أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - هادي الحسيني - كمال سبتي والبلاد















المزيد.....

كمال سبتي والبلاد


هادي الحسيني
(Hadi - Alhussaini)


الحوار المتمدن-العدد: 1672 - 2006 / 9 / 13 - 09:23
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


قصيدة الشاعر الراحل كمال سبتي المعروفة باسم ( البلاد ) والتي صدرت ضمن مجموعته الشعرية ( اخرون قبل هذا الوقت ) صيف 2002 في دمشق قد جسد من خلالها مأسآة بلاده بكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة ..

فقد كتب كمال سبتي قصيدته هذه بين عامي 1995 – 1997 وهي نتاجه الشعري الوحيد لتلك السنتين ، الا ان القصيدة لم تكتمل على حد قوله . فعاد في شباط من عام 2001 بعد ان اكمل قصيدة ( حكاية في الحانة ) وهي ثاني قصائد( اخرون قبل هذا الوقت ) ، فاكمل قصيدة البلاد في الثالث عشر من حزيران من العام نفسه ، لترى النور في الصفحات الثقافية من جريدة الزمان اللندنية يوم كانت تلك الجريدة لها الحضور الحقيقي في الثقافة العربية ، ولتأخذ قصيدة البلاد اكثر من ثلاثة ارباع الصفحة بسبب المدى الواسع الذي تتحرك فيه القصيدة اضافة الى الاجواء الشعرية العالية التي تخيم على القصيدة برمتها لتجعل منها تراجيديا الشعر الحديث ، وهذه التراجيدا التي جسدها شاعرنا الراحل كمال سبتي في هذه القصيدة لم يستطع شعراء عديدون ان يجسدوها في قصائدهم التي يتناصون بها مع الشعر الفرنسي والانكليزي والالماني وغيره ؟ مبرزين عضلاتهم الشعرية من خلال حواراتهم المفتعلة ، وكما كانوا في عهد النظام السابق يأخذون كل الادوار عبر التملقات والاستجداءات ، عادوا هذه الايام ايضاً لبطولاتهم واوهامهم وامراضهم واحقادهم رافضين التخلي عنها في هذا الزمن الذي اصبح اغبراً بكل المقايسس ، لكن شاعرنا الراحل كان يضحك على هؤلاء ويسخر من تصرفاتهم ويسخر اكثر من قصائدهم التي اصبحت فارغة حتى من المضمون ، فيما اصبحوا يتناسون ذكر اسم كمال سبتي في حواراتهم بعد ان علمهم صنعة الشعر ...

لقد هرب كمال سبتي من العراق في العام 1989 بطريقة اذهلت الوسط الثقافي العراقي في ذلك العام الامر الذي جعل الادباء العراقيين ان لا يذكروا اسم كمال في جلساتهم العامة خوفاً من بطش النظام الصدامي الذي كان يتسلط على رقاب كافة فئات الشعب ومنهم الادباء ، لقد هرب كمال بعد ان وجهت له الدعوة مع عبد الامير معله الذي كان يشغل منصب رئيس الاتحاد العام للادباء والكتاب العراقيين في ذلك الوقت ، وقد اغتنم الفرصة وغادر البلاد قبل الموعد المقرر بيوم واحد ، كان دخوله الى مطار بغداد الدولي يصحبه الخوف والرعب الشديدين ، وهو غير مصدق ابدا بالنجاة والافلات من الجلاديين حتى والطائرة التي اعتلاها اصبحت في سماء العراق ، وقد اعتقد كمال في حينها ان النظام العراقي يراقب حتى السماء ! آهٍ ، يا له من ذعر قد خيم على روح الشاعر وهو يفلت بجلده من البلاد التي حُطمت ودمرت بالحروب والويلات والنكبات والمآسي على مدى سنوات طويلة .. وتهبط الطائرة في تركيا التي قصدها الشاعر ليتنفس ولاول مرة هواء الحرية الذي لم يراه في البلاد ..

