على هامش المهرجان الاحتفالي بتأسيس الحزب الشيوعي البرتغالي وصحيفته: حزب هذه هُويته الكفاحية الممارسة فالمستقبل رفيق دربه

احمد سعد

الحوار المتمدن-العدد: 1668 - 2006 / 9 / 9 - 10:49
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    

* تطرح حكومة اليمين الاشتراكي على أجندة البرلمان البرتغالي تعديلات قانونية جديدة لضرب المكاسب النقابية للعاملين، إلغاء اتفاقات العمل الجماعية، ولهذا فقد يبادر الحزب الشيوعي البرتغالي إلى تنظيم إضرابات في شهر تشرين أول/ أكتوبر القادم ضد هذه التعديلات ومن أجل المحافظة على الحقوق النقابية والضمانات الاجتماعية للعاملين *

ألبرتغال احدى دول الاتحاد الاوروبي، بلد صغير نسبيا من حيث عدد سكانه الذي لا يزيد عن تسعة ملايين نسمة، ولكنه كان بلدًا مستعمِرًا استعمر بلدانا في آسيا وافريقيا وامريكا تبلغ مساحتها وتعداد سكانها اضعاف اضعاف مساحة وعدد سكان البرتغال نفسها. وتنعكس الحقبة الاستعمارية وما نهبه المستعمرون البرتغاليون من ثروات وخيرات البلدان المستعمَرة في تطوير البنية التحتية الحضارية للبرتغال من جسور ضخمة تعتلي ظهر المحيط الاطلسي وقصور شاهقة وحدائق غنّاءة واسعة.... تذكرت هذا والحافلة تقلّنا نحن الوفود المشاركة من اربعة واربعين بلدا عبر جسر "فاسكودي غاما" الذي يبلغ طوله اربعة عشر كيلومترا ويربط طرفي العاصمة لشبونة.
لم نكن في رحلة سياحية الى البرتغال، بل في مهمة تضامنية مع الشيوعيين البرتغاليين في احتفالهم بمناسبة مرور خمسة وثمانين عاما على تأسيس حزبهم الشيوعي وخمسة وسبعين سنة على صدور صحيفة الحزب "أفانتي". فالحزب الشيوعي البرتغالي من اعرق الاحزاب الشيوعية الثورية في البرتغال. ومنذ ثلاثين سنة ينظم سنويا مهرجانا جماهيرنا سياسيا ثقافيا بمشاركة الآلاف المؤلفة من مختلف ارجاء البرتغال وبمشاركة وفود تضامنية اجنبية من مختلف البلدان والقارات.
ومهرجان صحيفة "افانتي" في هذا العام كان متميزا اذ انه صادف في وقت يضيء فيه الحزب الشيوعي البرتغالي الشمعة الخامسة والثمانين من عمره المتجدد.
اذكر في اول محاضرة لي قدمتها بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي والانظمة التي تسير على النمط السوفييتي في اوروبا الشرقية اكدت امرين اساسيين مترابطين عضويا، الاول، ان انهيار الاتحاد السوفييتي يعتبر زلزالا في اعلى درجات سلم ريختر اصاب في الصميم نضال جميع القوى الثورية عالميا، من احزاب شيوعية وعمالية ويسارية وحركات تحرر وطني، ولكن هذا الانهيار لا يعني ابدا ان النضال لبناء مجتمع العدالة الاجتماعية الاشتراكي لا مكانة له بعد ولا مصداقية له بعد على ساحة التطور والصراع، وان الفكر الماركسي – اللينيني، الفكر الاشتراكي، العلمي قد انهى رسالته التاريخية، فحتمية التطور والصراع الطبقي في ظل انظمة ومجتمعات الاستغلال الطبقي والقومي تجعل من الضرورة الموضوعية بمكان عدم سقوط او غياب الافق الاشتراكي الحتمي لبناء المجتمع، كما تجعل من الضرورة الموضوعية الحتمية وجود ونضال احزاب شيوعية طبقية ثورية تحمل مشعل الافق الاشتراكي. والثاني، انه رغم الزلزال العاصف بانهيار الاتحاد السوفييتي وحلفائه، فانه "رب ضارة نافعة" فالزلزال يحتّم على كل حزب شيوعي ان يستخلص النتائج الصحيحة وان ينظر الى نفسه بالمرآة بعين فاحصة جدية ويسأل نفسه عن مدى مصداقية منهجه ونهجه في ملاءمة قضايا واقع مجتمعه المتغير، مدى قيامه بمهمته في الدفاع عن قضايا وهموم الجماهير السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومبادراته في الدفاع عن المظلومين.
