي من خلالها يمكن تكوين اصطفاف مجتمعي جديد لخلق القاعدة المادية لمستلزمات التوجه و التجديد للفكر الاشتراكي.

إن تجديد الفكر الاشتراكي في الجنوب وبالأخص في منطقتنا لا يتشكل عبر اللهاث وراء تطبيق الخطاب الديمقراطي الأمريكي بشكل مطلق اعتمادا على المقولة الانتهازية ( إن السياسة فن الممكن) و الذي يتناقض جوهره مع أيدلوجية الفكر الاشتراكي ان مثل هذة المواقف قد قاد إلى سيادة الجمود العقائدي في فكرها ومواقفها السياسية ودفع قسما من الأحزاب الاشتراكية ( الشيوعية) ومنها الحزب الشيوعي العراقي إلى أن تتحالف مع أعداء الاشتراكية في الداخل ( الأحزاب الطائفية الشيعية و السنية وكذلك العرقية الكردية) بمبررات انتهازية تتنافى مع جوهر ومبدأ الفكر الاشتراكي مما أدى إلى عزلها عن الجماهير العاطلة و الفقيرة وتبعيتها للأحداث التي يفرضها الاحتلال وصنيعته الحكم الطائفي العرقي. إن انتصار الرأسمالية وفرض فكرها وممارساتها عبر هجمة الفكر الليبرالي الجديد الذي تقوده أمريكا قد جعل الكثير من القوى الاشتراكية العلمية في الجنوب و بالأخص في المنطقة العربية بأن تتحول من موقف الهجوم إلى موقف الدفاع السلبي. إن المواقف الدفاعية السلبية أو الوقائية لهذه الأحزاب الاشتراكية جلبت معها ظاهرة كبح الآمال و المبادرات وأدت إلى استمرارية العجز الفكري في تجديد الايدولوجية وتحولت من احزاب طليعية تقود الاحداث الى تابعة تلهث وراء مجرى الاحداث التى تفرضها القوى العادية لللاشتراكية فى الداخل والخارج . إن التراجع الآني يفرض أهمية تجديد وبلورة الأيدلوجية بصورة أكثر إلحاحا من السابق كون الفكر الاشتراكي يشكل بجوهره الحافز للعمل و التجديد وبالأخص في منعطفات التاريخ وتبرز أهميتها بأنها تفسر بوضوح وحدة النظرية و التطبيق.

إن انعدام المبادرة في تجديد الفكر الاشتراكي و التخندق في موقف الدفاع السلبي لبعض الأحزاب الاشتراكية في الجنوب وبالأخص في منطقتنا ناجم عن عدم إدراك هذه الأحزاب التناقضات الاجتماعية الكامنة في معالجة مأساة الحياة اليومية لشعبها وما يمكن أن تطرحه من مستجدات نوعية في عملية التغيير و التطور المطلوب.

إن تجديد الفكر الاشتراكي في الجنوب و بالأخص في منطقتنا يجب أن ينطلق من خلال توجيه التناقضات الاجتماعية التي تطرحها مطالب الحياة اليومية الملحة لغالبية الجماهير القادرة على توجيه التراكمات الكمية لتدفع حركة المجتمع للتغيرات النوعية المطلوبة ...تزيد من أهمية الصراع الاجتماعي بالشكل المطلوب في تجديد التوجه السياسي – الاجتماعي لإنضاج النقيض للهيكل السياسي و الاقتصادي الاجتماعي المتخلف الذي يسير في ركاب شروط العولمة و الديمقراطية الأمريكية وتزداد أهمية هذه الأطروحات الاجتماعية عندما أصبحت معظم التوجهات السياسية للأحزاب , ومن ضمنها الاشتراكية في منطقتنا لا تعكس بوضوح مطالب المجتمع الملحة و إنما انحصرت في انجاز المكاسب السياسية الديمقراطية التي تضمن مصالحها وديمومتها بحيث تجردت أيدلوجيتها من استهداف جوهر العلة في إزالة التخلف و الفقر.