ويجوب كمال بصحبة اوراقه الحاملة لقصائده التي اخلص لها منذ نعومة اظافره حتى رحيله ، يجوب الدول والمدن الاوربية ليذهب الى اسبانيا ويدرس الفلسفة في جامعة مدريد ومن ثم ينتقل الى الشمال الهولندي ليعيش سنواته الاخيرة من حياته التي كرسها للشعر والحب والاخلاص والوفاء والجمال وليقدم سبعة مجموعات شعرية منذ عام 1980 ابتداءً بوردة البحر ، مروراً بظل شيء ما 1983، وحكيم بلا مدن 1986 ، ومتحف لبقايا العائلة 1989 ، واخر المدن المقدسة 1993 ، واخرون قبل هذا الوقت 2002 ، ويختتمها في العام 2006 بمجموعة ( صبرا قالت الطبائع الاربع ) اضافة للعديد من الدراسات والمقالات والتنظيرات في الشعر والحداثة عبر كتبه التي صدرت بعد وفاته وخاصة كتاب بريد عاجل للموتى وثمة كتب اخرى .

في العام 2002 التقيت كمال سبتي في سوريا لاول مرة بعد هروبه من العراق ، كنت لا اتوقع وانا ادخل مقهى الروضة في الشام لارآه جالساً ، كان لقاءً جميلاً ودام لمدة شهر كامل ، لم افارق كمال يوماً ، كنا نذهب يومياً الى نادي الصحفيين ونلتقي بالعديد من الاصدقاء العراقيين والعرب ، حتى صدرت مجموعته ( اخرون قبل هذا الوقت ) . واقيمت له امسية فريدة من نوعها حضرها جمهور غفير من الادباء والصحفيين ، واتذكر حين قرأ كمال سبتي قصيدة البلاد اصابه الوجع والالم بطريقة كانت واضحة على ملامح وجهه ..

انها قصيدة البلاد ، ويعني كمال سبتي في هذا العنوان اشياء كثيرة وكثيرة جداً ، حتى ان دموعه احسها مازالت رطبة وانا اتصفح مجموعته التي قام باهدائها ليّ في دمشق يوم امسيته ، وبعد ايام قليلة اقترب موعد السفر ، وكان عليّ ان اقلع بطائرتي قبل طائرة كمال باربع عشرة ساعة ، وقد كتب ليّ اهداءً جميل مازلت اسمع فيه صدى قهقهات كمال العالية وضحكاته التي كنت احس بها مخنوقه ومربوطة بخيط غليظ من الحزن والالم واللوعة ..

كتب كمال في اهدائه يقوله :

( صديقي الشاعر هادي الحسيني
ستطير قبلي من دمشق باربع عشرة ساعة ، فطرْ قبلي ، كما يقول شيلر في نشيد الفرح : طيروا ايها الاخوان من مقاعدكم . أتمنى ألا تطير من مقعدك في الطائرة ..
محبة كمال سبتي
دمشق 26 / 8 / 2002 )

لقد كان الشاعر كمال سبتي ومن خلال قصيدة البلاد يعرف سر البلاد وسر حتفها الذي اصبح واضحاً تماما للجميع ، انه العراف بكل شيء ، اوليس الشاعر هو الذي يعرف كل الخفايا وكل ما هو مجهول وقادم ، ..

لقد اسس كمال سبتي لمدرسة شعرية حديثة ، وتوجت تلك المدرسة من خلال مجاميعه الشعرية والتي حين نقرأها تتوجه لنا اللكمات من شدة جملته الشعرية التي تبدو طافية على سطح القصيدة ومعلنة قوتها بكل وضوح وبكل شموخ ، قد لا نجد نصاً ضعيفاً في نصوص كمال على الاطلاق ، انما تقابلك الدهشة من الموضوعة ومعالجتها داخل السياق الشعري له ، انه شاعر فذ استطاع بامكانياته العالية ان يصنع نصاً مؤهلا الى العالمية بكال المقايسس الشعرية والابداعية ..

وادناه قصيدة البلاد للشاعر كمال سبتي اتمنى ان يتمعن فيها القاريء والمتذوق للشعر والاديب والفنان وبخاصة الشاعر لكي يكتشف الابداع الحقيقي لشاعر افنى عمره من اجل الشعر ومن اجل الانسان والبلاد ، انه كمال سبتي وبلاده التي رزحت ومازالت ترزح تحت وطأة الحروب ..

اتترككم للاستمتاع مع قصيدة البـــــــــلاد للشاعر الراحل كمال سبتي :

البــــ كمال سبتي ــــلاد

ها نحنُ نُبعِدُ فَيتبعوننا ..

{ البيان الأخير للثُّوار 1920 }

.. ويا خَسِرَ الصَّفقةَ الرابحُ .

{ الجواهري }

القارب الذي لاح لي في النهر كان جثةً .