الحزب الشيوعي البرتغالي من الاحزاب الشيوعية العالمية الذي استوعب بشكل جيد وصحيح خصوصية مرحلة ما بعد الانهيار دون ان يتراجع قيد انملة عن ايديولوجيته الفكرية الماركسية اللينينية الخلاقة وعن هويته الطبقية كحزب ثوري مناضل ضد الظلم ومقاتل من اجل العدالة الاجتماعية والاشتراكية. وقد اثبت هذا الحزب بسياسته وممارساته ليس فقط ان الشيوعية لم تمت، بل هي اهل للحياة والتطور واكتساب حاضنة جماهيرية واسعة يزداد عددها باستمرار. وحزب يلتصق بالجماهير وبقضاياها وهمومها يكتسب ثقة ودعم هذه الجماهير له.
وهذا ما لمسناه وشاهدناه في المهرجان الاحتفالي للحزب الشيوعي البرتغالي وصحيفته "افانتي". فاكثر من مئتي الف انسان، من رجال ونساء وشبان وصبايا شاركوا في هذ المهرجان. وحزب قوي تنظيميا وسياسيا يستطيع تنظيم مثل هذا المهرجان الجماهيري الواسع.
وما يبعث على التفاؤل ان اكثر من ثمانين في المئة من المشاركين في المهرجان هم من الشباب دون سن الثلاثين عاما، وهذا مؤشر لمستقبل زاهر للحزب الشيوعي البرتغالي. فهذا المهرجان لا يعكس فقط الدعم المعنوي السياسي للشيوعيين البرتغاليين، بل يعتبر مصدر دخل ودعم مادي محترم للحزب، اذ ان بطاقات الدخول للجميع مدفوعة الاجر.
لقد استمعنا من خلال المهرجان ومن خلال محادثات خاصة مع السكرتير العام للحزب الشيوعي البرتغالي ورئيس تحرير صحيفة "افانتي" ومن مسؤول العلاقات الخارجية للحزب الى معطيات وحقائق عن تطور الحزب ونشاطه السياسي والنقابي والاجتماعي. فمن المعطيات الهامة ذات الدلالة السياسية الهامة ان الحزب الشيوعي البرتغالي تزداد عضويته باستمرار من خلال انضمام مناضلين جدد، غالبيتهم من العمال والشباب. فخلال الفترة من آذار الفين وخمسة حتى آذار الفين وستة انضم الى صفوف الحزب الشيوعي البرتغالي اكثر من ثلاثة آلاف عضو جديد، ثلاثون في المئة منهم شباب دون سن الثلاثين عاما، ومن آذار الفين وستة حتى نهاية شهر آب الفين وستة انضم الفان ومئتان وخمسون رفيقا ورفيقة جددًا للحزب. وفي الانتخابات البرلمانية الاخيرة خاض الحزب الشيوعي البرتغالي الانتخابات البرلمانية بتحالف مع "حزب الخضر" وحصل على اربعة عشر مقعدا من اصل مئتين وثلاثين مقعدا في البرلمان، للشيوعيين اثنا عشر مقعدا وللخضر مقعدان، وزاد الحزب تمثيله البرلماني بنائبين جديدين.
وينشط الحزب الشيوعي البرتغالي، كحزب في المعارضة، ضد السياسة اليمينية لحكومة تحالف قوى اليمين مع الحزب الاشتراكي الدمقراطي البرتغالي في شتى المجالات السياسية والنقابية والاجتماعية. فالحزب الاشتراكي الدمقراطي يقوم في السلطة بخدمة السياسة الاقتصادية اليمينية النيولبرالية، حيث جرت خصخصة الشركات والمرافق الاقتصادية التابعة للقطاع العام والمربحة عمليا، بيع هذه الشركات والمرافق للقطاع الخاص، للرأسمال الخاص المحلي والاجنبي. كما جرى تقليص ميزانيات الخدمات العامة، الصحة والتعليم والرفاه الاجتماعي، والعمل على خصخصتها تدريجيا. ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، كما اكد لي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي البرتغالي ورئيس دائرة العلاقات الخارجية في الحزب، الرفيق أنجيلو الفيس، اثناء محادثتنا، هنالك هجمة منهجية على المكتسبات النقابية للعاملين وعلى الضمانات الاجتماعية وذلك في اطار السياسة النيولبرالية المنتهجة و"عدم تدخل الدولة في الاقتصاد"!! الامر الذي ادى الى تخفيض مستوى معيشة الفئات الاجتماعية المسحوقة، ومَن للمسحوقين والعاملين