إن التوجه الاشتراكي العلمي الصائب هو الذي يجعل من هدف إزالة حالة العطالة و الفقر الأساس في معالجة الديمقراطية السياسية, الوطنية المستقلة فعبر هذا التوجه سوف تتحول أكثر شرائح المجتمع إلى الصراع ضد النخب المحلية الوكيلة لخطاب النخبة الدولية في تطبيقها سياسة الاستغلال و العطالة و التجويع , حيث ستأخذ مثل هذه الحركة طابعا اجتماعيا تستهدف تغيير النظام الاقتصادي – الاجتماعي كهدف لإزالة التخلف و الفقر. وبسبب من جماهيرية مثل هذا التحرك الذي يضمن مصالح أكثرية شرائح المجتمع سوف يكتسب هذا الصراع طابعا ديمقراطيا باتجاه كسر احتكار سلطة النخب الوكيلة و العمل على مشاركة أوسع شرائح المجتمع في القرار السياسي الديمقراطي. و هذا التوجه بدوره سوف يخلق القاعدة الضرورية في الربط العضوي بين الديمقراطية السياسية و الديمقراطية الاجتماعية ويساعد على بلورة التوجه نحو الفكر الاشتراكي العلمي في الممارسات و العلاقات التي تطرحا مطالب غالبية المجتمع بحيث يضعف دور الحركات الدينية و السلفية و الطائفية و العرقية المناهضة لهذا التوجه الديمقراطي الاجتماعي.

أن تعبئة الجماهير المعدمة نحو هذا التوجه يطرح صيغ جديدة لنضال الجماهير, وكما يؤكد لينين في كتابه (ماركس – إنجلز- الماركسية – دار الطبع و النشر باللغات الأجنبية موسكو ص 229) بأن" الماركسية لا تنبذ سلفا وبصورة مطلقة أي شكل من أشكال النضال . وهي لا تقصد بأي حال من الأحوال أن تقتصر على أشكال النضال الممكنة والقائمة في فترة معينة, وهي تقر بأن التغير في الأوضاع الاجتماعية يؤدي حتما إلى ظهور أشكال جديدة للنضال لا يعرفها مناضلو الفترة المعنية. ومن هذه الناحية نتعلم الماركسية – إذا جاز القول – في مدرسة الجماهير العملية وهي أبعد أن تدعي تعليم الجماهير أشكال نضال بتصور ما.

عبر هذا التوجه يتطور الفكر الاشتراكي بوحدته مع متطلبات الواقع الاجتماعي ويعمل على تحويل واقع مأساة غالبية المجتمع الى عامل اساسي في تجديد الأيدلوجية الاشتراكية. لهذا تطرح الاشتراكية ــ بالنسبة الى بلدان الجنوب ــ نفسها ليس فقط كضرورة موضوعية من اجل التغيير , بل كطريق و اختيار طوعي من اجل تحرره وسعادته , لأنها ليست هدفا بذاته و أنما هي فكر يسترشد به في رفضه للنظام المفروض عليه, وعند ذاك سوف يحمل الفكر الاشتراكي مهام إعادة الربط و الدمج للقضيتين الأساسيتين: الحرية و المساواة اللتين بقيتا متباعدتين. وسوف يأخذ طابعا إنسانيا يعتمد كل منهما على تقاليد قومية- وطنية كرد فعل على النظرة العنصرية لدول الشمال نحو الجنوب. وباختصار .... نعتقد إن التناقضات الأساسية وما يفرزه واقع مجتمعاتنا من خصوصيات تختلف عما هي عليه في البلدان الصناعية ( الشمال) في المعالجات الموضوعية في عناصر المواجهة. سوف يتحرر الفكر الاشتراكي ويستقل ليأخذ أنماطا مختلفة عما عليه في الشمال وستكون الطروحات في المجابهة للسببية متباينة وهذا ما يعكسه الواقع الحالي في انعدام التضامن بين اشتراكيي الشمال واشتراكيي الجنوب.

ان تلاشى مفهوم التضامن ألأممي الذي طرحته الاشتراكية الماركسية سابقا " ياعمال العالم اتحدوا".من استهداف المساواة و العدالة الاجتماعية في بلدان الجنوب سوف لايحصر النضال فقط على الصعيد الوطني وإنما أيضا على الصعيد العالمي الذي يشكل جوهر السببية في التخلف في فرض شروط مؤسساته الدولية وخلق النخب المحلية ( الوكلاء) في إدارة بلدان الجنوب الذين يساندهم الاشتراكيون و الليبراليون الانتهازيون في بلدان ذلك الجزء من العالم في الرضوخ و التسابق بدون قيد أو شرط لفرض قوانين اقتصاديات السوق الحر الذي تفرضه النخبة الدولية على بلدان الجنوب تحت غطاءها الكاذب في ترسيخ النظام الديمقراطي السياسي, بل وبحكم هذه التبعية فهى غير راغبة في التغيير وهذا اسهم بدوره في أن تلعب الحركات السياسية الدينية المعادية للاشتراكية دورا في ضرب أو في تراجع التوجه الاشتراكي العلمي في تلك البلد.


عراقى مقيم فى فينا-النمسا

ا



#عبد_الباري_الشيخ_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبد الباري الشيخ علي - اشتراكيتان لا اشتراكية واحدة