أنكفئُ الى سعادة شُبّاكٍ ،

الى عُريٍ لا يضاءُ بمصباحٍ ،

والى حطبِ شتاءٍ يشعلهُ غزاةٌ صحراويون .

يَصهِلُ حِصانُ الذهب والفضة ،

يصهل حصانك يا أمير .

يرتجف الفنجان ،

يلطخُ بالقهوة خريطة مهربة .

يصهل حصانك يا أمير ،

حصان الذهب والفضة يا أمير .

لا يبقى لي شبّاك ولا عريٌ .

يبقى لي حطب شتاء على بعد نهرٍ ،

يبقى الأمير وصحبهُ والليلُ

ويبقى شُقرٌ ملتحون ينتظرون الفجر والميناء .

أنكفئُ الى نبيذ مُعتق وحكاياتٍ ،

الى صورةٍ للذئب عَلّقها قائد الحملة على الحائط .

يخرجُ جَنوبٌ في حُلّة الحربِ . يخرج مسكتشفون

بالخرائط ويخرج الذئب بمنظارٍ . قبر الى الذئب ، الى كنزهِ

المخفيِّ في كلّ نومٍ ، قبر الى لغزهِ ، الى جنائن عينيه تسألان

عن بذخ ما وراء التّلِّ ، قبر الى سعادته ، قبر إليَّ أتخفى بين

العربات بماضٍ أخفَّ من رصاصةٍ ، يناديهِ الموتى : مُت مَعنا ،

فيتنكّرُ في هيأةِ غبارٍ يشتمه الدم الغارقُ ، تشتمهُ العربات .

يخرجُ منظار بتاريخٍ مكشوفٍ ، يخرجُ ريف صاخب بعباءات .

تسألني عباءةٌ : ما معنى أن نموت في النهرِ أو في العربةِ ؟

أسألُ العباءةَ : ما معنى إلاّ نموت ؟ ينصتُ لي نمرٌ من خَزَفٍ

على رأسهِ ينامُ طاووس ، ينصتُ لي ديكُ فجرٍ شمعيٌّ .

وتنصتُ لي سُلحفاةٌ ، أقولُ : أيُّها العمرُ . الطاووس نائمٌ ،

والخزف والشمع لا ينطقانِ . فتُنبِئُني السُّلحفاةُ : أن أتَّبعَ

النهرَ شمالاً . أصعدُ ، ورائي حطامُ العرباتِ والغرقى ،

وأمامي قامةُ الأفعى ، ظلُّ لصٍّ ليليٍّ . فأختبِئ أيُّها الدمُ ،

تَخثّرَ ، رأسٌ بأربع عيون سيعزف نشيدهُ في الطريقِ الى

القصر . قبائل ريفية ستعزف نشيدها في الطريق الى القبر .

أصعدُ ، تُسمِعُني طيور النهر سلامها ، يُصادقني طيرانِ ،

يَحُطّانِ على كتفيَّ ، يَدُلان الماعزَ على العُشبِ ، ويغنيِّان

للرعاةِ أغنيةً عن بنادقَ معطوبةٍ . أسألُ : كيفَ يُغنّي الطير عن

بُندقيّة ؟ يضحكانِ . يُلِّوح لي صيّاد سَمكٍ بيدهِ ، يغضبان ،

يطيرانِ . يَحُطّانِ على قصب البرديِّ . أحزَنُ فَيعودانِ . أصعَدُ .

يصعدُ صيف بالطبيعة كُلِّها . ماءٌ وشمسٌ وطيرانِ يغنيانِ .

يصعدُ شيخٌ . يسألُ رتلَ قبائلَ عن ثمن بندقيّة . عن قريةٍ

لتكونَ مخبأً . ضاعت الحكمةُ يا شيخُ . أخرجها التُّركيُّ من

بيتها ليلاً . طاف بها البلدان يسأل تأويلها . أوّلها الأقربونَ

واعظاً ، والأبعدون جاريةً . ضاعت الحكمةُ يا شيخُ . مكتوبةً

على جلدِ الظّأن ، مُخبّأةً تحتَ القشِّ ، في قلعةٍ يحرسهُا

الجيشُ . يصعَدُ الهنديُّ اليها بالبنادق والأغاني ، ويُخبئُ

الريفيُّ ذكراها في بيت الطّين مثلَ حَرَزٍ .

ماتت الحكمةُ يا شيخُ ، سَمِّ الجهاتِ الأربعَ بأسمائها . وتعلّم

أن ترى وأنتَ في الصيّف حطَبَ شتاءٍ . كأنّي الحكيمُ والحكمةُ

مقتولةٌ ، والحفيدُ والسُّلالةُ مطرودةٌ . فلتسمع يا شيخُ ، لستُ

حكيماً ، وربّما لستُ حفيداً . أعُدُّ أسمائي وأُخطئُ في أقربها

إليَّ . ما ادّعيتُ أباً ولا شهرتُ سكّيناً في خيمةِ الليل لأقتلَ

زائراً . سّميتُموني ابناً فهربتُ الى الكتبِ تُحدِّثني عن

روحكم في السحرِ والموت ، وأُصغي اليها بدمٍ حَنونٍ ، وأُقاوِمُ في

نفسي قصةَ أنها روحي فلا أقدر . فلتسمع يا شيخُ . أرضى

بشفيعٍ لا يُرى ، أُيمِّمُ دمعي لغيبهِ وأُفسِّرُ معنايَ بذكراهُ .

يأخذُ بيدي ، يُدخِلُني كهفاً يُسَمّى النّورَ ، على بابهِ رُسِمَت

كفٌّ سوداءُ ، لا يدخلُ الطّيرانِ ، يَبقيانِ قربَ البابِ ، قربَ جَرةٍ

مكسورةٍ . لِنَقُل انهما حارسانِ . أُمسِكُ بيدي ، إذ لا أتلمسُ يدَ

الشّيخِ في الظلمةِ . أيطولُ الوقتُ ، فإنّي لا أرى شمساً ؟ يقولُ :

إتّئِد في مشيِكَ ، وتلمَّس حائطَ الكهفِ كلّ مرةٍ . سيصرُّ باب

خشبيٌّ فتّدخل منهُ الى النّورِ . وما رأيتُ شمساً . يقولُ : خذ

عصاً مُعَلقةً على البابِ ، وتَلَمَّس بها الطريقَ الى حفرةٍ .

افأّسقطُ فيها ؟ يقولُ : لا ، سيخرجُ منها نورٌ . وما رأيتُ شمساً .

يقولُ : بلى قد رأيتَ .

يَحُطُّ الطّيران على كتفيَّ ، يسألُ : ماذا رأيتَ بين البابِ

والبابِ ؟

ما رأيتُ شيئاً . ماذا رأيتَ بينَ البابِ والحفرةِ ؟ ما رأيتُ

شيئاً . أَوَلَم تَحلم ؟ أقولُ بلى , مَثُلتُ بين يديكَ شاهداً فأنَّبتَني ،

ومحارِباً فغرقتَ قبلي . يقولُ : اصعد إذن . لقد رأيتَ النّور .

أصعدُ . سائرتانِ قدَمايَ الى حَفلٍ يُشبهُ نومَ غابةٍ في

الفَجرِ . حفلٌ لا ختامَ لهُ حتّى تقولَ : في ختام الحفل رأيتُ

الأميرَ في محطّة القِطارِ . تلكَ حكمة نسيَها صاحبُ الكهفِ ،

أو ما كنتُ عَرفتَ أن أراها بينَ الباب والباب ، أو بين الباب

والحفرة . أصعدُ ، طيرانِ يُغنيِّانِ عن نساءٍ يحملنَ الجرار

الى مُسَّلحينَ عَطِشينَ . في يدي طبيعةٌ أنفخُ فيها فتتراءى

لي كُثبان رملٍ ، وتتراءى لي قلعة محميّة بأشباهِ عراةٍ . كلٌّ

يحملُ طبراً وقلادةً بصَدَفةٍ واحدة . أنفَخُ في الطبيعةِ ثانيةً

فيخرجُ رأس بأربعِ عيونٍ ، فأعجَبُ لمن ليس له ظَهرٌ . أقولُ هذا

لا يُغَني ألماً عن طعنةِ الظهرِ . أنفخُ في يدي ثالثةً فتتراءى

لي قبائلُ يدفَعها مسكتشفونَ الى كثُبانِ الرّملِ ، يُطبقُ عليها أِشباهُ عراةٍ ،

كلٌّ يحملُ طبراً ورأساً بأربعِ عيون .

وفي يدي طبيعة أنفخُ فيها فيخرجُ لي أعمى ، أقولُ : أعِدني

الى الكهفِ كي أرى ما بينَ الباب والحفرة ، ما رأيتُ النّور .

رأيتُ قبائلَ مدفونة . أضيعُ بين الباب والباب . لا أتَلَمَّسُ يدَ

صاحب الكهف ولا أيَّ حائطٍ . يَصرُّ الباب فيقولُ الأعمى : خُذ

العصا واضرِب بها الحفرةَ يخرج منها تابوتٌ ، يُسمّى النائمُ

فيهِ ميِّتاً ، والظلمةُ وقتاً تُحار في دمعِهِ . نادِهِ يا أخَ التابوتِ ويا

دمَ الظلمة ، وإن خّطفَ شُعاع فلا تَخف ، فذلك كلام الموتى

يُحيّي الزّائر . وقُل صبح الخير فلا يُحَيّى الموتى إلاّ بصباح

الخير . وإن خَطفَ شُعاعٌ آخرَ فذلك كتابٌ حُفظت فيهِ

أسماؤُنا .

سيسقُطُ منهُ سَميٌّ مثلَ ثمرةٍ . خُذهُ ، امسح عن جبهتِهِ

التّعبَ والترابَ . دع عينيهِ مغمضتينِ . بلّل شفتيهِ بالماء . وتَنَحَّ

عنهُ خُطوةً .

ما كان لي ألاّ أدخلَ الكهفَ . ما كان لي ألاّ أصحبَ الأعمى .

وما كان لي ألاّ أُمَرِّرَ يداً فوقَ خدِّ سَمِيٍّ . ظُلمةٌ تكتَمِلُ .

أغمضُ عينيَّ . فأرى عينيهِ تشِعّانِ بما يَخفى . أَوَ قَتلوكَ يا سَمِيُّ ؟

لا ينطقُ الكتابُ . ما كان للشفتينِ أن تَحرُسا تابوتاً أو تُخفِيا سرّاً .

ما كانَ لظلمةٍ أن تنفَتح إلاّ بظُلمةٍ . تلكَ هي حكمة صاحبِ الكهفِ .

كمن أُغميَ عليهِ ، أُمُِّلُ دورَ ميّتٍ أمامَ شُعاعٍ يَنكَفئُ الى خشبٍ . أسمعُ

ما يُشبِهُ الصوت : قد رأيتَ النّورَ . ما كان الصّوتُ لصاحبيَّ . أزحفُ

أو أصعَدُ . كأنها البئرُ . أتوسّلُ قبضةً على البابِ أو نأمة لحارسينِ .

أسمعُ الريح تدخلُ . تأتي على أثرٍ بعد أثر . كيفَ تَخون الريح ميّتاً

يا آلامي ؟ يَدُلُّني ما يُشبِهُ الصّوتَ على كُوّةٍ في الظّلمةِ . تلكَ هي

حكمةُ الكهفِ ونشيدُ آلامي . لا ينطِقُ السَّميُّ ، لا ينطقُ الكتابُ .

تمحو الريحُ أسماءَنا . التّرابُ خائنٌ ، والماءُ خائنٌ . نودِعُها قبراً .

نُهَرِّبُها بالعيونِ لا بالشّفاهِ . يظُنُّها الثعلبُ شُروداً ، والمستكشفُ

نَظراً شَزراً . تَحيا إذ ننامُ ، نُبصِرُ بها مَمَرّاً أزرقَ الى سفحٍ ،

يَنتظِرنا حِصانٌ طائرٌ وإخوةٌ فُرسانٌ ، يصعدون بنا الى باحة العارفِ ،

نستلقي على عُشبِهاوننامُ . يوقِظُنا مُنادٍ : أن سيأتي ... نسعى الى كُرسيِّهِ .

كُلٌّ يحمِلُ ذكرى واسماً وحكايةً ، وننامُ ، يوقظنا واعظٌ أخطأ في نُطقِ

أسمائِنا . قالَ : أخطأتُ في الوجهِ والكلام . قلنا : الدّمُ وجهٌ ، والدم كلام .

دُفِنَ الريّفُ في الصيّف . التّرابُ خائنٌ والماءُ خائن . ما نَطَقَ النّهرُ بما

رأى . سأكون سحابةً فأمازِحُ التّرابَ ، وقارباً فأغرقُ في النّهرِ ، وعرّافاً

فأسألُ عن ألفِ عامٍ مضى ، وبعضِ عام ٍ سيأتي ، فاقولُ : كانَ الماضي

أخَفَّ من كلِّ موتٍ . وأكونُ شاعراً فاربأُ أن أموتَ قبلَ أن يثأر الكلامُ منّي

فلا أرقُصُ رَقصة الثّعلبِ . وأكونُ ما أكونُ فأقولُ : يا اللهُ الذي أعرفُ ،

والله الذي لا أعرفُ : لم تَبقَ يدانِ اثنتانِ اليكَ ولا عينانِ . دُفِنَ الرّيفُ في

الّصيفِ . طيرانِ حائرانِ يسبِقانَني الى ذهبِ يُسمّي نفسهُ الشّمسَ ، يَضيعانِ ،

وتضيعُ عينايَ . لا أرى الأعمى . أقولُ : يا شمسُ ويا ذهبُ أنّني ضائعٌ .

تقولُ السُّلحفاةُ : البابُ ذاكَ بابُكَ . فأكادُ أتهجّى سميّاً وأكادُ أُبصِرُ قبراً عرفتهُ

ذاتَ مرّةٍ . أهُزُّ شُباكَهُ بقوّةٍ . أُنادي : يا أخَ التّابوتِ ، يا دمَ كلِّ بيتٍ ، وحيرة

كلِّ مُغَنٍّ مُنجِّمِ في الّليل . قد ضِعتُ بهذا الرّيفِ ، فانطق . تَشَبَّهَ بنا صائدُ

الفرصةِ وواعظُ الجُمعةِ وفارشُ البساطِ . فبسطنا لهُ كفّاً لكي يقرأ طالعاً . .

وكانَ نَشيدَنا ، تَحيّتنا في فطورِ الصّباح ، ووداعنا في الليلِ الى نومنِا ،

قرأض : الوجهُ خائنٌ ، والكلامُ خائنٌ .

أهُزُّ شُبّاكهُ بقوةٍ ، تقولُ السلحفاةُ : كلُّ قبرس بابٌ الى القُبّةِ . كلُّ شمسٍ .

وكلُّ ذهبٍ . هذهِ تميمتنا والجرّة المكسورةُ والجثة التي تُشبِهُ قارباً .

وما كانَ في نفسي أن أسكُتَ وقد وشى الطّالعُ بقارئ الطالعِ ، قلتُ :

أَوَ ليسَ لي إلاّ أن أُبارِز من لا يخسرُ ؟ قلتُ : يا ذكرياتي بماذا تتعطّرينَ

حتّى تتحمّلي رؤية قبرٍ كلَّ حينٍ ؟

البساط للأمير .. في الطريقِ الى التاج . سترقصُ رقصة الثّعلبِ تحتَ

مطرِ الصّيف . ستطردنا كلَّ جُمعَةٍ من بلادِ القُبّةِ .. بلاد الشمس والذهب .

وَسَتقدُمُ بأربعِ عيون وطبرٍ ، تقولُ : مدائحكَ يا ريفُ .. فَتسمَعُ :

عِم صباحاً أيُّها الملك

عِم مساءً أيُّها الملك

عاشَ الملكُ

ماتَ المَلِكُ ..

* كتبت هذه القصيدة بين عامي 1995-1997 وهي نتاجي الشعري الوحيد لتلك السنتين . إلاّ انها لم تكتمل فعدت اليها في شباط عام 2001 بعد الانتهاء من كتابة { حكاية في الحانة } فاكتملت في الثالث عشر من حزيران من العام نفسه .



#هادي_الحسيني (هاشتاغ)       Hadi_-_Alhussaini#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وهج الشعر
- فوبيا
- كمال سبتي ، فجعتنا برحيلك
- مصفحات / 5
- في يوم الشعر العالمي ،الشعر يقلق مضاجع الطغاة
- عواءات العراق
- تجاوز الموت / قراءة في مجموعة حياة ثالثة للشاعر محمد النصار
- تريث يا صائغ القباب الذهبية
- في ذكرى السياب
- الدهشة
- سعدي يوسف الشاعر الذي ابحر بالغربة دهرا
- من المسؤول يا وطني
- - الحياة في الحامية الرومانية - الفصل الثاني
- الحياة في الحامية الرومانية - الفصل الاول - الجزء الثاني
- - الحياة في الحامية الرومانية - الفصل الاول
- طقوس
- شبح الموت
- عام 2003 الافراح والاحزان العراقية
- الفجر الاحمر
- سركون بولص


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - هادي الحسيني - كمال سبتي والبلاد