غير الشيوعيين في الدفاع عن قضاياهم! وحسب ما اكده لي مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي البرتغالي فان حكومة اليمين الاشتراكي تطرح على اجندة البرلمان تعديلات قانونية جديدة لضرب المكاسب النقابية للعاملين، الغاء اتفاقات العمل الجماعية، ولهذا فبمبادرة الحزب الشيوعي البرتغالي من خلال وجوده الفاعل والمؤثر في النقابات، سيجري في الثاني عشر من شهر تشرين الاول/ اكتوبر القادم تنظيم اضرابات في جميع ارجاء البرتغال وعقد اجتماع مركزي احتجاجي في العاصمة لشبونة، ضد هذه التعديلات ومن اجل المحافظة على الحقوق النقابية والضمانات الاجتماعية للعاملين. كما انه يجري اعداد حكومي لادخال تعديل على قانون الحريات الدمقراطية، تعديل يطالب بالغاء المهرجان السنوي لصحيفة "افانتي" الشيوعية بحجة انه يدر دخلا ماليا كبيرا. والحزب الشيوعي البرتغالي على ثقة بافشال اتخاذ قرار في البرلمان معاد للدمقراطية وللشيوعية، وسيشن حملة سياسية – شعبية لدفن هذا التعديل الخاص المعادي لصحيفة الحزب وللحزب.
عندما تحدث مسؤول العلاقات الخارجية عن الانياب المفترسة للسياسة النيولبرالية المنتهجة قلت له، انت تتحدث عن اسقاطات السياسة النيولبرالية المأساوية اجتماعيا في البرتغال وكأنك تتحدث نيابة عني عن المآسي الاقتصادية – الاجتماعية للنيولبرالية في اسرائيل وعن خيانة وانتهازية الاحزاب الاشتراكية الدمقراطية الاصلاحية للطبقة الكادحة وخدمتها لمصالح ارباب الرأسمال الكبير وسياسة اليمين، فحزب "العمل" عندنا في اسرائيل لا يختلف بمواقفه السياسية والاجتماعية والاقتصادية عن الحزب الاشتراكي الاصلاحي الانتهازي في البرتغال.
التضامن الاممي مع المظلومين والمقهورين في كل مكان في صلب السياسة المبدئية المنتهجة للحزب الشيوعي البرتغالي. وتحظى قضايا الشرق الاوسط ومشاكله باهتمام خاص لدى الحزب الشيوعي البرتغالي. فالحزب الشيوعي البرتغالي لا يتأتئ في موقفه المناصر للحقوق الوطنية الشرعية الفلسطينية، لحق هذا الشعب في الحرية والاستقلال الوطني واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين، كما لا يتأتئ في ادانته لجرائم الاحتلال الاسرائيلي والمطالبة بزواله. كما لا يتأتئ في ادانته للحرب العدوانية الاسرائيلية – الامريكية على لبنان. وقد نظم المظاهرات الحاشدة ضد العدوان على لبنان وغزة وتضامنا مع الشعبين اللبناني والفلسطيني. وفي اليوم الاختتامي للمهرجان الذي حضره اكثر من مئتي الف انسان نظمت في مركز المهرجان ندوة تضامن مع فلسطين ولبنان تحدث فيها مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي البرتغالي، انجيلو الفيس، وعضو قيادة الحزب الشيوعي اللبناني البير فرحات وسفيرة فلسطين في البرتغال رندا النابلسي وكاتب هذه السطور ممثلا عن الحزب الشيوعي الاسرائيلي.
ان احد المبادئ التي يتمسك بها الحزب الشيوعي البرتغالي هو العمل لتوثيق علاقات التضامن، والنشاط التضامني والتعاون بين جميع القوى المعادية للامبريالية وللطابع الهمجي للعولمة الرأسمالية، وان الضمانة لتقوية هذا التضامن هو تقوية الاحزاب الشيوعية وتضامنها.
وحقيقة هي ان نجاح أي حزب شيوعي في أي مكان وما يحرزه من مكاسب تصب في صالح شعبه يعتبر مكسبا لجميع الشيوعيين والاحرار في اي مكان. ومن حضر وشارك في مهرجان الشيوعيين البرتغال الاحتفالي لا شك بانه خرج من المهرجان مشحونا بالعزيمة والتفاؤل الواعي وان العلم الاحمر سيبقى شامخا بعلوه ابدًا وابدا.

#احمد_سعد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات